|
وهم الدولة الدينية
طريف سردست
الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فيبراير من عام 1600 احرق عالم الفلك غيوردانو برونو بعد اتهامه بالهرطقة، اي الخروج عن الدين حسب ماتراه الكنيسة. حصل هذا بامر من محكمة فاتيكانية مختصة بخروقات قواعد الدين. جنود هذه المحكمة، وهو جهاز يخضع لسلطة رجال الدين، ساقوا غيوردانو من سجنه الى ساحة الورود في روما، حيث قيدت يديه وربط بعامود واشعلت النار بالاخشاب.
غيوردانو نفسه كان قسا، ونشر في نهاية القرن الخامس عشر عدة كتب عن الفلك. كتب بان الكون لانهاية له، ولذلك لايمكن ان تكون الارض مركزا له. في كونه الغير محدود كان هناك عدد غير محدود من الشموس، وعدد غير محدود من الحضارات . مثل هذه التصورات لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية القبول بها او السكوت عنها. الكنيسة كانت تعتقد ان الارض هي المركز، والانسان خلق على شكل الله. غيوردانو لم ينكر وجود الله، إلا انه كان يقول ان العالم ابدي تماما مثل الله، ومن اجل هذا الاعتقاد قدم حياته ثمنا، رافضا التخلي عن اعتقاده، في دولة يحكمها رجال الدين، باسم الدين ونيابة عن الله.
محاكمة غيوردانو لازالت محفوظة في ارشيف الكنيسة، مع الكثير غيرها من الوثائق عن محاكمات مشابهة. التي نفذت على خلفية تفسيرات دينية في ظل الدفاع عن سلطة الطبقة المسيطرة في الكنيسة. في عام 1881 بدأت الكنيسة لاول مرة ، تسمح بالوصول الى الوثائق التي اقدم من عام 1922. والسبب الخوف من اكتشاف علاقة الفاتيكان بالفاشيست الالمان الامر الذي يقلق الفاتيكان اليوم.
الشرطة الكنسية التي قادت غيوردانو الى محرقته، كانت تعتبر شرطة المحافظة على القيم، شرطة تنفذ ارادة رجال الكنيسة في سعيها لفرض تفسيرها الديني على الاخرين. هذه الهيئة البوليسية تشكلت عام 1231 وفي ذمتها دماء الاف الضحايا، ولاتختلف كيرا عن هيئة المطاوعة في مملكة آل سعود او الحرس الثوري في جمهورية ايران الاسلامية. ولازالت التحقيقات التي انتهت باعدام آلاف الضحايا الابرياء محفوظة في مكتبة الفاتيكان. وتشير الوثائق الى ان الخوف من حرس الكنيسة كان شديد وفي كل المستويات. هذه الهيئة البوليسية كانت تملك جهازا قويا من الوشاة اعضائه يعتقدون انهم يدافعون عن ارادة الله. الوثائق تشير الى ان كل الفضائح كانت تجري باسم الله، وباسم تطبيق قواعده وتعاليمه.
الارشيف يحوي اخبار الحرب على الهرطقة والكفار، على الساحرات، على طرق السيطرة على كبار الملوك. كما يحوي وقائع عن القدرة الكبيرة للفاتيكان على السيطرة على عقول المؤمنين، وتسيرهم ضد ملوكهم الامر الذي كان يجبر الملوك على الخضوع للفاتيكان من اجل المحافظة على مُلكهم. لقد اجبَر البابا جورج السابع، ملك المانيا هنريك الرابع على الانصياع عام 1175، الى درجة اضطرار الملك الى السفر للفاتيكان من اجل طلب الصفح راكعا.
اليوم يقدم الفاتيكان اعتذاره الى غيوردانو، باعتبار ان الكنيسة كانت على خطئ وغيوردانو كان على حق. هل يعيد التاريخ نفسه؟ نتابع سعي البعض لبناء دولة دينية، دولة يحكم فيها البشر باسم الله ونيابة عنه، دولة تقوم بفرض التصور الديني للبعض على الاخرين، عاملة على تسييس الدين، تحت ظل مختلف الشعارات البراقة العامة مثل "الاسلام هو الحل" او " شرعية لا وضعية" وحتى الادعاء بان الديمقراطية مستوردة متناسين ان الدولة الدينية هي ايضا مستوردة.
وبالرغم من فشل كافة التجارب الدينية التي قامت في العصر الحديث مثل دولة مملكة آل سعود والسودان وايران وافغانستان، إلا ان الاحزاب الدينية لاتشير الى هذا الفشل إلا بتعبير ان هذه التجارب ليست اسلامية صحيحة او اخطأت بتطبيق الاسلام. رغم ان مشروعهم ايضا يصدر عن رؤية ذاتية للاسلام لايوجد مايدل على مصداقيته، او انه سينال حظوظا افضل للنجاح.
هل يستطيع الاسلام ان يكون منبعا كاملا لبناء دولة حديثة؟
حتى الان ترفض كافة الاحزاب والجماعات السياسية الدينية التي تدعو الى بناء دولة دينية، طرح برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يعالج المشاكل التي تقف امامها الدولة الحديثة. يرفضون التكلم عن برامجهم ضد البطالة، عن قوانين العمل، عن التعامل مع الفكر الاخر، عن التعامل مع المواطنين من اتباع الاديان الاخر.
ان تجارب مملكة آل سعود والسودان وايران وافغانستان لاتشير الى اننا نتعامل مع اشخاص ذو نضج حضاري، وانما مع عبدة نص بمفهوم زمني متحجر لايرقى الى مستوى التتطور البشري الحالي. ان الدول الدينية الحالية والقديمة لم تكن موجودة من خلال "قوانين" دينية بحتة وانما من خلال ايهام مواطنيها من انها موجودة بهم. فهل حقا توجد دولة دينية؟ وهل حقا توجد قوانين دينية بحتة لادارة الدولة الحديثة؟ ام ان دولنا الدينية ستكون مجبرة في القريب العاجل لطلب المعذرة من مواطنيها على انتهاكاتها لحقوق الانسان وعلى فرضها وجهة نظر احادية، تماما كما اضطرت ان تفعل سابقتها الدولة المسيحية؟
#طريف_سردست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازمة اليسار، ازمتنا نحن
-
العولمة: هل ستقتنص الفرص المتاحة؟
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|