|
من ملامح النظام الشمولي
حسن نبو
الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 21:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من ملامح النظام الشمولي في سعيه إلى برمجة المجتمع من الألف إلى الياء وفقا لإيقاع إديولوجيته الشمولية التوتاليتارية الإقصائية ، للتحكم من خلالها في جميع مفاصل المجتمع وأنشطته المختلفة (الأهلية والمدنية والإقتصادية والثقافية والإعلامية ....الخ ) ، يقوم النظام الشمولي بتأميم كافة المؤسسات والجمعيات والنقابات المهنية والإتحادات الموجودة في المجتمع ، لابل ويعمد إلى إحداث مؤسسات جديدة لم تكن موجودة قبله في المجتمع والدولة . وهكذا ففي الوقت الذي تكون فيه النقابات المهنية المختلفة ( كنقابة المحامين ونقابة العمال وغيرهما من النقابات ) وجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الدفاع عن البيئة في الدول الديمقراطية مستقلة عن السلطة التنفيذ ية وتقوم بمهمة الدفاع عن مصالح أعضاءها ضد تجاوزات السلطة التنفيذية من خلا ل القيام بممارسة حقها في الإضراب عن العمل والتظاهر ضد سياسات السلطة التنفيذية فيما إذا رأت في تلك السياسات ضررا على أعضاءها ، نجد العكس في النظام الشمولي الذي يهيمن بإحكام على هذه النقابات والإتحادات ( والجمعبات الحقوقية إن وجدت )، وذلك لتحويلها إلى أدوات لترويج فلسفة الحزب الشمولي وفلسفة قائد النظام الشمولي والذي يتحول في النظام الشمولي إلى مايسمى بالقائد الضرورة أوالقائد التاريخي ، ويتمتع بقدرات مطلقة لاحدود لها في فهم الواقع ووضع الحلول لكل المشاكل التي تعترض البلاد والعباد. وتتم هذه الهيمنة من خلال تحكم النظام الشمولي بإدارة هذه النقابات والإتحادات التي غالبا تكون قياداتها من المتعاملين مع الجهات الأمنية ، وتكون مهمتها الأساسية هي مراقبة أعضاءها للتأكد من مدى موالاتهم للحزب الشمولي والقائد الضرورة . لأن الولاء للقائد الضرورة تكون بمرتبة الولاء للوطن في النظام الشمولي وبالتالي يجب على الجميع الخضوع لأوامره ونواهيه في كل المجالات دون أي نقاش بإعتبارها صادرة عن شخص منزه عن الأخطاء . ويغدو كل من يوجه نقدا للقائد كمن يوجه نقدا للذات الإلهية ويتعرض لأقسى أنواع العقاب إضافة إلى فصله من العمل أو الوظيفة . يتحقق الولاء من خلال إبداء النقابات والإتحادات رضاها المطلق دون أي تخفظ عل كل سياسات النظام الشمولي وفلسفة القائد الضرورة فإذا ما أصدرالقائد مرسوما بزيادة الرواتب - على سبيل المثال - حتى ولو كانت هذه الزيادة طفيفة ولاتعني شيئا يجب إعتبار ذلك المرسوم ، أو تلك الزيادة الطفيفة في الراتب أو الأجر منحة ومكرمة وعطاء من الأب القائد لأبناءه ، كما يجب الإشادة به في وسائل الإعلام المختلفة ورفع برقيات التأييد والولاء له بهذه المناسبة العظيمة . إضافة إلى ماتقدم فالقائد في النظام الشمولي ولأنه كائن كلي المعرفة ، يعتبر المعلم الأول والطبيب الأول والصيدلاني الأول والقاضي الأول والمحامي الأول والمهندس الأول والمؤرخ الأول والفيلسوف الأول.... وهو في الوقت نفسه راعي العلم والعلماء وراعي الرياضة والرياضيين وراعي الأدب والأدباء ....الخ وتصبح أأقواله بمثابة شعارات للنقابات والجمعيات والإتحادات ، ففي سوريا مثلا كان شعار نقابة المعلمين ولازال هوهذه الجملة الإنشائية التي قالها الديكتاتور حافظ الأسد في خطاب له أمام مؤتمر لنقابة المعلمين ( المعلمون بناة حقيقيون لأنهو يبنون الإنسان ، والإنسان هو هدف الياة وهو غية الحياة ...) أما شعار الإتحاد الرياضي العام فهو قوله هذا ( إني أرى في الرياضة حياة ) . وهكذا الوضع بالنسبة لجميع النقابات والمؤسسات والجمعيات والإتحادات الأخرى . وفضلا عن تحكم النظام الشمولي بجميع مفاصل المجتمع ، يسعى النظام المذكوريسعى النظام الشمولي إلى أن تكون المؤسسة العسكرية موجودة في كل مرافق الحياة لتكون البلاد بأكملها عبارة عن ثكنة عسكرية . وهكذا ففي سوريا – مثلا – وجدنا كيف أن النظام البعثي الشمولي عسكر مرفق التعليم بدءا من المرحلة الإعدادية ومرورا بالمرحلة الثانوية وإنتهاء بالمرحلة الجامعية . فالطالب في المرحلة الجامعية لايتخرج من الجامعه إن لم يقض المدة التي حددها نظام الجامعه في قطعة عسكرية ، يتدرب خلالها على كيفية إستعمال السلاح وتنفيذ الأوامر العسكرية ، ليكون مستعدا للمشاركة في أية مهمة عسكرية سواء كانت داخل البلاد أو خارجها متى صدر الأمر إليه بهذا الخصوص من ( القائد الضرورة ) . وفي الحقيقة فإن النظام الشمولي نادرا مايستخدم القوة العسكرية في تحرير أرض محتلة من قبل دولة أخرى ، لكنه لايتردد في إستخدامها في الاخل فيما إذا قامت ضده ثورة شعبية . ومايقوم به النظام الشمولي في سوريا منذ 15 – 3 – 2011 هو خير مثال . ورغم القيضة الحديدية للنظام الشمولي والكم الهائل لأجهزته الأمنية ، إلا أن الأزمات تبدأ بالظهور فيه بعد مرور الوقت ، لأن سياساته غير الواقعية وغبر المعبرة عن مصالح كافة سكان البلاد ، تؤدي إلى إثراء طبقة محدودة من البشر على حساب إفقار معظم سكان البلاد وإذلالهم وإستباحة كرامتهم ، وكل هذا يؤدي إلى قيامهم بالثورة ضد نظامهم الشمولي وتتحول البلاد إلى مسرح للعنف والعنف المضاد وظهور الحركات المتطرفة ، وتصبح مكانا لصراع الأجندات الإقليمية والدولية المتصارعة. وبسبب وجود توتر دائم في العلاقات بين النظام الشمولي وبين العديد من الدول الإقليمية والدولية ربما ينهار بسبب تدخل خارجي . وفي كلتا الحالتين فإن سقوط النظام الشمولي يؤدي إلى إسقاط الدولة التي أسسها وفق معاييره ، وفتح الباب أمام إيجاد الحلول للكثير من المسائل المتأزمة بفعل سياسات النظام الشمولي المنهار . ويحتاج الأمر إلى سنوات للتخلص من الأمراض التي خلفتها الشمولية في كل مفاصل المجتمع وإعادة بناء المؤسسات والمرافق والقيم والأخلاقيات على أسس مغايرة .
#حسن_نبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شطحة صوفية
-
الديكتاتور
-
حزب البعث ومفهوم الوطنية - سوريا نموذجا
-
أرغب بثورة
-
بلا عنوان
-
ثورات الربيع العلربي والعامل الدولي
-
وطني
-
اللعب بالكلمات
-
اللعب بالكلمات
-
العلمانية بين المسيحية والاسلام
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|