|
تراتيل سورية .. التحالفات السياسية 1 / 2
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 12:44
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
حول التحـالف : التحالفات تعبير عن ارتقاء في العملية السياسية . لكنها ذات حدين . حد يقوى به الوطن ، ويرتفع مستواه ويزدهر . وحد يضعف به الوطن ، وتنحدر قدراته ويتهدد وجوده . وهي ليست دائمة أو مستقرة . إذ ما أن تتغير الظروف ، والمصالح ، والغايات ، فإنها تتغير أو تتلاشى . الدائم والمستقر منها ، هي التي تستند إلى خلفية مشتركة .. وأهداف كبرى مشتركة . ولتحديد تموضع التحالف في أي حد من الحدين ، ينبغي التدقيق ، في مدى مطابقة ، أو عدم مطابقة ، ما يقوم به التحالف ، مع مصالح الشعب الأساسية والوطنية ، والتدقيق في مآلات ما يقوم به ، من منافع أو أضرار بصورة عامة ولأن التحالف وسيلة لتحقيق غايات ، يقتضي التذكير ، أن الغايات النبيلة لا تتحقق إلاّ بالوسائل النبيلة .
وعلى أي حال ، تعتبر التحالفات بين القوى والحركات السياسية ، استجابة للضرورة ، لاستكمال وتعزيز القوى الذاتية ، وتوفير امكانيات أوسع ، لتحقيق الأهداف ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . أو لاتقاء عدوان خارجي . أو للدفاع عن الوطن إن حدث هذا العدوان .
في مرحلة الاستقرار ، تقوم التحالفات ، بشكل عام ، بين قوى اجتماعية طبقية وسياسية متجانسة ، في البنية والمصالح ، وخاصة فيما يتعلق بنمط الاقتصاد ، وآفاق النمو ، وتوزيع فائض القيمة في الناتج الاجمالي .. ألخ .. وفيما يتعلق أيضاً ، بشكل ونوعية الحكم الذي يقوم بإدارة ، وتطوير ، بنى الدولة التحتية والفوقية ، والإدارية ، والخدمية ، والاقتصادية ، والدفاعية . وفقاً لما تقرره القوى السائدة ، عبر ما هو معمول به من آليات التعبير وصنع القرار . أما عندما يصبح الوطن في خطر جدي ، أو ينقض عليه العدوان ، فإن الأمر يتطلب من التحالفات ، المتمايزة ، والمتعددة ، أن تتلاقى ، وتشكل تحالفاً عاماً ، لتحقيق الوحدة الوطنية ، ولتأمين حشد الطاقات ، من أجل الدفاع عن الوطن وحمايته . إن التاريخ السياسي السوري المعاصر ، يقدم المثال في التحالف في المرحلتين . غير أن هذه المقاربة للتحالفات السياسية في سوريا ، ليس القصد منها هو التأريخ ، وإنما إضاءة المنحى الذي سلكته هذه التحالفات ، بوجهيه ، الإيجابي ، أوالسلبي ، وفي أي حد من الحدين الآنفي الذكر ، كان تموضعها .
التحالف في مرحلة الاحتلال الأجنبي :
في مرحلة الاحتلال الفرنسي للبلاد ، كان التحالف وطنياً واسعاً ، ضمن إطار " الكتلة الوطنية " 1922 - 1946 . وكان من أبرز قادتها ( شكري القوتلي . إبراهيم هنانو . صالح العلي . سلطان باشا لأطرش . محمد الأشمر . فارس الخوري . سعد الله الجابري . هاشم الأتاسي ) . وقد قادت " الكتلة الوطنية " الفعاليات السياسية والمسلحة والجماهيرية ، حتى تم طرد الاحتلال الفرنسي .. وانتزاع الحرية .. 17 نيسان 1946 .. وبناء دولة الاستقلال ..
الملاحظة الأولى في المشهد السوري السياسي آنذاك ، أن جماعة الأخوان المسلمين ، والحزب الشيوعي ، والحزب القومي السوري الاجتماعي ، كانوا خارج " الكتلة الوطنية " . الأخوان المسلمون كانوا لايخفون هواهم مع السياسات البريطانية ، والشيوعيون كانوا يتفاخرون بانتمائهم إلى الأممية الشيوعية التي تقودها روسيا السوفييتية . والقوميون السوريون كانوا يحبذون النمط النازي الحديد الألماني ، ويدعون لمجاراته في بناء الدولة . والملاحظة الثانية ، أن العالم آنذاك كان تحت هيمنة الدول الآمبريايلية العظمى . وكانت روسيا السوفييتية منخرط في مرحلة بناء نظامها الاشتراكي . ما يعني أن نضال " الكتلة الوطنية " كان بدون جدار .. بدون حليف دولي .. يدعم أنشطتها وأهدافها . وتعاطفها مع المحور النازي المعادي لفرنسا وبريطانيا أعداء البلاد ، في الحرب العالمية الثانية ، كان عابراً ، ولم يؤثر في خياراتها الوطنية . والملاحظة الثالثة ، هي أن " الكتلة الوطنية " ، قد تأسست وناضلت ضد التدخل والاحتلال الخارجي . وحققت من خلال كفاح شمل كل القرى والمدن السورية .. الحرية والاستقلال .
إن الزعماء والقادة ، الذين شاركوا في النضال التحرري ، بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتناعية ، وقادوا الشعب السوري ضد المحتل لأجنبي ، قد اكتسبوا احترام الشعب وتقديره .. على امتداد التاريخ الوطني .. في الماضي والحاضر والمستقبل .
التحالف بعد الاستقلال :
بعد الاستقلال ، اتجهت القوى السياسية إلى بلورة وتعزيز قواها الذاتية ، وإلى النشاط الحزبي ، وفق برامجها . وكان أول تحالف سياسي كبير ، شبه شامل ، قد ظهر في عهد الديكتاتور أديب الشيشكلي 1951 - 1954 . وكان من أبرز نشاطاته هو ، مؤتمر حمص ( تموز 1953 ) الذي وجه إنذاراً إلى الديكتاتور " لإعادة الأوضاع الدستورية ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، ووقف الحرب الأهلية في جبل العرب " . وقد حقق المؤتمر هدفه بإسقاط الشيشكلي في 14 شباط 1954 .
ثم كان ثاني تحالف كبير في أواسط الخمسينات سمي " التجمع القومي البرلماني " الذي قاد النضال الوطني ضد " حلف بغداد ، المؤلف من ( العراق الملكي ، وإيران الشاه ، وباكستان ، وتركيا ، وفرنسا وبريطانيا ) تدعمه الولايايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، والرجعية العربية . وقد ضم هذا التحالف ، النواب في البرلمان ، الممثلين ، للحزب الوطني ، وحزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الشيوعي ، وكتلة خالد العظم من المستقلين . وفي عهد " التجمع القومي البرلماني " تم تشكيل حكومة وحدة وطنية ، قادت البلاد ضد الحصار الاستعماري الرجعي ، مستندة إلى الجيش الوطني ، وإلى المقاومة الشعبية ، وإلى الوعي السياسي الشعبي الوطني والقومي العالي المستوى . وفي عهد " التجمع القومي البرلماني " وقفت سوريا إلى جانب مصر إبان العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عليها 1956 . وتوجت انجازاتها بإقامة الوحدة القومية مع مصر 22 شباط 1958 . وكانت العمق الحيوي لانتفاضة الجيش الأردني ضد قيادته البريطانية وفي مقدمتها " الجنرال غلوب باشا " 1957 ، ولثورة الشعب العراقي في 14 تموز 1958 ، التي أسقطت الملكية وأدواتها الرجعية العميلة ، وأسقطت حلف بغداد . لقد قام عهد " التجمع القومي البرلماني " على أنقاض نظام ديكتاتوري . وبنى أعمدة مرحلة وطنية ديمقراطية بامتياز . وذلك ليس بالتعاون مع الأجنبي والارتهان لمخططاته ، وإنما بالصدام معه ، بالاعتماد على الجهود الوطني المشتركة .. حكومة وجيشاً وشعبا ً . من أبرز شخصيات تلك المرحلة هم ( خالد العظم ، أكرم الحوراني ، صلاح الدين البيطار، خالد بكداش ، صبري العسلي ، اللواء عفيف البزري ، العميد أمين النفوري ن العقيد عدنان المالكي ، العقيد أحمد عبد الكريم ، عبد الوهاب حومد ، رشاد برمدا ) .
التحالف في زمن الوحدة مع مصر :
في زمن الجمهورية العربية المتحدة 1958 - 1961 ، التي قامت على شرط إلغاء الأحزاب اللاعقلاني في " الإقليم الشمالي " سوريا ، نشأ فراغ سياسي حزبي وتحالفي . ومحاولة عبد الناصر احتواء القوى الشعبية وتعويضها عن الحياة الحزبية ، بإقامة الاتحاد القومي ، قد فشلت في ملء هذا الفراغ . " وما حدث من إجراءات التأميم للمصانع الكبيرة والمصارف ، والإصلاح الزراعي ، كشفت أيضاً خطأ ولاعقلانية مصادرة الحياة الحزبية واحتكارها من قبل السلطة ، فمثل هذه الإجراءات الكبيرة تحتاج إلى منظمات سياسية قادرة على قيادة الطبقات الشعبية لحمايتها . والنتيجة المأساوية لأول تجربة وحدوية كانت ، أن حل التآمر بدلاً عن التحالف . واستطاع حفنة من الضباط ، إسقاط دولة الوحدة ، وتحويل المسار القومي في الوطن العربي ، لحقبة زمنية رديئة ، مازالت مستمرة ، من هزيمة إلى انحدار .. ومن ديكتاتورية إلى دمار .
التحاف في عهد الانفصال :
في 28 ايلول 1961 ، أقام المنقلبون على دولة الوحدة ، بدعم استعماري غربي وعربي رجعي ، تحالفاً ، غير معلن ، بين مجموعة أحزاب ، وتيارات ، مدعمة للانفصال ، ضم بشكل رئيس ، حزب الشعب ، وجماعة الأخوان المسلمين ، وبقايا الحزب الوطني ، والحزب الشيوعي ، وسياسيين مستقلين وضباط مهمشين ، وقطاعات واسعة من البرجوازية المتضررة من إجراءات التأميم ، والملاكين العقاريين المشمولين بالإصلاح الزراعي . وكافة المعادين للنهوض القومي العربي . وقد استطاع هذا التحالف أن يكتسح أغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية 1962 . إلاّ ان ما أقدمت عليه حكومة الانفصال من إلغاء لإجراءات التأميم والاصلاح الزراعي ، قد أدى إلى انفجارغضب شعبي عارم ضد الحكومة ، من أجل هدفين مترابطين ، الأول ، إعادة التأميم والاصلاح الزراعي ، والثاني ، إعادة الوحدة مع مصر . وعلى خلفية هذا الغضب المتصاعد ، نشأت أحزاب " ناصرية " قومية . منها ، الاتحاد الاشتراكي ، الوحدويين الاشتراكيين ن القوميين العرب ، الجبهة العربية المتحدة . وعاد حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحركة والظهور . وقام تحالف ( ناصري - بعثي ) لإسقاط عهد الانفصال ، وعودة الجمهورية العربية المتحدة . وذلك عبر صراع مكشوف ، مع أعداء النهوض القومي التحرري الاجتماعي ، من الدول الغربية الاستعمارية والرجعية العربية . وقد تمكن هذا التحالف من تحقيق القسم الأول من أهدافه ، وهو إسقاط عهد الانفصال في 8 آذار 1963 . وبقي القسم الآخر من الأهداف ، برسم حسم الصراع على السلطة ، بين التيارين المتحالفين ، الناصري والبعثي . ما ينبغي التوقف عنده في هذا التحالف ، هو أن هذا النموذج من التحالف القومي التصادمي ، مع الأجنبي والرجعي ، والحامل للمضمون الاجتماعي ، من خلال تبنيه للتحولات الاجتماعية التقدمية ، شكل تجربة تحمل دلالة هامة ، وهي ، أن التحالف الشعبي القومي التحرري الاجتماعي ، يستطيع أن يحقق أهدافه ، رغم عداء قوى دولية كبرى وعربية رجعية . وذلك من خلال حراك شعبي واسع مؤمن بقضيته العادلة .
الملاحظة الهامة حول التحالف المؤيد للانفصال ، أن معظم من شاركوا فيه من عسكريين ومدنيين ، هم أنفسهم ، صوتوا كنواب في البرلمان أو تحركوا في ميادينهم المدنية والعسكرية ، من أجل إقامة الوحدة مع مصر . والتبرير الذي طرحوه لانقلابهم على الوحدة بسبب تعديات المباحث العامة على الحريات السياسية ، لايتوافق مع خطورة ما قاموا به على الأمن الوطني والقومي ، بل إن ما طرح كان للتمويه على حقيقة رفضهم إجراءات التأميم والاصلاح الزراعي . لقد ارتكبوا خطأ الانفصال باسم الحرية .. وهم الذين وافقوا على الوحدة مع مصر بشرط رئيس .. وهو حل الأحزاب .. وإلغاء الحياة الحزبية .. وذبحوا الحرية مسبقاً ..
*********
أما التحالفات ما بعد 8 آذار 1963 ، فهي أكثر تمايزاً ، في التعدد ، والتنوع ، والتحول ، والتصادم .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم للطفل السوري
-
تراتيل سورية .. حرب لا كالحروب
-
تراتيل سورية .. الاختلاف ..
-
المملكة .. وزمن أفول الامبراطوريات
-
عيد السوريين الأكبر
-
سوريا إلى متى .. وإلى أين ؟ ..
-
الأزمة السورية ولعنة أمراء الحرب
-
ابرهيم ماخوس باق .. لم يرحل .
-
اللحظة السياسية داخل وخارج الأسوار السورية
-
عندما تقع الحرب
-
ضد المذبحة الدولية في سوريا
-
مصر والتحديات الإرهابية والتآمرية الدولية
-
ثورة .. أم انقلاب .. أم ماذا ؟ ..
-
أكبر من مؤامرة .. وأكثر من تدخل عسكري خارجي
-
سوريا بين موازين القوى .. وموازين الدم
-
دفاعاً عن ربيع الشعوب العربية
-
الحظر الجوي .. والسيادة الوطنية .. والديمقراطية
-
سوريا بين الانتداب والحرية
-
الوطن أولاً
-
أول أيار والبطالة .. والأفق الاشتراكي
المزيد.....
-
الجبهة الشعبية في يوم الأسير: الأسرى في قلب المعركة الوطنية
...
-
الفصائل الفلسطينية: سلاحنا للدفاع عن النفس والغزّيون طليعة ج
...
-
م.م.ن.ص// من يمول الإبادة الجماعية؟ ومن يسهلها؟
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي المكتب السياسي :بيان للرأي العا
...
-
بلاغ إخباري للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
-
لا لإعادة تسليح الاتحاد الأوروبي! لا لاتفاقية ترامب – بوتين
...
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 14 أبريل 2025
-
هجوم جديد على الفقراء والعمال بزيادة أسعار الوقود والاشتراكي
...
-
مكاسب الشغيلة المهددة، وتكتيك بيروقراطية المنظمات العمالية،
...
-
في أجواء عائلية حميمية.. الجالية العراقية في فرنسا تحتفي بال
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|