إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 00:47
المحور:
حقوق الانسان
اسمحوا لى أن أتكلم مخترقة بكتابتى تجمُّل الجمل وتشذيب الإحساس المُتعَب، فوقاحة الأحداث المُتعدية حدود خصوصياتنا وأعتاب نفوسنا، قد استنفذت الكثير من الصبر المُخزَن لحاضر مُستهلِك للصبر بكثافة، لغزارة الطعنات النفسية.
*********************************************************************************************************
ففى ظل الأحداث القبيحة بالألم تلك التى نحياها مؤخرا, طل علينا نوع جديد من الإنسانيين, وهم من لهم صورة الإنسانية ولكنهم منكرون قوتها, لهم صورة البطولة وهم فى الحقيقة أقوياء بخيانة الحقائق، متظاهرون بالحب مدافعين عن الدم، وهم فى الواقع متاجرون محترفون بالاثنين، يقضون ساعات طويلة فى إلقاء عظاتهم وخطبهم عن الحق كالحجارة، وهم لا ينصتون إلى الحقيقة، وان استمعوا لا يفهمون وان فهموا يتهربون، فلقد وقع مجتمعنا فى فخ جديد من المتاجرين ممن يستغلون أسمى المعانى كستار لأحط الأغراض، فلقد دمروا أمان الكثيرين وهم داعون لحمايتهم، تسببوا فى قتل العديدين وهم داعون لحياتهم، وهجوا أسباب الحروب وهم داعون إلى السلام، إنهم مدّعون ومتلونون، هم يأكلون على كل الطبالى ومتناقضون، هم يتحدثون عن المثالية وهم منافقون فى كل مرحلة، ولأجل كل كفة رابحة.
يتلذذون بالتلاعب على حبال الكلمات والمبادئ, مستخدمون أوجاع الغلابة فى الدعاية لأنفسهم ويتحججون بدفاعهم عن غيرهم, يبكون تمثيلا ويُبكون الآخرين واقعا، يتحدثون عن ثبات الحقائق، وهم يرتدون أقنعة ملونة حسب احتياجات كل آن، يُعايرون الآخرين بالتضحية لأجلهم، وهم يد مشاركة فى الجريمة ويد تلوح بالسلام، لم يساعدوا الناس ولم ينقذوا الإنسانية، إنما تحدثوا باسمها إلى حد التشويه.
فكما جاء للبشرية متملقو الروحانيات ورجال الدين المنافقون الذين حمّلوا الإنسان فوق طاقته للوصول إلى الله، بُليت البشرية بأشباه الأبطال الذين سفهوا المثاليات وجعلوا منها علكة يتشدقون بها عند حاجاتهم ليتفننوا بوثق الإنسان بأكبال وقيود تمنعه عن ممارسة إنسانيته الحقة، لا يمارسون الآدمية الطبيعية ولم يتركوا غيرهم ينعم بها، هؤلاء ضربوا بتوازنات الحق عرض الحائط، وطعنوا احتياجات الإنسانية فى ظهرها، وحمّلوا الإنسان فوق طاقته مدّعين المثالية، قتلوا نفوسا لأجل شعارات وسحقوا أجسادا لأجل عناوين، فإن الذين بإسم الإنسانية يدعون لرحمة فئة على حساب فئة أخرى هم سرطان فى سمعة الإنسانية وفى صفاتها.
لذا كفى خداع باسم الله والإنسانية، فانا احتاج أن أرى الله فى إنسانيتك الصادقة.
وقد أصبحنا الآن نجد أنفسنا أمام واقع منحط المعايير، فكما انحدر الحال بكلمة "برنس" فى هذا الزمن الأعوج، بعد أن كانت تقال لمن هم أمراء بحق أصبحت تقال بين البلطجية ومن يجهلون رُقى حقيقتها، كذلك لفظ الإنسانية أصبح كرة فى ملعب المُدَّعين والمُقنَّعين، وأصبح لقب يوُزَع على المنتفعين، دون حق، دون إدراك، دون قيمة!، ولكننى أتعجب بالأكثر لمن يستمعون إليهم ولا يفكرون ويتبعونهم ولا يدققون!!!!
فيا إنسانيون هذا العهد الخبيث
آيا من بوظائفكم الخبيثة تحتلون الدفاع عن حقوق الإنسان لدى الإرهابيين، يا أولاد الأفاعى! ألا تبصرون أنهم يأخذون الإنسان منا, وانتم تطالبونا بإعطائهم حقوق، أية حقوق لهم؟ وبأى صفة عن الإنسان تتحدثون؟ إذا كنا نبغى أن نحرر وطن فعلينا أن نحرر أنفسنا، وإذا أرادنا أن نطلق صيحات الحرية علينا ألا نكمم الصراحة فى منطقنا, فكل منهما هو جناح للانتصار على العبودية، لذا لا تتحدثوا عن الصباح ونفوسكم غارقة فى ظلام الليل، ولا تغازلوا الحرية فى تصرفاتكم الصبيانية وأفكاركم مكبلة بعبودية الجهل, ولا تدعون الحكمة واحتكاركم لخطوات الإرشاد وانتم غارقون فى الضلال، أحمق هو من ينتظر من الشيطان توبة فإن كنت لا تعرف الفرق بين الإنسان والشيطان فلا تتحدث بمراهقة عن الإنسانية، وساذج هو من يتفاخر بقطع ذيل الحية مهللا بقتل خطرها متصالحا مع رأسها!, وانتم فى جهل منكم تطلبون بحرية من يحبسوننا خارج السجن, ويقتلونا بافتراس الجسد والنفس.
انتم تنتزعون الحقائق من المنطق عبر الكلمات المٌنمَقة والأقوال المُخادعة، إن حياتنا مشوهة بسبب تنمقكم أيها الحقوقيون، أتمنى حقا لو إنكم تدركون أن للموت أوجه كثيرة وتفعيلات متعددة, فيا أيها الحقوقىّ إن لم تساعد شخص مُهدَد بخطر الموت ومائت من الخوف، فأنت فى تعداد الموتى المحاكمين أمام عدالة السماء والإنسانية.
أيها الحقوقيون المدنسون بدماء ضحايا لم تذكرونهم فى تعاليم هتافاتكم، إن دم ضحايا الإرهاب سيطلبه الله من أيديكم أيضاً، فقد كنتم شركاء متسترون على الجناة وظهر حامى لأفعالهم مما جعلهم يستمرون فى طلقات رصاص السلاح والتعليم.
كم بحثتم عن تميز لكم بين ثنايا شرايين عابرين بهذيان مجدكم الزائف
بحور دماء الآخرين، متغنون بقيمة الدم غير مُصدقين، محرضون علي إنسانية صارخة في حديثكم غير صادقين, أنتم تبحثون عن التميز فى مستنقعات المبادئ الإنسانية وعلى حساب الإنسانية، لا تخشون حقيقتها ولا تخافون عليها.
إن هؤلاء ومريديهم من المزيفين خلقا وفكرا، هم خنازير الإنسانية الزائفة الذين يدعمون الإرهاب بخبث ورياء، يتوقون للتمرغ فى طين الحمأة كلما أخرجتهم وقمت بتنظيف أذهانهم، يرجعون إلى مكانهم الأصلى بكل شجاعة قذرة، هم يفقأون أعينهم ليتعاموا عن الحقائق ليستكملوا نشيد إنسانيتهم الوقح المرهب لامان الإنسانية، هم من يتغافلون عن التاريخ وقواعد البشرية.
حقا إنكم مخنثون فى المواقف والحقائق والتعليم
وتبا لزمن أصبح فيه الدنئ سيد والجاهل مفكر والقذارة سمة دعائية!!!
هل أصبحت الإنسانية تتجزأ حسب الاختلاف فى السياسات والقناعات والمعتقدات؟ أيها الملقبون بالإنسان ومتشبهون بالآدمية والمتحدثون باسم البشرية؟ لماذا إذن تصرخون لأجل إنسانية وتتغاضون عن صراخ أخرى؟!
فاخبرونى أيها المزيفون من أهل حقوق الإنسان يا من تتدخلون فى الشئون الإنسانية وتقفون على منابرها، أيا من جعلتم أنفسكم فى مصاف بقايا البشر يا من تنعدمون القيمة سوى فى دور استكمال الخراب المجتمعى بصورة مُجَمَلَة، ما رأيكم فى ما يحدث للفئات التى تتجاهلون صراخها وأوجاعها، ولا نسمع جعجعتكم القميئة سوى فى الدفاع عن المؤلمين، أين المظلومون المتألمون من جدول اهتماماتكم وكلمات أقوالكم؟ أجيبونا أيا اراجوزات الألقاب والعويل بالهتافات يا من تٌثمنون دم الارهابى وتتغاضون عن دماء ضحاياه، يا من تقفون ضد إقصاء تجار الدم والموت والذعر عرفونا أرائكم بهذا الصدد أين جميع الفئات من شعاراتكم؟ أين التعميم من حساباتكم؟ يا من تدعون السلام، أيا دمى الخشب تحرككم المصالح وينخر فى عروقكم سوس الخيانة، انطقوا الآن بالحق أو فلتصمتوا للآبد, لم نرى منكم سوى استغلال للمبادئ النبيلة والإنسانيات التى استخدمتموها ستار لقبحكم.
كم تُشبهون الدول الكبرى التى باسم حقوق الانسان تسحق الانسان، وباسم الديمقراطية تنفذ أبشع جرائم الديكتاتورية، انتم لستم سوى صورة باهتة من مخلفات أفعالها النجسة، وفتات تعاليمها عالقة بأسنان وعيكم المعاق، فلتصمتوا عن التفوه بالحماقات فانتم اجبن من أن تواجهوا الإرهاب عقلا أو فعلا، إن من يدفع ثمن الإرهاب الحقيقى هو من يُهرَس بين متراسى الإرهاب البيّن لآخرون والإرهاب النفسى الخفى الذى تحملونه لنا باسم الإنسانية، فمن هؤلاء من يُحملنا ذنب معتقداته ومسئولية التوبة عن ذنوبه، وانتم تحملوننا مسئولية تنفيذ مثاليات لا تعبئون لتحمل حرف واحد منها، بل والأدهى إنها مثاليات تحمل أنصاف حقائق عن الحق، انتم تتخفون فى قناع التعقل الذى تضلون عنه منذ أن نَمَت ضروس العقل داخل أفواهكم اللعينة.
فانا لم أرى حتى الآن أنجس من هذا: أن تقوم فئة ضالة لتعهُر بدماء أبنائها وفئة أخرى تدعى الرشد الانسانى تروج لتك الدعارة!
لقد أصبحنا بسبب توجهاتكم نرجو أمان مع أناس لا يرجون السلام، ونتوقع تفهم من أناس يدّعون الثقافة والتحضر.
وانتم أيها المُصفقون المنبهرون بالرنين دائما، يا أيها المتغاضون عن الفهم انظروا الوقائع وأدركوا أن من اعتاد الدماء النفسية تغاضى فقد عن دماء الأرض، لقد زحفتم انتم أيضا خلف غبار مجدهم المُعمى لتجنون من ثمار صدى شعاراتهم وتتغذون على صدأ جُملهم، لقد ظننتم أن الغِنى سهل التدبير وان الفلسفة سطحية التفكير، وخُبلتم بالوقوف فى مصاف المُمتَدِحين علّكم تُمتَدَحون انتم أيضا، واضعين أنفسكم وإياهم فى أعلى درجات المنبر، أما الآخرون ففى آخر صف فى الحضور، حاجبين احترام الفكر عن غيركم مُحقرين ممن خارج فئاتكم!.
لذا أيها المُقنَّع لا تتساهل بالتغنى بالحقائق، فإن لم يكن داخلك صادق فلن يثمر غُناك شيئا بل سيصبح نباحا شيئا فشيئا، وانه لمُغفل من يظن أن الرسالة العظيمة التى يتشدق بخدمتها ويدعى التفانى من اجلها أنها حكر عليه!، وللأسف أن الحمقى كثار، فهناك الكثير ممن يدعون الإحساس والبطولة وهم فى الحقيقة ألغام نفسية وخلايا نائمة فى الغدر.
فكم من نبتة زرعها الفساد السياسى والاخلاقى أثمرت مبادئ مسمومة بالمصلحة والعنف النفسى الاجتماعى؟ كم من الجرائم تٌرتَكَب باسم تلك المبادئ الخبيثة والإنسانية الكاذبة فى مجتمعنا؟ كم رأس لأفعى تنطلق من خادمى حقوق الإنسان المُنتفعين اجتماعيا وسياسيا؟!! وكم من حقوق حرمتمونا منها تحت مسمى حقوق الإنسان؟!!
أيها المتلونون الجُدد تحت غطاء من مسمى مؤثر جديد وهو "الإنسانية"، يا من تغلغلتم فى مجتمعنا بغزو نفسى استطعتم من خلاله أن تبثوا احتيالكم الفكرى على الكثيرين، إن الإنسانية ليست فيها حديث ولا قديم ولا ابتكارات، إن الإنسانية حقيقة ثابتة منذ الإنسان الأول فكفى أن تعبثوا بعقول ونفوس من حولكم بطرق مبتكرة، وكأنكم اخترعتم وأسستم قواعد إنسانية جديدة احتكرتموها على معرفتكم وإحساسكم ومن دونكم هم أنصاف بشر، كفى أيها العابثون المُضللون والأبطال المتصنعون أن تبطحوا أنفسكم على المسميات الكبيرة، لتربحوا أعداد أكثر من تابعيكم وتزيدوا من أصوات تمتدحكم.
وأخيرا أود أن أقول
أن كل من زيّف الحقائق بإسم الله والإنسانية والثقافة مدعيا القداسة وحكر الإنسانيات والتحضر، سيدفع غاليا ثمن زيفه، لان الله لا يعطى مجده لأخر، والإنسانية لا تعطى قدسها للكلاب، ولا التحضر يطرح دُرَره قدام الخنازير، ولن يبقى زيفكم خلف أقنعتهم طويلا.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟