عوديشو ملكو آشيثا
الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 21:08
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
عندما ينخدع المرء/ كبوة السيد محمد المندلاوي اقوى من كبوة سمكو الشيكاكي
الدكتور عوديشو ملكو آشيثا
خدعت بريطانيا وإيران الشيكاكي فإرتكب ما ارتكب من الجرائم سعياً لشهرة شخصية وإمتيازات قبلية. فكان له الموت الزؤام على ايدي خادعيه. ولكن منْ يخدع اليوم اناس يتعاملون مع الفكر الانساني وعلوم المجتمع, ويحرصون على حقوق الناس والامم والشعوب مثل السيد المندلاوي, ومقابل ماذا؟
قبل ايام إستغل الكاتب محمد المندلاوي المحترم مسألة مطالبة بعض الشباب الآشوري (بكل طوائفه) بإزالة ما يخدش مشاعر شريحة عريضة وفعالة في الاقليم وفي كل العراق الواحد الموحد (الآشوريين المسيحيين) ورفعها من مناهج التدريس والشوارع والاماكن العامة. وتهجم على الآشوريين. وتدخل في الشأن العقائدي لهم وبشكل غريب. ومن ثم شمّر عن ساعديه لينكر عليهم آشوريتهم وحتى وجودهم في الوطن وخارجه وفي الدنيا كلها.
عندما افتتح خطابه الإقصائي بألفاظ وصفات سيئة لمن يريد ان يقدم نفسه باحثاً علمياً واكاديمياً, ومسيئة لمكون اساسي واصيل من مكونات العراق المعاصر (الآشوريون), ومجحفة بحق مكون كبير آخر (الكرد) من خلال دفاعه المستميت عن قاتل الضيف, وسابي النساء والاطفال وقاتلهم. البطل الكردي المزعوم سمكو الشيكاكي, الذي يخجل من افعاله الخبيثة كل كردي محب لشعبه ومؤمن بالديمقراطية والتعايش السلمي بين بني البشر. كقوله: "حملة تحريضية غوغائية, الاسم الوثني (الآشوري), خرجوا من التاريخ نهائياً (الآشوريون), انقرضوا من الوجود, لم يعد لهم حضوراً إلا في كتب الأساطير والحكاوي الخيالية, الآشوريين الذين انقرضوا كانقراض الدينصورات, المنتحلون لاسم غيرهم, يعضون اليد الكريمة, هذه الطوائف المسيحية في كردستان, مسيحي عروبي من اورمتكم, النسطوري الرجس (طارق عزيز), إنهم ليسوا شعباً, بل طائفة دينية هرطوقية اوجدها نسطورس". وما الى ذلك من المبتذلات الادبية قبل العلمية..
وذهب بعيداً في الطعن بمواقف ومسائل ذاتية للآشوريين, ومذهبية للمسيحيين بعد أن تم تلقينه بها جيداً خلف الاكمة, او إلتقطها مبتورة من هنا وهناك عن بعض الكتّاب والمؤرخين, ليقدمها كدليل ضدّ الآشوريين المعاصرين, في مسألة كونهم عراقيين, وآشوريين وحتى بشر إعتياديين. إذ اورد اسم د. فاضل عبدالواحد, ود. وليد الجادر, ود. عامر سليمان, وعبدالرزاق الحسني, وكوركيس مردو, والقس سليمان الصائغ, ود. احمد سوسة... الخ. منسّباً اليهم جملة من الإفتراضات والتصورات الخاطئة التي لا يسع المجال هنا لدحضها جملة وتفصيلاً. كقوله "النساطرة الذين لاذوا بالفرارالى جبال في مناطق كوردستان, القوميات المسيحية مثل الكلدان والسريان بشكل عام والكلدان النساطرة ـ الآشوريين ـ بشكل خاص, جماعة شرسة من زعماء تلك الطائفة, انهم ليسوا عراقيين وإنما قدموا الى العراق هرباً من النظام التركي, هذه الاقلية القومية الدينية".
ان مجرد الوقوف عند شخوص قائمة السيد المندلاوي هذه, الذين إستنجد بمواقفهم لدحض آشورية وعراقية ووطنية الآشوريين, قائلاً بأن: "جميع هؤلاء لا يستسيغون ابداً دعوى الآشوريين على انهم بقايا الآشوريين". يتضح بانهم اما قوميون يحاربون حالة المشاركة الوطنية والمصيرية مع قوميات اخرى في العراق. او انهم دينيون ومذهبيون يحاربون الآشوريين للنيل من دينهم ومذهبهم. او انهم يهوداً مقنعّون يحمّلون الآشوريين وزر هدم هيكل سليمان في القدس من قبل الغازي الكلدي نبوخذنصر, لان كتبهم تصفه بملك الآشوريين خطأً, مثلما تصف جيشه بالجيش الآشوري (سفر يهوديت 1/1 و5/1).
ولكن وكما هو معلوم ان محاولة شطب امّة عن الوجود ومحو تاريخها وتشويه حضارتها ليس من الامور الهينة, ليس في الحاضر فقط بل حتى في الماضي. لان نكران وجود امّة ما, يتحتم تبويب حضارتها المادية والفكرية في مخطط جديد للحضارات البشرية, او تنسيبها الى مورث امّة اخرى بموجب آلية مقنعة. فإن كان آشوريو اليوم غير آشوريين, فماذا يكونون؟ والى أي شعب او امّة ينسبهم السيد المندلاوي؟ وان تم تنسيبهم ظلماً من قبل (فلان) فكيف يتم التعامل مع مورثهم الفكري والمادي الضخم؟ لألفي سنة الأخيرة (المسيحية) من عمر الأمّة على الأقل. هذا الموروث الذي جاء حصيلة عمل مستمر وإبداع خلاق لشعب حيّ, بشهادة معظم الدول والمجتمعات المتحضرة من اقصى الارض الى اقصاها.
من هنا يظهر للقارئ الكريم السبب الحقيقي وراء مواقف منْ ذكرهم السيد المندلاوي, إذ مع كونهم لا يطيقون الآشوريين. لكنهم لم يخوضوا غمار هذا الجدل, لان نتائجه واضحة وضوح الشمس, وهم فيه خاسرون. لذلك كان موقفهم وحسب السيد المندلاوي نفسه "لا يستسيغون ابداً دعوى الآشوريين على انهم من بقايا الآشوريين", فالإستساغة رغبة وامنية يا اخ محمد, لا يمكن جعلها او اعتبارها حقيقة مطلقة. نعم انهم تحدثوا وبوجس عن إنقراض الآشوريين, وهذا ما كانوا يتمنون في قرارة أنفسهم, وكل منهم لأسبابه الخاصة طبعاً. ولكنهم لم يتمكنوا من إثبات ذلك فاكتفوا بالإستساغة أي التمني.
وقد تكفل الشباب الآشوريين ذاتهم بالسيد المندلاوي, وفي مقدمتهم الأساتذة ابرم شبيرا وآشور كيورركيس وبطرس نباتي والعشرات غيرهم بين كاتب مقال او بحث او معلق, ومضيف على رأي غيره من الكتّاب. تكفلوا بدحض ما ادعى به الاخ المندلاوي جوراً تجاه الآشوريين وعقيدتهم الدينية والمذهبية, ومسائلهم التأريخية. وطبيعة علاقتهم بالجيران في الوطن, وبالمحتلين والاستعمار وما الى ذلك. لذلك لم يبق داعياً للكتابة وقول المزيد عن كبوة الاخ المندلاوي. ولكننا من اجل سدّ بعض الثغرات في هذا الكم الكبير من القضايا التي طرحها في مقال واحد. ومن أجل توضيح بعض المسائل الأخرى ذات العلاقة, توقفنا قليلاً عند النقاط التالية:
1ـ بينما يدافع السيد محمد المندلاوي عن حدود العراق الحالية, عندما يتعلق الامر بالآشوريين ووطنهم الممتد خارج هذه الحدود (المصطنعة) بمسافات كبيرة. ويرفض تلك الحدود ويمقتها عندما يتحدث هو وامثاله عن كردستان كبرى تمتد الى الشرق والشمال والغرب من العراق الحالي..!! فالآشوريون قد "لاذوا بالفرار الى الجبال في مناطق كردستان". لكنه لم يقل من اين فرّوا, لكي يتمكن من الادعاء بـ "انهم ليسوا عراقيين انما قدموا الى العراق هرباً...". لا بدّ من تذكير السيد المندلاوي هنا, بما قاله مؤرخه الكردي الملا انور المائي عن كنيسة مار كوركيس في دوري ـ برواري بالا بأنها "اقدم آثار بهدينان وكردستان لان تأريخها يعود الى عام 778م". مع ان هذه الكنيسة ليست اقدم اثر آشوري مسيحي في المنطقة اطلاقاً. فهناك العشرات من الاديرة والكنائس يعود تأريخها الى القرن الاول والثاني والثالث والرابع الميلادي, موزعة من ساليق الى اربيل والجبال الآشورية في هكاري. بماذا يعلل السيد المندلاوي وجود هذا العدد الهائل من الآثار والمواقع الآشورية المسيحيية القديمة بين البصرة والنجف والى بحيرة وان واورميا. لكي يعتبر تحول الآشوريين من مكان الى آخر داخل الوطن الام ذريعة مقنعة لكونهم غير عراقيين.
2ـ الآشوريون "ليسوا شعباً, بل طائفة دينية هرطوقية..." والله لم يقل مثل هذا الكلام على مدى التاريخ وبهذه النفسية المذهبية الضيقة إلا بضعة رجال دين غنوصيين معزولين عن العالم والحياة. الذين كانوا يكرهون كل شئ حتى انفسهم واجسادهم. لا ادري منْ لقّن هذا الباحث المعاصر مثل هذا الكلام؟ ومنْ اجاز له وهو رجل غير مسيحي وغير آشوري ان يترأس محكمة للتفتيش العقائدي مثل تلك المحاكم البابوية ايام زمان. وكيف اباح لنفسه اطلاق صفة (الهرطوقية) على عقيدة يعتنقها ملايين البشر لسبعة عشر قرناً خلتْ؟ لعمري لا يأتي بهذا الكلام إلا منْ كان من تلاميذ المدرسة التي كانت تجعل طلابها ينشدون (اللعنة على خميني الدجال) كل صباح قبل دخولهم الى صفوف الدراسة.
3ـ ليس من شيمة المؤرخ والباحث الاكاديمي الناجح ان يلجأ الى اسلوب الإستنساخ الحرفي والجامد. دون إبداء أي محاولة لفهم ما تحت يده من النصوص, مبرراً ذلك بـ: قال (فلان), ونقلاً عن (فلان). هذا كان بعينه ما لجأ اليه السيد محمد المندلاوي حين صّب جمّ غضبه على الآشوريين السابقين واللاحقين. خصوصاً في موضوع قوات الليفي العراقي دون ان يعلم, او انه يعلم ويخفي حقيقة كون الليفي عربياً اول ما ظهر في 1915 وباسم خيالة المنتفك في محافظة الناصريه بعد تجنيد 40 رجلاً لخدمة بريطانيا هناك. وفي 1919 دخل اليه الكرد, وصار يطلق عليه الليفي العربي والكردي. ولم يتغير اسمه الى الليفي العراقي إلا بعد إلتحاق الايزيدية والتركمان الآشوريين به لاحقا. من هنا فإن مسألة انخراط الآشوريين في صفوف الليفي العراقي واتهامهم بالعمالة لبريطانيا, فهي الأخرى نظرة تستحق السخرية. لان اول من انخرط في ذلك الليفي كانوا العرب من منطقة الناصرية وتلاهم الكرد والتركمان قبل ان يدخل إليها الآشوريون كما اسلفنا. وظل للعرب والكرد وجود في الليفي الى ساعة إنزال العلم البريطاني عن القاعدة الجوية البريطانية في الحبانية في اواخر عام 1954. إذ كان في الليفي العراقي (400) عنصر كردي ومثلهم تماماً من العرب, والباقون كانوا من الآشوريين والايزيدية والتركمان يوم سلمت الحبانية للعراق.
هذا من جهة ومن جهة اخرى نقول للأخ محمد المندلاوي: على الكرد والعرب في العراق اظهار شئ من الإنصاف تجاه منْ انقذ ولاية الموصل (نينوى, اربيل, كركوك, سليمانية, دهوك) الحالية, عام 1924. وأمنّ ضمها الى العراق بعد صدّ الاتراك ومنعهم من ابتلاعها كما فعلوا مع ولاية الاسكندرون. نعم لولا الآشوريون لكنا نرى اليوم هذه المحافظات العراقية الخمسة العزيزة مجرد ولاية تركية بإمتياز. ولكان وضع الكرد والعرب وتسميتهم وثقافاتهم فيها مطابقاً تماماً لوضعهم في هكاري ودياربكر وغيرها من الولايات التركية الآن.
4ـ جميل جداً ان يثير الأخ المندلاوي مسألة صعوبة او منع الآشوريين من الحصول على الجنسية العراقية "اثناء كتابة دستور العراق اثيرت الشكوك حول انتماء الآشوريين للعراق والبعض لم يعتبرهم عراقيين واحياناً منعوا من الحصول على الجنسية العراقية" نعم كان الساسة في بغداد (الملك غير العراقي وحاشيته غير العراقية بالكامل). كانوا ينكرون على الآشوريين عراقيتهم لاسباب دينية وعرقية وقومية منذ وقت مبكر قبل نكبة سميل السيئة الصيت. تلك النكبة التي كان الدافع الرئيسي لحدوثها في 1933, هو التخلص من الآشوريين اما بالقتل او بالطرد. إذ قتل أثنائها ستة الآف انسان آشوري من الجنسين ومن مختلف الاعمار. واسقطت الجنسية عن البطريرك إيشاي شمعون وافراد عائلته وتم طردهم الى جزيرة قبرص. علماً انه بموجب قانون الجنسية العراقية الصادر في 1924 كان الآشوريون عراقين خلصاء كالعرب والكرد والترك والارمن.
أخيراً وكما هو معلوم لقد تم طرد الآلاف من الآشوريين الى سوريا من دون اسقاط الجنسية عنهم رسمياً. كان معظمهم من ذوي قتلى نكبة سميل ومؤيديهم, وهم اسرى في الموصل. في الوقت الذي تقاطر الى العراق من دول الجوار ومازال مئات الآلاف من العرب والكرد وغيرهم, منذ تلك الايام ولحد الساعة. وحصلوا على الجنسية العراقية وبشتى الطرق. فهل يبادر الأخ المندلاوي ومنْ هم على رأيه من الباحثين القوميين الحريصين على العراق, ويظهروا شيء من العدل والإنصاف. ويطالبوا حكومة الاقليم والحكومة المركزية في بغداد برد الإعتبار الى تلكم الآشوريين المطرودين ظلماً, والى ابنائهم واحفادهم, وإعتبارهم عراقيين لاقوا عقاباً غير عادل وغير قانوني, وهم كذلك فعلاً.
#عوديشو_ملكو_آشيثا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟