|
7 توصياتٍ بشأن الحركة الإسلامية
محمد الحمّار
الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 21:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظرف محلي يتسم بالاحتقان السياسي الناجم بالخصوص عن الاستقطاب الإيديولوجي الذي يكاد يقسم المجتمع التونسي إلى مؤمنين وكفار، وبعد إطلاعي على مقال السيد راشد الغنوشي المعنون "هل فشل الإسلام السياسي حقا؟ "(نشر في جريدة "الصريح" بتاريخ 11-11-2013 ص 5)، لا يسعني بصفتي تربويا إلا أن أعرض أمام أنظار عموم التونسيين وعلى الأخص منهم أتباع الحركة "الإسلامية" بمختلف أطيافها المشهد التصحيحي التالي كما يتراءى لي:
أولا: لا يجوز لا أخلاقيا ولا حضاريا أن يتواصل تقسيم المجتمع المسلم في غالبيته باسم حركة تُدعَى على سبيل الخطأ وبسبب الفقر اللغوي بالـ"إسلامية" وهو مما حمَل المجتمع، تبعا لهذا النعت، على أن يوظِّف مفردة "إسلامية" على أنها الضد لـ"مسلمة" أو "محلية" أو "أهلية" أو "وطنية"، بينما في تقديرنا لا ضير في أن ننعت كل حركات التقدم المحلية في الوطن العربي الإسلامي بـ"الإسلامية" لكن شريطة أن يكون مدلول الكلمة معادلا لمدلول عبارة "إسلاميك" (باللغتين الفرنسية والانقليزية على الأقل). أما المدلول العربي المعادل لمدلول الكلمة الأجنبية "إيسلاميست"، وهو المعنى الضيق المتداول إلى حد الآن، فهو مصدر البلاء وواحد من معاول التفرقة الذي تستخدمه قوى الشر، وكذلك القوى الذاتية من دون وعي، إن في داخل العالم العربي الإسلامي أم خارجه، لتعرقل كل جهود التوحد والوفاق داخل المجتمع العربي الإسلامي الواحد.
ثانيا: إنّ الحاجز اللغوي والمفاهيمي الموصوف أعلاه لا يتسبب فقط في عدم استقرار الرأي العام على موقف موحد من جملة القضايا الحارقة حتى يتسنى للمجتمع أن يخطط البرامج وينجز المشاريع التنموية، ولكنه يحقن العقل المجتمعي بصفة تُجبر الحزب "الإسلامي" على المزيد من التشبث بـ"إسلاميته" بقدر ما تدفع أيّ حزب غير "إسلامي" نحو الغلوّ في التعلق بمناهضته للـ"إسلامية"، ولعل تعثر الحوار الوطني في بلدنا أحدث دليل على هذا الوضع. لذا يتوجب النظر إلى كل حزب سياسي على أنه إسلامي (بالمعنى الواسع) وحينئذ ستسقط آليا صفة "الإسلامية" (الضيقة) عن الحزب "الإسلامي" ويكون مآلها الإلغاء، سواء كان هذا الحزب اسمه "النهضة" أم "التحرير" أم "نصار الشريعة" أم غيرها.
ثالثا: عندما تتخلص الأحزاب السياسية مما كان يُفرّقها على النحو الموصوف سوف يتوسع مجال النضال السياسي على أرضية متوحدة وبالتالي تقوى حركة النضال الإسلامي بصفتها أصبحت حركة لا تنبثق عن فصِيلٍ بعينه دون آخر وإنما عن مجموع الفصائل والأطياف والأحزاب. وهذا مما لن يتسبب أبدا في تسطيح العمل السياسي أو تكريس العقلية الخِرفانية لدى الطبقة السياسية وإنما سيسمح هذا النهج، بفضل ما يحتويه من توحد قاعدي ومن توسيع نضالي، بخلق مساحات جديدة حمّالة للاختلاف المطلوب في كل حراك سياسي سليم وتعددي.
رابعا: بتوفر التوحد الفكري العام والشمولية النضالية وبتوفر التعددية وقبول حق الاختلاف كنتيجة لهما، يمكن القول إنّ الحركة الإسلامية لا ينبغي أن تبقى مسألة حزب أو اثنين أو عشرة من بين مجموعة حزبية أكبر وإنما يتوجب أن ترتقي إلى نضال مجتمعي بإمكانه أن يُترجَم في حزبٍ بعينه ولكنه لا ينحصر في حزب بعينه. فهنالك فرق شاسع بين أن يناضل الفرد والمجموعة من أجل الارتقاء المرتكز على قيم الإسلام لمّا يكون النضال متحررا من التحزب مع أنه قابل للتبني من طرف حزب في جوانبه السياسية التنافسية والانتخابية من أجل التسابق نحو السلطة، وبين أن يناضل الفرد والمجموعة من أجل تحقيق نفس الهدف حصريا في داخل حزب "إسلامي" لا يمكن أن يتمالك نفسه عن ركوب الدين واللهث وراء السلطة مثلما حصل ما زال يحصل إل حدّ الآن.
خامسا: إنّ أكبر خاسر في عملية الفرز الإيديولوجي بين "إسلامي و" علماني" هو الفكر الإسلامي (بالمعنى النقي والأصلي للعبارة) وكذلك السياسة الإسلامية بالمعنى العام والشامل. فهذا الفرز هو ما دفع الطرف "الإسلامي" (ذي المعنى الضيق والذي مآله الإلغاء) إلى تقويضِ جُلّ المفاهيم والمواقف السياسية الناجمة عن هذه الأخيرة والتي يتبناها الطرف "العلماني" وذلك بصفة تكاد تكون آلية وكاريكاتورية ولا تخلو من السادية والمازوخية.
فالحركة "الإسلامية"، على سبيل الذكر لا الحصر، تتحدث عن تبنيها للقضية الفلسطينية (انظر المقال المذكور) إلا أنّ في الواقع يتعامل رموز الحركة مع اللوبيات الصهيونية ولا ينأون بأنفسهم عن محاولة استدراجهم من طرف بارونات التطبيع إلى الإسهام في هذه العملية الرامية إلى التعامل مع الكيان الصهيوني ذلك على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني وأيضا الشعب العربي بأكمله. والحركة الإسلامية، على سبيل الذكر أيضا، توفد مقاتلين إلى سوريا وتفتي بالجهاد ضد النظام السوري دون تحفظ ومن دون تدارس للأسباب العميقة للنزاع في بلد مثل سوريا، ناهيك أن تنسق مع الطرف "العلماني" أو تحاول تقصي مبرراته التي تمنعه من الإسهام في القتال ضد النظام السوري.
سادسا: إنّ الحركة "الإسلامية" تقيس نفسها بقيم كونية بينما هي قيم استساغها الإسلام، وإن لفظها فلم يلفظها بالتمام والكمال، وهي قيم مثل الحداثة و الليبرالية والاشتراكية و الشيوعية التي تداخلت مع الفكر الإسلامي بما يكفي لتكون جزءا لا يتجزأ منه وبما يكفي لتوطيد انتمائها إلى هذا الفكر. إنّ راشد الغنوشي مثلا، بعد أن قام بعرض خصال الحركة "الإسلامية" كما يراها هو، يقول: "بينما في المقابل تقف الليبرالية المصرية العريقة (...) على أرضية الثورة المضادة (...)" (المصدر المذكور أعلاه)، وكأنّ "الليبرالية المصرية" ليست إسلامية من حيث الممارسة، ولو أنها لم تكن إسلامية النشأة. وما الفرق بين أن يتبنى المسلمون الليبرالية (ذات النشأة الغربية غير الإسلامية) فيُطوّرونها وتصبح مِلكهم، وبين أن تبنى غير المسلمين قديما الخوارزميات أو الطب والجراحة أو فكر ابن سينا وابن رشد وابن خلدون، فطَوّروها مع أنها علوم ومهارات ذات النشأة الإسلامية؟ هل أنّ الليبرالية والحداثة وغيرها من التوجهات الفكرية المعاصرة بمثابة النيازك أو الصواعق التي تنزل من السماء فيحل الخراب على أرض المسلمين بسببها ؟
بل يذهب الغنوشي إلى أبعد من هذا فيفرّغ الفكر الإسلامي (النبيل) من كل المرتكزات الأخرى التي تنضاف إلى الليبرالية وهو الذي كتب: "إننا لا نرتاب في أنّ ما حصل في مصر ليس انتكاسة للإسلام السياسي بقدر ما هو انتكاسة ستجهز على ما تبقى للأسف من تراث ليبرالي وقومي عربي علماني، وذلك ما لم يراجعوا مواقفهم ويؤوبوا إلى رشد" (المقال).
حسب الغنوشي، كأنّ "الإسلامية" شيء وكُلا من "الحداثة" و"الليبرالية" و"القومية" و"العلمانية" أشياء أخرى وما على هذه الأخيرة إلا أن "تراجع نفسها" إن أرادت البقاء وإلا فسيكون مآلها "الإجهاز عليها". والحال أنّ هذه العقائد السياسية من المفترض أن تكون مكونات أساسية للفكر الإسلامي المعاصر و"إرثا مشتركا" للأمة (نستعمل عبارة الغنوشي التي يصف بها الإسلام في مقاله وهو توصيف لا يختلف حوله اثنان)، مَثلُها في ذلك مَثل الإسلام ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تُؤخذ على حِدة وبمعزل عن الوعاء الفكري الأصلي، الذي هو إسلامي أي ملكا للمسلمين كافة وللمجتمع ذي الغالبية السكانية المسلمة، ناهيك أن تُعتبر نقيضا للفكر الإسلامي كما يعتبرها الغنوشي.
سابعا: نعتقد أن ليس هنالك، نظريا، مسلم واحد يناهض الحركة الإسلامية بمدلولها الطاهر والأصلي والشامل. لكن العائق المنتصب بينه وبين استبطان هذا المدلول الصحيح في الممارسة يكمن في أنّ التحوّل من النظري إلى التطبيقي والوظيفي عصيّ لا فقط على الأشخاص والجماعات والأحزاب، أو بخصوص هذا الموقف دون سواه، وإنما التحوّل عصيّ على الثقافة الإسلامية بأكملها، في نسختها الحالية.
ومن أسباب الاستعصاء أنّ تجسيد الموقف الإيجابي من الحركة الإسلامية لا يأتي بواسطة السياسة وإنما بواسطة علم السياسة ومن ورائه بواسطة تطوير باقة من علوم أخرى متصلة. وهل طوّر المسلمون اليوم علوما من شأنها أن تفضي إلى علمٍ للسياسة يُلهم النخب وعامة الناس ويُلهم أحزابهم؟
بانتظار انطلاق حركة إصلاح شاملة يكون توحيدُ المواقف من بين أهدافها السامية، نرجو أن يتم تقبل ملاحظاتنا على نفس المسافة من طرف الأحزاب "الإسلامية" من جهة و من طرف الأحزاب "العلمانية" من جهة أخرى.
#محمد_الحمّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس: المآسي وراء الحوار الوطني الأساسي
-
تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب
-
تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش
-
تونس: الكُتّاب الفاسدون وعودة الرجعية
-
تونس بين الإرهاب والفهم المتجدد للإسلام
-
تونس: اغتيال الأمنيين واغتيال العقل
-
هل سيخرج التونسيون إلى الشارع؟
-
في بلاد ما وراء الشرعية والانقلاب
-
تونس: في ضرورة الانقلاب الثالث
-
تونس: الإسلام بين اليمين و اليسار والحوار بين النفاق والوفاق
-
إدماج الإسلاميين لإنجاح المبادرة الوطنية التونسية !
-
تونس على ذيل وزغة !
-
تونس وكل العرب: اليوم سهرٌ وغدا أمرٌ
-
نحن وأمريكا والربع ساعة الأخير
-
تونس أكبر من الأحزاب وأغنى من النواب
-
الإسلام السياسي فُضَّ فماذا بقي؟
-
تونس ومصر: واقعٌ متأسلم ودامٍ، ونخب منتهية الصلوحية
-
تونس: اقتراح بعث سلطة من الفكر الإسلامي لتعديل السياسة
-
تونس: إنقاذ وطني بلا سلطة للتجديد الديني؟
-
المجتمع والإخوان: طرقُ الباب بلا تطرّق إلى الأسباب؟
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|