|
خطة كيري ومبادرة بلير والتنمية المفقودة (2-2)
مازن صلاح العجلة
الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 14:35
المحور:
الادارة و الاقتصاد
في معرض الإجابة على التساؤل الذي طرحناه حول مدى إمكانية تنفيذ خطة كيري وتحقيق أهدافها الاقتصادية، في الجزء الأول من المقال، بدأنا في استعراض الأسباب الرئيسية التي تحول دون إمكانية تحقيق ذلك، وأشرنا إلى أن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي تمثل المشكلة الحقيقية التي تمنع إحداث تنمية حقيقية، إضافة إلى ضعف بنية الاقتصاد الفلسطيني. فهناك عادة شروط مسبقة يلزم توفرها لتعافي الاقتصاد، من أهمها في الحالة الفلسطينية إنهاء التبعية وتوفر الاستقلال والسيادة والسيطرة الفلسطينية على الموارد والحدود، وبالتالي القدرة على اتخاذ القرار الاقتصادي الذي ينسجم مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني. وما لم يتوفر ذلك، فان كل الخطط والحلول الترقيعية لن تجدي نفعا. وهذا يقودنا للسبب الثالث الذي دعانا للتشكيك في إمكانية نجاح الخطة، وهو الدور الإسرائيلي الذي يمثل ركنا أساسيا في ذلك. حيث افترض كل من كيري وبلير موافقة إسرائيل على عناصر الخطة واستعداداها لتوفير التسهيلات المطلوبة لتنفيذها. وقد أوضح بلير في مقالته التي اشرنا إليها حول الموضوع إلى أن تطبيق الخطة "سيتطلب التزاما جليلا واضحا لا غبار عليه من قبل حكومة إسرائيل فلسفة ومضمونا، سيعتمد نجاحها بشكل محتوم على تطبيق إجراءات إسرائيلية تسهيلية على نطاق كبير جدا، لا تزيل فقط العوائق المادية أمام تطبيقها، بل تكسر الحواجز النفسية أمام المشككين بإمكانية نجاحها أو نجاح العملية السياسية ككل" انتهى قول بلير. وهذا القول فيه من البلاغة والخطابية أكثر من اعتبارات الواقع الذي يدركه بلير جيدا، فقد فشل بلير مرارا نتيجة عدم التزام إسرائيل بما تم الاتفاق عليه من تسهيلات لتخفيف الحصار عن غزة، وكانت في مجملها اقل من المطلوبة الآن لنجاح الخطة. إن التسهيلات المطلوبة من إسرائيل لنجاح الخطة كلها خطوط حمراء بالنسبة لها حتى لو وافقت عليها شفويا فهي حتما ستفشلها واقعيا، خاصة فيما يتعلق بتمكين السلطة من أراضي المنطقة ج، واستغلال البوتاس في البحر الميت، واستخراج الغاز المكتشف منذ العام 2000 في المياه الإقليمية الفلسطينية أمام شواطئ غزة. إن فلسفة إسرائيل في التعامل مع الاقتصاد الفلسطيني، والتجارب السابقة مها منذ اوسلو، تتعارض بشدة مع إمكانية تحقيق هذه التسهيلات على ارض الواقع، فهناك سقف إسرائيلي ( استعماري بالضرورة) لتطور الاقتصاد الفلسطيني يجب ألا يتجاوزه للوصول إلى انجازات تنموية حقيقية. * هل المطلوب فلسطينيا تسهيلات لتحقيق انتعاش اقتصادي، أم تنمية حقيقية تقود إلى دولة؟ واضح من عناصر الخطة وربطها بالتسهيلات الإسرائيلية، ومن سياق التصريحات والكتابات حول خطة كيري، أن الجهود منصبة وموجهة نحو تسهيلات تقود إلى انتعاش اقتصادي. وهو منهج بات معروفا لدى الفلسطينيين، ولم يؤدِ طوال عشرين عاما مضت إلا إلى المزيد من التبعية والوهن والضعف الاقتصادي. فما هو الأثر التنموي لإنفاق أكثر من 20 مليار دولار كمساعدات خارجية على الاقتصاد الفلسطيني طوال هذه الفترة؟ لقد تدفقت المساعدات وبهذا الحجم في ظل السيطرة الإسرائيلية والحصار والإغلاق والعدوان العسكري المتكرر، الأمر الذي أدى إلى توجيه المعونات لمعالجة الآثار المترتبة على هذه الإجراءات الإسرائيلية وأفقدت السلطة الوطنية الفلسطينية القدرة على استغلال هذه المساعدات لتنفيذ خططها التنموية. ناهيك عن مواصلة إسرائيل لتفريغ أية انجازات، ذات شان، من مضمونها التنموي من خلال تدمير ما يتم انجازه من بنىً تحتية ومؤسسات وقدرات بشرية. تأكيدا لما سبق، فقد تبدت الملامح الأولى لترجمة الخطة على ارض الواقع، لتعكس تراجعا واضحا عن الأهداف المرصودة والتمويل المصرح به. حيث أشار الدكتور محمد مصطفى نائب رئيس الوزراء الفلسطيني، انه تم إقرار برنامج تنموي شامل (!) يقوم على مرحلتين تتضمن الأولى إنشاء مشاريع صغيرة للبنية التحتية والزراعة والخدمات العامة بقيمة تتراوح بين 100-150 مليون دولار لتمويل حوالي 350 مشروعا، على أن يتم تنفيذ هذه المرحلة خلال فترة تتراوح بين 6-9 أشهر!!! يعني انه بنهاية 2014 ستنتهي المرحلة الأولى للخطة التي من المفترض أن تنجز خلال ثلاث سنوات وبتمويل لا يتجاوز 200 مليون دولار. فمتى إذا ستنفق المليارات الأربعة الموعودة؟ وأين الحديث عن البوتاس والغاز والسلام الاقتصادي المزعوم، والذي رفض أساسا إذا كان بديلا عن المفاوضات السياسية التي تقود لانجاز المصالح الفلسطينية؟ واضح أن خطة كيري الاقتصادية تفشل على ارض الواقع حتى بمنطق أنها رشوة اقتصادية لتزيين الدخول في المفاوضات والاستمرار فيها. فضلا عن فشلها نظريا سواء على صعيد كبر حجم الأهداف، ما يشير إلى الجانب الدعائي في الموضوع أكثر من وجود نية صادقة لتنفيذ ذلك، إضافة إلى صعوبة الاستجابة الإسرائيلية للتسهيلات المطلوبة، وعدم القدرة والرغبة، دوليا، في توفير التمويل الذي تحدثت عنه الخطة.
#مازن_صلاح_العجلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة كيري ومبادرة بلير والتنمية المفقودة (1-2)
-
إغلاق الأنفاق: خطوة في المسار الصحيح
-
الاقتصاد الفلسطيني بعد عشرين عاما من اتفاق أوسلو
المزيد.....
-
المملكة المتحدة تفرض عقوبات على شركتي تأمين روسيتين
-
كيف تحولت إنفيديا من شركة متواضعة لرقائق الألعاب إلى الأعلى
...
-
وزير الاقتصاد اللبناني لـ-الحرة-: نتانياهو لن يطلق أي رصاصة
...
-
سعر الذهب اليوم الإثنين 25-11-2025
-
المصريون يحولون مليارات الدولارات إلى بلادهم
-
الوظائف الأعلى أجرا في روسيا
-
الذهب والنفط يفقدان مكاسبهما الصباحية والدولار يتراجع
-
البنك المركزي: سنطلق آلية جديدة لتحويلات السفر أو العلاج
-
بيانات تظهر أكبر شريك تجاري لروسيا في الاتحاد الأوروبي
-
وزير الاقتصاد الايراني يغادر طهران متوجها إلى الرياض
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|