|
العربي بو ساري
عبد الكريم أبازيد
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 10:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
العربي بو ساري
العربي بو ساري مواطن عربي يدرّس مادة علم الاجتماع في جامعة روما. تعرفت إليه في خريف عام 8891 في جامعة موسكو، أثناء عقد مؤتمر دولي لعلماء الاجتماع. وقد كنت هناك آنذاك بدعوة من الجامعة لاتباع دورة في التخطيط الإقليمي. في جلسة مطوّلة جمعتني به في غرفتي في الجامعة بحضور ثلاثة من طلبة الدراسات العليا العرب في علم الاجتماع، حدثنا حديثاً ممتعاً ومفيداً قال فيه: لقد أهدينا العالم الغربي في عصورنا الذهبية السالفة عالماً موسوعياً من أهم العلماء على مر العصور ألا وهو ابن رشد. ويسمونه في الغرب (آفيروس). (بالمناسبة فإن إحدى أكبر قاعات جامعة موسكو تحوي صوراً نافرة محفورة في أعلى جدرانها لأعظم العلماء الذين أنجبتهم البشرية على مر العصور، وبينهم عالمان عربيان هما ابن رشد وابن سينا). إن أهم فكرة طرحها ابن رشد -قال الأستاذ بو ساري- هي تغليب العقل على النقل، أي حرية التفكير وعدم تقييدها بأية نصوص. فقد قال ابن رشد: إذا حدث تناقض بين المعنى الظاهري لبعض الآيات القرآنية والفلسفة، فإن الغلبة تكون للفلسفة. فالقرآن لا يمكن أن يناقض العقل، وإنما المعنى الظاهري وحده هو الذي يناقضه. ولذلك ينبغي تأويل هذه الآيات لاستكشاف معناها العميق أو الباطني الذي لايمكن أن يناقض الفلسفة. وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللغة اللاتينية، ودُرِّست في الجامعات الإيطالية وكذلك في جامعة السوربون منذ القرن الثالث عشر. وكان له تلاميذ يؤمنون بأفكاره في جميع أنحاء أوربا طيلة العصور الوسطى وحتى مطلع العصور الحديثة. كما تعرّضت أفكاره للإدانة من قبل فقهاء الكنيسة حتى إن مطران باريس ابيتيان تامبييه أصدر أمراً كنسياً يمنع بموجبه تدريس كتبه في جامعة السوربون. وعُدّت أفكاره غريبة عن تقاليد المجتمع ومستوردة من العرب! تماماً كما تتهم الآن بعض السلطات العربية كل من ينادي بالديمقراطية وحرية الفكر بأنه يستورد أفكاره من الغرب، ويعدّونها غريبة عن مجتمعنا وليست من قيمنا وتقاليدنا وتراثنا!! وكأن تراثنا هو الاستبداد والتحجر والتسلط على الفكر ومنعه من أن يأخذ مداه حراً طليقاً. بيد أن حرية التفكير هذه التي يقول عنها بعض الحكام العرب بأنها مستوردة هي في الواقع”بضاعتنا رُدَّت إلينا)! هذه مقدمة لما أراد أن يصل إليه الأستاذ بو ساري. إن من أكثر الظواهر مأسوية في عالمنا العربي، مع بعض الفروق بين هذا البلد أو ذاك -تابع الأستاذ- هي الوصاية على الفكر، فالدولة عندنا تعد المواطن قاصراً وهي الوصية عليه، على أفكاره وتوجهاته السياسية، فتراها تكرس وسائل إعلامها ومدارسها لخلق إنسان”حسب الطلب)!، وكل من يشذ عن هذه القاعدة مارقٌ خارج على القانون، وقد يزج به في السجن. ومثل هذا التوجه يخلق أناساً ضعيفي الشخصية غير قادرين على التفكير المستقل، وبالتالي غير قادرين على الإبداع. ليس لعلة فينا!! فهناك العديد من الشباب العرب الذين تفتحت أذهانهم في الغرب وأصبحوا علماء مرموقين في مختلف المجالات. لقد خلق هذا النمط من إدارة الحكم جيلاً عربياً اتكالياً لامبالياً لا يمكنه أن يتحمل المسؤولية، وتنعدم لديه روح المبادرة بل وينتظر التوجيهات من الأعلى. إن حكامنا يريدون منا أن نستقيل من حرية التفكير وندعهم يفكرون بدلاً عنا في قضايانا المصيرية. فكيف، في مثل هذه الظروف، ينمو جيل متفتح أكثر تطوراً من الجيل الذي سبقه؟ وسأورد لكم مثالاً محسوساً- تابع البروفسور بو ساري حديثه. أنا ألقي محاضرات في علم الاجتماع في جامعة روما. أقول لطلابي إن محاضراتي هي مرشد للتفكير وليست نصوصاً وأفكاراً مقدسة. أنا من خلالها أطرح وجهة نظري، وهي ليست بالضرورة صائبة. ولكم كامل حرية الاختلاف مع وجهة نظري هذه، هكذا علّمنا ابن رشد. في الفحص الذي أجريته هذا العام استرعت انتباهي إجابة أحد الطلاب (أنا في العادة، لا أنظر إلى الأسماء أثناء التصحيح)، لقد أجاب الطالب عن السؤال حرفياً كما ألقيته في المحاضرة. استدعيت الطالب، وقلت له سأعطيك علامة صفر، استغرب وقال محتجاً: ولكني كتبت الجواب حرفياً كما ألقيته علينا في المحاضرة! قلت له: ولهذا السبب سأعطيك علامة الصفر. أنت إنسان ولست آلة تسجيل، ولا أريدك أن تكون نسخة عني، أريد أن يكون لك تفكيرك المستقل، ولا مانع لدي أن تتفق معي في بعض النقاط، أما في كل النقاط، فلا! أنا أريد من طلابي أن يختلفوا معي ويغنوني بأفكارهم، فأنا أيضاً أتطور معكم... هل تعلمون من كان هذا الطالب؟ لقد كان طالباً عربياً!!
#عبد_الكريم_أبازيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جوليانا وكاليباري
-
الديموقراطية والديموقراطية المزيفة
-
المرأة والحب والسياسة
-
بائع الفستق
-
حول اجتماعات الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا
-
الملائكة والشياطين
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|