|
ميثاق إصلاح العدالة بالمغرب: أي ميثاق لأية عدالة
اسماعين يعقوبي
الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 15:23
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
جاء ميثاق إصلاح العدالة في سياق أحداث وصراعات ورهانات مختلفة بين جل الأطراف المشاركة أو المقاطعة أو المغيبة من الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة. ويمكن إجمالها عموما في أربعة محاور رئيسية تهم خصوصا: - الوثيقة الدستورية، - مبادرة الإصلاح، - اختصاصات وزير العدل والحريات، - الإجراءات التقنية لإصلاح العدالة المعطوبة،
1- الوثيقة الدستورية: لم تكن الوثيقة الدستورية محط إجماع وطني، حيث عبرت مجموعة من الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والحركات الاحتجاجية عن رفضها ومقاطعتها للاستفتاء على الدستور الذي لا يستجيب لطموحاتها إن على مستوى الشكل أو المضمون. وقاد أحزاب تحالف اليسار الديمقراطي (حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حزب الأمة، النهج الديمقراطي، الطلبة، المعطلون، العدل والاحسان وحركة 20 فبراير ...حملة لمقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور المغربي المعروض للتصويت يوم فاتح يوليوز 2011 لاعتبارات عديدة منها: - المنهجية اللاديمقراطية التي اعتمدت في إعداد مشروع الدستور، - مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لا يستجيب لمطلب نظام الملكية البرلمانية، - لا يقوم على الفصل التام والحقيقي بين السلط، بما يخولها القيام بمهامها ووظائفها بالكامل، ويسمح لها بالمراقبة والمحاسبة؛ - حافظ في جوهره وعمقه على أهم المرتكزات والأسس التي ينبني عليها النظام السياسي الحالي القائم على التحكم الموسوم بالحفاظ على قيم وثقافة الدولة التقليدانية، ويكرس الملكية التنفيذية بصورة أخرى، وبالتالي فان مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لم يحقق المطلب المركزي للشعب المغربي، ولم يستجب لحاجات المغرب في إقرار نظام سياسي ديمقراطي. - المناخ الوطني العام المطبوع باستمرار الفساد والقمع والمحاكمات الصورية والتحكم في الإعلام العمومي واعتماد نفس الأساليب التقليدية في احتواء حركية المجتمع ومطالبه المشروعة في الديمقراطية،
وبدل استدراك نواقص الوثيقة الدستورية والدفع بها إلى الإمام قصد الاستجابة لمتطلبات الشعب المغربي وقواه الحية، كان الأمر محسوما فيه بالنسبة للدولة ووزير العدل والحريات الذي أكد أن مختلف أطوار الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة جرت في جو من الحرية التي لا سقف لها إلا سقف الدستور. كما أن تشكلة هيئة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أشارت صراحة إلى إشراك ممثلي الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان، في استثناء تام لكل الأحزاب والتنظيمات التي لها موقف من الدستور ومن العملية الانتخابية المرتبطة به، وهو ما أكدته تشكلة الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي غيبت الأحزاب السياسية والممثلين النقابيين في إشارة إلى السقف المتاح والمحدد لإصلاح منظومة العدالة.
2_ مبادرة الإصلاح: بعد تعيين مصطفى الرميد وزيرا للعدل والحريات، بادر إلى إعلان مبادرة لإصلاح منظومة العدالة، وحدد الهياكل المشرفة على الإصلاح ومختلف الخطوات التي سيتم تتبعها، كما راسل مختلف التنظيمات النقابية والجمعوية الفاعلة في قطاع العدل للإدلاء بمقترحاتها ونظرتها للإصلاح المنشود، قبل أن يتفاجأ بتنصيب الملك لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. ان هذا التنصيب حمل رسالة قوية لوزير العدل وحزبه مفادها أن الإصلاحات لا تقودها الأحزاب ولا الوزراء، وان الإصلاحات في المغرب متواصلة ولم تأت مع حزب العدالة والتنمية، كما رسم حدودا لأي حوار وإصلاح للعدالة، حيث أكد الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب أعضاء الهيئة على: "وقد سبق لنا في خطاب العرش لسنة 2008 أن دعونا لحوار واسع لبلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء. كما حددنا المحاور الأساسية لهذا الإصلاح في خطابنا الموجه للأمة في 20 غشت 2009. وقد حرصنا على تتويج هذا المسار الإصلاحي بمقتضيات الدستور الجديد للمملكة التي تنص على ضمان الملك لاستقلال القضاء وتكرس القضاء كسلطة مستقلة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية٬-;---;-- وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية برئاستنا وبالنص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ودور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم. تلكم هي المرجعيات الأساسية لهذا الحوار الوطني الذي نريده مناسبة لتأكيد تشبث المغاربة بالنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز..." من هنا يتضح أن المطلوب من مصطفى الرميد بصفته وزيرا للعدل والحريات، وعضوا في حزب العدالة والتنمية هو تنزيل الدستور فيما يتعلق بالسلطة القضائية والقيام بالتعديلات التي تتماشى مع متطلبات الدستور وتحترم روحه. لقد كانت الهيئة العليا للحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة احتواء للأزمة التي يمكن أن تنشب بين الدولة وحزب العدالة والتنمية، هاته الهيئة قدمت خدمة مزدوجة: فهي أولا لم توقف الحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة الذي أطلقه الرميد، حيث كان بإمكان التوقيف المباشر للمبادرة اندلاع مواجهة مباشرة بين الأطراف. وهي ثانيا مكنت رجالات الدولة من مختلف التخصصات والتوجهات من ضبط الحوار الوطني ومجرياته وأجندته حتى لا يذهب إلى أبعد الحدود، أي أن يبقى ضمن الإطار المسموح به وهو تنزيل الدستور. كما أن إقصاء ممثلي الموظفين في الهيئة، والعديد من المتدخلين المباشرين في العملية القضائية (قضاة، محامون، عدول، نساخ، خبراء، مفوضون قضائيون...) شكل فرصة قوية لتصدير الأزمة إلى وزير العدل والحريات وتحويل الصراع من صراع بين الدولة ووزير العدل وحزبه إلى صراع داخلي بين وزير العدل والحريات والتمثيليات النقابية والمهنية لمختلف الفاعلين في القطاع. وقد تنبه حزب العدالة والتنمية أو وزير العدل والحريات لهذا التحوير، إلا أنه لا يملك القدرة على المواجهة المباشرة بحكم وجوده على رأس الحكومة والقطاع، وهكذا جاء الرد على لسان نقابة الوزير بالقطاع التي لخصت الصراع والتناقض في موقف: "إن الجامعة الوطنية لقطاع والتي لم تخف حماستها للمشاركة في الحوار المذكور ودعمها إياه ........ لتجد نفسها اليوم اقل حماسا واضعف أملا في هذه اللحظة التاريخية التي كنا نتطلع إلى أن تكون محطة نوعية في مسار عدالتنا..." (بيان 9 ماي 2012 أي يوم واحد بعد تنصيب الهيئة). ان لغة الحماسة، الدعم، اضعف أملا، اقل حماسة، اللحظة التاريخية، المحطة النوعية في مسار عدالتنا...، ليست لغة نقابية وإنما لغة سياسية لحزب سياسي تم وقف مبادرته بطرق لبقة. فالحزب والوزير وعلى لسان النقابة يريان أن الإصلاح الذي يعتزمون القيام به غير ممكن وتمت محورته عن أهدافه الحقيقية، وبالتالي فالتجند للحوار الوطني من اجل إصلاح منظومة العدالة لم يعد يهتم لمضمون الحوار، وإنما لشكله فقط وذلك حفاظا على ماء وجه الحزب والوزير والتحالفات الحكومية الهشة. 3_ اختصاصات وزير العدل والحريات: اعتبرت وزراة العدل وزارة سيادة لعقود من الزمن، للملك فقط حق التصرف فيها ولا يحق للوزير الأول أو الأحزاب السياسية تعيين أي وزير للعدل أو التدخل في شؤونه. وبعد مشاورات ومناورات مرحلة التناوب/الإشراك، أصبح منصب وزير العدل منصبا سياسيا بعيدا عن منطق السيادة السائد سابقا في حدوده الشكلية طبعا. وبفعل هذا الانتقال، وقعت بعض الاحتكاكات بين المخزن ورجالاته المخلصين ووزير العدل بفعل الاختصاصات التي يتوفر عليها وبفعل إمكانية فتح المتابعة في حق البعض منهم أو على الأقل الاطلاع على ملفات الفساد المتعلقة بهم. وكان للحراك الذي عرفه المغرب على غرار باقي دول ما سمي بالربيع العربي والذي أدى إلى صعود حكومة ملتحية إلى سدة الحكم الشكلي بعد الدستور الذي قاطعته العديد من الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية دور كبير في محاولة إعادة الدولة ترتيب أوراقها. ان هذا الحراك نتج عنه صراع بين الطرفين النقيضين في المجتمع وصراع آخر بين طرفي الحكم المتمثل أساسا في حكومة "الصناديق" أو التسويات السياسية وحكومة الظل. وقد لعبت وزارة العدل والحريات دورا أساسيا في هذا الصراع، بها وحولها. وإذا كان خيار إرجاعها إلى حضن وزارات السيادة خيارا يعاكس التاريخ ومنطقه وتطوره ويعبر عن سياسة صبيانية، فان إفراغها من مضمونها السياسي إمكانية واقعية تجد مبررها في المطالب الحقوقية والسياسية باستقلالية السلط الثلاث: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع فارق كبير في كون الدولة المغربية تنتقي من المطالب الديمقراطية ما يؤبد سيطرتها ويمنع الفاعلين السياسيين من القيام بأي تغيير في بنية الدولة. وقد كان هذا التوجه قد أرسى قواعد اللعبة حتى قبل انطلاق جولات إصلاح منظومة العدالة حين أقصى وزير العدل والحريات من تركبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتعيين هيأة عليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. وقد عمل وزير العدل على استدراك ذلك بدفعه في اتجاه إبقاء النيابة العامة تحت إمرته بدون جدوى نظرا للترتيب المسبق للأمور حيث نجد في الفصـل 110 من الدستور " يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها"، وهو ما لم يتم استيعابه في حينه، وما الأجواء التي مرت فيها الندوة الجهوية الثامنة التي تم عقدها بأكادير حول موضوع استقلال السلطة القضائية إلا خير دليل على ذلك. وقد جاء القول الفصل بفصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. وقد زكى التعديل الحكومي الأخير هذا التراجع، حيث عادت أم الوزارات إلى سابق عهدها بعد مرحلة سياسية وجيزة. يتبع
#اسماعين_يعقوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجميد 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار وسياسة التضليل
-
خمسون سبب يدعو حزب ابن كيران الديني إلى الانسحاب من الحكومة
...
-
واقع المؤسسات التعليمية بالمغرب بين الوفا ومدير ثانوية أسول
-
اقصاء حكومة ابن كيران من الحوار الاجتماعي
-
ابن كيران وصكوك الغفران
-
ابن كيران والنظرة التبسيطية لإصلاح صندوق المقاصة
-
المؤامرة أو الطريق السهل لتبرير فشل حكومة ابن كيران -3-
-
المؤامرة أو الطريق السهل لتبرير فشل حكومة ابن كيران -2-
-
المؤامرة أو الطريق السهل لتبرير فشل حكومة ابن كيران _1_
-
في تخليق المنظومة القضائية _الجزء الثالث والاخير_
-
في تخليق المنظومة القضائية _الجزء الثاني_
-
في تخليق المنظومة القضائية _الجزء الأول_
-
محاولة لفهم مواقف وتناقضات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدا
...
-
محاولة لفهم مواقف وتناقضات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدا
...
-
محاولة لفهم مواقف وتناقضات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدا
...
-
محاولة لفهم مواقف وتناقضات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدا
...
-
بنكيران بين مطرقة المخزن وسندان المطالب الشعبية
-
من قانون الإرهاب إلى قانون الإضراب
-
أعطوا الوقت الكافي للحكومة الملتحية
-
العمل النقابي بقطاع العدل بين الضرورة النضالية والضرورة السي
...
المزيد.....
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|