عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 13:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توضح تاريخية حركة الضباط الأحرار إلى أن هنالك:
- تباينات عميقة حول تأريخية النشوء وأولوية التأسيس؛
- طبيعة التوجه الفلسفي ومكوناته الفكرية؛
- حول بلورة التنظيم وبداية العمل.
لقد كثرت الادبيات التي تشير إلى هذا التوجه دون غيره, إلى شخوص دون سواهم. وتشير الكثير من الدلائل إلى أن الشكل الجنيني الأول للتنظيم الغائي وليس الظرفي في هذه المرحلة, قد تكون أثناء حرب فلسطين وفيها بالذات, كفكرة ودافع. ويمكننا القول, بالاستناد إلى ما أورده العميد خليل إبراهيم حسين, بصورة مكثفة إلى أن هذا الشكل الجنيني قد تكون عندما:
" فاتح المرحوم رفعت العقيد الركن نجيب الربيعي آمر جحفل اللواء بالفكرة فأيد الفكرة, وهو من اشتهر بتقواه ووطنيته واخلاصه, ووافق على القيام بتبديل هذه الوجوه التي تعاونت مع الاجنبي عند عودة القطعات إلى العراق.
وأخذ رفعت يبشر برأيه ويتصل بآمري الوحدات وغيرهم فكان أن أتصل بالمقدم الركن عبد الكريم قاسم الذي وافق في الحال وأخذ على عاتقه مفاتحة من يوثق به من الضباط وهكذا لم تمض مدة طويلة حتى انضم إلى تكتل الضباط الوطنيين المقدم الركن عبد الكريم قاسم واصبح يضم كل من :
1- العقيد الركن نجيب الربيعي آمر جحفل اللواء الأول
2- المقدم الركن عبد الكريم قاسم آمر ف1ل1
3- المقدم الركن طارق سعيد فهمي آمر كتيبة مدرعات
4- الرائد الركن عبد الوهاب الامين ضابط ركن القيادة
5- الرائد الركن داود الجنابي ضابط ركن القيادة
6- الرائد طاهر يحيى آمر سرية مدرعات
7- النقيب محسن الرفيعي ضابط استخبارات ف1ل1( مساعد فوج عبد الكريم قاسم)
8- الملازم الأول خليل إبراهيم حسين معاوم آمر سرية الهندسة الثالثة .
ويصدر التنظيم أول منشور له بعنوان (الموت للعرب والحياة للجواسيس), والمقصود بالعنوان أن خطط الاستعمار تقضي بموت الامة العربية والحياة لجواسيسه ومن ارتبط به وخدم مقاصده. وهاجم المنشور هذه الخطط وتوعد رجال الحكم بمصير مؤلم, وبين أنه لا يمكن أن تمر هذه المشاريع وفي الامة العربية وفي العراق رجال نذروا أنفسهم وحياتهم في سبيل امتهم ووقع المنشور باسم تكتل الضباط الوطنيين.
وعاد الجيش العراقي إلى وطنه واتخذ النظام الملكي احتياطات واسعة فأعاد الوحدات الفرعية بالتتابع وأجل المرحوم نجيب الربيعي القيام بالحركة إلى وقت آخر...لقد أخطأ الانكليز بقائد الحركة ولكنهم عرفوا النوايا والمقاصد. وبإنضمام المقدم الركن عبد الكريم قاسم إلى تنظيم الضباط الاحرار, بدأت مرحلة جديدة, سيلعب فيها دوراً بارزاً ومميزاً سنشرحه في المستقبل " ( التوكيدات منا- ع.ن).
يميل المؤلف في هذا النص إلى الانحياز المسبق والمقصود لنجيب الربيعي ورفعت الحاج سري الذي " كثيراً من الكتاب ضخموا الدور الذي لعبه ", وطمس ما أمكن لدور المخالفين له في توجهه السياسي وخاصةً عبد الكريم قاسم ومحي الدين عبد الحميد وغيرهم من الضباط وخاصة ذوي التوجه اليساري والديمقراطي.
نحن لا نبتعد عن الحقيقة والموضوعية عند الاقرار بأن رفعت, نظراً لمهنوية أسرته في المؤسسة العسكرية وطموحه الذاتي, كان من أوائل الضباط الذين شاركوا في خلق ونشر ووعي فكرة التكتل الغائي للضباط و(لدورهم التاريخي) في الحياة السياسية بالتوافق مع المفهوم البروسي ونسخته الشرق أوسطية: أتاتورك في تركيا والضباط الشريفيون في العراق وعلى رأسهم طه الهاشمي وجميل المدفعي (خال رفعت). لذا كان رفعت ينحو في حياته العسكرية نحو هذا الهدف. وقد أكد محي الدين عبد الحميد هذه الحالة بالقول: " بالنسبة لي كنت أتصل دائما برفعت الحاج سري منذ 1948... وبين الحين والآخر عندما كنت أزور بغداد أزور رفعت وكان الأخ خليل يحضر معنا ونتداول بالأمر , وكان رفعت يتحدث لي عن الكتل التي كانت تصدر منشورات في تلك الفترة في 1954و1955... يجب علينا أن لا ننكر على الناس الذين أشتغلوا قبلنا في سنة 1948, إنهم كانوا متحمسين ويعملون . ولكن يجوز أنه لم تكن لهم قيادة ".
كما كان من القلائل الذين ثابروا على تحقيق ذلك.. وتعمق ذلك بعد نجاح الانقلابات العسكرية في سوريا في البدء ومن ثم في لبنان, وكذلك أنه أراد التماثل مع الرئيس ناصر لقيادة الحركة وهو كان في ذات الرتبة الصغيرة. لكنه لم يستطع بلوغ ذلك لأن هناك من كان أعلى رتبة منه وأكثر كفاءة عسكرية و سياسية ومرونة فكرية ولديهم تنظيم اوسع.. من أمثال عبد الكريم قاسم ومحي الدين عبد الحميد وناجي طالب وغيرهم من الذين كانوا في نفس رتبته أو ما يقاربها من أمثال رجب عبد المجيد و عبد الوهاب الشواف وصبيح علي غالب ووصفي طاهر. لذا لم يساير رفعت أغلب هؤلاء وإتجه نحو التكتل الغائي المنفرد المعترف بزعامته مع الفئة الوسطى من الضباط وليس مع القادة ولا مع الضباط الصغار والمراتب.
أما بصدد نجيب الربيعي, فتشير الأغلب الأعم من المصادر, على أنه لم يكن عضواً في حركة الضباط الأحرار.. قدر كونه مؤيداً لها ومتعاطفاً مع توجهاتها العامة, لكن مؤلف الموسوعة العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين, يصر بصورة ملفتة للنظر في أغلب كتاباته على إقحام أسم الربيعي في الحركة وكأنه الأب الروحي لها, دون سند تاريخي يدلل على ذلك, ويؤكد استنتاجنا ما ذكره مجيد خدوري بالقول: " كان إسهام الربيعي في نشر فكرة الحركة الثورية في الجيش فعالاً... ومع هذا فالربيعي لم ينظم إلى حركة الضباط الأحرار, إلا أنه كان يتعاطف معهم, ولذلك لم تكن هناك مشكلة بالنسبة لرئاسة مجلس السيادة بعد الثورة بوجود الربيعي ", الطامح للسلطة كغيره من الكم الوفير من الضباط. لذا " وافق المرحوم نجيب الربيعي على أن يتولى الحكم عند عودة القطعات إلى العراق ( عام 1949- ع.ن) ويقوم بحركة عسكرية بمعاونة آمروا الوحدات المفاتحين تطيح بعملاء الاستعمار... ".
يؤكد حقيقة عدم إنتماء الربيعي لحركة الضباط الأحرار ورفضه لهذه الفكرة, ما أورده الزعيم فؤاد عارف بعد أن كلفته قيادة كتلة المنصورية(عبد الكريم قاسم) بعرض الموضوع عليه. يقول فؤاد عارف: " حتى وصلت الثقةُ بيَّ إلى حد كلفتني قيادة هذا التنظيم أن أفاتح اللواء نجيب الربيعي الذي كان قائداً للفرقة في بعقوبةللإنضمام إلى هذا التنظيم والمساهمة في تفجير الثورة... وإذكر أني قلت له أنك من عائلة طيبة النبت ونبيلة المعدن وسمعتك بين المدنيين جيدة جداً وأنت تختلف عن كثبر من الضباط بمواصفات جعلت عدداً من الضباط الشباب يرغبون في أن تربط مصيرك بمصيرهم وتكون قائداً للثورة التي يريدون أن يقوموا بها لتغيير نظام الحكم في العراق, وهم يعتقدون أن في موافقتك على تحمل هذه المسؤولية وقيادتك لهم نجاح للثورة ودع عنك التردد والخوف وضع يدك في أيديهم وإتكل على الله.
وبعد الإنتهاء من حديثي صمت نجيب الربيعي, ولم يجب مباشرة. ثم قال لي:
[ يا أبا فرهاد إن شأني شأنكم, فإني لست راضياً عن الوضع السياسي الذي نحن فيه لو تغيّر, ولكن بصراحة لا أثق بقسم من هؤلاء الذين يريدون القيام بالثورة. وأذكر أنه قال لي: أعتقد أنه إذا جلس ثلاثة منهم معاً فإعرف أن أثنين منهم من جواسيس الوصي ووزارة الدفاع, لذا لا أثق بهم. ومن هنا أقول أن الفشل سيكون من نصيب المحاولة إذا أقدموا عليها. ثم بدأ ينصحني قائلاً: يا أخ فؤاد أنت إنسان طيب ووفي لذا عليك بالحذر وأرجوك أن تنسى هذا الموضوع وكأنك لم تحدثني به...].
ومن جهة أخرى ربما أدرك الربيعي أن كبار الضباط الأحرار أرادوا أن يجعلوا منه واجهة للحصول على تأييد الجيش في يوم الثورة لما يتمتع به من سمعة عسكرية وشخصية محبوبة, علاوةً على رتبته العسكرية (لواء) وهذا ما جعله يقول لي:[ لعلهم يريدون مني أن أكون محمد نجيب الثاني ] ويقصد به اللواء محمد نجيب الذي أتت به ثورة 23 (تموز) يوليو في مصر ثم لم تلبث أن أزاحته. والحقيقة لم أخبر عبد الكريم قاسم بهذا الإنطباع الأخير لنجيب الربيعي ". ( التوكيد منا – غ.ن).
وتأسيساً على ذلك, أعتقد أن نفسية نجيب الربيعي العسكرية وسلوكيته السياسية لا تضعه في مصاف القادة الكبار الذين يجازفون بمكانتهم الاجتماعية والأرث المهنوي العسكري للعائلة, والتضحية بهما من أجل تحقيق أفكار حركة الضباط الأحرار.. صحيح أنه تألم لما آلت إليه الحرب الفلسطينية من عواقب سياسية عراقية/عربية, كأغلبية الضباط المدركين, وقد يكون قد أيد معنوياً تكتل الضباط الوطنيين, لكن تزعمه له.. يثير الكثير من التساؤلات المنطقية حول مصداقية مثل هذا التنظيم الغائي الذي لم يستكمل مقوماته التنظيمية إلا بشكل محدود. والدليل الذي يمكن أن يساق هنا هو عدم مثابرة هذا التنظيم, ككينونة عضوية , على الاستمرار لإستكمال الأبعاد الذاتية للتنظيم نفسه, بغض النظر عن مسببات ذلك والتي (ربما) كانت متداخلة جدلياً وهي:
- التناقضات الفكرية لقادة التنظيم وإختلاف توجهاتهم السياسية؛
- الظرف الأني الذي فرضته الحرب ذاتها وعواقبها الدولية والإقليمية؛
- عدم تهيأت الظروف الموضوعية للبلد والمؤسسة العسكرية ذاتها؛
- عدم نضج الظروف الذاتية للضباط بالتناغم العام مع تطور الوعي الاجتماعي؛
- شدة الرقابة نتيجة تخوف نخبة الحكم وقاعدته الاجتماعية من الانقلابية العسكرية؛
- تخوف بريطانيا من تغيرات موازين القوى الداخلية لغير صالحها بواسطة الجيش.
وبغض النظر عن مآل ديمومة هذا التنظيم, فقد كان بمثابة المحاولة الأولى الجادة في صيرورة حركة الضباط الأحرار, حيث وإن تشرذم التنظيم إلى كتل متعددة, فقد توزعت أغلب قيادته على التنظيمات المستحدثة منذ مطلع الخمسينيات. وهذا ما سنسلط الضوء عليه لاحقاً.
- النواتات المتبلورة لتنظيمات الضباط الأحرار1950– 1958:
تشير العديد من المصادر التي تؤكدها الوقائع التاريخية أن تكتل الضباط الوطنيين قد تفتت كمجموعة, عند عودة الجيش إلى العراق. لكن مع ذلك بقيت بين بعضهم على الأقل, علاقات تضامنية /مهنوية/ سياسية, تجمعهم فكرة االتكتل الغائي تطورت لاحقاً إلى تكتلات متبلورة غير ظرفية ذات بناء منظم أستقلت بعضها عن البعض الآخر في المرحلة الأولى, ومن ثم توحدت في مرحلة لاحقة. وهذا ما سنعود إليه لاحقاً.
في الوقت نفسه تكونت آنذاك تكتلات أخرى من خارح تكتل الضباط الوطنيين.. مما يؤكد أن فكرة استخدام الجيش وممارسة دوره (التاريخي) في الحياة السياسية قبيل الثورة المصرية. يسلط الضوء على واحدة من هذه الكتل العميد إسماعيل الجبوري في مذكراته التي نشر جزء منها جرجيس فتح الله في تعليقاته وأراءه على كتاب اوريل دان. وقد كان الجزء المنشور غير مترابط منطقياً, ومختزل من قبل الناشر ولم ينشر بصورة كاملة بل الفقرة الأولى من المذكرات .
يقول الجبوري وفقاً للمصدر أعلاه:
" في أوائل العام 1950كنت برتبة رائد منسوب إلى الفوج الثالث من اللواء الرابع في الديوانية, وفكرنا أنا والمقدم (جهاد عبد الواحد الاطرقجي) في تشكيل منظمة سرية وطنية بين الضباط تسعى إلى قلب نظام الحكم أتخذنا لها الإسم السري (ميسوبوتاميا:ما بين النهرين). واتفقنا على أن نبذل مجهوداتنا في ضم أكبر عدد من الضباط تحت هذا الشعار. بقيت منظمتنا محدودة داخل اطار اللواء المذكور في الديوانية...وعندما ذهب (محمد طه) إلى البصرة وأنتقلت أنا إلى بغداد في عام 1953 كانت منظمتنا تتألف من 23 ضابطاً بمختلف الرتب. وكانت مهمتي توسيع المنظمة في بغداد وفي الشمال. وكنا قد قمنا بتغيير الإسم الذي اتخذناه س
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟