|
هيئة العلماء المسلمين وقضية كتابة الدستور العراقي الدائم .
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 07:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اكتسبت هيئة العلماء المسلمين في العراق وزنا سياسيا متناميا منذ بداية الاحتلال الأجنبي لعدة أسباب تتعلق بالوضع السياسي الجديد الذي نشأ في أعقاب الإطاحة بالنظام الشمولي وصعود ظاهرة المقاومة العراقية .. وبمرور الوقت ،وتزايد حدة الصراعات والفرز والاستقطاب السياسي والمجتمعي، تمكنت الهيئة التي تصف نفسها بأنها هيئة لعلماء الدين المسلمين وهم غالبا من السُنة وليست جهة سياسية من أن تملأ الفراغ الهائل الذي نشأ ضمن الظروف الجديدة في معسكر مناهضة الاحتلال بالمشاركة مع قوى جديدة وأخرى نهضت مجددا بعد انهيار النظام كالتيار الصدري . إن هيئة العلماء المسلمين ، ورغم إنها لا تصف نفسها بالحزب أو الجهة السياسية رسميا ، تقوم مجازا وعلى الأرض مقام حزب كبير ومنظم فلها مؤيدون وجمهور عريض خصوصا في العاصمة بغداد ومناطق الشمال الغربي . ورغم بعض الهفوات القليلة في الأداء السياسي للهيئة من قبيل انجرارها وراء شائعة لم تثبت صحتها حول محاولة للاعتداء على صدام حسين في سجنه أو انجرار بعض أعضائها- وإن نادرا - إلى المزايدات ذات النزوع الطائفي ظلت الهيئة متساوقة وبشكل جوهري مع الخط الوطني الرافض والمناهض للاحتلال الأجنبي والساعي إلى الاستقلال الحقيقي والسيادة غير المنقوصة . لقد ناشدت الهيئة العراقيين عدم المشاركة في الانتخابات إن لم تحل أزمة مدينة "الفلوجة " حلا سلميا غير أن المجزرة الكبيرة التي ارتكبتها القوات المحتلة والأخرى المتحالفة معها و انتهت بتدمير المدينة تدميرا كاملا جعلت المناشدة لمقاطعة الانتخابات للجمعية العامة التي تقرر أن تكون مهمتها كتابة دستور دائم للبلاد تتخذ حجما كبيرا وكادت تشل العملية الانتخابية بشكل فعال فحتى بموجب الأرقام التي قدمتها الجهات المشرفة والداعية لتلك الانتخابات فإن المقاطعة النوعية بلغت 42 بالمائة من مجموع من يحق لهم التصويت . وفي أعقاب تلك الانتخابات مباشرة ، وفي خضم دراسة نتائجها وإفرازاتها ، كانت إحدى الجهات السياسية العراقية المناهضة للاحتلال وهي التيار الوطني الديموقراطي قد دعت إلى أن تتولى القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال كتابة مسودة دستور وطني دائم وباستقلال تام عن العملية السياسية التي يشرف عليها الاحتلال والحكومة الموالية له ( مثلا ، مقالة لكاتب السطور بعنوان : هل يمكن كتابة مشروع الدستور خارج البرلمان ؟ القدس العربي عدد 22/2/2005 ). لقد مرت تلك الدعوة التي أعلنت في عدة مقالات لرموز التيار المذكور في الصحافة العربية ووسائل الإعلام المرئية مرور الكرام تقريبا ولم يفوت البعض فرصة التهكم عليها . وقبل أيام قليلة عادت هيئة العلماء المسلمين إلى تلك الدعوة وشكلت فعلا لجنة أطلق عليها "اللجنة القانونية للمشاركة في كتابة الدستور الدائم " قد يفهم من الاسم أن تلك اللجنة تريد مشاركة اللجنة المشابهة التي شكلت من قبل الجمعية الوطنية التي جاءت بها انتخابات الثلاثين من كانون الثاني غير أن الحقيقة خلاف ذلك ، فقد صرح أحد رموز الهيئة وهو الشيخ عبد السلام الكبيسي أن اللجنة التي شكلتها الهيئة مستقلة تماما ولا علاقة لها بما يسمى العملية السياسية التي يديرها الاحتلال وحلفاؤه المحليون وإن مهمتها هي (كتابة المبادئ العامة التي يجب أن يبنى عليها دستور البلاد ). وأضاف ( عمليا لا يعنينا أن يطرح هذا الدستور لاستفتاء) وأكد أن (الإسلام سيكون المصدر الأساس لهذا الدستور) إن تفعيل الدعوة إلى كتابة مسودة دستور دائم أمر إيجابي تماما غير أن من الصحيح أيضا أن لا تكون عملية التفعيل والتنفيذ فردية وإحادية المصدر يشرف عليها طرف واحد من أطراف الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال لأنها في هذه الحالة لن تعدو أن تكون مشروعا فرديا يحمل توقيع الجهة المنتجة لتلك الوثيقة . بكلمات أخرى : إذا كان المراد كتابة مسودة وطنية مستقلة للدستور العراقي الدائم فإن المنطق السياسي والمجتمعي يقتضي أن تكون الأطراف المشاركة في العملية ممثلة لأوسع طيف ممكن من القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال وفي حال العكس لن يكون ذلك الدستور عراقيا بل دستورا للجهة التي أطلقته . إن أجواء التشتت وغياب التنسيق واعتماد المبادرات الفردية المهيمنة على أداء أطراف العمل الوطني المناهضة للاحتلال سيقود تلقائيا إلى الإبقاء على أحسن وأنضج المشاريع والأفكار السياسية في حجمها الحقيقي الصغير وبالتالي فهي لن تخرج من حالة "الحبر على الورق ". ومن المستلزمات المهمة الأخرى لإنجاح مشروع سياسي من هذا النوع وبهذا الحجم السيطرة على وزن المحور القانوني وإعطائه أهميته المستحقة وتحديد وزن المحور السياسي أيضا إذ أن عملية كتابة الدستور في أي زمان ومكان هي عملية قانونية في الدرجة الأولى وسياسية في الثانية . صحيح إنها لن تنجح إلا بوجود شكل من أشكال التوافق السياسي داخل الجمعية التأسيسية المشرعة للدستور ولكن ذلك لا يعني إخراج العملية من إطارها القانوني وجعلها مشكلة سياسية بحتة . لقد فعلت هيئة العلماء المسلمين حسنا حين أطلقت مجددا الدعوة لكتابة مسودة مستقلة ووطنية لدستور عراقي دائم ولكنها جانبت الصواب في أمرين : الأول إنها انفردت مع بعض الأطراف السياسية القريبة منها بل وتجاهلت قوى مهمة أخرى لها وجودها المناهض للاحتلال كالتيار الصدري والتيار القومي العربي بل ولم تفكر بدعوة أو استشارة حتى الطرف الذي أطلق الفكرة منذ ثلاثة أشهر ألا وهو التيار الوطني الديموقراطي الذي يحتفظ بعلاقات متواصلة وجيدة مع الهيئة . والأمر الثاني وهو المتعلق باستباق عملية كتابة الدستور ذاتها و اشتراط فقرة مضمونية كبيرة الأهمية تتعلق بمصدر التشريع إذ يفهم من تصريح الشيخ الكبيسي السالف أن الهيئة قد قررت منذ الآن أن يكون " الإسلام هو المصدر الأساس لهذا الدستور " وهي بهذا قد أخرجت مقدما قوى سياسية عراقية وطنية مناهضة للاحتلال قد يكون لها رأي آخر قد لا يكون بالضرورة مخالفا أو نقيضا تاما لما تراه الهيئة وقد يكون كذلك . لا نناقش هنا صوابية أو عدم صوابية هذه الفقرة الدستورية بل نؤكد على أن من الخطأ استباق الأمور وفرض الشروط المسبقة من قبل هذا الطرف أو ذاك على عملية دستورية تهم الشعب بأسره . من المفيد كما نعتقد التوقف عند بعض التصريحات التي أدى بها بعض أعضاء الهيئة خلال وبعد انعقاد الندوة الخاصة بلجنة المشاركة في كتابة الدستور فقد صرح الشيخ محمد بشار الفيضي، الناطق الرسمي لهيئة علماء المسلمين لإحدى الصحف العربية قائلا (انه من الضروري تشكيل لجنة منتخبة من قبل الشعب العراقي من خارج الجمعية الوطنية تعمل من أجل الإشراف على إعداد وكتابة الدستور وإقراره، ومن ثم إجراء الاستفتاء الشعبي العام عليه.) فهذا التصريح يتناقض مع مضمون تصريحات أخرى لزملاء الشيخ وخصوصا في موضوع إجراء الاستفتاء ، ومن جهة أخرى فثمة تناقض عميق يخترق عبارة ( تشكيل لجنة منتخبة من قبل الشعب العراقي من خارج الجمعية الوطنية ) فتشكيل لجنة شيء وانتخاب لجنة شيء آخر ومختلف ، ثم إن الطرف المقابل المتمثل بالجمعية الوطنية ولجنتها سيحتج بأنه هو الآخر منتخب وبالتالي لا حاجة لانتخاب لجنة جديدة . إن الدعوة إلى انتخاب لجنة جديدة تشرف على كتابة الدستور تعني حكما وبشكل قاطع نزع الشرعية عن الجمعية الوطنية المنبثقة عن انتخابات الثلاثين من كانون الثاني وهذه مشكلة حقيقية لا يمكن القفز عليها بواسطة البلاغة اللغوية فحتى هيئة علماء المسلمين ذاتها لا تصف تلك الانتخابات وبالتالي الجمعية العامة المنبثقة عنها بأنها غير شرعية بل بناقصة الشرعية الأمر الذي أكده مؤخرا الشيخ حارث الضاري رئيس الهيئة في برنامج حواري على إحدى القنوات الفضائية . إن الإطار الحقيقي لتفعيل فكرة كتابة مسودة دستور عراقي دائم من قبل القوى المناهضة للاحتلال يتطلب أولا وقبل كل شيء توحيد تلك القوى في إطار سياسي متماسك لا تغيب عنه فصائل المقاومة العراقية ويتطلب ثانيا إيجاد تلك الموازنة المهمة والدقيقة بين ما هو قانوني وما هو سياسي في العملية و الأخذ بمبدأ التوافق بين ممثلي القوى السياسية والفئات الاجتماعية العراقية المشاركة في العملية ورفض الاشتراطات المسبقة وخصوصا ذات الأبعاد السياسية والأيديولوجية .كما يمكن التفكير بعد إنجاز عملية كتابة المسودة الوطنية للدستور الدائم بأكثر من أسلوب لإضفاء الشرعية عليها كالقيام بحملة وطنية جماهيرية كبرى لجمع ملايين التواقيع تأييدا لها ، أو إجراء استفتاء شعبي بمساعدة الهيئات والمنظمات الدولية المستقلة تدخل فيه المسودة الوطنية كطرف مستقل في مواجهة المسودة التي سيقدمها حلفاء الاحتلال المحليون لتكريس سيادة الشعب فعليا من خلال ترك الكلمة الفصل له في تقرير أي من المسودتين للدستور سيختار .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا انتخب الطالباني في ذكرى تأسيس البعث وأحضر صدام لمشاهدة
...
-
تقنيات السرد المتداخل والبنية الزمنية في رواية - غرفة البرتق
...
-
مجزرة الحلاقين وضرب الطلبة الجامعيين !
-
الإرهاب والتهديد بالانفصال وجهان لعملة الاحتلال الواحدة
-
الشهرستاني من مرشح إجماع وطني مأمول إلى حصان طائفي مرفوض
-
تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الا
...
-
تصاعد التفجيرات الإجرامية وواجب المقاومة العراقية الجديد .
-
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
-
/قراءة في تقرير المعهد الدولي للعدالة الانتقالية 6لكي لا ننس
...
-
كيف ينظر العراقيون إلى مأساتهم وجلاديهم وقضائهم /قراءة في تق
...
-
القنبلة الطائفية والعنصرية جاء بها الاحتلال وسيفجرها العملاء
...
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|