جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي
(Jassim Al-saffar)
الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 14:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خاطرة في شهر محرم
الدكتور جاسم الصفار
اليوم ونحن في العشرة الاولى من ايام شهر محرم، ومضت في ذاكرتي واقعة شاهدتها في ستينات القرن الماضي. كنت حينها شابا لم يتجاوز ربيعه السابع عشر، معجب بأفكار اليسار والحداثة وغير راض عن تقاليد الماضي وعاداته التي كانت تسود مدينة العمارة، مسقط رأسي ومسرح طفولتي وصباي.
وقتها، اقبل شهر محرم بطقوسه ونكهته الجنوبية التي بقيت حية في ذاكرتي لأكثر من اربعين عاما قادمة عشتها في الغربة. انه الشهر الذي يحيي فيه الشيعة ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام في معركة التحمت فيها مبادئ الثورة واخلاقها من جهة، بإرادة السلطة واهوائها من جهة اخرى. انتصرت فيها اخلاق ومبادئ الثورة في مفهومها الازلي والروحي كما عند الفيلسوف الالماني هيغل، وبقى القوم كما كانوا امينين لحب السلطة والمال وتفاهات الحياة وإغراءاتها الدونية.
خرجت في اخر امسية لمسيرات العزاء والتي تكون عادة الاكثر تعبيراً والاوسع مشاركةً. وبقيت واقفا بين جموع المشاهدين، أراقب وأترقب، وكأني أعيد دور بطل رواية الكاتب الروسي الكبير (مكسيم غوركي) والتي كان عنوانها حسب الترجمة العربية " أين الله، أو اعترافات ابن الشعب". فلم اكن انتظر ان يحدث شيء غير متوقع. المواكب كما هي دائما ببهرجها واضوائها، يحمل هودجها الهائل رجال صلبين، وشبابنا ماضين ورائه بثيابهم السوداء المفتوحة من الخلف في مواكب "الزنجيل" او المتعرية صدورهم في مواكب "اللطم".
ولكن هذه المرة لم تكن كغيرها. فما لم يتوقع ان يشاهده بطل رواية غوركي، لم اتوقع انا ايضا مشاهدته في تلك الامسية من اماسي العزاء. فمن بين تلك المواكب التقليدية المسماة بأسماء احياء مدينتنا الحبيبة، خرج موكب ليس كبير في حجمه، مهيب في مسيرته تضمن اشخاص معروفين في مدينتنا بثقافتهم وورعهم، من اعمار ومهن واحياء مختلفة. كانوا بلباسهم اليومي المعتاد، ولم يرتدي الا بعض صغير منهم قمصان سوداء. حملوا بأياديهم فناجين صغيرة مثبتة في قاعدتها شمعة مشتعلة، وساروا بيننا مرددين شعارات ذات محتوى اجتماعي وسياسي بنبرة دينية خشوعه.
شاهدت في المهجر ما كانت تبثه قنوات التليفزيون المختلفة عن مواكب العزاء في العراق بعد سقوط الطاغية وبحثت فيها علٌي اجد أثراً لذلك الموكب او ما يشابهه بين مواكب مدن العراق المختلفة ولكن دون جدوى. فقد تغير كل شيء على نحو يجعلني لا ارى حتى البدايات....بدايات الحياة في التقاليد والعادات.
#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)
Jassim_Al-saffar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟