|
الإرشادية تمثيل الإلوهية على الأرض
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 21:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في المعتقد أن إله عملاق، يشبه الإنسان لكن ما هو بإنسان، يجلس على كرسيه فوق السموات العلى، يعلم من مقره البعيد هناك مستقر ومستودع كل دابة على الأرض، وعليه رزقها، ويدبر أمر البشر المكلفين، في المقابل، بالطاعة والحمد والشكر على نعمته. هو خالق الكون، وكفيله وناظره بعد الخلق. هو- فوق البشر- الملك... العزيز... الغفار... القهار... الوهاب... الفتاح... العليم... الحكيم... الخافض الرافع... المعز المذل.... الحكم... العدل... العظيم... العلي... الكبير... الحسيب... الجليل.... الكريم.... الرقيب... الوكيل... القوي... الولي... الخ؛ هو الأكبر، الأعظم والأعلى في كل الصفات.
لكن هذا الإله المعتقد، رغم كل هذه الصفات الخارقة، لم ولا يستطيع مطلقاً أن يعيش أو يمشي على الأرض بين الناس، مرئياً لهم ومسموعاً منهم، يدبر أمورهم ويتوسط خلافاتهم ويصدر فيها أحكامه العادلة والنهائية. هو فقط تصور نظري قد تحول بتراكم الأزمان إلى إيمان راسخ في الذهن البشري، من دون أن يكون له مجسد، أو معادل، مادي مباشر وملموس على الأرض. لكن، من جهة أخرى، هذا الغياب المادي الفعلي لم يمنع هؤلاء البشر طوال التاريخ من القدرة على التواصل مع هكذا إله ذهني مجرد، متصور في السماء، عبر وسائط لا حصر لها تتراوح من الشديدة البدائية مثل الحيوانات وعناصر الطبيعة المختلفة المسكونة بروح الإله أو بقبس منها، وبالتالي تستطيع أن تؤدي دور الوسيط بين الله والإنسان، إلى وسائط مجسدة أخرى أكثر تقدماً ومهارة في الصنع. منصب المرشد الأعلى في إيران هو أحد هذه الوسائط المتقدمة، وهو مرمى التصويب في هذا المكان.
المرشد الأعلى داخل النظام السياسي الإيراني قد تم تأسيسه في محاكاة حرفية قدر الإمكان للتصور حول الإله الأكبر في السماء. كما أن الله يتربع في سمو وتفرد وإطلاق على قمة عرشه في السماء، كذلك المرشد يتبوأ المنصب الأسمى والأعلى على الإطلاق داخل الدولة الإيرانية الإسلامية؛ وعلى شاكلة تصور الكون كمملكة خاصة لله، كذلك قد فصل الدستور الإيراني من إيران مملكة خاصة للمرشد؛ الحكومات تأتي وتذهب، والرؤساء يأتون ويذهبون عبر صناديق الاقتراع. المرشد هو الشخص الوحيد الباقي في الصورة- المملكة. الكل من أسفل- والرئيس المنتخب في مقدمتهم- مطالب بتقديم مظاهر الطاعة والحمد والشكر له على النعمة- تقبيل اليد فرض عين على جميع الإيرانيين تجاه مرشدهم.
بالطبع سوف تعترض أصوات أن المرشد الإيراني في الواقع السياسي والاجتماعي المعاش لا يتمتع أبداً بمثل ما قد ينسب إلى الله من قدرات وربوبية مقدسة ومشكورة، بدليل أن هناك هيئة بشرية مكونة من ناس عاديين هي المكلفة بانتخابه ومراقبته في أداء مهام وظيفته ومحاسبته، وحتى إقالته واستبداله بآخر إذا اقتضى الأمر. كذلك، عكس الله سبحانه وتعالي في السماء، المرشد الإيراني حتماً يأتي يوم ولابد أن يموت ويخلفه آخر، كما حدث بالفعل مع المرشد السابق ومؤسس الدولة الإسلامية روح الله الخميني. هذا صحيح. لكن، في الوقت نفسه، ذلك الذي يخضع للانتخاب والمراقبة وإمكانية الاستبدال بآخر ليس هو ’المنصب‘ في حد ذاته بقدر ما هو ’الشخص‘ نفسه، الإنسان من لحم ودم الذي يشغل المنصب. وهنا يجب التفريق بين منصب المرشد ’كشخص اعتباري‘ والمرشد الإنسان الفرد نفسه ’كشخص طبيعي‘. هذا المرشد الاعتباري، بصرف النظر عن شاغله الطبيعي ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً، قد تأسس- وسط كافة الأشخاص الاعتبارية الأخرى - على درجة من القدرة والقدسية مماثلة لتلك المتصورة للإله المجرد في السماء. هو المعادل الأرضي للإله السماوي، أو على الأقل الوكيل والممثل الحصري له هنا، على الأرض، بين الناس.
إذا حدث، فرضاً، أن أخطأ المرشد الأعلى الحالي آية الله على خامنئي وقدم للمحاسبة، حينئذ يكون الذي أخطأ ويجب أن يحاسب هو شخص المرشد ’الطبيعي‘ الذي، مثل كل البشر الطبيعيين، يأكل ويشرب ويدخل الحمام ويجتهد في رأيه وفعله مثلهم وليس معصوماً من الخطأ. المعصوم والمقدس فعلاً، وقد تم تأسيسه من الأصل على هذا النحو، هو المرشد ’الاعتباري‘- المؤسسة الدستورية والقانونية التي يرأسها ويجسدها المرشد الشخص الطبيعي نفسه.
هكذا يبدو أن إيران الإسلامية، من فرط التطرف في حب الإله السماوي المجرد والتعلق به، قد اختلقت لنفسها نسختها الأرضية الخاصة منه، بأكبر قدر ممكن من تطابق المواصفات. وهي، بذلك، تكون قد أرست سنة مبتكرة في الوعي الإسلامي وتسعى- طمعاً في تحقيق زعامة إقليمية- في نشرها وترويجها وتسويقها لبقية الدول ذات الأغلبية السكانية المسلمة حول المنطقة. في مصر، مثلاً، قد حاول النظام الإخواني أن يؤسس بموجب دستور 2012 المعطل إلهاً أرضياً خاصاً به أيضاً أسوة بالمرشد الإيراني، لكن هذه المرة في صورة ’هيئة كبار علماء الأزهر‘. ورغم سقوط الإخوان المسلمين ودستورهم ونظامهم كله إلى غير رجعة بعد 30 يونيو الماضي، لا يزال وريث تيار الإسلام السياسي حالياً، حزب النور السلفي، مصمم بكافة السبل ووسائل الضغط والتهديد على أن يبقى على هذا ’الإله الأزهري‘ حياً في الدستور الجديد.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزهر سبحانه وتعالي
-
تحذير: للكبار فقط
-
بأمر الواقع، السيسي رئيساً.
-
ثورة دي، ولا انقلاب؟!
-
رثاء
-
كبير الإرهابيين، إمام المغفلين
-
في حب الموت
-
حين تعبد الديمقراطية
-
في آداب القتل الشرعي
-
أنا الله
-
جمال عبد الناصر، خيبة أمل نصف العرب
-
القرآن دستورنا
-
حاكموا لهم إلههم، أو أخلوا لهم سبيله
-
إطلالة من الخارج على المزبلة السورية
-
معاقبة التدخل القطري في الشأن المصري
-
إمارة قطر، محمية أمريكية أم شوكة عربية؟
-
وهم أسلمة الكافر بطبعه
-
في آداب الصراع المسلح بين الدولة والثوار
-
الدولة الرب
-
الإخوان لا يتعلمون الدرس
المزيد.....
-
ترامب يوقع على أمر تنفيذي يهدف إلى مكافحة -التحيز ضد المسيحي
...
-
متى الايام البيض شهر شعبان 1446؟ .. دار الإفتاء تكشف عن أهمي
...
-
عاجل | البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا للقضاء على التح
...
-
ترامب يعتزم إنشاء لجنة للقضاء على التحيز ضد المسيحيين
-
الإعلان عن موعد دفن آغا خان زعيم الطائفة الإسماعيلية في مصر
...
-
ماما جابت بيبي..استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
رئيس بلدية رفح يناشد الدول العربية والاسلامية إغاثة المنكوبي
...
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|