أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمير إسماعيل - وصف حالة العلوم السياسية في سورية - مراجعة اولية و اقتراح مرجعية نظرية حول إعادة التأسيس *















المزيد.....



وصف حالة العلوم السياسية في سورية - مراجعة اولية و اقتراح مرجعية نظرية حول إعادة التأسيس *


سمير إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 07:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تعد سورية واحدة من الدول التي تواجه تحديات النظام العالمي بجدول أعمال يعود إلى فترة الحرب الباردة ، أو ربما يعود إلى لحظة تكوينها المعاصر في النصف الأول من القرن العشرين.
وإذا أخذنا بالاعتبار مجمل التحولات العميقة التي طرأت على العالم ، وحوَّلته شكلا ومضموناً إلى " عالم جديد " لا يمتُّ بصلات وثيقة لـ" العالم " الذي سبق ، فسوف تكون ( سورية) أمام جدول أعمال مضاعف كبير ومعقد ، يتطلب جهداً متميزاً لجهة التشخيص ولجهة الاستجابة العملية المباشرة( والمؤجلة) .
نعتقد أن الكلام عن مستقبل سورية في النظام العالمي الراهن والكلام عن مستقبل دراسات العلوم السياسية والعلاقات الدولية والاستراتيجيا كلاماً في موضوع واحد وهو: التحدي العالمي والاستجابة السورية له ، ويفترض هذا النص أن السياسة السورية والعلوم السياسية في سورية هما وجهان لموضوع واحد. وأن تحليل الوجه الأول (= السياسة السورية) لا يتم من دون توسط الوجه الثاني (=العلوم السياسية).
يتناول هذا النص حالة العلوم السياسية في سورية ويقترح مرجعية نظرية وإطاراً تحليلياً بصدد مراجعة تجربة العلوم السياسية وإعادة تأسيسها.
أولاً- وضعية العلوم السياسية:
1- ما هي العلوم السياسية؟ وماذا يعني تدريسها ؟ وما هي ضرورتها؟..
العلوم السياسية هي علوم تخومية ومتداخلة معرفياً ولذا فنحن لا نعتبرها علماً مفرداً وإنما "علوم " بالجمع تُخضع كل مفردات المجتمع للتحليل باعتبار أن السياسة هي " عصب الحياة ".وقد كنت أتمنى أن يكون وعي هذا "المعنى " و " لا وعيه " موضوعاً للبحث والتأمل في مناهجنا وكتاباتنا .
في هذا الباب ، تعاني العلوم السياسية من سوء فهم مقيم ، ونعنى بالعلوم السياسية العلوم التي تبحث في بُعدين للسياسة يحتاجان للفهم والتحليل بصورة مستمرة لأنهما بُعدان يتشكلان بصورة مراوغة ولديهما قابلية دائمة للتغير والتحول:
البعد الأول هو السياسة كمستوى أساسي من مستويات كل تشكيلة اجتماعية ، أي هو " البعد الأساسي للواقع ". أما البعد الثاني فهو اللحظة التي يتحول فيها البعد الأول إلى خطاب وأيديولوجيا




وممارسة مباشرة . هذا الكلام ينسحب على التفريعات العديدة للعلوم السياسية كالاستراتيجيا والسياسات العامة والأمن القومي .. الخ.
تحاول الدول والمنظمات تعميم معرفة معينة بالسياسة ، كاستجابة لمتطلبات الشرعية . هذا الهدف(أي تعميم المعرفة بالسياسة) هو أحد أهم واجبات "الجمهورية " ولا يبدو أن الدول والمنظمات المعاصرة قلَّلت من هذا الواجب، وهذا يعني – وخاصة بالنسبة للدول – أن السياسة فعل شمولي يعبر عن الإرادة العامة للناس ، وليست فعلاً نخبوياً أو سلطوياً . وهذا أمر ضروري من عدة أوجه:
- تأكيد شرعية المنتظم السياسي.
- تكريس الوعي العمومي بالسياسة.
- تعزيز الانتماء والهوية ومبدأ المواطنة والاندماج المجتمعي الفعَّال.
- إعداد كوادر لديها معرفة متميزة أو متخصصة بقضايا السياسة من منظور يحقق مصالحها ويحافظ على أمنها.
وإذا كان المطلوب من تدريس العلوم السياسية هو هذا الذي ذكرناه وأكثر ، فإن السياسة العالمية تهتم به وتخصص له أو الموارد المعنوية من أجل تطويره على الدوام ، ولذا فإن التخصصات تزداد تشعباً وعمقاً، وقد أصبح من الصعب حصرها في مؤسسة علمية أو أكاديمية واحدة.
هذا الاهتمام يتجلى أكثر في الدول المتقدمة وينتقل تشكله إلى الدول النامية ومنها منطقة الشرق الأوسط ، حيث نلحظ توسع هذه العلوم في بلدان مثل تركيا وإيران ومصر وحتى لبنان والأردن… إذ أنشئت أقسام للدراسات السياسية في جامعاتها فضلاً عن الكليات والمعاهد ومراكز البحوث المتخصصة بالعلوم السياسية والدراسات الدولية والإقليمية والاستراتيجية والأمنية الخ ..
غير أن الاهتمام بالعلم لا يكون بزيادة أقسامه أو مراكزه ، وإنما بالتركيز على النوعية أيضاً ، ذلك أن السياسة تتطلب طاقات حصر وتحليل وتخطيط تفوق القدرة الذاتية لأي نظام سياسي بالمعنى المتعارف عليه ، ولا بد من مراكز متعددة تقدم وجهات نظر وخيارات ورؤى متعددة هي الأخرى.
2-ولكن ما هو حال العلوم السياسية في سورية:؟
ثمة حالة غير متعينة بدقة في العلوم السياسية بالمعنى العام وبين العلوم السياسية كتخصص علمي وبين العلوم السياسية كمؤسسة تعليمية ، غير أن التساؤل عن حال العلوم السياسية في سورية يتطلب – بغرض الدقة والموضوعية – أن نميز بين هذه المستويات ولو على أساس الفطرة والحدْس، طالما أننا لا نتوافر على بحوث تحليلية واستقصاءات ميدانية حول الموضوع ، على هذا النحو ، لا نجد ثمة علوماً سياسية بمعناها العام أو كتخصص علمي ذلك أن الوحيد الموجود هو مؤسسة تعليمية مدرسية /المعهد العالي للعلوم السياسية/.
إذ تتركز دراسة هذا التخصص في/ المعهد العالي للعلوم السياسية / بصورة شبه حصرية منذ نهاية السبعينات وحتى الآن . ولا يبدو أن هذه التجربة قد خضعت لأي مراجعة متخصصة أو محاولة جادة للتغيير والتطوير.
وهذا حال لا يمكن لأي مؤسسة أن تعيشه من دون مشكلات مزمنة تصل بها إلى حد الانهيار والإفلاس . فالمعهد لم يتطور لا أفقياً ولا عمودياً ، ولم تتغير مناهجه ، كما لم يلحظ التطور في العلوم الاجتماعية أو التغيير الذي حدث في النظام العالمي ، كما أنه ( المعهد) في المنظور العام " مدرسة حزبية" أيديولوجية أكثر منه مؤسسة علمية أكاديمية . هذا المنظور العام تؤيده شواهد كثيرة لا يمكن إنكارها ، وإن كان بالإمكان تَفَهُّم بعضها .
أعتقد أن لوضعية معهد العلوم السياسية أسباباً وجيهة لتكون على ما هي عليه، وأذكر بعضاً منها لا كمرافعة دفاعية وإنما للتشخيص والتحديد . ونعلم جميعاً أن التشخيص هو شرط أوَّلي للعلاج. ونقسم الأسباب إلى موضوعية وذاتية.
آ- الأسباب الموضوعية :
وتتعلق بالتراكم العلمي وحصيلة التجارب ، وبالبيئة العامة للبحث العلمي والأكاديمي والتعليم العام والجامعي.. وجميع هذه العوامل ليست على ما يرام . إذ ليس هناك تراكم علمي بخصوص البحوث السياسية سواء العامة أو المتخصصة ، ولعل أبرز نتاجات التفكير السياسي يعود إلى بدايات وأواسط القرن العشرين ، وبعدها لم تظهر دراسات " عليها القيمة" كما يقولون في اللغة الدارجة . هذا يعني أن التنظير السياسي تعثر ثم تلته الكتابة السياسية بصورة عامة وانسحب لك إلى التعليم العام عبر المؤسسات التربوية والإعلامية .. الخ.
تتركز العقبات في السياق الجامعي ، ذلك أن الجامعات تشكو من الوهن العام والهزال والبيروقراطية وضعف المستوى العلمي .غير أن العوائق تزداد في حالة " العلوم السياسية " تعقيداً ، ذلك أن التخصص ليس له تاريخ في البلد ، وليس له تجارب تطوير أو تقييم ولم يُعرف عنه أي طموح علمي أو محاولة للابتكار والتجديد . ونحن لا نجزم إن كان هذا الواقع سبباً أم نتيجة لعوامل أخرى.
الموضوع من التداخل والالتباس بحيث يَتَحَرّج الباحث من إطلاق حكم قيمة أو من تحديد الأسباب الأساسية والثانوية والنتائج الأساسية والثانوية .. الخ . غير أن الواضح تماماً في هذه الحالة هو أن العلوم السياسية خضعت منذ تأسيسها لجهات وصائية ليس لديها الخبرة العلمية والأكاديمية ولا البوصلة الأيديولوجية الدقيقة، وهي غير مدركة لأساليب وخصوصيات العمل الأكاديمي ومتطلباته المنهجية.. ولذا فقد كانت الوصاية قيداً كبَّلَ المؤسسة ومنعها من التطور . وقد نقلت الجهة الوصائية إرادتها وعدواها إلى المؤسسات الأخرى في الوطن التي واصلت اعتبار المؤسسة/ والمعهد مدرسة حزبية أيديولوجية في المقام الأول ، ولم يسمح أحد من هؤلاء للمعهد بأن يخرق صيغة الوصاية ولا أن يتحرر من الصور النمطية المقولبة التي كسرت إرادته حتى الآن.
ب- الأسباب الذاتية:
المعهد العالي للعلوم السياسية مؤسسة رسمية أيديولوجية في المقام الأول. ويبدو أن طبيعته هذه لم تحد فقط تطوره وإنما أعطته شعوراً بالأمان الكسول أيضاً ، فلم ينشغل بالشأن العام كما كان لمؤسسة علمية أن تفعل ولم يهتم بتطوير مناهجه وأداء هيئاته الإدارية والتعليمية ، التي فضلت حب السلامة وطمأنينة الاستسلام " الخمول " العلمي والسياسي والإداري . كما لم يبحث المعهد جدياً في تطوير صلاته مع المؤسسات العلمية والأكاديمية ( والسياسية) المماثلة في المنطقة والعالم وبالتالي،لم يستطع أن يبرر نفسه إلا من حيث الضرورة المجردة ، أي ضرورة الموضوع العلمي نفسه بمعزل عن المؤسسة.
3- ماذا فعلت دراسة العلوم السياسية في بلدنا .. ما الحصيلة ؟
تركزت دراسة هذا التخصص في المعهد العالي للعلوم السياسية بصورة شبه حصرية ، منذ نهاية السبعينات ، حتى الآن .وقد مثل ذلك تتويجاً لمسار تناول السياسة من حيث التعليم والتنظير . في التعليم لم يكن ثمة مناهج دراسية تختص بالسياسة مباشرة ، وأما ما يتعلق بالتنظير فقد اتسم بطابع أيديولوجي عملي إلا في حالات استثنائية.وإذا كانت تجربتا تعليم السياسة وتنظيرها قد تراجعتا في العقود الأخيرة فلأن الأيديولوجيات " قضمت " ما تبقى من فسحة للتفكير السياسي، المستقل ، و" الموضوعي".
غير أن هذه المفردات على أهميتها ليست موضوع نقاشنا هنا ، إذ أن ما نهتم به هو وضعية " العلوم السياسية " راهناً. وكلامنا عن العلوم السياسية يحيل إلى عنصري النقاش وهما التعليم والتنظير أو التحليل إذا شئتم.لا يزعم معهد العلوم السياسية أنه " احتكر" هذين العنصرين ، بالرغم من أن ثمة من تمنى عليه القيام بذلك ، ولكنه منعه في الوقت نفسه من أن يحاوله ،هنا فقط يبدو فشل المعهد جميلاً.
ولا يبدو أن تجربة العلوم السياسية قد خضعت لأي مراجعة متخصصة أو محاولة جادة للتغيير والتطوير . فدراسة العلوم السياسية لم تتطور " أفقياً ولا عمودياً " كما أن مفرداتها لم تلحظ التطور في العلوم الاجتماعية أو التغيير في النظام العالمي.
انشغلت العلوم السياسية حتى الآن بالتبليغ والترويج وتأكيد ما لا يحتاج إلى تأكيد ، ولم تشعر أنها أنجزت شيئاً مهماً بهذا الصدد ، أو أنها لم تتجرأ على حساب الحصيلة . ويبدو أنها لم تكن أكثر من مؤسسة تعليمية أو علاقات عامة تقنع المتلقين(وهم طلاب مضطرون للقبول والاقتناع ) بصواب أفكار بمواجهة أفكار أو أوهام أخرى لا تفصح عنها ولا تقول لهم ما هي فعلياً.
ويشعر المتلقي بأن البلاغ هش ولا يتوافر على معارف عميقة بالنسبة لنا نحن ولا بالنسبة لـ" أعدائنا " أو " قضايانا " .
أمام هذا الحال سوف تتشكل لدى المتلقي قناعات تعاكس ما أرادت المؤسسة أن تغرسه لديه.
وبعد تجربة تزيد على العقدين ما نزال نجد صعوبة في تحسس روح السياسة لدى " طلابها" وحتى بعض " مدرسيها" للأسف . ويمكن تلمس ذلك على أكثر من مستوى.
" ما هي العلوم السياسية" ؟سواء أكان السؤال في التعريف أو الماهية أو المفاهيم ..الخ فقد تكون الإجابة مخيبة للآمال . ونحن لا نعتبر ذلك معياراً للمعرفة السياسية وإنما دلالة الحد الأدنى - إذا شئتم – على مستوى المعرفة السياسية كعلم وكظاهرة.
إن تقييم المواد الدراسية وأساليب التدريس يُشعرك بأن الألفاظ تستخدم للتعبير ( أو للتبليغ) عن العلم ، للكشف عنه بدلاً من استخدامها لتوصيل معانيه ودلالاته ، وهذا يذكرنا – وأسوق هذا للتوضيح – بكلمات الساحر يستخدم الكلام للإعراب أو الإفصاح عن الأشياء . فهو يقول مثلاً " ابرا كدبرا " (Abra- cadebra) عبارة عن صوت يسبب ظهور " الأرنب " وهكذا أستاذ العلوم السياسية،فهو يعتقد أنه بمجرد لفظ كلمة سياسة أو علم فكأنه يرغب بأن تعمل هذه الكلمات على حدوث أو ظهور شيء بصورة سحرية لدى الطلاب.
وهكذا فقد دلت التجربة على أن المناهج والأساتذة لا يقومون بما ينبغي القيام به، وكذا الطلاب لا يتعلمون ما ينبغي أن يتعلموه . وهكذا فإن دارس السياسة ينخرط فيها بصورة مرتبكة ولا يعرف ماذا يدرس ، وتكون استجابته ساذجة . ثم يتذمرمع أدنى جهد يُطلب منه لتطوير نفسه . ويقف الأستاذ أمام حالة مُحيِّرة : هل يحث الطالب على القراءة والتزود بالمعلومات ؟.. أم يحثه على تطوير مهاراته النظرية والتحليلية ؟.. هنا يقع الأستاذ في حالة تناقض لا تسر ، ذلك أن اختلال العلاقة بين المعطيين التدريسي والإبداعي/ والتحليلي ، وبينهما وبين العلوم خارج التدريس والعلوم السياسية بما هي علوم لا بما هي ، مقررات دراسية . ويبدو أنه من الصعب حسم هذه الجدلية على نحو فعَّال . وهذا حال غير حميد.
من المفترض أن يتوافر لدى الطالب عند تخرجه:
- معرفة علمية كافية في مجال تخصصه.
- قدرة على ربط وتحليل الظواهر غير المنهجية وخارج إطار المواد الدراسية.
- قدرة على تقديم نفسه للآخر لا بوصفه ( أيديولوجي وإنما كشخص تعلم نسبياً كيف ينظر إلى السياسة ويحللها.
ولكن ما يحدث فعلياً هو:
- معرفة ضحلة إن كانت موجودة .
- عجز عن ربط المدارك النظرية بالظواهر السياسية.
- عجز عن تقديم نفسه كمتخصص في السياسة.
- خبرة مشوشة عن نفسه وعن العالم.
نشعر عند الحديث عن حصيلة العلوم السياسية بالخسارة . وهذا المستوى من الكلام يدل على الأسف العميق من حالة الخَسَرَان التي نعيشها ، غير أننا لا نُحَمِّل المعهد المسؤولية ، كما يفعل الكثيرون ، وذلك لسبب بسيط ولكنه غير مرئي.
فالمعهد ليس " وكيلاً " حصرياً لهذا التخصص ولم يطلب ذلك لنفسه ، ومن البدهي أن يعترف بالتعدد حتى لو لم ينفذ ذلك حتى الآن . وهذا يعني أنه ليس سبباً في عدم وجود تخصصات في العلوم السياسية في الجامعات السورية أو تجارب بحثية واستراتيجية خارج الجامعات . وهكذا وبشيء من التعميم المتسرع يمكن القول أنه لم تتحدد ملامح لوجود،علوم سياسية في بلدنا لا في التعليم ولا في مجال البحوث السياسية. هذا قول مطروح للنقاش ..وكم يسعدني لو تمخض عن حالات واستنتاجات تعاكس ما أذهب إليه هنا !!.
ثانياً- لحظة انتقالية:
1- نحن إذن أمام مرحلة انتقالية وحرجة في مسار" العلوم السياسية " في بلدنا، والكلام في اللحظة الحرجة خصوصية وأهمية ، رغم أننا فيما يبدو-نعيش زمناً حرجاً على الدوام ! ولذا فإنني أعتقد أنه من الضروري أن نحدد الموضوع وأن لا نحمله ما لا طاقة له به ، ولا نقوِّله ما لم يقله هو نفسه وأن لا نطلب منه أن يجيب على أسئلة لم يطرحها على نفسه وإذا لم نفعل ذلك بصدد نقد تجربة العلوم السياسية فلن يرقى كلامنا مستوى كشف السلبيات بهدف تجاوزها.
2-هل كان معهد العلوم السياسية هوالتشكل قبل العلمي لحالة العلوم السياسية في سورية؟وهل كانت أيديولوجيته – على ما يقول التوسير – هي المرحلة التي سبقت تشكله العلمي؟..
إذا اتفقنا على هذا التساؤل وأبدينا الاستعداد العلمي والأخلاقي لمناقشته ، فسيكون بإمكاننا توصيف حالة المعهد باعتبارها "مرحلة تمهيدية "أو "علمية " لحالة العلوم السياسية . وهكذا فإن التحويل إلى " كلية " ه بمثابة تجاوز للانتقالي والمرحلي والأيديولوجي لصالح المستقر والمتوازن والعلمي ! وهذا يعني أن المعهد بقي بصفة " تحت التأسيس" خلال أكثر من عقدين ، ولكن التأسيس المؤجل لا بمعنى التدخل في تكوينه ومراجعته وتحديثه باستمرار. سأعتمد على نباهة القارئ لتفهم معنى التأسيس هذا.
المهم الآن أن " نتملَّى " عملية التحول إلى كلية للعلوم السياسية : هل كانت استجابة لوعي عميق تحرج وضعية هذا العلم؟..
أعتقد أنه من الصعب أن نجد إجابة على هذا السؤال ، إلا في منحى التأكيد على أن تفحصنا لواقع الحال لم يتم في المرحلة السابقة بصورة معقولة ، كما لم يُستشر " المعهد " في " شأنه ومصيره "! ولكن لسنا بصدد التركيز على هذه النقطة الآن. وكدليل على ذلك فإنني أورد حسنات التحويل والإدماج أولاً.
- من حسنات هذا التحويل، التخلص من لعنة التسمية / " المعهد. يبدو أن المسألة لغوية . فالعلم والسياسة ظاهرتان لغويتان – من هذا المنظور – ويبدو أن العلوم السياسية في بلدنا دفعت ثمناً لـ" الأسماء "اللصيقة بها . إسمها واسم الجهات الوصائية / الراعية.
- من حسنات التحويل أنه يخلِّص التجربة من الشعور بأيديولوجيتها ، وأنها على حد تعبير التوسير مجدداً مرحلة ما قبل العلم ، ومن " رعاية " جهات سياسية غير أكاديمية . وقد كانت أقرب إلى منطق " الراعي" – حسب ميشيل فوكو – يهش بعصاه ( سلطته) رعيته . لم تكن إشرافاً بالمعنى العلمي والمعنوي المتعارف عليه الآن . وقد ترتب على ذلك مخاطر وأثمان باهظة.
- ومن حسنات التحويل والإدماج أنه يفسح المجال أمام بدء جديد ونشأة مستأنفة ، وهذا ما سنوضحه لاحقاً. غير أن الحال يتطلب التنبه إلى جوانب أخرى ، تتعلق بمعنى هذا التحويل، تتركز في الجانبين العلمي والسياسي:
- الجانب العلمي: الحكم على التجربة السابقة بالفشل علمياً . إذ يظن –ولهذا الحكم الظني وجاهته – أن المعهد فشل في تحقيق الأهداف المنوطة به . أما والحال هكذا فقد عمد صانع القرار التعليمي إلى إنشاء مؤسسات أخرى أنيط بها تحقيق بعض أهدافه جزئياً . وكانت الخطوة التالية هي: " الحجر" على المعهد " وإحباط " محاولات تطويره سواء فيما يخص المناهج والأقسام والدراسات العليا وأتمتة نظم المعلومات والأرشفة .. الخ ، وكانت الخطة الثالثة هي تحويله إلى كلية فإدماجه بالجامعة.
- المعنى السياسي: الحكم على التجربة السابقة بالفشل أيديولوجياً:
ماذا هنا ؟.. هذه المعاني والتحليلات افتراضية ، ولكن ثمة دلائل مباشرة وعيانية عليها. غير أن لها وجهاً آخر يتجلى في جانبين أيضاً علمي وسياسي:
في الجانب العلمي:
يريد صانع القرار التعليمي الإيحاء إلى أن التحويل هو " كلمة السر " في تطوير العلوم السياسية في سياق التطوير والتنمية الشاملة . فهل ينطوي الإدماج في الجامعة على فضائل وفرص علمية جادة أكثر مما ذكرنا ؟..
إذا كان المقصود هو التطوير فقد كان على صانع القرار أن يناقش مجموعة بدائل للتطوير. من بينها مراجعة وضعية المعهد وتطويره من الداخل عبر توسيعه وتحديثه .. الخ. كان على صانع القرار أن يؤسس اختياره على دراسات استشارية متخصصة وأن يستشير المعهد نفسه.
وأما السؤال عن فرص التطوير وفضائله فلا أعتقد أن ثمة إجابة وافية من دون دراسة جادة . فهل لدى الجامعة ما تقدمه فعلياً بهذا الصدد ؟.. مع معرفتنا بأزمات الجامعة والتعليم الجامعي وأبرزها مشكلة التضخم في الأقسام والكليات والكتل العددية للطلاب والدارسين.
في الجانب السياسي:
إن العلوم السياسية سواء أكانت معهداً أم كلية ليست إلا الإرادة السياسية لتشكيلها بصورة ما ، والإرادة العلمية- التعليمية للهيئة المتخصصة ، وإرادة المتلقي من قبل الطلاب وعموم المجتمع .
وإذا كان إدماج المعهد قد جاء بخلفية سياسية لموضوع سياسي ، فإن الأساس المعقول لم يتضح لدينا حتى الآن.
ولا نعرف المغزى السياسي لهذا الإجراء . يقال بأن الإرادة السياسية تعوّل على كلية العلوم السياسية إعدادا أشخاص أكفاء ذوي خبرات هامة في السياسة العامة والقانون الدولي والتفاعلات السياسية والإعلام ، والدبلوماسية . والإدارة العامة .. الخ. وهذا إن صح التنبؤ أو- الافتراض ، غير مفهوم تماماً ، لأن النجاح في هذه التخصصات ليس مشروطاً بالتابعية لجامعة بعينها أو بالتحول إلى صيغ ومسميات وأوضاع إدارية وقانونية مختلفة، كما لهذه المسألة بالذات أبعاداً علمية أو أكاديمية !.
3- مشكلات التحويل:
للإدماج حسنات ذكرناها ، ولكنه ليس من دون مشكلات ، فالمعهد هو أكبر من كلية وأصغر من جامعة ، ونحن لا نقصد هنا الحجم وإنما الحالة الاعتبارية و"التجربة التاريخية " ، فضلاً عن المهام التي كان عليه القيام بها.
بإدماجه في الجامعة يزيد الطين بلة ، فهو بذلك ينضاف إلى العدد الكبير من الكليات والأقسام في جامعة تضخمت وترهلت أكثر من اللازم وإلى حد أساء إلى مسار العمل التعليمي والأكاديمي . ولا نقصد أن لدى الجامعة ما تقدمه للمعهد ولم يكن بالإمكان إيجاده أو تقديمه عبر بديل آخر. وما يخص المعهد فأعتقد أنه ينوء بأعباء عديدة يزيدها الإدماج تعقيداً.
نظن الظن الحسن ، أن قرار الإدماج – على خلافية تقييمه – هو قرار قصدي انبنى على افتراضات وليس على تفحص دقيق لحالة المعهد ، ولكنه (القرار) مع ذلك ربما يريد تطوير المعهد في سياق التطوير العام لمسار التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن ، ولا ندري مدى فعالية هذا العمل . وهل تكتفي النوايا الحسنة والظروف الطيبة. أعتقد – ويبدو أنني أكرر ذلك – أن التغيير يتطلب عملاً أكثر فعالية وجدوى، عملاً من داخل المنظومة العلمية للعلوم السياسية، وقد يتوصل " النقاش الداخلي" إلى ضرورة التغيير وشكله بصورة أعمق وأجدى. ونلفت إلى أن لـ" العلوم السياسية" خصوصية تدريسية وبحثية غير مُدركة في المؤسسات الجامعية الأخرى ، ولذا فإن بنى وذهنيات صنع القرار التعليمي قد لا تتوافق مع هذه الخصوصية فيقع عندئذٍ – في حالة أكثر سلبية مما كان عليه في الماضي .
نسوق هذا الكلام من أجل لفت النظر إلى خصوصية علمية تتطلب خصوصية إدارية ومؤسساتية يجب مراعاتها في الحالة الجديدة للعلوم السياسية.
ثالثاً- الإطار النظري والمرجعي للعلوم السياسية الجديدة:
الآن سوف يهتم هذا الجزء من النص بالبدء الجديد المفترض لحالة العلوم السياسية في بلدنا ، وسيكون إعلان كلية العلوم السياسية فرصة لتكوين علم سياسة له قضية مركزية وحيز بؤري ، أي قضية تكوينه مؤسِّسة وذات ديمومة . ونحن نتحدث هنا ، عما يخص سورية بالذات ، في سياق الكلام عن التحديث والتنمية الشاملة.
وعليه فمن المهم البدء بتوضيح الحالة غير المتعينة للعلوم السياسية بالمعنى العام ، والعلوم السياسية كتخصص علمي، والعلوم السياسية كمؤسسة تعليمية مدرسية ، وهذا وجه ، وأما الوجه الثاني فيتعلق بأدوار ومهام كلية العلوم السياسية كإطار للتأهيل والتدريب ، وكحيز للنقاش والبحث السياسي ، وكبناء له خصوصية علمية من خلال الاهتمام بقضايا محددة ، والمساهمة بعد ذلك – كتغذية ارتجاعية- بالعلوم السياسية بالمعنى العام:
1- علم سياسة له قضية مركزية:
ثمة أسباب منطقية ووجيهة لتتخذ العلوم السياسية في بلدنا انطلاقة جديدة . وعلى اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها ، فقد جاءت ملاحظاتنا النقدية هذه آملين أن تتأسس دراسة العلوم السياسية من جديد بصورة فعالة لا أن تزداد ترهلاً وضعفاً. أقول : أعتقد أن ثمة أسباب منطقية ووجهة للقطع مع حالة المعهد العالي للعلوم السياسية ولكن ليس على أساس " كاوسي " يحطم كلياً مسارات تجربة العلوم السياسية برمتها ، بالرغم من أ+ن الرغبة تتجاوز هذا وتتجه بي أحياناً إلى درجة تتمنى فيها التخلي عن" ذاكرة " العلوم السياسية التي اعتبرها مشدودة إلى لحظة كارثية " عدمية ".
ليس ثمة علوم سياسية في سورية لا في البعد النظري الأكاديمي ولا في البعد المحلي- الإقليمي.
من المهم أن يبدأ مسار العلوم السياسية في بلدنا بالاتفاق العلمي والجمعي على التأسيس على مقولة مركزية أو أطروحة أصلية يدور التفكير السياسي حولها وينشط العمل السياسي من أجلها . يتجلى ذلك في عدة نقاط:
1- بالرغم من عالمية أو كونية العلوم السياسية . إلا أن بناءها أو إعادة بنائها يتطلب البدء من حالة ، مقولة، واقعة ، حيز الخ (سوري في المقام الأول) . هذا أمر بدهي ، فيما أرى ، وله دلالة نموذجية واعتبره استجابة لنقص الدراسات السياسية والتحليلية والاستراتيجية الخاصة بسورية.
2- إن معاودة البناء من" الصفر " أو " من حيث انتهت التجربة السابقة " للعلوم السياسية يتطلب فحص الحالة الراهنة للعلوم والوطن . وهكذا فإن تشخيص مشكلات العلم السياسي في الوطن يحيل إلى ضرورة تأسيس فكري جديد.
3- هذا التأسيس الجديد ، يتطلب قدرة منهجية وأخلاقية متمرسة ومرهفة من أجل صياغة إطار نظري ومعايير للمطابقة بين واقع الحال وبين المأمول والمرتجى بصدده. وهذا يتطلب إطاراً تأهيلياً توفره العلوم السياسية باعتبارها أيضاً واحدة من أدوات التحديث والتنمية الشاملة( من الأدوات الأخرى : الأحزاب السياسية ، الجيش ، وخاصة في البلدان النامية ، الثقافة السياسية..الخ).
وهنا ، أعتقد أن بدء تعليم السياسة والبحوث السياسية بالمعنى الكلي كبعد تكويني في أي مجتمع وأي دولة، وكبعد سلوكي وأيديولوجي هو عمل – إذا ما تم بنجاح- يؤسس يدشن نشوء "عقل سياسي " تبدأ محاولته من سورية المجتمع والدولة وصولاً إلى النظام العالمي بمجمله.هذا يحيلنا إلى مسألة المرجعية : ربما يكون من الضروري أيضاً أن نقدم مرجعيات فلسفية متعددة تحيلنا إليها تلك المسارات والمستويات التي عرضنا لها للتو ، ولكن ليس في إطار الأنا- الآخر. فكما قلنا إن الاتجاهات والمستويات تتعدد لدى الأنا ولدى الآخر، وعليه فإن الانفتاح على الجهد العلمي " يحجر " على حال الفصام( الشيزوفرينا) الثقافي بين الأنا والآخر لصالح صيغة إبداعية جديدة . وقد يُفهم من الكلام أننا نختار التعدد، ولكنني أعتقد بأننا لم نعد نملك ترف الاختيار ، إذ أن العلم يتقدم ويتشعب بصورة لا نملك أمامه إلا أن نتلقاه بكليته أولاً ثم بصورة محددة ونقدية في مرحلة لاحقة.
ونظراً للطابع " التحديثي" لكلية العلوم السياسية فسيكون من نقاط الضعف – القوة في أنها تنطوي على بعد أيديولوجي ملازم لوظيفتها التحديثية . لكن بأي كيفية ننشئ علوماً سياسية متسقة داخلياً وخارجياً ؟..
أعتقد من الضروري هنا أن نعمل على تقديم أو تكوين علوم( بالجمع) تعددية من حيث المداخل( من وجهات نظر التاريخ والجغرافيا ، والاقتصاد ، والفن، والاجتماع.. الخ) أو من حيث المضامين الاجتماسية(اشتراكية،ليبرالية..الخ) أو الفضاء المرجعي ( المحلي، الوطني، القومي، العالمثالثي، ، الكوني). ونلفت إلى أن هذه التعدديات تستجيب أو يجب أن تستجيب إلى الوظيفة الأساسية المفترضة وهي الحفاظ على البناء الوطني والقومي والارتقاء به إلى مستوى فاعل على الصعيد الكوني. والمسالة ليست اختياراً بين بدائل وإنما هي" اختيارها جميعاً " سواءً بتجلياتها المطروحة راهناً أو بروحيتها المعروفة. ذلك أنها رغم تنافرها – تتلاقى في الحيز المجتمعي الدولتي نفسه، وقد تلتقي لدى الفرد نفسه أيضاً.
إن من مهام كلية العلوم السياسية أن تقدم هذه الاتجاهات لا كمسلَّمات وأقدار لا مناص منها وإنما كاحتمالات فعلية واجبة الاهتمام والتقدير . وهنا تبدو الإشارة إلى اعتبار التنظير للتعدد ضرورياً . ذلك أن للعلوم السياسية تشكلات أو مساهمات في المجال المحلي والعربي والكوني، وفي التشكيلات الاجتماعية – الطبيعية والتشكلات السياسية.
إن وجود علوم سياسية منفتحة وفعَّالة ومتقدمة هو أحدا لأهداف الأساسية لتكوين مؤسسي أكاديمي من قبل ، كلية العلوم السياسية ، تحرص على تقديم " علوم سياسية " متصلة بالتطورات العلمية على الصعيد العالمي اتصالاً تزامنياً أي تتصل بالعلم الراهن: اتجاهاته ورؤاه وليس باللحظات السابقة المنقضية . وهذا ما يمكن أن نسميه علوماً سياسية متسقة مع تطورات العلوم السياسية في العالم.
- تقديم " علوم سياسية " منبنية على الأسس المحلية الثقافية والسياسية والتاريخية ..الخ وهذا وجه يقابل سابقه ، بمعنى ألا تكتفي بالنقل عن " العالم " وإنما أن تعمل على تبيئة ما تنقله أو أن تبتكر أطراً ومفاهيم تتسق مع الأسس المحلية المجتمعية الواقعية في عالمنا العربي والإسلامي.
وهذا ما يمكن أن نسميه علوماً سياسية متسقة مع البيئة المحلية لمجتمعاتنا وسياساتنا وثقافاتنا . هذان الاتساقان المطلوبان ينطويان على أطر ومسارات نظرية وعملية متعددة . وهذا ينصب في وظيفتين: الأولى علمية وتتمثل بإرساء قواعد العلم وأطره المعرفية ، والثانية تحديثية وتتمثل بتطوير وعي الأفراد والجماعات بأنفسهم وبالعالم.
2- العلوم السياسية : المعنى العام:
لم يتفق العلماء على إعطاء تحديدات كليِّة لمعاني وموضوعات "العلوم السياسية " ، ولذا فهي من أكثر المسميات رواجاً ، وأكثرها غموضاً أيضاً.
وحتى إذا كان ثمة غموض بنَّاء يفتح الباب للتخيل من أجل التوسع التنظيري واختلاف الآراء ، فإن الغموض السلبي هو السائد في المنظار العربي والشرق أوسطي حتى الآن ( وهناك استثناءات محدودة ).
وما ألاحظه أن المعرفة بالعلوم السياسية ما تزال قاصرة عن التطورات التي شهدتها العلوم الاجتماعية على الصعيد العالمي ومن المفترض أن نهتم بإطلاق مسار العلوم السياسية يتصل بالتطورات الكونية في هذا الجانب التنظيري التحليلي . لا أن تبقى مشدودة إلى " طبيعة " قديمة ومنسقة إذ تخلى عنها أصحابها منذ أمد بعيد .فقد شهد عالم اليوم " ثورة كبرى في العلوم الاجتماعية " أدت إلى اختلاف المفاهيم والرؤى وأطر التحليل .. الخ. اختلافاً عميقاً جداً . حتى لو بقيت تحافظ على شكلانية معينة . غير أن هذه الثورة لم تصل إلى عالمنا العربي و" العوالم المشابهة حتى الآن أو أنها وصلت مشوهة ومبتسرة . وهذا حال يجب معالجته.
تتميز العلوم السياسية بكونها علوماً غير مكتفية بذاتها فهي دائمة الاعتماد على غيرها ، وهي ميزة طبيعية إذ تتخلص بذلك من القوالب الجامدة التي لا تتماشى مع ظواهر متغيرة على الدوام ، وعليه فإنها تلهث وراء " سيولة" الأحداث والمتغيرات فتُخضع مفاهيمها ورؤاها لمراجعة دائمة. لكثر ما تستعير مفاهيم أو مسميات من علوم أخرى مثل: الفيزياء ، والبيولوجيا .. الخ.
وعليه فمن الضروري أن تقدم كلية العلوم السياسية " علومها" كتخصصات علمية في مسارين : اعتبار العلوم السياسية تفريعات ومنظورات لعلم السياسة الأساس من جهة ، واعتبارها ( العلوم السياسية) تشكيلاً متآلفاً ( ولكنه غير موحد بالضرورة) للجوانب السياسية من تفريعات العلوم الاجتماعية . ونحن هنا لا نطالب بأن نقدم المسارين بصورة تصارعية وإنما بصورة دينامية تطورية ، مع الحرص على تقديم مناقشات ومنافسات مختلف الاتجاهات المعروفة بهذا الصدد.
إن من المهم اعتبار علوم السياسة علوماً " نخبوية " تقبع في أعلى هرم العلوم الاجتماعية ولكن أن تصل ( تتغلغل) قدرتها التشخيصية والتأملية إلى قاع التشكيل المجتمعي وأن تتفاعل مع تفريعات العلوم الاجتماعية كافة كعلوم مساعدة أو متاخمة أو موازية.. الخ ونحن نعوِّل في هذا على الإعداد المنهجي والروح العلمية للمشتغلين في العلوم السياسية كباحثين أو مدرسين ، ونركز هنا على المسألتين التاليتين:
- ضرورة الارتباط الوثيق مع تفريعات العلوم الاجتماعية في الجوانب المنهجية والمعرفية وأيضاً فيما يتعلق بالظواهر والمتغيرات المجتمعية ، سواء ببلدان معينة أو بالعالم ككل.
- اعتبار العلوم السياسية علوماً بؤرية أي أن يتركز فيها أو لديها النشاط البحثي وأن تُعَوّل السلطات عليها في معرفة الواقع وتكوين الآراء والخطط بصدده.
3- العلوم السياسية كتخصص علمي:
اقتصر كلامنا حتى الآن على العلوم السياسية بالمعنى العلمي العام ، وأما الآن فسنهتم بالعلوم السياسية كتخصص علمي.
تختلف النظرة إلى العلوم السياسية كتخصص علمي فثمة من يعتبرها بمثابة المعرفة الكلية عن موضوع معين. وآخرون يعتبرونها منهج أو مناهج للتعامل مع موضوعات معينة . غير أن شرعية ثالثة تعتبرها مناهج وطرائق معينة تختص بظواهر معينة.
وهكذا فإن طبيعة العلوم السياسية تتأتى من طبيعة الظواهر أو الموضوعات التي تتناولها . ومع ذلك فمن الصعب تحديد طبيعة العلوم السياسية ، فهل هي " علوم " تتفرع عن علم أساسي هو علم السياسية ؟.. أم أنها " الجانب السياسي" من علوم متعددة ومختلفة ؟..
أميل إلى تفسير مقولة أرسطو عن علم السياسة ( أو علوم السياسة) باعتباره "سقف المعبد العلمي" أو " سيد العلوم " ، وأما الآراء الأخرى فلها جميعها أسساً وجيهة ومنطقية ، وإن كانت متفاوتة.
رابعاً- كلية العلوم السياسية:
1- يرتكز نقاشنا هنا على الإطار النظري المقترح لكلية العلوم السياسية انطلاقاً من الهيكلية الجديدة المقترحة للعلوم الاجتماعية ، حسب تقرير " هيئة غولنبكيان الدولية " وهو ما ينسجم مع ما ذكرناه عن الثورة العميقة التي شهدتها العلوم الاجتماعية خلال العقود الماضية.
وعليه فإن الكلية المقترحة يجب أن تدرك بصورة قصدية المفاهيم المركزية التي تدور حولها جهودها ، وقد ذكرنا منها على سبيل المثال القضية المركزية البؤرية وهي سورية، الوطن ، المجتمع والدولة.
إن استقرار التشكل التخصصي للعلوم السياسية من خلال هذه الكلية يتيح لنا العمل في بيئة منظمة للبحث العلمي وللدراسات التحليلية وللتأهيل ولبناء معارف تراكمية حول وطننا وإقليمنا والعالم.
تقترح " هيئة غولنبكيان " المذكورة الاهتمام بالتحليل الثقافي للظواهر المجتمعية الجزئية والكلية من منظار الأطراف وليس المراكز ( الأوربية مثلاً) أي دراسة الظواهر في مجتمعات الأطراف والظواهر المحلية ، ولكن من منظار " المركزية الأوربية" بالضرورة . هذا يعني أن ثمة فرصة أمام هيئة العلوم السياسية لمراجعة التراث النقدي للعلوم السياسية إقليمياً وكونياً.
ونحن إذ نذكر إعادة هيكلة العلوم الاجتماعية كونياً ، وحسب التقرير المذكور لا نحيل إليهما باعتبارهما مرجعية نهائية ، وإنما لندلل على أن المطلوب الآن في وطننا هو النظر إلى تشكيل هيئة العلوم السياسية على أسس وطنية ومن منظور ثقافي وفق النظام القيمي للوطن والسياسة العامة للدولة . وأن لهذا العمل سباق عالمي يوافقه نظرياً وأكاديمياً ، شكلاً ومضموناً . ذلك أن التقرير المذكور لا يقدم مخططاً جاهزاً لإعادة الهيكلة ، كما أنه يطالب بفتح باب النقاش الأكاديمي حول مفرداته وتكويناته.
وعلى هذا ، وبهذه الروحية فإن كلية العلوم السياسية المزمع إنشاؤها يجب أن تتم ولادتها مع توأم هو الإطار النظري والنظام القيمي المرشد لعملها الراهن والمستقبلي. ونحن نقول هذا من باب تقديم اقتراحات ذات " صلاحية موضوعية ".
وعندما تولد كلية العلوم السياسية فيجب عندئذٍ أن يولد معها أو بها فكر سياسي ومنهج ورؤى علمية للسياسة فيما يخص سورية كدائرة فعل حضاري وتاريخي وكدولة في السياق القومي والإقليمي والسياق العالمي . وتقوم كلية العلوم السياسية بما هي مؤسسة علمية وأكاديمية بالتنوير والإعداد والتدريب " العام " والمتخصص – أي تأهيل شرائح مجتمعية وأشخاص محدودين قادرين على التفاعل مع ظواهر السياسة ومعالجتها بصورة علمية ما أمكن ، ولكن ليس هذا فقط ، بل إدارة إنتاج الظواهر والأفكار ومحاولة التدخل فيها كجزء من الفعالية العقلية تجاه الواقع ، أي فعالية المعرفة والمراجعة والتغيير. تتحدد طبيعة كلية العلوم السياسية في عدة مستويات ومثلها أدوارها.
فالعلوم السياسية في إطار جامعي أي ككلية أو معهد تختلف عنها كمجال بحثي عام ( غير جامعي) . والمسألة بمعنى مبسط وجامع هي أنها- في الإطار الجامعي- صيغة تدريسية للعلوم السياسية ( بالمعنى العلمي العام) .
وقد كان بالإمكان الانهمام بالمعنى الأول الكلي من دون المرور بالمرحلة الجامعية . كان ذلك في الماضي . وأما الآن فمن الصعب أو المتعذر الحصول على قدر متميز من المعرفة العلمية بالسياسة من دون التعليم الأكاديمي، ولذا فإننا نهتم هنا بالإطار الكلي لعمل كلية العلوم السياسية على بساطتها بالقياس إلى الصيغة العلمية العامة هي الشرط اللازم للدخول إلى عالم العلوم السياسية الواسع الرحب.
2- الأهداف /المهام العامة:
نعوِّل على كلية العلوم السياسية في تحقيق جملة أهداف سواء منها ما يتعلق بالبعد التعليمي أو بالأبعاد العلمية والبحثية الأخرى. ولا بد أن تكون مخرجاتها متكاملة من حيث التأثير الكلي على السياسة العامة والمجتمع والدولة.
وهكذا فإن المهمة الأساس هنا هي الإعداد العلمي لشريحة من المواطنين للتفاعل مع ظواهر السياسة بصورة علمية ما أمكن ، والتركيز على شريحة أصغر عدداً تكون لديها المهارات التحليلية والاستراتيجية لتقديم آراء وتصورات بصدد قضايا معينة تتعلق بالتطور المجتمعي والأمن القومي والسياسة العامة والسياسة الدولية ..لخ وهذا يحيل إلى موضوع البحث العلمي والدراسات السياسية والاستراتيجية وهو المهمة التي تلي مهمة التعليم الجامعي . وهكذا فإن مهمة كلية العلوم السياسية مهمة مزدوجة . الأولى هي إعداد أشخاص مؤهلين في موضوعات معينة لها طابع مهني. والثانية هي اعتبارها مركز للنشاط الأكاديمي والبحثي كما يتعلق بالوطن وتفاعلاته الداخلية والخارجية . ومن المفترض أن تحدد الكلية لنفسها تحقيق عدة أهداف بحثية وأكاديمية من قبيل:
- التركيز على مسائل الأمن القومي والسياسة العليا للدولة باعتبارها الهدف الأساس .
- دراسة الدولة الوطنية- القطرية والوحدة القومية ومقاومة التغلغل الخارجي.
- دراسة تحديات البناء الاجتماعي والاقتصادي والمسألة الثقافية.
- دراسة التكوين الدولتي ومتطلبات الحفاظ على الوحدة الوطنية.
- دراسة مصادر التهديد الداخلية والخارجية والسبل الممكنة لاستعادة الأراضي المحتلة.
- دراسة البيئة الإقليمية والتدخلات العالمية المفترضة.
هذه الجوانب تتداخل إلى حد يصعب التمييز بين عدد من مفرداتها ، إلا أننا نعوِّل على الإطار العلمي المحكم الذي يُفترض أن تتأسس وفقه كلية العلوم السياسية آخذين بالاعتبار التشعب الكبير لموضوعات ومناهج دراسة العلوم السياسية . وهنا نلفت إلى أهداف أخرى لا تقل أهمية ، بل لعلها في المقدمة :
تأكيد الانتماء للوطن ودولنة الوعي والحركية السياسية ومبدأ المواطنة مقابل الشعور بالانتماء إلى هويات متعددة تفتيتة متناقضة وغير" مدنية" ، وما قبل حضارية . وثانياً تأكيد الانتماء غير القابل للارتكاس لنظام قيم يضع العلم وأخلاقياته في المرتبة الأولى ولهذا شقين لهما طابع علمي وأخلاقي .
3- الكيفيات:
كيف تحقق كلية العلوم السياسية المهام التي ذكرناها ؟:
من الضروري أن نذكر الآن بأن كيفيات عمل كلية العلوم السياسية لا بد وأن تنسجم مع المعنى المفترض المذكور سابقاً من أن العلوم السياسية بالمعنى الجامعي هي صيغة مدرسية مبسطة للعلوم السياسية بالمعنى العلمي . وعليه فلا بد من أن ننطلق من وضعيتها وطبيعتها هذه ، فتكون الخطط مبنية على أساس تعليمي أولاً ثم بحثي ثانياً . وهكذا فإن كيفيات العمل تتركز في الصيغ التالية:
1- تدريس المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا.
2- تكوين وحدات ومراكز بحث سياسي واستراتيجي تابعة للكلية أو لها صلات خاصة بها.
3- إنشاء وحدات وورش عمل خاصة ذات طابع تجريبي وتهدف لاختيار حالات معينة في السياسة ، ولهذه الوحدات أو المخابر إمكانية التوفيق أو الدمج بين تخصصات عديدة ، وتحقق هدفين : الأول هو التفحص الافتراضي لاحتمالات تطور ظاهرة ما ، والثاني هو تأهيل المتدربين على التعامل مع ظواهر معينة وإكسابهم خبرة عملية افتراضية خلال مراحل دراستهم أو إجرائهم لبحوثهم.
4- إنشاء دورات تأهيل وتخصص عامة أو ذات طبيعة محددة تعالج قضايا ذات راهنية معينة يمكن أن تطلبها مؤسسات أو إدارات عامة في الدولة .
وأعتقد أن بإمكان هيئة العلوم السياسية ككلية أو كمركز بحوث .. الخ أن تعمل على تحقيق هيكلية قد تكون في الوقت نفسه إطاراً للعمل:
- أن تحدد الموضوع الرئيسي لاهتمامها أي قضيتها / قضاياها المركزية.
- أن تحدد الموضوعات الفرعية .
- أن تحدد الأنماط والقواعد النظرية والمنهجية والأيديولوجيات الحاكمة للعمل.
- يمكن للنقطة السابقة مباشرة أن تتفرع إلى تحديد القيم الرئيسة بناءً على حقائق السياسة المحلية للدولة والمجتمع وأن تحدد المفاهيم والتعميمات الرئيسة للغة وسلوك السياسة المفترضة للدولة والمجتمع.
إن العلاقة بين أزمة العلوم السياسية والاجتماعية وأزمة المجتمع والدولة( في المنطقة العربية) هي علاقة جدلية ، ومن المطلوب تحليلها وتشخيصها واعتبارها واحدة من أهداف ومهام " جماعة " العلوم السياسية في الوطن التي يتعين عليها أن تكون مدخلاً للتقدم والتنوير، وليس ما كانت تفعله بقصد وبدون قصد ، من تكريس للتخلف والتسلط والتبعية.
وعلى كلية العلوم السياسية أن تهيء الجماعة الأكاديمية للإجابة على أسئلة بالغة الأهمية . من قبيل:
لماذا لم يتأسس أو يتواجد علم(أو علوم) للسياسة في وطننا ؟.. ولماذا لم تستطع الجماعة الأكاديمية والمثقفون وضع إطار فكري لتحديث البلاد وتطويرها ؟.. لماذا عجزت العلوم الاجتماعية والفلسفة والمثقفون عن تحقيق أي برنامج نهضوي تنويري؟..
5- المهام العلمية لكليَّة العلوم السياسية:
ويمكن أن نحددها بما يلي:
المهمة الأولى: هي تأسيس علم (أو علوم) اجتماعية سياسية منفتحة وتنويرية وعلى قاعدة محلية تعبر عن الانتماء الثقافي والحضاري والخصوصيات الوطنية المباشرة.
المهمة الثانية: هي مراجعة المعارف والأساليب والكيفيات لدى المتدربين لصالح بناء جديد.
المهمة الثالثة: تتعلق بكيفية تدريس السياسة ومناهجها وأساليب التفاعل معها بين المدرسين والطلاب . وهنا يجب أن نعطي الأولوية لتسوية العلاقة المختلة بين المُعطيين التدريسي والإبداعي وبين المُعطي الثالث وهو العلوم خارج المؤسسة التعليمية . أي العلوم السياسية بما هي "علوم " لا بما هي " مقررات دراسية " أي بما هي بحث مستمر ومراجعة دائمة وهدم وبناء متواصلين.
المهمة الرابعة: وتتعلق بسابقتها وهي حسم حالة التردد أو العجز بصدد المسألة التالية : هل نركز على تقديم المعلومات أم على تقديم مهارات التلقي والتحليل.
المهمة الخامسة: هي حسم " المسالة الأيديولوجية " وهل تشكل الأيديولوجيا عائقاً أمام بروز علم ومؤسسة تعليمية وبحثية متطورة ؟.. اعتبر أن مسألة الأيديولوجيا أشبه بـ"كلمة السر " في تفسير الموضوع ، فهي تحمل مضامين النقدين أو التقييمين السلبي والإيجابي لتجربة العلوم السياسية . وبالرغم من أن النقد الوجيه لها وتحرج البعض من استخدامهما وثأر البعض الآخر منها ، إلا أنها تحتفظ بقدرات تفسيرية هامة كما ذكرنا وتستخدمها الكتابات والخطابات بكثرة من دون أن نسميها.
واعتقد أن استطراد الكلام من مسألة الأيديولوجيا ليس خروجاً عن الموضوع، فقد فشلت " تجربة العلوم السياسية بسبب الأيديولوجيا وهذا واضح، ويبدو بمقابل ذلك أن نجاح التجربة الجديدة يتوقف على الأيديولوجيا أيضاً، ولكن ليس بطبيعتها السابقة ، ولا بد معها وربما قبلها من وجود فسحة مقبولة من الحرية والموضوعية والفعالية والاستمرارية والتراكم العلمي.
المهمة السادسة: إزالة الالتباس – إن أمكن ذلك – بين الإعداد العلمي لفهم وتحليل السياسة وبين الإعداد العلمي والأيديولوجي لممارسة السياسة ، أي التمييز بين الجانبين العلمي والعملي . ذلك أن الالتباس يضرب أطنابه على كل مستوى بدءاً بأوسع دائرة وصولاً إلى " جماعة " العلوم السياسية نفسها . هذا الفهم والتفهم يحرر المشتغلين في العلوم السياسية من سلطات غير مقبولة هي: البيروقراطية والصور النمطية والعوائق السيكولوجية والسلفية السياسية .. الخ.
المهمة السابعة: تفتقد سورية إلى " جماعة / أكاديمية " متخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أو أحد تفريعاتهما وأما من يُمارس الكتابة( والتحليل) في السياسة الآن فأكثرهم أتى من ميادين أخرى ليست وثيقة الصلة بالسياسة والشأن العام . ونحن لا ندعو لِقَصْرِ الكتابة والتحليل على التخصص البحت ، إلا أننا نتأمل النظر في الموضوع بما يتناسب وأهميته وحساسيته، وبالتالي التعامل معه على أساس " مهني " في المقام الأول . وعلى هذا فإن سورية تشهد نقصاً شديداً في التأليف الأكاديمي والتاريخ والتحليل السياسي مقارنة بالدول الأخرى . كما أن استطلاع الكتابات الراهنة يؤكد ما نذهب إليه هنا لجهة النقص ولجهة ضعف المستوى إلى درجة محبطة.
وهن الكتابة السياسية ويمكن أن نقول وهم المعرفة السياسية في سورية هو هم مضاف على هموم وقضايا الوطن ، فالكتابة ابتليت حتى الآن بأشخاص وافدين إليها – كما ذكرنا – مغتربين عن مواهبهم ومشاغلهم الأصلية ، ونخص أولئك المشتغلين في مؤسسات رسمية نقابية وإعلامية ، إذ لا يوجد بينهم –وهذا قول يجب أن نتحقق منه- متخصص واحد في شؤون السياسة الإقليمية أو السياسات العامة أو الإدارة الدولية أو التفاوض إوالتحليل السياسي أو السياسة الخارجية أو الشؤون التركية أو الشؤون الإيرانية .. الخ.
وليس هناك من يختص بـ" الدراسات السورية " بالمعنى الأكاديمي ! فالهيئات السياسية والإعلامية والمنظمات لا تقوم بالمهام المفترض أن تقوم بها ، وذلك بسبب افتقارها إلى الرؤية والوضوح وروح الابتكار ، وبسبب البيروقراطية التي طنت أنها " ختمت " العلم ووصلت الحد الأعلى المطلق من الإبداع والإخلاص .
إن افتقاد الرؤية هو الداء العضال الذي يهدد المؤسسات التي تميل بالطبيعة_ ولكن بصورة زائدة عن الحد المعقول – إلى الجمود ،على ما يعبر" جيل دولوز".
نحن كمشتغلين في العلوم السياسية ، أمام تحد خطير جداً ، ولعل أولى الضرورات هنا هو إعادة الاعتبار لـ" المهنية " و" الأخلاقية " في االدراسات السياسية ومؤسسات البحث العلمي والأكاديمي أو العمل على تكوين هيئات وطنية للبحوث السياسية والاستراتيجية تقطع مع الحال المتردي لبحوث السياسة وتدريسها في بلدنا.
المهمة الثامنة: يمثل البناء الجديد للعلوم السياسية أحد أسس التحديث الذي يتضمن مراجعة لمفهوم السياسة وأطرها التحليلية ومرجعياتها وسلوكياتها بمستوى الدولة والإقليم والعالم ، ولعل أول ترسيمة ضرورية لهذه المراجعة تتجلى في " السياسة العامة" كواحدة من تفريعات العلوم السياسية والاجتماعية . إذ لا يمكن أن تدرس الإصلاح الاقتصادي ، ومكافحة الفساد، والمجتمع المدني، ونقل التقانة ، وتشجيع المبادرات الفردية ، والديمقراطية .. الخ بمعزل عن هذا المفهوم الأساس في العلوم السياسية وفي الظواهر السياسية على حد سواء.
وأما ما جرى في بلدنا حتى الآن ، فيبدو أنه عاكس منطق السياسة ومعقولها، إذ كثر الجدال عن الجانب الاقتصادي مثلاً من دون ضابط عمومي يحدد السياسة العامة للدولة ، والخطوات الكبرى للأمن القومي لسورية ومصالحها العليا . وقد لامس كثير من الجدال أسس الدولة نفسها وطبيعة علاقتها التكوينية بالمجتمع .
ويبدو أن تجاهل الكتّاب والمحللين السياسيين الإطار الكلي لسياسة الدولة ومصالحها العليا كان نقطة الضعف الرئيسة في خطابهم التحديثي- الاقتصادي ، ولذا فقد بقي خطاباً متعثراً حتى الآن . هذا يؤكد النقطة التالية : وهي أن على المشتغلين بالعلوم السياسية أن يمارسوا نقداً كلياً للسياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من منظور التحليل الكلي للعلوم السياسية مراعاة للسياق العام ولمنطق الأشياء . عند هذه النقطة ننتهي كلامنا عن التأسيس الأكاديمي للتحديث متحولين إلى الكلام عن " النزعة المضادة للتحديث "!
المهمة التاسعة: ولعل أكثر المهام حساسية وصعوبة أن تواجه النزعة المضادة للتحديث في بلدنا ، والتي تتجلى في نقطتين : الأولى هي الشك في علمية " العلوم السياسية " وقدرتها على النقد والتحليل والتخطيط ، والشك بجدوى الدراسات الاستراتيجية .
والثانية : هي المنظور الميتافيزيقي للسياسة والمنظور اللا تاريخي لإسهامات " العلوم السياسية، إذ يريد أولئك ( المضادون للتحديث ) ، أن تقوم العلوم السياسية ، بمهامها مرة أخرى ، دفعة واحدة / وبـ" ضربة واحدة " . يبدو تصنيفنا هنا واضحاً ، غير أن الواقع ليس بهذا الوضوح، إذ للنزعة المضادة للتحديث تأثيرها خادع ولا يستطيع الملاحظ اكتشافها بسهولة . ومن مظهرياتها الخادعة أنها تقدم أفكارها مقلوبة مثلما تتشكل الصور في شبكة العين فلا تمررها على أجهزة التقويم في الجملة العصبية الدماغية فتبقى الصورة مقلوبة ! وهي هكذا الآن بصدد الكلام عن تدريس العلوم السياسية ومستقبل "العلوم السياسية " و" العلاقات الدولية " الذي تتشكك بجدواه العلمية والأكاديمية وتسائلها عما منعته هي نفسها عن إنجازه!
5-العلوم السياسية والسياسة العامة:
نعتقد أن الطرح الجديد للعلوم السياسية في وطننا ، ونظراً لأهمية وخصوصية المهام والأدوار الموكلة إليها ، يجب أن تتمتع باهتمام خاص ، اهتمام من حيث البنية العلمية والإدارية وإمكانية التفاعل الداخلي والخارجي والتسهيلات وتجاوز البيروقراطيات المعروفة . ويمكن لمعنى " اهتمام خاص" المذكورة أن يتبلور أكثر إذا ما أدركنا فعلاً أهمية وخصوصية هذه العلوم (السياسية).
- من المهم مجاراة السياق العالمي والإقليمي الذي يتوسع في تدريس العلوم السياسية ، وذلك استجابة للتحديات المتكاثرة في البيئة العالمية ، إذ تهتم الدول بتفريعات العلوم السياسية وتنشيء مراكز وأكاديميات ومعاهد متخصصة .
- ويبدو أن إدماج معهد العلوم السياسية في الجامعة تحت مسمى جديد هو فعل يعاكس السباق العالمي والإقليمي . إذ كان بالإمكان إنشاء كلية العلوم السياسية أو أقسام للعلوم السياسية في الكليات الموجودة مع بقاء المعهد ، إذ أن تعدّد هيئات تدريس السياسة هو أمر طبيعي ومطلوب، خاصةً إذا كان ينطلق من تفريعات ومدارس علمية وتخصصية متعددة مثل الاقتصاد ، والحقوق ، والجغرافيا .. الخ .
- تفتح العلوم السياسية الأبواب لتخطيط وتكوين " حقائق" وبناء تصورات سياسية لديها القدرة على الابتكار والانتشار والإقناع والتصديق . ذلك أن العلم يعطي السياسة السورية قوة تأسيسية وإسنادية وقدرة على المضي نحو المستقبل بفعالية أكبر . وإذا ما تطورت دراسة العلوم السياسية فسيكون أمام الأكاديميين تكوين معرفة شاملة وفرص لتدعيم السياسة العامة داخلياً وخارجياً.
- تعيد العلوم السياسية – عندئذٍ التوازن – إلى صورة سورية التي غلب عليها مؤخراً توتر وتباعد بين أهل الثقافة وأهل السياسة.
- وتهذِّب العلوم السياسية الصور النمطية السلبية " الحياة السياسية " في سورية وعن " الكتابة السياسية" فيها وعنها . وتؤكد مصداقية الخطاب السياسي أمام الرأي العام بعدما اهتزت بنتيجة عدة عوامل منها : الأول هو النقد الذي مارسه كتَّاب وأكاديميون في العالم العربي وخارجه ، والثاني هو " فشل" المنظرين " والأيديولوجيين السوريين في مناظراتهم السياسية والإعلامية وفي تحليلاتهم للشؤون المحلية والإقليمية والدولية .
تهتم هذه المسارات والتطورات المقترحة بتفكيك الصور النمطية المشوهة والسطحية ولكن الواقعية في جوانب منها – عن العلاقة بين العلوم السياسية وبين السياسة العامة ، لصالح عودة الموضوع إلى دائرة الاهتمام ، بدلاً من حالته الهامشية و" غيبوبته " المزمنة.
تبقى نقطتان أجلناهما لكونهما يرتبطان بالسياسة الراهنة للدولة وليس بتجربة " العلوم السياسية ":
الأولى: تخص الاستجابة العلمية الأكاديمية لخطاب الرئاسة حول التحديث .
والثانية: تخص الاستجابة العلمية والأكاديمية لتحديات الأمن القومي.
عبَّر السيّد الرئيس بشار الأسد عن الرغبة في إطلاق مشروع إعادة النظر في البلد (السياسة العامة ، وخاصة في الجانب المعيوش ). ويعرف الجميع أن المعيوش لا يحيل 0 تحليلياً إلى الاقتصاد فقط ، وإنما إلى السياسة والثقافة والاجتماع .. الخ وقد كان الخطاب الرئاسي يتطلب إطاراً من هذا النوع الكلي ، إلا أن التفسيرات لم تستطع – أو لم تشأ- ملامسة الأبعاد الأخرى غير الاقتصادية له.
الآن حان الوقت لتنشغل " الجماعة الأكاديمية " المتخصصة في العلوم السياسية (ونرجو أننا نتحدث عن جماعة أكاديمية موجودة فعلاً) بما تخلَّفت عنه وتخلف عنه غيرها ، في اللحظة التي أتيح لها أن تدشن مشروع مراجعة وإعادة نظر شاملين بصدد السياسية المحلية والإقليمية والدولية . ولكن أن تقوم بذلك بعد ممارسة نقد ذاتي لتجربة السنوات السابقة من منظور سورية وليس من منظور " معهد العلوم السياسية " الذي لم يباشر مهامه الأصلية حتى الآن.
وإذا ما انطلقت " جماعة العلوم ا لسياسية " بعملها الأكاديمي فسوف تعيد ترتيب أولويات السياسة من جديد وفق أسس مطابقة – ما أمكن- للواقع السوري والإقليمي والعالمي الراهن.
هذا يحيلنا إلى النقطة الثانية وتخص الأمن القومي لسورية ، إذ لا يستطيع الباحث أو المتلقي أياً كانت صفته أن يجد ملفات ورؤى أكاديمية عن قضايا السياسة المحلية أو الخارجية . ولا يجد في سورية وحدة دراسية عن الشؤون الإسرائيلية أو التركية أو الإيرانية ..الخ . هذا يعني أن المتلقي لا يزوَّد بمعلومات وتصورات وتحليلات حول المخاطر التي تتهدد الوطن . وإذا سبرنا أحد أهم القضايا وهي الصراع مع إسرائيل .. فسنجد أن المعلومات عن العدو سطحية جداً حتى لدى أكاديميين ومثقفين معينين . فكيف هو الحال مع قضايا أخرى تليها في الأهمية ؟.
6- أطر وتشكيلات تدريس العلوم السياسية:
آ- الإطار العام:
ذكرنا سابقاً أن تحديث وتطوير دراسة العلوم السياسية والبحوث الاستراتيجية يمثل استجابة لهواجس السياسة السورية داخلياً وخارجياً ، سواء في موضوع التحديث للدولة والمجتمع أو في تجديد النظر إلى ا لعالم وتخطيط السياسات السورية تجاهه وتأثيراته الراهنة والمحتملة على سورية.
تطوير دراسة العلوم السياسية بهذا المعنى هو متغير تابع لمهمة أكبر وهي خلق استجابة علمية بصدد التحديات الكبيرة التي تواجه أمننا القومي ، بمعنى أننا لا نهتم بالعلوم السياسية كمسألة أكاديمية وثقافية ومهنية بحثية وإنما أيضاً كوسيط علمي وفعالية عقلانية تجاه السياسة السورية من خلال الأطر العامة التي حددها خطاب الرئاسة الأول.
ب- الإطارالمحدد : تدريس العلوم السياسية:
تتوسع العلوم السياسية أفقياً وعمودياً . فتزداد الموضوعات والقضايا التي تتناولها وتتفرع إلى تفريعات وتخصصات عديدة مثل: علم السياسة ، ونظم الحكم، والسياسة العامة ، والديمقراطية ، والأمن القومي، والاستراتيجية ، والتنمية، والأحزاب السياسية ، ومشكلات الحدود ، والسياسة المقارنة ، والدبلوماسية ، وفلسفة السياسة ، والدراسات الإقليمية ، والمنظمات الدولية، والقانون الدولي ، وحقوق الإنسان ، والمنظمات الأهلية .. الخ.
وبنظرة عامة على حالة هذه العلوم في بلدنا ندرك أننا ما نزال خارج دائرتها حتى بعد مضي أكثر من عقدين على إحداث " المعهد العالي للعلوم السياسية ".
وإذا ما أردنا تجاوز " المسافة الفاصلة" عن العلم ومن ثم الاتصال بدائرته والاندماج فيه فسيتعين علينا أن نهتم به من عدة مداخل:
- إنشاء أقسام ووحدات تعليمية ضمن كليات العلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد وغيرها ، أقسام أو مواد بحثية تكون ذات صلة بالسياسة أو أنها تقدم الظواهر الإنسانية التي تتناولها تلك العلوم من منظار العلوم السياسية أو أحد تفريعاتها : الجغرافيا السياسية ، والتنشئة السياسية ، التحليل اللغوي للسياسة ، علم النفس السياسي ، دراسات التنمية ، الاقتصاد السياسي، حقوق الإنسان .. الخ.هذه مفردات عامة وقد تكون موجودة جزئياً إلا أنها شكلية حسب ملاحظاتي وتقييمي لعدد منها.
- و/ أو إنشاء أقسام للدراسات المتخصصة بأحد التفريعات المذكورة تتبع أحد التخصصات العامة انطلاقاً من الدراسات العليا، فمثلاً يمكن أن يحدث تخصص للدراسات العليا في الجيواستراتيجيا في قسم الجغرافيا ، وتخصص علم النفس السياسي في قسم علم النفس ، وهكذا.
- و/ أو إنشاء كلية للعلوم السياسية على غرار كلية الآداب . تتكون من عدة أقسام بدءاً من السنة الأولى أو الثانية بحيث يمكن تغطية عدة تخصصات فرعية للعلوم السياسية بصورة أشمل ، ولتكن البداية بعدد محدد من التخصصات ويمكن توسيعها في المستقبل.
- إنشاء أقسام جديدة للدراسات العليا في كلية العلوم السياسية من قبيل: السياسة العامة ، النظم الدولية والإقليمية، الدراسات الأمنية والدفاعية، السياسة الخارجية ، والمنظمات الدولية، والقانون الدولي ..الخ
وهنا يمكن أن تتشارك الكلية المقترحة مع وزارات التعليم العالي والإعلام والخارجية ، والمؤسسات الأخرى في إيجاد صيغ مستقبلية للعلاقة التفاعلية معها على مبدأ ربط مخرجات العلوم السياسية بالاحتياجات المباشرة وبعيدة المدى للهيئات الحكومية والمجتمع. هذه النقطة تؤدي إلى إدماج منظور جديد للسياسة يُسمى " الإدارة الرشيدة " أو العقلانية للحكم.
وسوف تتقدم سورية وعندئذٍ – في مسار إنتاج المعلومات وأفكار السياسة وتسويقها إلى العالم العربي والشرق الأوسط والعالم ، بدلاً من كونها – راهناً – أكبر" مستهلك " للمعلومات التي تأتي من الخارج . إن الإدارة الحديثة لتعليم السياسة تؤدي وفق منظورنا إلى تكوين إطار نظري متكامل يسمح بالإجابة على أسئلة السياسة في سورية داخلياً وخارجياً . وستنتهي بذلك عذابات المعهد العالي للعلوم السياسية مع نفسه ومع السياسة التعليمية في البلد نهاية سعيدة.
ج- الإطار المحدد : الدراسات السياسية والاستراتيجية :
يمكن إنشاء مركز للدراسات السياسية والاستراتيجية – قد تختلف تسميته – يتبع الكلية ويكون متعدد المهام التي نذكرها وفق ما يلي :
على الصعيد العالمي:
- دراسة تطورات السياسة الدولية وتداعياتها على السياسة السورية والأمن القومي.
- مراجعة قضايا السياسة الخارجية السورية على الصعيد العالمي.
- دراسة مصادر التهديد الخارجية وتقديم مقترحات بصددها.
على الصعيد الإقليمي:
- دراسة ديناميات النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي.
- دراسة التطورات الراهنة والمحتملة في البيئة الإقليمية وآليات التغلغل الخارجي.
- دراسة دوائر السياسة الإقليمية لسورية في المنطقة وآسيا وأفريقيا .
- دراسة القضايا الإقليمية مثل المياه والعنف والتسلح والتنمية.
على الصعيد الوطني / الدولتي:
- دراسة ديناميات السياسة المحلية واتجاهات القوى الاجتماعية والسياسية نحو النظام السياسي والسياسة العامة للدولة.
- دراسة مصادر التهديد الداخلية للأمن القومي.
- دراسة القضايا الرئيسة: الاقتصادية والتنموية والبيئية ..لخ.
- دراسة المشروعات الراهنة والمحتملة للتحديث والتطوير.
- مراجعة لغة وسلوك السياسة العامة حول مختلف القضايا العامة.
على الصعيد المهني:
- العمل في إطار مؤسسي أكاديمي.
- توثيق الصلات بين أهل الثقافة والتخصص الأكاديمي وبين أهل السياسة .
- ترسيخ تقاليد للعمل العلمي بشأن السياسة واستشراف المستقبل.
- المواكبة المعرفية والتخطيطية للثورة العلمية والتكنولوجية واقتراح تطبيقات عامة أو محددة بشأنها.
- دعم البيئة العلمية والاستشارية لصانع القرار.
- تقديم مساهمات نخبة من الدارسين إلى القراء ووسائل الإعلام والجامعات..الخ.
د- الهيكل / البنية المقترحة:
في ضوء المفردات والمهام السابقة يمكن أن تشمل الدراسات السياسية والاستراتيجية الأقسام والتفريعات التالية:
- قسم الدراسات الدولية:
يمكن أن ينقسم إلى وحدات حسب الموضوع أو حسب القطاع الجغرافي، ويمكن أن تدمج الطريقتان وفق ما يلي:
وحدة المنظمات الدولية ، وحدة القانون الدولي ، وحدة الشؤون الأمريكية، وحدة الشؤون الإفريقية ، ووحدة الشؤون الآسيوية ، وحدة الشؤون الأوروبية.
- قسم الدراسات الإقليمية – الشرق أوسطية: ويمكن أن ينقسم إلى وحدات:
حسب القطاع أو الموضوع ويمكن أن تدمج الطريقتان وفق ما يلي:
وحدة الدراسات العربية، وحدة الدراسات التركية ، وحدة الدراسات الإيرانية ، وحدة الدراسات المناطقية ، وحدة الدراسات الجيوبولتيكية .
- قسم الدراسات الأمنية والعسكرية أو دراسات الأمن القومي:
ويمكن أن تتألف من وحدات بحث حول الجيوش والقوة الوطنية . والتسلح ومصادر التهديد المباشر وغير المباشر ، العسكرية وغير العسكرية ، وتبحث في الاستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية تجاه المنطقة وتجاه سورية.
- قسم الدراسات الإسرائيلية:
ويمكن أن يتكون من هيئات بحث ووحدات متعددة تغطي " المسألة الإسرائيلية" في المنطقة تاريخياً وثقافياً .. الخ.
- قسم السياسة العامة:
ويمكن أن يتألف من وحدات بحث متعددة تغطي جوانب الحياة المختلفة واتجاهات القوى المجتمعية بما في ذلك قضايا الإصلاح والتحديث وفق وحدات مفترضة من قبيل : وحدة الدراسات الاقتصادية ، الدراسات الجنائية والأمن الداخلي، الدراسات الإعلامية ، الدراسات الثقافية.
- قسم النشر العلمي:
ويمكن أن يتألف من وحدات للطباعة والنشر والتوزيع ، ووحدات للإشراف على إصدار مجلات وسلاسل كتب ودراسات معينة.
- قسم العلاقات العامة:
ويمكن أن يتألف من وحدات تقوم بإدارة التفاعلات مع المؤسسات والمنظمات والمراكز المماثلة ووسائل الإعلام ويُعد لعقد المؤتمرات العلمية.
لقد أراد هذا النص أن يطرح للمناقشة موضوعاً بالغ الأهمية والحساسية ، وقد حاول أن يقترح أطراً للعمل بشأن كلية العلوم السياسية ، غير أنه يدرك تماماً أن ما قدمه لا يزيد عن كونه تحديثات أولية برسم النقاش الذي نتمنى أن يكون جاداً ومثمراً ، وأن يكون بمثابة تهيئة بحثية وثمراً ذهنياً من أجل تحديد المفردات التفصيلية للصورة المحتملة لكلية العلوم السياسية المزمع إنشاؤها كبديل للمعهد العالي للعلوم السياسية .
نأمل أن يتحقق الأمل بوجود كلية العلوم السياسية تتمتع بالموضوعية والعمل المتجرد وتتميز بالإمكانات النظرية والعملية وتتسلح بمنهج نقدي وقدرة على الابتكار والتجديد في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ..
وتجسد الفجوة بين الدراسات الأكاديمية وبين نخب صنع السياسة العامة للدولة.
سبق (لروبرت ماكنمارا) أن عرَّف الأمن القومي بـ" التنمية‍ " وذكر تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2002 أن دراسة أجريت على(162) دولة . خلصت إلى أن الرأسمال البشري يساهم بما لا يقل عن64% من النمو وأن الرأسمال المادي يساهم بنسبة 16% والرأسمال الطبيعي بنسبة 20% من النمو . ونحن أمام فرصة مراجعة وتعظيم نسبة مساهمة الرأسمال البشري في سورية في مسار التنمية الشاملة.
فهل تتأسس دراسات العلوم السياسية والعلاقات الدولية بصورة عقلانية وأكاديمية جادة ؟.. أم تظل محكومة بالقصور الذاتي والموضوعي ؟..هل نبدأ مشروعنا ؟.. للنهوض بها بصورة تليق بالبلد ككل ؟.. أم نبقى على هامش الدراسات السياسية الخاصة بالمنطقة ؟.. وهل سنترك للآخر أن يكتب عنا وعن تاريخ وسياسات بلدنا ؟..
لقد كان إهمال دراسة العلوم ا لسياسية وعدم الاكتراث بها مثار قلق ، ولكنه لم يعد مقبولاً ، الآن لتبدو المسألة ، مصارعة بين الوجود والعدم ، وكأنما " العلوم السياسية " تواجه مستقبل ، " شهرزاد " عند الفجر . أما والحال هكذا فلندعها أو فلنترك لها فرصة أو إمكانية أن تتأسس من جديد فتكمل " الحكاية " .
أخيراً قد يكون التطوير مكلفاً ولكل كلفة الجهل بالسياسة لا حدود لها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* - كتب هذا البحث في سياق السجال الذي رافق صدور القانون رقم 4 تاريخ 5/6/2003
القاضي بإلغاء المعهد العالي العلوم السياسية و إحداث كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق






#سمير_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبرة التاريخية للغزو الأمريكي للعراق
- الانتهازية و الانتهازيون
- حول عقلنة الفعل السياسي العربي - ملاحظات اولية
- نحو رؤية جديدة للمسألة اليهودية - الجزء الثالث
- - نحو رؤية جديدة للمسألة اليهودية - الجزء الثاني
- نحو رؤية جديدة للمسألة اليهودية - الجزء الاول
- قراءة في كتاب ميثم الجنابي - العراق ومعاصرة المستقبل


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمير إسماعيل - وصف حالة العلوم السياسية في سورية - مراجعة اولية و اقتراح مرجعية نظرية حول إعادة التأسيس *