|
الطائفيون والإسلاميون
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 08:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتشابك مهماتُ التحول من العصر القديم للجديد، وتبرز عناصرُ الثقافة التقليدية بصورة واسعة، مثلما أن عناصر الثقافة الجديدة نادرة ومحدودة. كلتا الثقافتين الإسلامية والطائفية نتاج التعارض بين العناصر الديمقراطية الجنينية في الإسلام المؤسِّس، والعناصر الغالبة في الحياة التقليدية التي سيطرت على المسلمين. عناصر مثل المساواة بين الأجناس، وتغييب سيطرة الملأ الأعلى وقوى الشمولية، لم تستطع أن تسود في بُنى متكاملة في التاريخ الإسلامي. ولهذا فإن عناصر التوحيد ضعيفة على مدى قرون، فيما سادت عناصر التفكيك، كما أن عناصر الديمقراطية الشعبية لم تعش مطولاً تجاه عناصر الاستبداد. وفي الوقت الراهن تبدو الأمور معاكسة وشديدة التناقض، لتغلب القوى الطائفية السياسية على عناصر التوحيد، مثلما أن قوى الإقطاع تحاولُ إستعادة نفوذها في زمن انهيارها، ولكن عناصر التحديث لم تستطع أن تؤكد حضورها بقوة. الأوضاع التقليدية التي تتعرض للانهيار هي على مستوى بعض الأسس المادية، كعلاقات العائلة، وطبيعة المحافظة الاجتماعية السياسية في الحياة المنزلية الغالبة، وسيادة العلاقات المحافظة في الاقتصاديات القديمة والهامشية، ولكن الموروث الفكري السياسي لم يزل قوياً وتابعاً للعصر القديم. إذا كان الطائفيون السياسيون يفككون الشعوبَ والأمم الإسلامية ويقودونها لصراعات داخلية وجانبية حارقة، فإن الإسلاميين التوحيديين غير مؤثرين بصور واسعة حتى الآن. إن العناصر الديمقراطية التي يحملها هؤلاء شعارية غالباً، ولم تربطْ نفسَها بثقافة العصر من حرية وعلمانية وديمقراطية ووطنية، فالغوص في العصر الإسلامي لم يحدث، ورؤية العناصر التوحيدية في مسائل التعاون الاجتماعي السياسي بين التجار والعاملين والعناصر الفكرية السياسية تجاه حريات النساء وأهمية قوى المنتجين، تُؤخذ بتوجس إن لم تُرفض خوفاً من تمازج مثل هذه العناصر الانسانية بمضامين الاشتراكية الباعثة على الخوف لدى الفئات الوسطى، وهي التي تعملُ في وسط طائفي إجتماعي يميلُ غالباً ليمين غامض لم يعثر على مضامين اجتماعية اقتصادية، معبرة عن طبقة تجار أو صناعيين. بدلاً من العثور على هذه المضامين وهي أمورٌ لا تتشكل إلا في البيئة الاجتماعية السياسية، يكون الأسهل هو ترديد الشعارات العامة الدينية التي تجعل الحركات في عالم الطوائف. لكن الأعمال والمواقف الطائفية السياسية تقود لمزيد من الانهيارات في القواعد الاقتصادية الاجتماعية، فهي تضربُ الأسواقَ بدرجة خاصة، وتندفع الحركات الطائفية السياسية لهدف السلطة والصراع مع القوى المدنية. في التجربة العربية الجزيرية والإيرانية لم يستطع المذهبان الرئيسيان أن ينتجا عناصر ديمقراطية تغير الحياة السياسية والاجتماعية، لتعبيرهما عن القوى السائدة والطبقات الغنية الكبرى وإبقاء الجمهور في التبعية لها، رغم وجود درجات من الانفتاح في المذاهب السنية والإمامية، خاصة في المناطق المدنية، فيما دواخل الجزيرة العربية وإيران القصية يغلب عليها التشدد. حتى الآن لم تستطع العملياتُ السياسية المتجهة للديمقراطية أن توحد الشعوب، لعدم تعبيرها التوحيدي من خلال البرلمانات، والأشكال النضالية السياسية والنقابية المتعددة المنبثقة من إرادة الجمهور العام غير المسيّس طائفياً، حيث يفترض أن يلتقي فيها ممثلو الطبقات والفئات المختلفة والمناطق المتعددة، وتتجمع في ممارساتهم العناصرُ الفكرية والسياسية الديمقراطية وتتحول لبرامج فوق الطوائف، وتتجسد فيها ممارسات طبقات وطنية تعيد تغيير الخرائط السياسية لصالح الوطن الواحد الديمقراطي. في هذا المسار ترتفع الأفكارُ الدينية العامة عن التخندق الطائفي والتحزب المناطقي أو القومي وتظهر كخلفيات حضارية غير مرتبطة بطائفة، بل بشعب، وهي العناصر التي تشكل النزعات الإسلامية والوطنية والليبرالية والتقدمية التوحيدية. لم يستطع ممثلو الوعي الطائفي أن يتقبلوا منجزات الحرية الحديثة والأفكار الديمقراطية الكبرى، وهم في نشدانهم التحول وترديدهم عبارات ديمقراطية عامة جوفاء يسهمون في تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية. إن دور الأفكار الديمقراطية هو فصل القطاعات العامة الاقتصادية السياسية والمذاهب المحافظة المشلة للحراك السياسي الصحي، عن إحتكار جماعات معينة، وعن الجمود التاريخي والصراعات الجانبية. وبهذا فإن كل ممارسة سياسية مرتبطة بطائفة وسواء عبر دولة أو جماعة، فهي تعمق صراع الطوائف، وتعجز عن إنتاج عاصر فكرية وسياسية إسلامية توحيدية، فما هو مذهبي يبقى مذهبياً، فيما العناصر المغايرة تقود لتوحد إسلامي، ووطني، عبر وعي ديمقراطي متجّاوز للطوائف.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يموتُ الشعرُ؟!
-
جرائمُ أميل زولا
-
أبطالُ(الماو ماو) يتسولون في الشوارع!
-
الباديةُ تصنعُ الروايةَ
-
مغامراتُ الثقافةِ الكبيرة
-
أزمةٌ عربيةٌ إسلامية عامة
-
الراقصُ في الرياحِ السياسيةِ
-
يمينٌ متخثرٌ
-
المحافظةُ والحرياتُ
-
النبلاءُ والبذخُ
-
تحدياتُ اليمينِ المعتدل
-
من اليسارِ المتطرفِ إلى اليمين المتطرف
-
نقابيةُ رأسماليةِ الدولةِ الوطنية
-
بؤرةُ الوهمِ حديثاً
-
الأزمةُ والعقلُ
-
بؤرةُ الوهمِ قديماً
-
سحرُ البيانِ
-
القمة المضطربة لأمريكا
-
مصطلحُ (الحرة) الاقتصادي الاجتماعي
-
المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب(2-2)
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|