كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:59
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحلقة الرابعة
من أجل دستور يقر تشريعاً وممارسة حقوق المرأة كاملة غير منقوصة!
ما يزال العراق يعيش مجتمعه الذكوري الوحيد الجانب فكراً وتشريعاً وممارسة, رغم ما جاء في قانون إدارة الدولة المؤقت من تأكيد على حقوق المرأة. وهي عملية إفقار حقيقية للمجتمع بسبب غياب نصفه الثاني عن الحياة بكل جوانبها ومجالاتها. وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم, بل هي نتاج مئات بل الآف السنين المنصرمة. ورغم النجاحات البسيطة والمهمة التي تحققت للمرأة العراقية في عهد حكم عبد الكريم قاسم, فأنها سرعان ما تبخرت وتحولت ضدها في فترة الدكتاتور صدام حسين الذي دفع بالمرأة إلى هامش الحياة وقزمها سياساً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً, رغم أنها لم تسكت وبذلت الكثير للتخلص من هذا الوضع المزري وناضلت مع الرجل في هذا الصدد. والمرأة في العراق تواجه ثلاث معضلات, وأعني بها:
1. الجهل الواسع النطاق الذي يلف الغالبية العظمى من النساء, فغالبيتهن, شئنا ذلك أم ابينا, لا يدركن حقوقهن وواجباتهن إزاء أنفسهن وإزاء المجتمع والدولة التي يعشن فيها. وهناك من النساء من يناضلن ضد حقوق المرأة وتمتعها بحريتها الكاملة باعتبار ذلك مخالفة للدين, وهن, كما أرى, بعيدات عن فهم حقيقة الدين.
2. الدور السلبي الذي تمارسه كثرة كاثرة من رجال الدين الذين تساهم في تشويه الدين وتفرض على المرأة ما لا يجوز فرضه عليها, بما في ذلك الحجاب وبالطريقة الجارية حالياً, وكثرة من رجال الدين تمارس قبل غيرها من الجماعات في الكثير من مواعظها مواقف مناهضة لحرية المرأة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبقية المجالات وترفض منح المرأة كامل حريتها وحقوقها باعتبارها ناقصة العقل, وهي لعمري إساءة كبيرة لدور المرأة ومكانتها في المجتمع ولإنسانيتها على نحو خاص.
3. الدور السلبي العام الذي يلعبه الرجل, باعتباره اباً وأخاً وزوجاً وابناً وعماً وخالاً, إزاء المرأة وإزاء حقوقها. وهي ناجمة من الجهل الذي يلف غالبية الرجال وعدم إدراك حقيقة دور المرأة في الدولة والمجتمع من جهة, والخشية على هيمنتهم في البيت والدولة والمجتمع من جهة ثانية, ودور جمهرة من رجال الدين في تسميم أفكار الرجال بما هو بعيد عن الدين إزاء الموقف من المرأة, إضافة غلى العادات والتقاليد التي نشأت في العراق عبر قرون طويلة.
إن التقاليد والعادات القديمة ما تزال فاعلة في المجتمع العراقي وعلينا مواجهتها خمسة إجراءات أساسية, وهي:
1. أن نضع في الدستور تلك المواد التي تمنح المرأة حقاً وقوة للنضال من أجل تكريس وممارسة حقوقها وواجباتها في المجتمع, أي أن نضع في أيدي المرأة قوة القانون لتستخدمه دفاعاً عن حقوقها. وهي البداية لكل تغيير في المجتمع.
2. أن ننشط المنظمات غير الحكومية, ومنها المنظمات النسائية, لتعمل من أجل نشر ثقافة المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات لا في المدينة فحسب, بل وفي الريف أيضاً, إذ بدون مثل هذه الحركة التنويرية يصعب الوصول إلى الغايات المنشودة. وهي مهمة صعبة ومعقدة وخطرة, ولكن لا مناص منها.
3. أن ننشط التعليم ومكافحة الأمية لا للذين في سن التعليم من النساء فحسب, بل وكذلك النسوة البالغات سن الرشد, وعلى نطاق البلاد كلها.
4. أن تقوم الدولة بدورها التنويري والتعليمي والإعلامي لصالح تعزيز وتكريس حرية وحقوق المرأة وواجباتها في الدولة والمجتمع.
5. أن ننشط العلاقات الثقافية بين نساء العراق ومنظمات المجتمع المدني العراقية من جهة ونساء العالم ومنظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية وفي الدول المختلفة من جهة أخرى, من أجل تبادل الخبرة والمعارف والتجارب النضالية في سبيل ضمان الاستجابة لحقوقهن.
ولا شك في أن المرأة العراقية بحاجة إلى دعم كبير من الرجل في هذه العملية المعقدة وبحاجة إلى دعم دولي ومنه الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة والمنظمات النسوية في الدول المختلفة, ولكن عليها هي بالذات أن تكافح في البيت وفي المجتمع وفي كل مكان من أجل أن يتضمن الدستور الجديد تلك المواد الأساسية التي لا بد لنا من تأكيدها وقد كتبنا عنها الشيء الكثير, ومنها بشكل خاص:
أولاً: تأكيد المساواة التامة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وأمام القانون.
ثانياً:الاعتراف بكافة اللوائح والمواثيق والعهود لدولية التي تقر حقوق المرأة ومساواتها بالرجل.
ثالثاً: تحريم كافة اشكال التمييز إزاء المرأة ومعاقبة مرتكبيه.
رابعاً: حق المرأة في احتلال كافة المناصب والمراكز في الدولة الفيدرالية العراقية كأخيها الرجل, بما في ذلك رئاسة الجمهورية ورئاسة الإقليم ورئاسة الوزراء ومجلس النواب والقضاء والجامعات والمنظمات المهنية وغير الحكومية ... الخ. وضمان نسبة تتراوح بين 35-40 % حالياً في مختلف المجالات الحكومية وأجهزة الدولة وفي غيرها من المجالات.
خامساً: رعاية الأمومة والطفولة وضمان حقوقهما المشروعة وتأمين مستلزمات ذلك.
سادساً: ضمان التعليم الإلزامي للبنات كما للأولاد إلى نهاية الدراسة المتوسطة كمرحلة أولى والدراسة الثانوية كمرحلة لاحقة, إضافة إلى ضمان إمكانية القبول بنسب مناسبة للبنات في الدراسات المهنية والفنية والجامعية.
ويمكن لهذه المبادئ أن تتجلى بتفاصيل أخرى في قوانين تصدر عن مجلس النواب العراقي, وقد نشرتها سابقاً وأعيد نشرها لتأكيدها مجدداً, وهي:
1. إقرار المساواة التامة وفي جميع المجالات. كما أقرتها المادة الأولى وبقية مواد اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة, وكذلك اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة ولائحة حقوق الإنسان وبقية الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والقرارات الصادرة عن المؤتمرات الدولية الخاصة بحقوق النساء في العالم.
2. إلغاء جميع القوانين والنظم والتعليمات المخلة بحرية واستقلالية وحقوق المرأة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية ومساواتها التامة بالرجل.
3. تكريس حق المرأة في احتلال بين 35-40% من المقاعد والمناصب الحكومية وفي مختلف الوزارات والدوائر الرسمية والسلك الدبلوماسي وفي مختلف النقابات والمنظمات المهنية حيث يكون العمل مختلطاً. ويفترض أن لا تتوقف هذه النسبة حجر عثرة في طريق زيادة نسبة المرأة في حالة توفر الكفاءة والمقدرة, إذ أن الغبن الذي تعرضت له المرأة طيلة القرون والعقود المنصرمة شديد جداً لا بد من تجاوزه بسرعة وحيوية. ويمكن زيادة هذه النسبة مستقبلاً بما ينسجم ونسبة المرأة في المجتمع.
4. دعم الجهود المبذولة حالياً لمكافحة الأمية بين النساء الكبار عبر تنشيط الدورات الحكومية ومدارس مكافحة الأمية ودورات الجمعيات المهنية والمدارس المسائية.
5. تطوير دور المنظمات النسوية المهنية والديمقراطية وتقديم كل أشكال الدعم من أجل ربط المرأة بهذه التنظيمات غير الحكومية ومساعدتها لتطوير دورها الثقافي والاجتماعي والمدني.
6. الأخذ بمبدأ التعليم المختلط بين البنات والأولاد لما في ذلك من تأثير إيجابي على العلاقات الإنسانية غير المعقدة بين الإناث والذكور والتعليم بروح المساواة والرؤية السوية للبنت والولد, وضمان التقدم والتطور في التكوين الثقافي الإنساني للمرأة.
7. تدريس مبادئ حقوق الإنسان واتفاقية حقوق المرأة السياسية واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وتحريم التعذيب ... الخ في مختلف المدارس والمعاهد والكليات والجامعات العراقية بما يحقق وعياً مشتركاً بالحقوق المتساوية بين النساء والرجال , إضافة إلى إلقاء المحاضرات التثقيفية حول حقوق المرأة في المعامل والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
8. تحريم الاعتداء وما يسمى بتأديب المرأة تشريعاً ومعاقبة من يمارس ذلك. وتحريم القتل بحجة غسل العار وإنزال أشد العقوبات القانونية بفاعليه, ومنع ضرب الأطفال ومعاقبة من يمارسه.
9. منح المرأة حريتها التامة في التخلص من قيود الحجاب الراهنة والتي تتجاوز المنصوص عليه في القرآن والسنة كثيراً وجعلتها في سجن إضافي للسجون النفسية والعقلية التي تعيش فيها حالياً.
10. تأمين برامج تلفزيونية وإذاعية ووسائل إعلامية أخرى للمرأة لتمارس دورها فيها وتطرح من خلالها مشكلاتها وتطلعاتها ومشروعاتها الراهنة والمستقبلية وتعبئة النساء حول أهداف نضال المرأة.
11. تأمين مستلزمات مساعدة النساء المعوقات في التعليم والتوظيف أو المعالجة ...الخ.
12. العمل من أجل مكافحة البطالة المنتشرة بشكل خاص بين النساء وضمان حقهن في العمل في جميع المجالات دون استثناء وحصولهن على أجر مساو لأجر الرجل, وتوفير مستلزمات عمل المرأة وفق حاجاتها كامرأة وأم ومربية ومنتجة في آن واحد, وتأمين مستلزمات رعاية الطفولة وتخفيف العبء عن المرأة من خلال الرجل وتسهيلات الدولة.
13. تطبيق مبدأ تحريم الزواج بأكثر من امرأة واحدة, مع تنظيم الحالات الاستثنائية بقانون. وضمان الحقوق المتساوية للزوجين أمام القانون وإزاء المسؤوليات العائلية.
14. إقرار مبدأ مشاركة الرجل في العمل المنزلي وتربية الأطفال والكف عن استمرار هيمنة المجتمع الذكوري على الحياة العامة وإلقاء عمل البيت والتربية على عاتق المرأة وحدها وحرمانها من حقها في العمل خارج البيت أو التمتع باستقلاليتها. فالرجل والمرأة متساويان في مسؤولية إدارة شؤون المنزل وتربية الأطفال وتأمين الحالة الاقتصادية للعائلة.
15. ضمان تكريس حق المرأة الكامل دستورياً في احتلال جميع المراكز والمناصب الحكومية ابتداءً من منصب رئيس الجمهورية ومروراً بالوزارات ودوائر الدولة والقضاء وفي الجيش والشرطة والأمن, بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو الفكر.
16. تشجيع النشر النسوي بمختلف أشكاله وضمان التحاق النساء بالعمل الإعلامي, سواء أكان في الصحافة أم التلفزة أم الإذاعة أم غيرها, ودعم مشاركة النساء في مختلف النشاطات الإبداعية دون استثناء وتوفير السبل المناسبة لنشر نتاجاتها الفكرية المختلفة.
17. توفير مستلزمات مشاركة المرأة في المؤتمرات والفعاليات العربية والإقليمية والدولية بهدف رفع مستوى التبادل العلمي والمعرفي والخبرة في مجال نضال المرأة ودورها في المجتمع والدولة.
ولا شك في أن هناك الكثير من الحقوق والواجبات التي يفترض أن تنظم وأن ينص عليها, سواء أكان ذلك في الدستور الدائم أم في قوانين خاصة أم في نظم وتعليمات إدارية. وأرى بأن علماء الدين الأوفياء لدينهم, أياً كان هذا الدين, ولشعوبهم ووطنهم وقيمهم السليمة يمكنهم أن يلعبوا دوراً مهماً وحيوياً, ويفترض أن يلعبوه, لصالح تنوير المرأة والمشاركة في العملية التنويرية الدينية لصالح المبادئ والأسس التي تحدثنا عنها في أعلاه والتي تتماشى مع اتجاهات تطور المجتمع البشري ولا تتعارض مع القيم الأساسية في الأديان المختلفة.
برلين في 31/5/2005 كاظم حبيب
ملاحظة: يرجى من الأخوة الذين اطلعوا على الحلقة الثانية من هذه السلسلة أن يقرأوا الفقرة كما يلي, إذ أن كلمة (عدم) قد سقطت سهواً قبل كلمة توزيع السلطة مع الاعتذار ..:
4. كما يستوجب أن يتضمن الدستور عدم توزيع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس المحاصة بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة, إذ أن في ذلك إخلال حقيقي بحق المواطنة وحقوق الإنسان.
الحلقة الثالثة
هل من هوية تجمع العراقيات والعراقيين؟
تعيش في العراق الراهن بحدوده الحالية ومنذ مئات السنين أو يزيد العديد من القوميات. وكانت هناك فرصة لتعزيز التآخي والتفاعل والتشابك الثقافي في ما بين مختلف هذه القوميات لا بهدف صهرها, بل بأمل تعاونها ونضالها المشترك من أجل تحسين أوضاعها وحياتها ومستقبلها. وقد فرط الحكام على امتداد الحكم الوطني الذي بدأ في عام 1921 حتى الأمس القريب. وبمرور الزمن عمق هؤلاء الحكام المشكلات القومية والسياسية والثقافية ولعبوا دوراً في نشوء حساسيات ما كان لها أن تعيش وتتبلور وتستقطب المزيد من الناس لولا إصرار الحكام العرب على سياساتهم الشوفينية والتمييزية والحروب التي خاضوها ضد المنتمين للقوميات الأخرى المطالبة بحقوقها المشروعة وتسببوا في موت مئات الآلاف من البشر دون وجه حق وساهموا في تعميق الفجوة بدلاً من إزالتها.
والعراق يعيش اليوم مرحلة جديدة بعد أن سقط الطاغية ونظامه المجرم, فهل سنعمد إلى سن دستور قادر على التعامل الواعي مع الوجود القومي المتنوع في العراق. ويفترض أن ننطلق من حقائق الواقع العراقي وليس من الرغبات أو النيات الحسنة, إذ غالباً ما أدت النيات الحسنة إلى ولوج طريق جهنم.
في هذا العراق يعيش العربي والكردي والتركماني والكلداني-الآشوري. ولكل من هؤلاء هويته القومية التي لا يمكن ولا يجوز لأحد أن ينتزعها منه. إنها تجسد في واقع الأمر اللغة والتراث والتقاليد والعادات والثقافة والأحاسيس أو المشاعر المشتركة والتكوين النفسي المشترك, إنها تعبر عن الأرض المشتركة والحياة المشتركة والتاريخ المشترك. ولهذا كان وما يزال لنا في العراق هويات عدة لا يمكن اختصارها بالقول بأن هوية العراق عربية أو هوية العراقيين عربية, إذ أننا نرتكب خطأ فادحاً يقود بنا إلى الوقوع في مشكلات مررنا بها في السابق ولا يجوز تكرارها ثانية. والمثل الكردي الذي أورده الزميل عبد المنعم الأعسم في مقاله عن الطائفية صائب ويناسب الموقف من الهوية أيضاً, إن أخطأت بحقي مرة فالله يسامحك, ولكن إن أخطأت بحقي ثانية, فالله يسامحني, لأني وافقت على أن اُلدغ من جحر مرتين.
عندما يعيش العربي والكردي والتركماني والكلداني-أشوري في دولة واحدة ويتمتعون جميعهم بالمساواة بالحقوق والواجبات ولا يجدون التمييز في المعاملة في كل المجالات والمستويات, عند ذاك يمكن أن يقبل الجميع بالقول بأنهم يمتلكون هوية عراقية, ولكن هذه الهوية العراقية لا تلغي الهوية الخاصة بتلك القوميات أو الشعوب, إذ أنها تعبر عن واقع حال لا يمكن ولا يجوز إنكاره.
لا يمكن لأحد أن يفرض على شخص أخر التخلي عن الهوية التي تميزه, كما لا يمكن ولا يجوز لأحد أن يفرض على آخر هويته, كما فعل الطاغية صدام حسين حين أراد فرض الهوية العربية على الكرد والتركمان مثلاً, أو كما فعلت الحكومة البلغارية "الاشتراكية"إزاء المواطنات والمواطنين الترك في بلغاريا, أو الأتراك إزاء الكرد في تركيا أو منع التمتع بالحقوق القومية العادلة في الدول الأربع التي تتوزع عليها الأمة الكردية, أو كما يفعل العرب في دول شمال أفريقيا إزاء القومية الأمازيغية.
إن على واضع الدستور العراقي الجديد أن يعترف في ما يخص المسألة القومية والهوية بما يلي من المفاهيم الضرورية لكي نستطيع أن نتعايش سلمياً وديمقراطياً ونتفاعل بوعي ومسؤولية ونحقق التبادل الثقافي بصدق وحيوية ونبتعد عن الصراعات والنزاعات التي شناها سابقاً:
1. الاعتراف بوجود إقليمين في العراق هما الإقليم العربي وأقليم كردستان.
2. الاعتراف بوجود أربع قوميات في العراق هي القوميات العربية والكردية والتركمانية والكلد-أشورية.
3. احترام الهوية القومية للفرد وللجماعة البشرية, ورفض فرض الهوية العربية على القوميات الأخرى والمعاقبة لمن يحاول ذلك.
4. تأكيد تمتع مواطنات ومواطنو هذه القوميات بكامل الحقوق والواجبات بصورة متساوية وتحريم الذهنية العنصرية والدعاية الشوفينية والتمييز بمختلف اشكاله إزاء الإنسان لأي سبب كان.
5. الاعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه دون وصاية عليه من العرب أو من غيرهم.
6. إقرار مبدأ إقامة الفيدرالية الكردستانية في إطار الدولة العراقية, وإقرار مبدأ إقامة فيدرالية عربية في القسم العربي من العراق.
إن الهوية العراقية تتكون من جميع تلك الهويات وليس من واحدة منها فقط. وكما أشرت مرة فالإنسان في العراق يحمل هوياته الخاصة, وهو يعيش في منطقة محددة من الشرق الأوسط ومن غرب آسيا وهو جزء من هذا العالم الرحب والمعولم.
إن إصرار بعض القوى على اعتبار العراق عربي فقط سيقود إلى نتائج وخيمة دون أدنى ريب ويعيد الأمر إلى نقطة الصفر. وبعض المثقفين التقدميين سقطوا في فخ القومية الشوفينية في تأكيدهم أن هوية العراق عربية والعراق جزء من الوطن العربي. وفي سبيل إعطاء صورة عن التباين في وجهات النظر في صفوف المثقفين العرب أورد مرة أخرى الحوار التالي الذي تم بين شخص يعمل في مجال حقوق الإنسان وبيني عبر الهاتف حول موضوع الهوية.
30/5/2005
حوار عن الهوية مع صديق عبر الهاتف
الحوار المتمدن العدد 870
2004 / 6 / 20
كنا, أحد الأصدقاء وأنا, نتجاذب بين فترة وأخرى أطراف الحديث عبر الهاتف عن الوضع في العراق وموقف الدول العربية والشعوب العربية إزاء ما يجري في الوطن بعد سقوط النظام الدكتاتوري. وجرنا الحديث إلى العمليات الإرهابية الجارية في العراق, فاختلفت وجهات نظرنا حول هذا الموضوع, إذ كان يرى بأن هناك حقاً بعض الإرهاب, ولكن القضية لم تعد إرهاباً بل مقاومة للاحتلال ولمجلس الحكم الانتقالي. فخالفته بذلك وأكدت بأن ما يجري في العراق من قتل وتدمير يتوجه بالأساس صوب العراقيات والعراقيين من عرب وكرد وقوميات أخرى ومن مختلف الأديان والمذاهب, كما أن في هذا الإرهاب محاولة لدفع الأمور باتجاه الصراع الطائفي, وأن فلول صدام والقاعدة وراء ذلك ضمن مجموعات أخرى. وربما هناك بعض الأشخاص الذين يساهمون بذلك من منطلقات أخرى, ولكن كما أرى فهي غير صائبة. وكان يرى بأن هذه المقاومة تعجل بخروج المحتلين, فأكدت له من جانبي بأنها تطيل أمد وجود القوات الأجنبية في البلاد. وجرنا الحديث المتبادل إلى قضايا عديدة أخرى في إطار المسألة العراقية ووصل بنا إلى موضوع هوية العراق, وإليكم الحوار التالي:
قال : ينبغي أن نؤكد بأن هوية العراق كانت وستبقى عربية!
قلت: ماذا تعني بذلك؟
قال : العراق عربي الهوية ويفترض أن نتذكر ذلك باستمرار.
قلت: نعم هوية العراق عربية ولا ينكر أحداً ذلك, ولكن هوية العراق كردية أيضاَ.
قال : أنا أحترم الشعب الكردي, ولكن تبقى هوية العراق عربية.
قلت: كيف تحترم الشعب الكردي وتريد إلغاء هوية العراق الكردية أو هويته الكردية في العراق الجديد الذي نسعى إلى إقامته.
قال : أعترف بوجود شعب كردي وله حقوقه المشروعة, ولكن لا أجد مناسباً أن ندعي غير الهوية العربية للعراق.
قلت: ولكن أرجو أن تعرف بأن هوية العراق الراهن عربية وكردية وتركمانية وكلدانية وآشورية, فهؤلاء جميعاً ساهموا ببناء الحضارة العراقية القديمة والوسيطة والحديثة, وهؤلاء جميعاً يعيشون في هذا البلد ويتقاسمون السراء والضراء, فلِمَ تريد حرمانهم من هويتهم القومية وتأكيدها في عراقيتهم, وتريد الاعتراف بالهوية العربية للعراق.
قال : نعم كل هؤلاء يعيشون في العراق, ولكن لا يجوز القول بغير الهوية العربية للعراق.
قلت: ولكن ألا تعترف بوجود كردستان العراق بأغتباره إقليماً في إطار العراق ويعيش فيه الشعب الكردي وقوميات أخرى.
قال : نعم هناك كردستان العراق, ولكن لا تغير هذه الحقيقة من هوية العراق العربية.
قلت : متى تكونت لكَ هذه القناعة وأنت الذي تبنيت القضية الكردية ودافعت عنها سابقاً, فما حدا مما بدا؟ وكيف تفسر مثل هذا المنطق الشكلي: نعم هناك كردستان العراق وهناك شعب كردي ولكن لا وجود لهوية كردية للعراق.
قال : أنا لم أتغير ولكن هذا هو الواقع فهوية العراق عربية وينبغي أن نصر عليها.
قلت: دعني أقول لكَ شيئاً آخر, أرجو أن تكون قد قرأت كتاب "الهويات القاتلة" للروائي والكاتب اللبناني المتميز أمين المعلوف, حيث يتحدث فيها عن تعدد الهويات لمختلف الشعوب ذات القوميات المتعددة أو حتى الأديان المتعددة. قال : نعم قرأت الكتاب.
قلت: إذن كان لا بد لكَ أن استخلصت استنتاجاً سليماً بشان العراق. فهوية العراقيين هي مزيج إنساني متفاعل, فهي هوية عربية وأخرى كردية وثالثة خليجية ورابعة شرق أوسطية وخامسة آسيوية, إنها الحقيقة ولا يجوز إغفالها والتركيز على الهوية العربية فقط, علماً بأن الكرد كانوا قبل العرب في هذه المنطقة من العالم. هوية وادي الرافدين عربية منذ الفتح العربي للعراق وليس قبل ذاك, ولكن هوية كردستان كردية أقدم من هويته العربين, إضافة إلى الهوية التركمانية والكلدانية الآشورية ولا يجوز لأحد نكران ذلك. وعليك أن تعرف أيضاً بأن لنا هوية إسلامية وأخرى مسيحية وثالثة صابئية مندائية ورابعة أيزيدية ... الخ. وهذا إناء لهويتنا وليس انتقاص منها. فهي كلها قد شاركت في تكوين هوية العراقي الراهن. ومن يتتبع الأديان الموجودة في العراق سيجد التشابك والتداخل والعادات والتقاليد العراقية التي وجدت مكاناً لها في طقوس وشعائر كل الأديان العراقية القديمة والراهنة.
قال : هناك من يريد أن يلغي الهوية العربية عن العراق, وينبغي أن نتصدى لهذا الاتجاه.
قلت : أنا لا أريد ذلك أولاً, ولا أعتقد بأن الكرد يريدون ذلك ثانياً, وأتفق معك في رفض أي إلغاء للهوية العربية عن العراق, ولكين ارفض إلغاء الهويات الأخرى عن العراق, فلِمَ تريد أنتَ إلغاء الهويات الأخرى عن هذا العراق الحبيب. أنت تعرف التاريخ العراقي وتعرف تراثنا الحضاري السومري والأكدي والبابلي والآشوري والكلدي, كما تعرف وجود ال?وتيين والميديين, وهي من القبائل الكردية التي عاشت في هذه المنطقة وكونت دولها, كما أنتَ تعرف متى قدم العرب إلى العراق. وعليه يفترض أن نقر بأن للعراق أكثر من هوية, وهذا لا يلغي حق العراق في الوحدة العربية شريطة أن نحترم وجود الشعب الكردي في هذه الوحدة وحقهم في إقامة فيدراليتهم, وكذلك حقوق القوميات الأخرى. ولم يمانع الكرد يوماً في ذلك.
لم يكن الصديق الذي أناقشة قومياً متعصباً أو شوفينياً, بل كان ماركسياً وأحد المشاركين في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان.
قال : إن الوضع في العراق خطير للغاية, فالحالة الراهنة تشير إلى عملية تغيير كامل في القوى, إذ أن السنة
يشعرون بأن السلطة قد ذهبت من أيديهم وأن الشيعة يريدون إقامة سلطتهم, وهذا خطير وترفضه الدول
العربية كلها وبالتالي ستخلق مشاكل كبيرة للعراق.
قلت : لم يكن العراق مسلماً سنياً, بل كان دين الدولة هو الإسلام, وإذا كانت الحكومات المتعاقبة قد مارست الطائفية, فلا يعني هذا أن الحكم كان بيد المسلمين السنة. كما ليس هناك من يريد تسليم السلطة إلى المسلمين الشيعة. والمظاهر الأخيرة التي كرسها الأمريكيون بسبب إصرار بعض القوى الشيعية سيزول حال استعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية وخروج القوات المحتلة من العراق. فالعراق للعراقيات والعراقيين جميعاً وليس لطائفة بعينها, ولهذا لا يجوز الخوف مما يجري في العراق, إذ أن الخوف يأتي من القوى الإرهابية.
قال : هذه الأعمال هي جزء من الشعور بهذا التغيير, ولهذا لا بد من تأكيد عروبة العراق.
قلت: أنت على خطأ يا صديقي, ويبدو أن تأثير القوى القومية اليمينية عليك آخذ بالتنامي, وليس بودي أن أحلل
أسباب ذلك, وعلينا أن نتذكر باستمرار بأن العراق هو ملك للجميع, وإذا كان وادي الرافدين ملك للعرب
والقاطنين فيها من غير العرب, فأن كردستان هي للكرد والقاطنين فيها من غير الكرد, وإذا أردنا وحدة العراق, فعلينا الإقرار بتعدد الهوية العراقية, وهي ليست نقيصة للهوية العربية ولا إخلال بها أو الإساءة إليها.
لم يكن الحوار هادئاً تماماً, ولكنه كان مقبولاً وتمنى كل منا للآخر بموفور الصحة والتمنيات الطيبة للشعب
العراقي.
إن هذا يؤكد حقيقة أن علينا أن نبذل جهداً كبيراً, وخاصة نحن الديمقراطيين العرب, من أجل التثقيف بحقوق الإنسان وحقوق القوميات المختلفة وأن من حق الشعب الكردي ليس فقط الفيدرالية, بل حقه في تقرير مصيره بنفسه كاملاً بما في ذلك حقه في الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة. وإذا ما قرر الفيدرالية في إطار العراق الواحد فهو أمر إيجابي وسليم.
إن علينا أن نتعلم من دروس العراق الحديث والصراعات والحروب التي عاشها العراق, وعلينا أن نقر بحقوق الآخرين كما نريد أن يعترف لنا كعرب بحقوقنا المشروعة.
إن الأشخاص الذين يعملون في مجالات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والقوميات هم الذين يفترض فيهم أن يدركوا ويعووا هذه الحقوق قبل غيرهم, وإلا فعليهم التخلي عن الادعاء بالتزامهم بلائحة حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعداء للعنصرية والشوفينية واضطهاد الشعوب الأخرى وسلبهم حقوقهم العادلة والمشروعة. إن نصيحة طيبة يمكن أن تقدم لكل قارئ بالعربية أو الفرنسية أو الألمانية او ربما غيرها من اللغات أن يقرأ بعناية بالغة كتاب الأستاذ الكاتب والروائي المبدع أمين المعلوف الموسوم ب "الهويات القاتلة" الصادر باللغة الفرنسية والمترجم إلى العربية وإلى عدة لغات أخرى, فهو يستحق القراءة للتمعتع والاستفادة حقاً.
18/06/2004 كاظم حبيب
ملاحظة: أرجو أن أكون قد وفقت في عرض وجهة نظر الصديق كما جاءت في الحوار عبر الهاتف وعلى أساس الذاكرة, وهي ما تزال طرية.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟