|
لماذا ننتقد الإسلام!؟
ميلاد سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 07:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا ننتقد الإسلام وحده!؟
دائمًا يواجهنا أغلب الزملاء المؤمنين المتدينين بهذا السؤال وغيره من الأسئلة التكميمية/ الإقصائية، والتي في مضمونها أن الدين الاسلامي خط أحمر، محجوز في المصباح العجيب والسرداب السري ولا يتكلم عنه/ فيه سوى فرسان المعبد دون سواهم!؟! وقد يُبالغ أحدهم في عصبيته فيقول "طب انتوا مالكوا ... مش إنتوا سيبتوا الدين عشان خوازيقه ذي ما بتقولوا؟؟ سيبوا لنا الدين خليكوا فى حرياتكم الخالية من الخوازيق"، وكأن حضرته يعيش في كوكب فضائي ولا يرى التدخلات السافرة الوقحة من رجال الدين في حياته اليومية أو في المجتمع أو في القانون نفسه!؟. أو كأنني أعيش في "صُوبة زجاجية" ولا اتأثر بكل ناموس ذلك المستنقع الذي أعيش فيه.
مفهوم الدين ككل، سواء كان سماوي مقدس أو أرضي وضعي، حسب التصنيفات الشهيرة، أو أي فكرة أو مذهب أو مُعطى إنساني، في زمان ومكان، ليس فوق النقد، ما يدين به الفرد وتسير حياته من خلاله، كل ما يمس حياة الناس ويؤثر فيها ويتأثر بها، سواء بالسلب أو الإيجاب، يجب إخضاعه للنظر والملاحظة والمناقشة والنقد، حتى يتم إستيعابه بشكلٍ واضح. سواء لبيان فوائده، أو تجنب أضراره، لبيان قصوره أو تطويره وبلورته في صياغة جديدة. والملحد أو أي شخص صاحب موقف من الدين، لا ينتقد الإسلام كراهية، وعِندًا، وتربصًا، ومؤامرة كما يتوهم البعض، بل نتيجة لما فعله فهم الناس للإسلام، تلّون خطاب أغلب علمائه وتطرف شيوخه الأفاضل، وما نلقاه منهم مِن تدخل وطغيان في الحياة بشتى الأشكال، فأصبحت الحياة من حولنا يتم صبغتها بالوهابية وأسلمتها تدريجيًا، دون أدنى إحترام لصاحب أي دين أو فكر أو معتقد آخر. نتيجة ذلك التحريم لكل شيء، والمنع القسري لأي شيء، بسبب وجود مادة دستورية، توهم الأغلبية، أن البلد بلدهم. دون أي إحساس أو إعتراف بفكرة مواطنة، أو عدالة، أو حريات لأي شخص. نحن ننتقد الإسلام، لأن ملصقاته وآياته وأذكاره، وخُطب شيوخه أمامي في وسائل المواصلات العامة، وفي الجرائد والمجلات والقنوات الأرضية والفضائية، وصوت الأذان يطادرني أينما ذهبتُ. أعيش في بلد تقدم نفسها بإعتبارها دولة إسلامية، فهل اترك القضية الأكبر، وأذهب لأنتقد البوذية والمانوية والمزدكية!!؟.
ثم يصدمنا مؤمن آخر، بسؤال أشد سذاجة وحُمق، فيقول "المجتمع ده انتوا جزء منه ولستم معفيين من المسؤلية.. ماذا فعلتم لتغيير الأوضاع وتغيير المجتمع اكثر من الشتيمه والجهاد الفيس بووكب!؟ بدلا من لعن الظلام حاولوا تغيروا الواقع المزرى اللى البلد فيه!؟". غريب أن حضرته يسألنا ماذا فعل الملحدين للمجتمع، وكأننا منظومة أو مؤسسة أو حزب له برنامج وخطة مرحلية!؟، أو نتلقي تمويلات من جهة ما لفعل وتنفيذ مشروع ما!؟. أو كأننا شركة رأسمالية لتصنيع الحديد والصلب!؟. كيف أخدم المجتمع، وأنا لا أأمن على حياتي في أي وسط وتجمع أتواجد فيه!. الدستور والأديان لا يعترفا بوجودي ولا أهمية لحياتي عندهما!؟، وأنا مهدد بالسجن والقبض عليّ في أي وقت، بسبب طريقة ومنهج تفكيري ومعتقدي وكتاباتي؟ كيف أغيّر في مجتمع يرفض الآخر بإستمرار، ويُقدس كل ما هو متشابه نمطي تقليدي!!. أنتم جهاز الدولة المنوط بالإصلاح والتغيير والتطوير، ونحن مجرد مواطنين نقدم أراء واقتراحات لعل وعسى يستمع لها أحد.
وهنا يأتي سؤال على نفس المستوى الساذج، فيقول "أنت بتنتقد وتشتم حاجة مش موجودة أصلا... إييه العبث دا... أنت غير معترف بوجود الله وبتتكلم عنه ليل نهار!؟". أولًا، كل إنسان حر، ينتقد ما يختار ويريد من موضوعات على ساحة الوعي. ثانيًا هل تفنيدي ونقدي لشخصية أحد أبطال البوكيمون أو ألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد البحري، يعني إيماني بوجودها بالفعل وتأثيرها في حياتي. وأخيرًا، "الإله" فكرة مفهوم معرفي، منتج بشري، في زمان ومكان، يتطور في كل حضارة وبيئة من فترة لأخرى حسب السياق. بالتالي إنتقاد الملحد لتلك الفكرة لا يعني إعتراف وإيمان بوجود الإله إطلاقًا، هو فقط يفكك ويحلل ذلك الخطاب الرسمي المقدس الذي تقدمه أنت، وتؤمن به، وتجادل وتناظر للحصول على ثوابه، وتموت وتقتل من حولك لأجله إن لزم الأمر.
وهنا تأتي الصدمة المعرفية الكبرى، حينما يقول "أنا عيشت فتره فى أوروبا واعرف هناك ناس ملحدين كتير، ولا واحد منهم تهكم او سخر من دينى او اى دين تاني.. وهى ديه الحريه -اللى للاسف شعب مصر مش فاهمها - انت ملحد حريه شخصيه وعلى عينى وعلى راسى بس في بيتك.. وممكن نكون صحاب كمان - بس ارجوك متسخرش من دينى ومعتقداتى - أنت كدا مش بتحترمني أنا". وكأن هذا الشخص مُلم بكافة المجلات والصُحف النقدية والقنوات التلفيزيونية التي تتحدث عن الأديان، ولم يجد فيها أي نقد أو هجوم على الدين مثلا!؟. أو كأن الملحد في الغرب يعيش نفس حالة التوتر والضغط النفسي، التي يعيشها نظيره في الشرق الأوسط، وسط السيوف والخناجر، بين الحَسبة والأمر بالمعروف!؟. هناك قانون علماني ومواطنة تحمي حياة كل شخص، و تسمح بتعددية الأفكار ومدارس النقد، هناك لا يعتبرون أفكارهم ومعتقداتهم جزءٍ منهم أو مقدسات مصمتة. بل فضاء مفتوح للأخذ والرد، والشد والجذب، في حوار إنساني متصل غرضه مشاركة المعرفة. في ظل الأمن والحرية التي تتساوى على الجميع.
#ميلاد_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإلحاد حق إنساني
-
التهمة.. شغل عقله
-
العكاز الثقافي
-
فئران لا تأكل الجبن
-
ثقافة ما بين الساقين
-
ثقافة الفهلوة
المزيد.....
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|