|
ماذا تحمل الرياح العاتية من لبنان ..؟؟ المؤتمر القطري خطوة أولى ولكن ..
روني علي
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 13:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثمة خلل في طريقه نحو موازين القوى الفكرية والثقافية والسياسية المسيطرة على نمط التعامل الإقليمي من جراء ما يحصل في لبنان، وثمة انكسارات وانهيارات قد تصيب البنى الاجتماعية والاقتصادية والسلطوية، التي كانت وما تزال سائدة ومحكمة بموجب أدوات القهر وآليات التحكم من جراء تداعيات ما يحدث في لبنان، كون لبنان – وبغض النظر عن حجمه الصغير – كان وما زال يشكل البوابة العربية الاستراتيجية لتصدير الثقافة المختلفة الألوان من جهة، ومركز الثقل في سياسات الأنظمة العربية التي كانت تواجه شعوبها واستحقاقاتها الوطنية، تحت غطاء المواجهة العربية الإسرائيلية من جهة ثانية، ومناخاً مهيئاً لتصدير الأزمات السلطوية واحتواء الاحتقانات العربية، نظراً لخصوصية بنائه وتعددية تركيبته، من حيث الطوائف والمذاهب والتيارات السياسية، واستغلال هذه الورقة من جانب العديد من الأنظمة العربية والإقليمية والدولية لتمرر من خلالها مشاريعها الهادفة إلى بسط النفوذ والسيطرة على مقاليد الأمور في المعادلات السياسية الإقليمية من جهة ثالثة، إلى جانب استخدامه – نظراً للفراغ الحاصل فيه منذ عقود – كخندق خلفي لإيواء الكثير من المشاكل والإشكاليات التي هي مصدر قلق وبؤر توتر واحتقانات في أي صراع من شأنه أن ينشب ... لبنان .. ذاك البلد الجميل الذي يدفع مواطنوه منذ لبنان، فاتورة تشكيلته وتعدديته، والخاضع منذ أمد بعيد لكماشة الصراعات والتناحر وويلات الحروب والاقتتال، قد استفاق على صوت الصدمة، مذ اغتيل رفيق الحريري . هذا الاغتيال الذي جاء مترافقاً مع ما حدث في كل من العراق وفلسطين من انتخابات ديمقراطية تحت الاحتلال، ووسط الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وعمليات الانتحار التي تهدف بالدرجة الأولى، عراقية العراق وعروبة فلسطين قبل غيرها، هذه الانتخابات التي جاوزت سقف ثقافة المنطقة، ووأدت – إلى حين – خوف مواطني هذه الرقعة المترامية الأطراف، والممتدة من البحر إلى البحر، في التعبير عن رأيه، ولقنته درساً - كان وما زال يجهله إنساننا - في التعامل مع الصندوق الانتخابي .. نعم .. لبنان الحدث، يرفع القناع عن الحدث، لتبدو الأمور على حقيقتها .. لبنان الحدث، يرفض من اللحظة أن يكون وكراً لكل حدث لا ناقة له فيها ولا بعير.. ولأن لبنان قد قال كلمته في الحدث، وهي كلمات تحمل في بحتها نبرة الاستنفار، وتلقى الدعم من مراكز لها وزنها وقوتها على الأرض، ولأن تعلقنا– كسوريين – كان بكلمات غير التي قالها لبنان في محنته، وكنا ندفع فاتورة لبنان، والمواجهة مع إسرائيل من خلال لبنان، والدخول في صدامات وأزمات لأجل لبنان وبحجة لبنان، فما الذي ينبغي أن يستجد في الميزان السياسي السوري بعيداً عن توازنات لبنان ؟؟.. سؤال مفتوح برسم السياسة السورية، وهي تدعي الانفتاح ومواكبة التغييرات .. فما الذي يمكن أن يتغير في الذهنية السلطوية السورية طوعاً لا قسراً، وما الذي يمكن أن يحصل عليه المواطن السوري من حقوق ومكاسب في غمار ما يمكن أن يحصل في الواقع السوري ..؟. من قراءة أولى ( تباشير التغيير ) في السياسية السورية إبان ما حدث في لبنان، نستطيع القول، إن العربة ما زالت على نفس السكة الذهنية، كون ما أقدمت عليه سوريا من انسحاب لقواتها، لم يكن سوى تنفيذ لقرارات تمت تجاوزها بحكم القوة وموازين القوى التي كانت سائدة في لبنان، وإن الإفراج عن مجموعة من المعتقلين الكرد على خلفية أحداث آذار الدامية، لم يكن سوى تصحيح لتصريحات السيد رئيس الجمهورية حين تطرق إلى جوهر الأحداث، والتي جرت إهمالها وتجاهلها من قبل الأوساط المتنفذة في السياسة السورية، إضافةً إلى الجهات الأمنية، حين فرضت – على النقيض من تلك التصريحات طوقاً من الحصار الأمني على المناطق الكردية، ومارست شتى أنواع الترهيب السياسي بحق أبناء شعبنا، بغية إسكات الأصوات التي تنادي بالكشف عن ملابسات الأحداث، من تحويل المسببين فيها من كبار المسؤولين في الدولة بأجهزتها المختلفة إلى قضاء عادل ونزيه، والتعويض على المتضررين مادياً ومعنوياً، وأيضاً الحد من انتشار موجة الاهتمام الدولي بالقضية الكردية، وما يتطلب الرد على ذلك من إيجاد الحلول الواقعية لهذه القضية، وما سبب كل ذلك من اشتداد النعرات القومية بين أبناء البلد الواحد، حيث نرى أن أية حالة أو تصادم بين أفراد من القوميتين الرئيسيتن في البلد تأخذ مباشرةً طابع الصراع القومي، مهما كان شكل ذلك التصادم. إضافةً إلى محاولات أقطاب النظام الإيحاء للرأي العام العالمي بأن سوريا جادة في دخولها سكة التغيير، وذلك من خلال بعض التصريحات المبتورة، سواء ما تتعلق منها بالوضع العراقي أو الفلسطيني واللبناني، أو تقديمها لبعض الواجهات كي تلعب دور العراب لسياستها . وفي هذا السياق تأتي الدعاية الإعلامية للمؤتمر القطري لحزب البعث، والمراهنة على ما قد يتمخض عنه من نتائج، وكأن المؤتمر يمسك بيده العصا السحرية لمعالجة مجمل التراكمات الحاصلة في الخاصرة الوطنية، أو أن الحزب يمتلك البلسم لآلام الوطن، دون أن نقف على حقيقة أن هذا الحزب نفسه هو الذي يتحمل النصيب الأكبر فيما آل إليه الوضع .. وبغض النظر عن كل ذلك، فهناك قراءتين لما قد تحمله الرياح العاتية من لبنان، بالترافق مع ما يحصل في كل من العراق وفلسطين على الوضع السوري، وشكل تعامل النظام مع ما قد يستجد، ويتجسد ذلك حسب مفهومنا وقراءتنا في جانبين : أولهما، إدراك النظام لحجم المخاطر تجاهه كنظام، والضغوط عليه، بحيث لا يمكن له الاستمرار إذا ما أدار ظهره لكل ما يحدث، وبالتالي فإن مجمل ادعاءاته وتحركاته ومشاريعه المطروحة من سن بعض القوانين والترتيب لعقد المؤتمر القطري، تصب في إطار فك الحصار عن ذاته لا أكثر، وهذا هو الخلط الحقيقي في رؤية النظام وقراءته للمستقبل، لأن مثل هكذا ممارسات ليست من شأنها إخراج البلد من واقعه المأزوم، وإن أعطاه دفعة مؤقتة باتجاه ما يبتغيه النظام، لأن عملية القفز من فوق استحقاقات الداخل وطموحات المواطن، لا يمكن لها أن تعزز لا من الوحدة الوطنية ولا من ترسيخ دعائم الدولة القوية، حتى لو غير المؤتمر في الحزب من آليات تماشياً مع يتعرض له من ضغوطات، لأن الحلول الجزئية لا تكون سوى لقضايا جزئية، أما وأن القضية هي قضية وطن، فلا بد من حلول وطنية وفق ركائز تأخذ في الحسبان متطلبات هذا الوطن . وثانيهما، وهو الأصح في نظر الكل من هم في الداخل، هو الدخول في عملية التغيير الداخلي، انطلاقاً من حاجات الداخل، وليس تحت الضغط أو الإكراه، لأن هذه العملية إذا ما تكللت بالنجاح، هي نفسها الكفيلة بتحقيق التوازن بين المسارين الداخلي والخارجي، ولهذه العملية – حسب قراءتنا للواقع – عوائقها وممانعاتها، وذلك انطلاقاً من الذهنية التي ما زالت تستند إليها السلطة في معالجتها لمجمل القضايا الوطنية، وحجم التراكمات التي بسطت بجذورها في مجمل مفاصل الحياة الوطنية، وهي تحتاج إلى جدية التصدي لما هو مطروح للمعالجة، ومن أهمها : 1- إعادة النظر في دستور البلاد، بما يتلاءم مع وضع البلد وتركيبته القومية وتعدديته السياسية، ووضع حزب البعث كحزب قائد للدولة والمجتمع، بحيث يتم التخلي في المؤتمر عن فكرة الدولة الشمولية، واعتبار الحزب القائد كأي حزب آخر يأخذ شرعيته من الوجود الدستوري، لا من سلطة الدولة، وبهذا تسقط كل المراهنات على المؤتمر المزمع عقده، ليحل بدلاً عنه سلطة الشعب والقوانين العصرية. 2- الدخول في حوارات وطنية بغية التمهيد لمؤتمر تصالحي وطني، له السلطة الحقيقية في وضع مفاهيم الدولة وآليات التعامل مع المستقبل بعيداً عن الوصاية والاحتكار لصالح جهة أو فئة على البلاد والعباد . 3- ضرب مرتكزات الفساد والإفساد، ومحاسبة المسيئين والمتنفذين، وإجراء نوع من التوازن بين الوطن والمواطن، من خلال التعويض على المتضررين من السياسات الخاطئة، بما في ذلك معالجة قضايا الاعتقال . 4- تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية من خلال إشراك مجمل الفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفق قوانين تحمي الجميع، في المساهمة بوضع الصياغات السياسية والاقتصادية والثقافية لبنية الدولة . 5- إشاعة الديمقراطية الفعلية، وذلك من خلال معالجة معوقاتها، من سلطة الدولة الأمنية وثقافة التجاهل والإقصاء. 6- معالجة القضية القومية الكردية، كثاني أكبر قومية في البلاد، سياسياً ودستورياً، بما في ذلك قضايا الحزام والإحصاء . هذه بعض النقاط التي إذا ما أخذت ترجمتها في الممارسة العملية، من شأنها أن تعيد التوازن إلى مفاهيم الوحدة الوطنية، وترسخ حقيقة الدولة الوطنية، وإلا فإن الباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه أمام أي نوع من أنواع التدخلات الخارجية، راهناً ومستقبلاً، كون لا السلطة ولا الجهات الأمنية ولا المراهنات والآمال التي يعقدها الكثيرين من قاصري النظر على مؤتمر حزب البعث، من شأنها أن تبث الروح في وجدان الوطن المثقل بالهموم والانكسارات .
#روني_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعاة الديمقراطية .. وحوانيت السياسة
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ (3) .. الصراع على
...
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ تحية إلى ذكرى آذا
...
-
أين تكمن حرية المرأة ..
-
خوف الضعفاء من وهج الحقيقة .. - إلى الصديق إبراهيم اليوسف
-
ها قد عاد شباط … زغردي يا هولير
-
نحن (الكل) .. إلى أين ..؟.
-
فوق أراجيح الوطن
-
وللارتزاق مسمياتها
-
نحو عقد اجتماعي وتعايش مشترك
-
الإقصاء .. ثقافة اللا منتمي - ( بين التهجم والتبني ) - ( 2 )
-
الإقصاء .. ثقافة اللا منتمي ( بين التهجم والتبني )
-
وقفة .. بين الأمس واليوم بين الفعل والقرار
-
نقطة نظام 3 .. ما لنا وما علينا على ضوء أحداث آذار
-
القضية الكردية في سوريا .. مستجدات وآفاق
-
قراءة في حديث رسمي
-
ماذا يدور في مطبــخ المعارضة السورية ..؟.
-
نقطة نظام هي عبرة لمن يعتبر
-
ضربة جــزاء ..
-
عكازة ( المثقف العربي ) .. كردياً
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|