مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 4277 - 2013 / 11 / 16 - 22:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ بداية الثورة بدأ البحث عن الحل السياسي للصراع المفتوح بين النظام والشعب في سوريا. وشكلت الدعوات العربية والدولية للحل السياسي, جوقة غير منسجمة, لملء الفراغ السياسي الذي أغلقه النظام, بوقوفه ضد أي حل سياسي سلمي.
لكن بعد أكثر من عامين على انطلاقة الثورة السورية, تبدو المحاولة الأمريكية والروسية أكثر جدية لعقد مؤتمر جنيف(2), لحل "الازمة السورية" كما يسمونها, وضرورة ايجاد مخرج سياسي في سوريا, وخاصة بعد اتفاقهما "الملغوم" على تجريد سوريا من أسلحتها الكيميائية, والذي يُعد نصرا كبيرا لأمريكا واسرائيل.
لقد مر على مؤتمر جنيف(1) أكثر من عام, (حزيران-2012), الذي دعا إلى تطبيق خطة "كوفي أنان", والتي تتضمن " وقف والقتال والعنف بكل أشكاله, ومن كل الأطراف. وسحب القوات العسكرية من التجمعات السكنية المدنية. وضمان تقديم المساعدات لكل المناطق. والافراج عن المعتقلين", وضمان حرية الصحافة, واحترام حرية التجمع والتظاهر السلمي. الخ من الكلام الانشائي الجميل. وكذلك دعا المؤتمر إلى "عملية انتقال سياسية", "وتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بكامل سلطتها التنفيذية". ولم يُحدد البيان مصير الطاغية, لكي يستمر الخلاف حول تفسير البيان ومقاصده.
لكن لم يتم تنفيذ أي شيء. لماذا؟. ببساطة, لأن "مجموعة العمل الدولية حول سوريا" بقيادة أمريكا لم تقدم أية اجراءات عملية لتنفيذ بيان المؤتمر, والنظام لا يمكن أن ينفذ أي من بنود المؤتمر طواعية. كما أنه من المستحيل تشكيل حكومة انتقالية, تتمتع بكامل الصلاحيات بوجود الطاغية على رأس السلطة, أو حتى وجوده على أية بقعة من الاراضي السورية.
رحل "عنان" وجاء "الابراهيمي", وأصبح الصراع العسكري أكثر عنفا, ودخلت عناصر القاعدة من النظام والمعارضة إلى ساحة الصراع, واختلطت الأوراق, وبلغ عدد الشهداء مئات الآلاف, وملايين اللاجئين والنازحين, الذين ازدادت معاناتهم, الى حد الموت جوعا.
في مثل هذه الاوضاع, تأتي الدعوة إلى جنيف(2), والصراع العسكري على الأرض, يراوح في المكان منذ أكثر عام, بحيث أن النصر العسكري لأي من الطرفين يبدو مستحيلا, على الأقل في المرحلة الراهنة.
وبنية النظام لم تتغير, إنما ازداد عنفا, وتدميرا للمدن والبشر. إلا أنه يشعر بالانتعاش بعد صفقة الكيماوي, وضمان تحول امريكا إلى الموقف الروسي المدافع عن النظام. وقبوله لحضور مؤتمر جنيف بدون شروط, هي مراوغة أولية, سرعان ما سيضع شروطه بالتدريج, مثل. أنه لن يحاور الارهابيين, أو المعارضة المرتبطة بالخارج, ومصير "السيادة", أي أن مصير الطاغية غير قابل للحوار. الخ. باختصار مازال النظام يرفض كل الحلول السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى تنحيه عن السلطة. ومازال يخطط لتجديد معارضته, وتفصيلها على مقاسه, من الاحزاب التي شكلتها المخابرات السورية منذ اكثر من عامين, والرموز القديمة في "الجبهة التقدمية" الحاكمة. وربما يحتاج إلى بعض الرموز من "هيئة التنسيق", التي أعلنت استعدادها لحضور المؤتمر, وأن وفدها جاهز لذلك.
بالمقابل, المعارضة السياسية الممثلة بالائتلاف. ورغم الخلافات الداخلية, والهوة الموجودة بينه وبين الكتائب المسلحة, ووجود بعض الافراد أو المجموعات التي يمكن أن تقبل بالحوار مع النظام, إلا أن الائتلاف بهيئته العامة, لن يقبل بالتخلي عن ثوابت الثورة, وجذرها الأساس اسقاط النظام. أو على الأقل تنحي الطاغية وعائلته, وأركان سلطته. الذي يعني فتح البوابة الرئيسية لانتقال تدريجي سلمي نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية. واسقاط النظام بالكامل يأتي بالتدريج دون أن يتم تدمير الدولة السورية.
فالنظام لا يقبل إلا بالحل السياسي الذي يضمن استمراريته. والمعارضة لا تقبل إلا برحيل رأس النظام كمقدمة لا بد منها لأي حل سياسي. وهذا يعني استحالة التوصل إلى حل سياسي في المرحلة الراهنة. وخاصة أن الكتائب المسلحة أعلنت رفضها القاطع لأي حل سياسي لا يتضمن رحيل الطاغية. فما هي الاسس التي يتم الاستناد اليها في الدعوات الراهنة لمؤتمر جنيف؟
بالأساس, البحث عن الحل السياسي لا يكون في أروقة الامم المتحدة, أو الجامعة العربية. إنما في ساحة الصراع العسكرية على الأرض السورية. وكل المواقف الدولية والعربية تعبر عن موقفها, نتيجة قراءتها لمسار هذا الصراع على الارض. وهذا هو منطق الثورات المسلحة في العالم كله, حيث الموقف العسكري هو الذي يفرز الحلول السياسية المؤقتة أو النهائية, في اللحظات المفصلية الهامة خلال مسار الثورة, وليس العكس.
وتجربة الثورة السورية تُشير الى ذلك بوضوح. قبل الثورة لم يكن موقف الانظمة العربية والدولية معاديا للنظام السوري. إلا أنه مع تقدم الجيش الحر على الأرض بسرعة, خلال الاشهر الأولى من عمر الثورة المسلحة, تحول الموقف العربي والدولي, ليصبح معاديا بشكل مباشر للنظام السوري, واتخذ العديد من الإجراءات, والعقوبات, ضد النظام, وطالب برحيل الطاغية, وتم تزويد المعارضة ببعض الدعم اللوجستي والعسكري. ورغم أن هذا الدعم لم يكن كافيا لإسقاط النظام, لكن كان من الممكن أن يزداد أكثر لو أحرز الثوار نتائج نوعية وتم ترجيح ميزان القوى على الأرض لصالح الثورة. وهذا الدعم لا يعني أبداَ أن الدول العربية والغربية, مهتمة بالثورة والشعب, بقدر اهتمامها باحتواء الثورة إذا قاربت على الانتصار. وهذه نقطة جوهرية في تفهم الموقف الدولي وخاصة أمريكا.
لكن عدم قدرة المعارضة على ترجيح ميزان القوى لصالحها, ومراوحة الصراع في المكان منذ أكثر من عام, جعل الموقف الدولي يتراجع ليقف في الوسط. وان حصار امريكا والغرب, للمعارضة وعدم السماح بتزودها بالسلاح النوعي, وعدم جدية الغرب في دعم المعارضة لإسقاط النظام, يُشير إلى أن من مصلحة الغرب الحفاظ على هذه المراوحة, حتى يستمر النظام والثورة, في حالة استنزاف مستمر, وهي الحالة المثلى لإسرائيل.
وجاءت صفقة الكيماوي مع النظام منقذا لأمريكا. لأن الصفقة بالنسبة لأمريكا واسرائيل أهم من الشعب السوري وثورته وشهدائه. وهي فرصة لأن تلعب مع الروس, لملء الفراغ السياسي والاعلامي على المستوى الدولي, للصراع المفتوح في سوريا. والبحث عن ترضية وهمية للنظام, كجائزة لتخليه عن الاسلحة الكيمائية.
ومع معرفة الجميع بصعوبة التوصل إلى الحل السياسي السلمي . لكن يبدو أن أمريكا وحلفاء النظام بدعوتهم الحثيثة لعقد مؤتمر جنيف, يحاولون بخبث جر المعارضة السياسية لطاولة النظام, والذي سيؤدي إلى المزيد من تفتت وانقسام المعارضة. ثم بعد ذلك يتم محاصرة المعارضة المسلحة, باعتبارها منظمات ارهابية, والسعي الى تصفيتها. والتصريحات الامريكية حول ضرورة رحيل الاسد ونظامه, ليست أكثر من تصريحات إعلامية, للتميز عن الموقف الروسي.
ورغم كل التدخلات الخارجية في مسار الثورة السورية, إلا أنه ليس من الصحيح, أن الثورة أصبحت بالكامل لعبة بيد الخارج, أو دمية صناعية يتم التحكم بها آليا من الخارج. بمعنى آخر, الحل ليس بيد الخارج كما يحلو للبعض الذي يريد أن يضع كل أوراق الثورة بيد الخارج, ثم يشتمون هذا الخارج الذي لا يعمل الا لمصالحه الخاصة.
قد يحاول هذا الخارج, إرسال قواته العسكرية ليحارب إلى جانب النظام, كما تفعل ايران وعملائها في المنطقة, وقد يحاول الغرب حصار الثورة, وتجفيف منابع تمويلها, وتشويه سمعتها في الخارج, إذا رفض الثوار الذهاب الى طاولة النظام, في جنيف أو غيره. لكن هذا كله لن يُوقف الثورة, رغم تأخر انتصارها.
فالطريق مسدود أمام أي حل سياسي في المرحلة الراهنة. وبالتالي إن عُقد هذا المؤتمر فلن تكون نتائجه أفضل من جنيف(1). وكل من يحضر من المعارضة مؤتمرات كهذه التي, تعمل على تجديد النظام وليس اسقاطه, فإنه يغمر نفسه في مستنقع النظام.
فالعائق الرئيسي أمام الحل السياسي هو النظام, وليس المعارضة التي ترفض الحوار على طاولة النظام. والثورة السورية هي بالأساس ثورة سياسية. ومن الطبيعي أن يكون البحث عن الحل السياسي السلمي هدفها الاساسي. لكن قدرها ان يتحول صراعها السلمي مع السلطة, ليس إلى صراع مسلح فقط, إنما إلى صراع وجودي, ومفتوح. وبالتالي انعدام أي حل وسط بين الشعب والنظام. و الحل السياسي عند الشعب لم يعد ممكنا برعاية الطاغية, إنما يبدأ هذا الحل برحيله. وهذا الصراع المفتوح في سوريا لا يمكن إغلاقه, إلا بتنحي الطاغية, حتى لو استمر الصراع لسنوات طويلة. لأن الطاغية رغم قوته العسكرية المتماسكة, لم يعد يملك, مفاتيح الحل السياسي-العسكري في سوريا, ولن يكون قادرا على ذلك في المستقبل. فالمستقبل للشعب وليس للطغاة. هكذا يُحدثنا التاريخ.
والحل السياسي الحقيقي لن يبدأ إلا بعد أن يميل ميزان القوى العسكري لصالح المعارضة العسكرية على الارض. وهذا لن يتم إلا عبر توحيد جهود المعارضة السياسية, وأن تعمل بالتوازي مع الجيش الحر, من أجل ردم الهوة بينهما, ودعم الجيش الحر, من أجل ترجيح ميزان القوى على الأرض لصالح الثورة.
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟