|
قوانين لتكريس الصراعات الطائفية
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4265 - 2013 / 11 / 4 - 14:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن بعض السياسيين العراقيين لا همَّ لهم سوى الإصرار على مواصلة تمزيق ما تبقى من الوحدة الوطنية لأنهم ابتلوا بهواية الصراعات الأثنية والطائفية حتى صارت عندهم نوعاً من التسلية كالمهتمين بمشاهدة المباريات الرياضية. إلا إن الفرق بين نوعي المنافسات (الطائفية والرياضية) هو أن الصراعات الطائفية والأثنية تتفشى مع التخلف وتأخذ أشكالاً دموية، بينما المنافسات الرياضية تنتشر في المجتمعات المتقدمة وتتخذ أشكالاً حضارية الغرض منها تفريغ الشحنات والطاقات لدى الشباب بأسلوب سلمي حضاري نافع. في كتابه الموسوم (مهزلة العقل البشري)، خصص العلامة علي الوردي فصلاً كاملاُ عن (أنواع التنازع وأسبابه)، إذ قال: "والظاهر أن الإنسان مجبول على التنازع في صميم تكوينه فإذا قل التنازع الفعلي في محيطه لجأ إلى اصطناع تنازع وهمي ليروِّح عن نفسه". وهذا بالضبط ما يفعله بعض السياسيين في العراق، رغم أن العراق لا تنقصه منازعات لكي يلجأ سياسيوها إلى اصطناعها، فهي كثيرة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. فيبين الوردي أن التنازع بين البشر مسألة غريزية وتتخذ أشكالاً مختلفة حسب تطور المجتمعات. ففي المجتمعات البدائية يتخذ التنازع شكل الصراعات الدموية، القتل والإيذاء، ولكنه تحول تدريجياً إلى أقل عنفاً، مثلاً إلى التحايل والسرقات..الخ. وفي المجتمعات الراقية اتخذ شكل حملات انتخابية، ودعايات ترويجية للشركات، ومباريات رياضية...الخ.
أما في العراق، وبسبب الردة الحضارية التي أصيب بها المجتمع خلال حكم البعث الفاشي لخمسة وثلاثين عاماً، فقد عاد القهقرى إلى إحياء الصراعات الطائفية والأثينة الدموية، ومحاربة المنافسات الرياضية السلمية، لذلك لاحظنا هجوم السيد مقتدى الصدر، وشيوخ الوهابية على الرياضة وبالأخص سباقات كرة القدم.
نبذة تاريخية عن قانون الأحوال الشخصية غني عن القول أن من أهم عوامل الوحدة الوطنية هو توحيد القوانين ومعاملة أبناء الشعب كمواطنين من الدرجة الأولى في دولة المواطنة وحكم القانون، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية (الأثنية)، والدينية والمذهبية. ولذلك، بعد ثورة 14 تموز 1958، فكرت قيادة الثورة بسن قانون للأحوال الشخصية يلائم ظروف العصر وتكوينات الشعب العراقي، فقامت بتشكيل لحنة من المختصين بالقوانين لكتابة هكذا قانون، وتم إصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، الذي رد الاعتبار للمرأة التي تشكل 50% من الشعب. وحسب ما أقر معظم علماء الاجتماع والحقوقيين أن هذا القانون كان من أحسن ما شرع من قوانين للتخلص من تعقيدات الأحوال الشخصية، يلائم الشعب العراقي المتعدد الأعراق والأديان والطوائف والمرحلة التاريخية. ولكن لا بد لكل جديد أن يواجه معارضة من قبل شريحة من المجتمع وخاصة من قبل رجال الدين، وهذا ما حصل لهذا القانون وبالأخص من قبل رجال الدين الشيعة، وفي مقدمتهم المرجع الديني السيد محسن الحكيم، فاعتبروه خروجاً على الإسلام!. لذلك وبعد نجاح انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، الطلب الوحيد الذي قدمه السيد الحكيم لحكومة الانقلابيين هو إلغاء هذا القانون. ولم يتجرأ الإنقلابيون إلغائه، فأجروا عليه بعض التعديلات ضد حقوق ال المرأة إرضاءً لرجال الدين الذين مهدوا بفتاواهم لهذا الانقلاب الدموي الذي أدخل العراق في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن. ولكن بعد مجيء البعث الثاني للسلطة عام 1968 أجروا عليه بعض التعديلات الإيجابية في صالح المرأة، ولم يستطع رجال الدين الاعتراض عليهم. وبعد إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003، وتشكيل مجلس الحكم، وجعل رئاسته دورية شهرية، فلما جاء دور المرحوم السيد عبدالعزيز الحكيم (نجل السيد محسن الحكيم) لرئاسة مجلس الحكم عام 2004 أول عمل قام به هو إصدار قرار رقم 137 يوم 1/1/2004، ألغى بموجه (قانون الأحوال الشخصية). وقد أحدث هذا القرار سيئ الصيت رد فعل عنيف لدى الشعب وأوساط السياسيين والكتاب التقدميين، مما اضطر تدخل بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف، فألغى مشكوراً القرار 137.
يبدو أن الجماعات الإسلامية، وخاصة الشيعية منها، لم يقر لهم قرار، وصار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 شغلهم الشاغل، وكأن العراق أنتهى من كل مشاكله فلم يبق لديهم سوى هذا القانون للتخلص منه، فعادوا من جديد وخرجوا علينا بلعبة (قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري).
ما هي الحكمة من قانون لكل طائفة؟ ذكرنا أعلاه أن أهم عامل للوحدة الوطنية هو وحدة القوانين. ولكن يبدو أن الجماعة مصرون على تعددية القوانين وبأسماء طائفية مثيرة لتحقيق غرضهم الأساسي وهو تمزيق ما تبقى من الوحدة الوطنية. يقول النائب السيد حسين سلمان المرعبي في دفاعه عن القانون الطائفي: "ان نقطة القوة التي يجب ان نركز عليها في الترويج الى مشروع القضاء والأحوال الشخصية الشيعي هي ان القانون الجديد لا يلغي القانون السابق". في الحقيقة، هذه نقطة ضعف وليست نقطة قوة في القانون الجديد، إذ يعني أن القانون السابق، أي قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، مازال صالحاً ويؤدي الغرض ويناسب أتباع جميع الطوائف والأديان، إذ كما قال عنه الخبير القانوني السيد طارق حرب في هذا الخصوص أن "القانون الحالي سليم الى حد ما، وأخذ تشريعاته من مذاهب اسلامية عدة، فبعضها استند الى المذهب الحنفي وأخرى الى الجعفري وغيرها اخذت من المذهب الظاهري ولم يقتصر القانون على مدرسة اسلامية واحدة". ولتبرير القانون الجديد، يستشهد السيد النائب حسين سلمان المرعبي بالمادة (41) من الدستور حيث نصت على:"العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون". في الحقيقة هذا الخيار موجود في القانون السابق، فمنذ العهد الملكي وإلى الآن هناك قضاة شرع حسب ديانات وطوائف المواطنين للنظر في قضايا الزواج والطلاق والإرث وغيرها. ألا يعني هذا أن الغرض من سن قانون باسم طائفة معينة هو العزف على الوتر الطائفي والإمعان في تمزيق الوحدة الوطنية الممزقة أصلاً؟ أما الشروط التي فرضها الإسلام، واستشهد بها السيد المرعبي، مثل تحريم تعدد الزوجات والزواج بالإكراه، وتجريم النهوة العشائرية ...الخ، فهذه الشروط لا يحترمها أحد، لا في العراق ولا في أي بلد إسلامي. والقرآن كما وصفه الإمام علي، (حمال أوجه)، كل رجل دين يستطيع أن يفسره كما يشاء وفيه ما يشاء. وكذلك في الدستور العراقي هناك مواد كثيرة قابلة للتأويل. لذلك نطالب المخلصين من السياسيين أن في مثل هذه الأوضاع العاصفة التي يمر بها العراق الآن، أن يتجنبوا إثارة أية قضية من شأنها تكريس التفرقة وخلق المزيد منها.
فإصدار قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري، يعني أن يطالب أتباع الديانات والمذاهب الأخرى بإصدار قوانين خاصة بمذاهبهم وحسب متطلباتهم الدينية والطائفية، وهذا يعني تكريس الصراعات الطائفية وتمزيق الوحدة الوطنية. فالعراق اليوم بأمس الحاجة إلى دولة المواطنة التي وظيفتها الأساسية سن قوانين لإدارة أعمالهم الدنيوية. أما مشاكلهم ما بعد الموت فأمرها بأيدي رجال الدين، وكل حسب دينه ومذهبه. أما أن تتدخل الدولة وتفرض على المواطنين قوانين دينية تم تشريعها لحل مشاكل مجتمع بدوي قبل 1400 سنة فهي عملية انتحارية لأنها ضد قوانين التطور. هناك قول مأثور للإمام علي قلما يذكره الإسلاميون وهو: (لا تقسروا أولادكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم). وهذا دليل على أن الإمام كان مدركاً للتغيير ومتطلبات المستقبل. كما ويخبرنا التاريخ أن الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، أجرى أكثر من أربعين تعديلاً على الشريعة الإسلامية خلال عشر سنوات من وفاة الرسول (ص). ورغم القول أن (لا اجتهاد في النص) إلا إن عمر قد اجتهد في النص القرآني مثل الغائه زواج المتعة، وحصة المؤلفة قلوبهم من الغنائم وغيرها كثير. ونحن إذ نسأل: إذا كان عمر شعر بالحاجة الماسة إلى التغيير والتعديل بعد عشر سنوات فقط من وفاة الرسول، فكم من الأمور الأخرى التي سيقدم على تغييرها إذا ما جاء اليوم وبعد ما يقارب 14 قرناً من الزمان؟
وأخيراً، من الإنصاف هنا أن نذكر أنه ليس رجال الدين الشيعة الذين طالبوا بسن قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري، فهذه الفذلكة من "إبداعات" بعض السياسيين الشيعة المستفيدين من تكريس الصراعات الطائفية، لا حباً بأبناء طائفتهم، بل لضمان بقائهم في مناصبهم. وأفضل دليل على ذلك هو ما صرح به المرجع الديني الشيعي المعروف آية الله السيد حسين إسماعيل الصدر حيث طالب الدولة بعدم "إرغام" المواطنين على "الإيمان والالتزام بالشريعة"، مؤكدا ان هذا سـ"يخلصنا من الطائفية". وقال الصدر ردا على سؤال من احد اتباعه بشأن طرح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية من قبل بعض الأحزاب للتصويت عليه، إن "الإيمان والتدين والالتزام بالشريعة أمر شخصي لا يصح للدولة المحاولة لإرغام المواطنين عليه". وأضاف الصدر أن "الأفضل أن تكتفي الدولة بتشريع قوانين مدنية عامة متوافقة مع الاتفاقيات الدولية ولا تخالف الشريعة الإسلامية في نفس الوقت، وتدع المسائل الشرعية لأهلها، ليتاح لكل من المؤمنين الرجوع إلى من يقلده في أعماله الشرعية"، مؤكدا أن "هذه الطريقة ستخلصنا من التنافس الطائفي وستضمن مصالح أتباع الأديان والمذاهب المختلفة في البلد جميعا". يرجى فتح الرابط: الصدر: الالتزام بالشريعة أمر شخصي لا يصح إرغام المواطنين عليه http://alakhbaar.org/home/2013/11/156858.html ـــــــــــــــــــــــــــــــــ روابط مقالات أخرى للكاتب، ذات علاقة بالموضوع 1- اللهم أحفظِ العراق من العراقيين http://www.ebaa.net/wjhat-nadar/12/527.htm
2- الاتفاق على تدمير العراق http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=475
3- إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=606
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَنْ الذي تسبب في كوارث العراق؟
-
التقارب الإيراني الأمريكي وجنون البقر السعودي
-
في عشية زيارة المالكي إلى واشنطن
-
إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم
-
الفتنة أكبر من القتل
-
من يهن يسهل الهوان عليه
-
التفاهم الإيراني- الأمريكي انتصار للسلام والحكمة
-
اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم مجدداً
-
على أمريكا إما أن تحتل سوريا أو تتركها لحالها
-
هل ستقضي تكنولوجية الدمار على البشرية؟
-
حرب الناتو على سوريا بالنيابة عن إسرائيل والسعودية
-
العراقي المغترب وحلم العودة.. هل ثمة ما يغري؟*
-
في مواجهة الدعيات المضلِّلة(2)
-
دروس من أبو غريب
-
في وداع العفيف
-
رحيل المفكر التونسي العفيف الأخضر
-
لا يصح إلا الصحيح
-
إن حبل الكذب قصير
-
مصير الديمقراطية في مصر؟
-
لماذا الآن اتهام إيران بتفجير المرقدين في سامراء؟
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|