|
الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بين النضال وإلانحطاط (على هامش المؤتمر الخامس ل ك.د.ش)
ابراهيم حمي
الحوار المتمدن-العدد: 4267 - 2013 / 11 / 6 - 20:39
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بين النضال التأسيسي للعمل النقابي الجاد في الماضي وإنحطاط الممارسة النقابية في الحاضر...، إذ كان مصير كل الإطارات النقابية التي وجدت في المغرب متشابه من حيث النشئة في بداية تأسيسها، فإن النهاية أيضا مشتركة، ومتشابهة إلى حد كبير، والإشارة هنا إلي المنظمات النقابية التي ولدت في خضم الصراع الوطني بين المعارضين لنظام الحكم في المغرب الذي هو "القصر"، والمعارضة المنبثقة من الحركة الوطنية، التي كانت تعتبر نفسها ندا للمؤسسة الملكية، وبالتالي فحكم البلاد يجب أن ينقسم بناءا على هذا الأساس، أي بين الحركة الوطنية التي تحمل مشروعا سياسيا، قيل عنه أنذاك إنه منحازا للأغلبية الشعب المغربي، وبين القصر الذي اختار منذ البداية الدفاع عن حقوق أقلية محظوظة من الأعيان. ومن ضمنهم بعض المستعمرين الأجانب أيضا، والتي كانت مصلحتهم مشتركة مع المؤسسة الملكية آنذاك. هكذا كانت بداية الصراع السياسي في المغـرب منذ بداية "الاستقلال". حيث انصهر الصراع السياسي و الصراع الطبقي الذي كانت تخوضه الإطارات النقابية. وفي هذا الحراك السياسي بين القصر والحركة الوطنية، والذي تطور في ما بعد إلى تطاحن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهذه المرحلة و ما بعدها هي التي يطلق حاليا عليها بسنوات الرصاص. المهم أن من ضمن أوجه الصراع، أو واجهات الصراع إن صح التعبير، كان هو الحقل النقابي، ولم يأتي الصراع النقابي كشيء تكميلي أو موازيا لتعزيز الصراع من جانب الحركة الوطنية، وإنما كانت هناك نواة للعمل النقابي من قبل، أي في عهد الاستعمار الفرنسي، وهذا نقاش أخر، وما يهمنا هنا هو ظهور المنظمات النقابية الأولى: (الإتحاد المغربي للشغل) والتي برزت كإطار تنظيمي عمالي، و كورقة ضغط على النظام الحاكم آنذاك، وطبعا لعبت نخبة من الوطنيين و خصوصا المثقفين منهم، دورا بارزا في تأسيس هذا الإطار النقابي العتيد ولكن وباختصار شديد سرعان ما تم احتواء قيادة هذه المنظمة من طرف القصر، وانزلقت عن العمل السياسي الوطني، و الذي كان يهدف لتحرير البلاد و العباد. واختارت هذه المنظمة اختيارات (خبزية) و أفرغت الحقل النقابي من محتواه بتحريف الملف المطلبي للعمال، وكذا تحريف شعاراتهم في تلك الفترة. وهذا الاختيار الذي تبنته القيادة النقابية، أو على الأقل جزء منها، أضاف أيضا جبهة أخرى لبعض قيادات الحركة الوطنية، وبالضبط المحسوبة على الحركة الاتحادية. التي أنزل عليها النظام بالضربات تلو الأخرى في خضم الصراع المحتدم آنذاك. و طبعا في خضم هذا الصراع المحتد ولدت فكرة البديل النقابي، والتي قيل إنها من الثمرات الفكرية للشهيد عمر بنجلون، وبالضبط في سنة 1978 خرجت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كنقابة عمالية، اختارت لنفسها النضال النقابي المنحاز للجماهير الشعبية الكادحة. كما حددت أيضا المبادئ الأربعة كأركان مبدئية لتوجهها النقابي الجديد من جهة، ولتحديد حلفائها من جهة أخرى، وقد تخندقت هذه المنظمة.ك.د.ش. نفسها في البداية مع التوجه التقدمي آنذاك، باعتمادها مبادئ أربعة : - التقدمية - الجماهيرية -الاستقلالية - الديمقراطية كشرط أساسي أيضا، للمحافظة على هذه العناصر من طرف المنخرطين، أو الراغبين في الانخراط في صفوفها، كما أن هذه العناصر الأربعة عملت على استقطاب جل الديمقراطيين واليساريين، مما جعلها تتربع على عرش الوظيفة العمومية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينيات، لأن قبل هذه المرحلة كانت مرحلة عصيبة جدا في مسار .ك.د.ش. بحيث كانت مرحلة التأسيس و إثبات شرعيتها النضالية في الساحة كبديل نقابي ذو توجهات تقدمية و يسارية و معارضة للاختيارات السياسية المتبعة من طرف النظام الحاكم، مما فرض عليها اتخاذ قرارات نضالية جريئة تصدى لها النظام بكل آلاته القمعية و الوحشية.فتعرضت لحصار ومنع واعتقالات وإغلاق لمقراتها في عدد من الأقاليم والجهات بعد سلسلة من المعارك الناجحة، والتي أبرزتها كنقابة معارضة ذات صيت قوي وإشعاع واسع النطاق على مستوى العالم العربي والدولي أيضا، (79/81) وهذا الإنجاز الكونفدرالي، وإن أصبح البعض يعتبره إنجازا خاصا به، فللحقيقة وللتاريخ، إن مرحلة التأسيس كانت لها ظروفها و شروطها الخاصة. بحيث أننا نتكلم عن مرحلة كانت تعج بفئة من المناضلين الحقيقيين و الصادقين مع أنفسهم أولا و مع مبادئهم و اختياراتهم ثانيا. و هؤلاء من المناضلين الذين لهم كامل الفضل في بناء هذا الصرح الزاخر بالعطاء النضالي و الذين أفنوا عز شبابهم غي التضحية و نكران الذات من أجل أن يكون هناك إطارا عماليا يدافع و يكافح عن الطبقة العاملة و عموم الكادحين. و بقدر ما نحيي هؤلاء الصادقين الذين منهم من قضي نحبه، و منهم من ينتظر، و منهم أيضا من تبدل تبديلا، بهذا القدر أيضا نتأسف للمسار الذي توجد عليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل اليوم من انحطاط نضالي و تشرذم وتفتيت القطاعات، و بيروقراطية قل نظيرها في الساحة النقابية. زد على ذلك أنها أصبحت مرتعا لمرتزقة العمل النقابي الذين يتاجرون بقضايا الجماهير العمالية بدون رأفة من الحالة المزرية التي تعيشها عموم الطبقة العاملة في هذه المرحلة المأزومة، كما أن القيادة الجاثمة على صدر هذه المركزية منذ ما يزيد على 30سنة، أفقدت للعمل النقابي مصداقيته، و ابتعدت عن الأهداف التي تأسست من أجلها، و إذا تطرقنا لهذا الموضوع بالذات فهذه المرحلة، فمن حقنا كمواطنين متتبعين للمسار السياسي و من ضمنه الحركة النقابية بالمغرب، و كمناضلين ساهمنا بقسط متواضع في بناء هذا الصرح النقابي الذي تأسفوا اليوم للحالة المزرية التي تعيشها بفضل منعدمي الأخلاق النضالية و المبادئ التقدمية. و من جهة ثانية فمن حقنا أيضا و في هذه المرحلة التي يتم التهيئ فيها للمؤتمر الوطني الخامس، و التي تظهر كل المؤشرات أنه لن يختلف عن المؤتمرات السابقة في شيء. و لكن من حقنا أن نطرح جملة من الأسئلة حول مستقبل ك.د.ش. و أول سؤال يتبادر في ذهن الجميع هو: هل ستبقى شرذمة المكتب التنفيذي متشبثة ببقائها على رأس النقابة؟، بالرغم أنها تتحمل المسؤولية التاريخية في ضرب القدرات النقابية و تشتيت الطبقة العاملة و تفتيت القطاعات بمؤامراتها و دسائسها على المناضلين الحقيقيين يطردهم و إقصائهم بكل الوسائل الدنيئة. و ثاني سؤال: ماذا أعددت قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مشاريعها من تصورات و توصيات؟. لاستدراك ما أفسدته طيلة سنوات تربعها على عرش المنظمة و ثالث سؤال : هل هناك فرصة لقيادة شابة غير زبانية المكتب التنفيذي؟ و هل سيتشبث المؤتمر ببقاء نوبير الأموي كاتبا عاما؟ و رابع سؤال: هل هناك مشروعا ضمن المشاريع المقدمة للمؤتمر يتناول الوحدة النقابية و كيفية توحيدها؟ بعيدا عن الحسابات المصلحية الضيقة، و التي تحكم دائما قيادة المكتب التنفيذي. أظن أنها أربعة أسئلة متواضعة جدا في صيغتها و طرحها، و لكنها صعبة جدا في تنفيذيها أمام أرستقراطية العمل النقابي التي أصبحت تسترزق و بالمكشوف في معاناة العمال. و سنترك للتاريخ الإجابة و الحكم أيضا على من أبعد العمل النقابي من الصراع السياسي في هذه المرحلة التي ما أحوجنا فيها لنقابات مناضلة تدافع عن قضايا الجماهير و قوتها اليومي بصدق و إخلاص.
#ابراهيم_حمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار المغربي و منزلقات القراءات الخاطئة للواقع
-
العمل النقابي بين دوره الفعال و تهميشه
-
العمل النقابي بين دوره الفعال و تهميشه
-
المسار الحقوقي بالمغرب بين الغايات و التوظيف
-
بين الثابت و المتحول -يفتح الله-
-
رد على غزلان بنعمر
المزيد.....
-
ما هي حقيقة زيادة الرواتب؟ .. المالية تكشف عن جدول صرف رواتب
...
-
WFTU Declaration in Solidarity with the Arrested Unionists i
...
-
العملاق الألماني فولكسفاغن يعاني: إضراب وسط تفاقم الأزمة!
-
ألمانيا.. إضراب ما يقرب من 100 ألف عامل في -فولكس فاجن-
-
بعد مشاركة 100 ألف عامل.. إنهاء إضراب فولكس فاغن التحذيري
-
بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على الع
...
-
دعوى على أبل بسبب -التجسس على الموظفين-
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
” 200 مليون دينار ” سلفة من مصرف الرشيد فورية في حسابات المو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|