|
قراءة في ورقة الحزب الشيوعي العراقي المقدمة للسمينار النقابي
امجد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 14:45
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
اثارت تساؤلات الصديق سمير طبلة التي طرحها وطالب بالإجابة عليها من ممثل الحزب الشيوعي العراقي في السمينار النقابي اليساري، د. حسان عاكف الذي قدم مساهمة الحزب، الشجون، وكانت محرضا ودافعا لتقديم قراءتي لهذه الورقة. وأحب ان انوه الى انني لا اهدف الى النيل، بأي حال من الاحوال، من هذه الندوة او من المشاركين فيها او مما قدمه الدكتور حسان في مساهمة الحزب، ولكني اجد نفسي وحرصا على مستقبل العمل النقابي وعمل منظمات المجتمع المدني - كما يبدو لي- ان اقول كلمة. لعل التساؤل الاول الذي يتبادر الى الذهن هو : هل ان مجرد اضفاء صفة " اليساري " على العمل النقابي يبيح لنا تحويل النقابات الى هياكل ملحقة للاحزاب؟ انه تساؤل يفرض نفسه بداهة منذ اللحظة الاولى لقراءتنا نص مساهمة الحزب الشيوعي العراقي في الندوة النقابية المنشورة في طريق الشعب والحوار المتمدن. انه ليس سؤال مناكدة، بل هو سؤال يقع في صلب الموضوع، لأنه يعكس فهما محددا للعمل النقابي وينسحب بالتالي على كامل العمل المهني وعمل منظمات المجتمع المدني. حيث تشي مقدمة المساهمة بالمضمون اللاحق لها، وتكرس فهما للعمل النقابي، لما يزل مراوحا في عقد الاربعينات من القرن الماضي. فهو خطاب مستل من الماضي وان تجمّل بلغة الحاضر، لأنه لا يبصر التحولات الكبرى، وان نطقها قولا. وبالتالي فإننا بمجرد ان ننفض الغبار عن كراساتنا القديمة ستلوح امامنا تلك النسخة المضمخة بعطر النضال الطبقي! انه الماضي الذي ما زالت ادواته صالحة للعمل على الرغم من كل تلك التحولات الكبرى التي زلزلت عالمنا المعاصر ... فهل الحنين الى الماضي يعكس قلة زاد الحاضر، فكيف اذاً سيكون حال المستقبل؟! تقول الورقة >. اذاً ماذا تبقى من العمل النقابي وما معنى النقابات ؟ اليس من الافضل دمجها جميعا بالحزب والتخلص من هياكل زائدة ام انها مجرد مصايد تسهل الدخول الى الحزب بشكل موارب! ان هذه العقلية التي اسهمت وتسهم وستسهم في النظر الى مؤسسات المجتمع المدني بضمنها النقابات على انها مجرد واجهات للأحزاب السياسية، يقود الى تقزيم هذه المؤسسات ويجعلها عملا سياسيا وحزبيا ضيقا او مجرد واجهات للأحزاب. حيث سيختزل هذا الفعل عمل وروح المجتمع المدني الذي خلق هذه المؤسسات... وهكذا تصبح " هذه المؤسسات " وسائلا للحزب من خلال رسم برامجها وتوجهاتها وأهدافها التي تستبطن ابعادا سياسية وحزبية حتى وان ارتدت البدلة الزرقاء. وهو يكشف عن مدى سيطرة العقل الحزبي الذي لا يريد ان يفهم ان منظمات المجتمع المدني هي هياكل تمنح المجتمع هويته المدنية بعيدا عن كواليس السياسة ومتاهاتها وعقليتها الاقصائية التي ينصب طموحها على كيفية الوصول الى السلطة. ان مؤسسات المجتمع المدني، ومنها النقابات، هي التي تضفي على الدولة ملامحها المؤنسنة التي ننشدها جميعا، اما علاقتها بالسلطة فيجب ان تبقى على مسافة منها ومستقلة عن إرادتها، وباعتبار ان السلطة اداة عنف لضمان استمرار نظام سياسي معين، فان مؤسسات المجتمع المدني ( بضمنها النقابات موضع حديثنا ) هي اداة لحماية المجتمع من تغول وبطش السلطة... ولما كانت الاحزاب تستخدم السلطة من اجل تحقيق اهدافها المرسومة (هذا هو الحال في النظم التداولية) لهذا يجب الوقوف بوجه أي تطلع من قبلها لمصادرة مؤسسات المجتمع المدني وجعلها اداة يمكن ان تتحكم بها هذه الاحزاب، حتى لا تكون في لحظة تاريخية ما اداة قهر بيد السلطة من خلال وصول هذا الحزب او ذاك الى دست السلطة. اعتقد ان التجربة النقابية للأحزاب الماركسية واليسارية في العالم الرأسمالي ( اذا ما تركنا جانبا الحديث عن النقابات اثناء مرحلة حكمها في بلدان المنظومة الاشتراكية والتي لم تكن تمثل شيء سوى هيكل مؤمم من قبل النظام !) اثبتت خطأ السياسات التي كانت تنتهجا لأنها ارادت ان تكون هذه النقابات مصانعا لإنتاج اعضاء جدد لهذه الاحزاب او هي مدارس تأهيل لهم لكي ينضوون تحت لواءها لاحقا. وهذا متأتي من الفهم قاصر قائم على اعتبار النقابات كمدارس لتأهيل الطبقة العاملة من اجل تحويل هدف نضالها من مجرد العمل المطلبي الى العمل التغييري لإلغاء الاستغلال !! هذا الفهم كان على تناقض - حسب ما اعتقد- مع واقع الحال وإلا لحدثت هذه التغييرات الثورية في البلدان الرأسمالية الاشد استغلالا لليد العاملة والمتوفرة على حركات نقابية عريقة. للأسف الشديد ليس وعي الطبقة العاملة لذاتها كافيا لإحداث التغير في منظومة علاقات الملكية لوسائل الانتاج ومن ثم في البنى الفوقية، بل يتطلب عملها من اجل ذاتها كطبقة اجتماعية أي فهمها لدورها التاريخي في تغيير وبناء مجتمع يقوم على منظومة جديدة لملكية وسائل الانتاج. هذا اذا اردنا الدخول في المفهوم الماركسي على حد فهمي له... وبما ان وعي الذات غير قادر لوحده على تظهير هذا الهدف السامي لذلك عملت هذه الاحزاب على جعل المؤسسات النقابية ملحقات ثانوية للقيام بالإضرابات والتظاهرات كتمرين اولي لتحقيق اهدافها السياسية، دون الالتفات الى ان العمل النقابي هو عمل مطلبي بحت من اجل تحسين ظروف وشروط العمل والأجر. وما الاضرابات والاحتجاجات والتظاهرات إلا وسائل ضغط من اجل تحقيق تلك المطالب. اما منتجاته الثانوية فهو انخراط الاكثر وعيا في العمل السياسي التغييري... من هنا بدأت تتأسس حركات نقابية اخرى كان قسما منها يتبع قوى سياسية اخرى، مما قاد الى تشتيت النضال المطلبي لهذه الطبقة وبقية الطبقات المسحوقة في المجتمع، وقاد بالتالي الى ان تتمكن قوى الاستغلال من اللعب على هذه التفاوتات بين القوى النقابية ( رغم انني ارجح القول الذاهب الى ان تعدد النقابات يسهم بدوره في توسيع قاعدة مشاركة ابناء تلك الطبقات والفئات الاجتماعية، وبالتالي تسهم في تحقيق ضغط مضاعف ان اتفقت على المطالب التي تنادي بها في لحظة التفاوض من اجل تحقيق تلك المطالب ) هذا اولا. وثانيا ، ليس كل المنتمين للعمل النقابي يمتلكون القدرة والرغبة على التحول نحو العمل السياسي التغييري، لذلك يجب ان تبقى هذه المؤسسات بمنأى عن الربط القسري لهياكلها حتى لا تصبح رديفا للأحزاب وتحافظ على استقلاليتها التي تتطلبها طبيعة عملها المطلبي الجماهيري. انه لخسارة فادحة ان يجري اغراق العمل النقابي ( وكذلك ينسحب الامر على بقية مؤسسات المجتمع المدني ) في دوامات العمل السياسي المباشر نتيجة لفهم خاطئ لدورها في المجتمع. انني اعتقد ان هذا الفهم الاختزالي لدور هذه المؤسسات في المجتمع سيقود الى ابقاء المجتمع في دائرة اعادة انتاج نظام اجتماعي سياسي قمعي حتى وان تغيرت الطبقات الاجتماعية الحاكمة. أي اننا نرجع مجددا الى تلك المقولات التي تتحدث عن دكتاتوريات مهما كانت تسمياتها. هذا لا يعني في أي حال من الاحوال رفضا للنظام الاشتراكي لكنه رفضا لإعادة انتاجه على الطريقة السوفيتية! ان المجتمعات بطبيعة الحال تتطلع الى انظمة تكون اكثر عدلا وإنصافا في الجانب المعيشي والحياتي ولكن الانسان ليس مجرد حاجات مادية بحتة بل هو عالم متكامل. فليس الرضاء بتحسين وتغيير شروط ملكية وسائل الانتاج يعني تخلي الانسان عن متطلباته الروحية وان يصبح مجرد نسخة من الاخر في مأكله ومشربه وحياته الشخصية والروحية والسياسية ... ان دائرة العمل يجب ان تتسع للجميع وان لا يتحول النظام الانساني العادل الذي ننشده سجنا اخر، أي الخروج من سجن الاستغلال الرأسمالي الى سجن الابعاد الروحية التي لا حياة انسانية من دونها. وهكذا يتأكد استنتاجنا اعلاه حينما يجري الحديث في " المساهمة" بكل وضوح عن ربط الهادف في نهاية المطاف الى < الخلاص من الرأسمالية > كما < يجب على الحزب الثوري ان يتذكر دائما ان النضال من اجل الاشتراكية لا يمكن فصله عن المعارك اليومية ...> واذاً، فخير استنتاج هو ان هذه المنظمات هي " معامل" لإنتاج المناضلين الحزبيين الذين يجندون انفسهم من اجل الهدف الاسمى لتحقيق النظام الاشتراكي!! الم نقل ان مقدمة المساهمة تشي بهدف ليس له علاقة بموضوع النقابات كمؤسسات مستقلة للدفاع عن الحقوق الملموسة بشكل يومي للناس المنضوين تحت خيمتها والتي تعنى اولا وأخيرا بتحسين شروط وظروف العمل والأجر ولا تعنى بموضوع تغيير علاقات الملكية لوسائل الانتاج، ومن ثم تغيير البنية الفوقية ممثلة بنظام الدولة. من هنا فان عقد مؤتمر يجمع الاحزاب بالنقابات ما هو إلا محض تجيير للأخيرة لحساب الاولى، وبالتالي فان النقد الموجه الى السلطة في التجربة العراقية، او أي سلطة قمعية اخرى، يصبح نافلا لان الخلاصة ستكون عينها، فبدلا عن سلطة الحكم الغاشمة ( البعثية او أي كانت ) ستحل سلطة الحزب وبالتالي فان النقابات ستخسر استقلالها لا بل ماهيتها كمنظمات تعنى بالجانب المطلبي اليومي وتدافع عن حقوق او لتوسيع دائرة الحقوق ومن ثم الدعوة من اجل ان تعترف الدولة بها عبر منظومة قانونية حقوقية. ولا شأن لها مباشرة - على ما اعتقد - ببناء نظام اشتراكي. وإلا ما هو الفرق بينها وبين الاحزاب الاشتراكية ولماذا لا تندمج جميعا تسهيلا للعمل؟! ولذلك فان الاستنتاج الذي خرجت به المساهمة < تنظر الجمهرة الواسعة الى العمل النقابي، مع شديد الاسف، باعتباره جهدا ضائعا لا طائل جديا منه (..)> يمثل عين الحقيقة لأنه لا يوجد فرق بين العمل النقابي والعمل الحزبي (الذي ربما لا يرغب الكثيرون التورط فيه) فيكون من الاجدى الذهاب مباشرة الى السياسة، من قبل الراغبين بهذا العمل، باعتبارها هي الهدف المنشود.
ان تاريخ علاقة الاحزاب اليسارية مع الحركات المهنية والنقابية ما زال هو هو منذ تأسيس هذه الأحزاب، ولم تستطع التخلص من تركة ثقيلة اثبتت الاحداث ابتعادها عن الواقع حتى لا اقول عدم صوابها ، وهي لم تزل رهينة لفكرة الهيمنة على هذه المؤسسات واعتبارها رديفا لها. وما لم تخرج من دائرة هذا التفكير "الابوي" اتجاه هذه المنظمات فستبقى الاخيرة مجرد هياكل تبتعد بالتدريج عن اهدافها التي بنيت من اجلها حينما ينتمي اليها اعضاء هذه الاحزاب ويحتلون فيها مواقع " قيادية " ... فهل نجرؤ على الخلاص من هذا العقل المهيمن ونطلق سراح هذه مؤسسات من سجن سياساتنا، ام ان الاوان لم يحن بعد؟!
#امجد_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي السمينار النقابي اليساري
-
وقفة مع الحزب الشيوعي العراقي في لقائه مع المالكي
المزيد.....
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|