|
عن وجود نظرية -كل شيء-
الحسين الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 4269 - 2013 / 11 / 8 - 22:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يبحث الفيزيائيون منذ عهود طويلة عن قانون واحد بسيط يخضع له كل هذا الكون في كل مراحل حياته، قانون فيزيائي مصاغ وفق نظرية جامعة theory of everything عنها تتفرع نظرية النسبية relativity، و نظرية الكوانتم quantum، و كل النظريات الفيزيائية المثبتة صحتها اليوم. قضى اينشتاين نصف حياته الثاني يبحث عن هذه النظرية الجامِعة او "الموحدة" دون ان يوفُّق، و ليس هناك –علميا- ما يدل على وجودها سوى شعور علماء الفيزياء الداخلي و استقراؤهم لتاريخ العلم، لكن الشعور قد يخدع و التاريخ ليس محكوما –علميا- بان يكرر نفسه !
توجد قوى اربعة معروفة في كوننا –احداها هي الجاذبية- و قد وجدنا بان القوانين التي تحكمها بسيطة فشعرنا بان ما يحكم الكون بسيط في جوهره –بالنسبة لعقولنا- ثم اكتشفنا ان بعض هذه القوى مرتبط ببعضه فاحسسنا بان ما يحكم الكون مرتبط في جوهره، و كلما تقدم العلم و كلما سيطرنا عليه اكثر، كلما لاحظنا بان كوننا هو كون واحد حقا، بجميع مظاهره، فآمنا بان هناك نظرية موحدة بقانون بسيط اذا عرفناها استطعنا "معرفة" الكون –بما فيه- كما هو.
لكن المعرفة "الحقيقية" الوحيدة التي نستطيع التاكد منها هي ما ياتينا عن طريق العلم. فالعلم نظريات مجرّبة ناجحة في تطبيقها تعطينا تنبؤات صحيحة متحققٌ منها، و بهذا يختلف العلم عن الطرق الاخرى التي قد يسعى اليها الناس للمعرفة. فالعلم هو استنطاق الطبيعة لمعرفتها كما هي، و بذلك يختلف عن الفلسفة و استخدام المنطق المجرد –مثلا- اللذان يريان في العقل البشري مصدرا مستقلا او شبه مستقل للمعرفة.
و لتلك الاسباب ارى ان مقاربة العلم و محاولة سبر غوره عن اي طريق اخر غير الطرق العلمية هو مشروع لن يزيد في العلم شيئا، الا ان الانسان الذي يحاول فهم طبيعة الكون علميا هو نفس الانسان الذي يتساءل لمَ صيغت قوانين العلم بالطريقة التي نراها عليها، لماذا كان العلم بسيطا؟ و لم كان متكاملا و مرتبطا مع بعضه؟ و هل هذا يعني ان للنظرية الموحدة لكل قوانين الكون وجود؟
نشأت عقولنا –بيولوجيا- كوسيلة من وسائل البقاء، لتنقذنا من مصير مظلم محتم باعتبارنا مخلوقات ضعيفة، فليست للانسان سرعة الفهد و لا قدرة تخفي السحلية، و ليست للانسان قوة الدب و لا حجم الفيل، و ليست للانسان مخالب الاسد و لا اسنانه الحادة، لكن العقل جعلنا نمتطي الخيل و نفكر في اتخاذ الكهوف ملاجئا و هو الذي اعطانا امكانية صنع الرماح الحادة و الاتصال مع بعضنا للاتحاد في مجموعات تعوض صغر حجمنا و قلة حيلتنا امام الدببة و الماموث !
فالعقل نشا لنستخدمه سلاحا لاجل البقاء، و كان طبيعيا ان يفهم البيئة التي حوله لنستطيع نحن النجاة من اخطارها. فنحن نستطيع فهم الجاذبية لاننا نعتمد عليها عند قذفنا الرماح او اخذنا حذرنا اثناء تسلق الجبال. حيث ان "هبوط الاشياء العالية" مظهر للجاذبية، ففهم العقلُ ان الذي في السماء يهبط ان لم ترفعه قوة (كوقوعنا من فوق الاشجار ان لم يسندنا جذع قوي)، ثم حسب العقلُ –باستخدام الرياضيات- "قوة الجذب"، و لاننا نرى كل المظاهر الطبيعية التي حولنا تتكرر بنفس الطريقة ان كانت من نوع واحد (فكل من يقفز من فوق الشجرة يقع و تندك عنقه)، استنتجنا بان "حساباتنا" موحدة في "قانون" واحد، عرفناه باسم قانون الجاذبية مثلا.
فليس غريبا اذن ان نعرف و نفهم قانون الجاذبية، حيث ان جهلنا به يعني انقراض جنسنا. و بالطبع فمعرفة وجود الجاذبية كاف لبقائنا و لا نحتاج لـ "فهم القانون" لنعيش ! لكن ذلك موضوع اخر يتصل بتوصيلات الدماغ و طريقة نشوئه، و دعنا ندعي بان تلك ليست مشكلة، لان ما يهمني هنا هو لماذا نستطيع فهم ما لا علاقة له بحياتنا اليومية اصلا من قواعد و قوانين علمية؟
لان عقولنا نشات لتحفظ بقاءنا استطاعت استنساخ العالم (و الظواهر) الذي يحيط بها على شكل نموذج في داخلها لتفهمه و تتعامل معه، الا اننا نرى الان بانها تستطيع استنساخ و نمذجة عوالم (و ظواهر) اخرى لم تعرفها من قبل مباشرة، فقد فُهمت التفاعلات النووية (على مستوى الذرة التي لم ترها عيون اجدادنا) كما فُهمت طريقة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية (فور اكتشافنا لوجودها) و غير ذلك كثير...
يبدو ان قوانين الفيزياء التي نضعها لتصف الظواهر الكونية المختلفة، هي قوانين متشابهة، و تلك خاصية في الظواهر نفسها، حيث ان الظواهر الفيزيائية كلها متشابهة في طبيعتها و جوهرها. فهل هذا يعني بان قوانين (و ظواهر) الفيزياء جميعها هي من طبيعة واحدة، لانها متصلة فيما بينها على مستوى اعمق؟ هل يغذي كل الفيزياء الكونية نفس النبع؟ و هل ذلك يعني ان حدس اينشتاين و باقي علماء الفيزياء بوجود النظرية الموحدة حدسٌ صحيح؟ و انهم لا يبحثون عن سراب. فالنبع المغذي هذا – ان صحت "فلسفتنا" - هو القانون الاساسي الذي سيوحد لنا كل قوانين الفيزياء، و هو الذي ستصفه ما اصطلح على تسميتها من باب التسهيل: النظرية الموحدة، او نظرية "كل شيء".
#الحسين_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن التخاطر
-
استحالة حدوث الطوفان العالمي-بالارقام
-
من وحي الانتخابات
-
ذكرتك حين طاب النسيم
-
انا الاول
-
مناجاة غريب
-
يقولون جننتُ
-
نار الشعب
-
دعونا نضحك
-
لوح من الايزاكيلا ج2
-
لوح من الايزاكيلا ج1
-
الخروف الحر
-
بغداد حلم داعب الزمن
-
عثمان شهيد العراق
-
من صحائف الاقدمين ج3
-
من صحائف الاقدمين ج2
-
من صحائف الاقدمين ج1
-
جرح الفؤاد
-
متى اللقاء
-
شهداء العراق
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|