|
التقدم العلمى فى علم الصيدلة فى مصر القديمة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 13:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أجمع علماء علم المصريات على تقدم الطب فى مصر القديمة ، ودللوا على ذلك بوجود أكثر من بردية طبية ، مثل بردية (كاهون) وبردية (كارلزبورج رقم 8) المحفوظة بجامعة كوبنهاجن بالدانمارك وبردية برلين رقم 3038 وبردية (إدوين سميث الجراجية) ووجود جمجمة فى المتحف البريطانى أجريتْ لها عملية تربنة عمرها 2000سنة قبل الميلاد ومكتوب على لوحة بجوارها ((أول جراحة مخ فى التاريخ فى مصر الفرعونية)) وأنّ (إيمحوتب) هو أبو الطب فى العالم القديم . من بين هؤلاء العلماء (جيمس هنرى برستد) و(جورج – جى – ام – جيمس) و(أدولف إرمان) و(جان يويوت) والعالمة الفرنسية (نوبلكور) إلى آخر هذه الأسماء ، ومن المصريين أمثال سليم حسن ، ود. عبد العزيز صالح ، د. جمال مختار، د. محمد إبراهيم بكر، د. إبراهيم نصحى و د. فاروق القاضى وآخرين. ويؤكد هؤلاء العلماء على أنه كان من الطبيعى والبديهى ، أنْ يتقدم علم الصيدلة لتقديم الدواء المناسب لكل حالة مرضية ، إذْ لا يُعقل وجود طب متقدم دون التقدم فى علم الصيدلة. وفى هذا الصدد كتب د. سمير الجمّال (( إذا كانت علوم الصيدلة وثيقة الصلة بعلم الكيمياء ، فإنّ الإغريق دأبوا على تسمية هذا النوع من الصناعة العلمية باسم الكيمياء نسبة إلى ( كيمى ) Kemi والذى يعنى فى اللغة المصرية القديمة (الأرض السوداء) نسبة إلى أرض مصر الداكنة اللون)) وأنّ (كيمى) كان أحد أسماء مصر القديمة. وذكر كثيرون أنّ البرديات المصرية المتعلقة بعلوم الصيدلة ، وقع بعضها فى أيدى الإغريق القدماء الذين عاشوا فى مصر للتعلم فى المدارس المصرية ، فاستفادوا بما فى هذه البرديات من معلومات ونقلوها إلى بلادهم ، كما استفاد منها كثيرون من طلاب البلاد المجاورة ، مثل بلاد ما بين النهريْن ( بابل وآشور) ومما يؤكد هذه الحقيقة عن نقل البرديات المصرية ( فى الطب والصيدلة ) إلى اليونان ، تطابق البرديات المصرية مع مؤلفات ( ديوسقوريدس ) عام 50 ق . م و (جالينوس ) 130- 200 ق . م و(بلينى) 23- 79 ق . م وغيرهم من أطباء اليونان ، وذلك باعتراف علماء أوروبيين محايدين ، كان لهم فضل إجراء هذه المقارنات بين البرديات الطبية المصرية ومؤلفات اليونانيين الطبية. كما أنّ لدينا شهادة المؤرخ اليونانى (سترابون) المولود حوالى عام 60 ق . م والمتوفى فى العقد الثالث من القرن الأول الميلادى والذى عاش فى مصر، وخصوصًا فى الإسكندرية وكتب عن مصر كثيرًا . هذا المؤرخ اليونانى كتب أنّ (( مدينة هليوبوليس ( عين شمس ) كانت منبع الديانة المصرية ومركزًا للمدرسة التى أظهرتْ علم اللاهوت والفلسفة فى أقطار الدنيا ومنبعًا للطب ، وقد نهل من ينابيعها الفلاسفة والعلماء : أفلاطون ، أدوكس ، ، فيثاغورث وسولون )) (د. سمير يحيى الجمال – تاريخ الطب والصيدلة فى العصر الفرعونى – هيئة الكتاب المصرية- سلسلة تاريخ المصريين رقم 74 عام 94- أكثر من صفحة) وأكد تلك الحقيقة د. فاروق القاضى الذى ذكر أنّ كثيرين من اليونانيين تعلموا فى مصر، خاصة فى الإسكندرية. وكان من أبرز من درس الطب على أيدى المصريين ( جالينوس البرجامى – 129- 199) وهو يُعد أعظم أطباء ذلك العصر على الإطلاق . كما وصف الكاتب الموسوعى ( كلسوس - النصف الأول من القرن الأول الميلادى ) براعة أطباء إسكندرية فى إجراء شتى العمليات الجراحية بما فيها جراحة تجميل الوجه. كما تـُشير بعض الوثائق إلى أجهزة طبية أو أربطة عـُرفتْ أسماء مبتكريها من أطباء إسكندرية ( موسوعة تاريخ مصر عبر العصور – تاريخ مصر القديمة- هيئة الكتاب المصرية- سلسلة تاريخ المصريين – رقم 100- عام 97- ص 511) ومن دواعى الفخر لكل مصرى أنّ كلمة صيدلية ( فارماسى ) Pharmacy فى اللغات الأوروبية مأخوذة عن اللغة المصرية القديمة ، ونقلها الإغريق إلى لغتهم . والأصل المصرى (فارماكا) phar-ma-ca وتعنى فى اللغة المصرية القديمة ( مانح الشفاء ) ووُجدتْ منقوشة على قاعدة تمثال الإله ( تحوت ) فى مدينة ممفيس ثم أطلق الإغريق هذه الكلمة على علم الصيدلة فأصبح ( فارماكى ) pharmaki والدواء أو العقار أخذ اسم ( فارماكون ) pharmakon ثم انتشر الاسم ودخل جميع اللغات الأوروبية ، فنجد اسم ( فارماسى ) pharmacy فى اللغة الإنجليزية ، و parmacie فى اللغة الفرنسية ، ( فارماشيا ) Far-macia فى اللغة الإيطالية. وهكذا فى معظم اللغات الأوروبية ( د. سمير يحيى الجمّال – مصدر سابق – 82 ) وعندما غزا الرومان مصر واحتلوها عام 30 ق . م دخلت كلمات جديدة فى التعريف العام العالمى لكلمة صيدلية ، فأطلقتْ كلمة ( سيبالسيا ) Sepalsia على مهنة الصيدلة. وكلمة ( أبو ثيكا ) Apotheca على مخزن الدواء ، وهذه الكلمة أخذتْ من اسم بلدة أبو تيج فى صعيد مصر. وقد اكتشف المصرى القديم قيمة بعض الأعشاب وفوائدها فى علاج بعض الحالات المرضية. ولذلك أطلق عليه العلماء ( الصيدلى الأول ) مجهول الاسم ، لأنّ اكتشاف الخاصية التى تميز كل عشب ، وعلاقتها بعلاج حالة معينة ، ربما تكون هذه العملية قد استغرقت مئات أو آلاف السنين . كما أنه تمتْ تجربة بعض الأعشاب على بعض الحيوانات التى لاحظ المصرى القديم إعتلال صحتها ، خاصة وقد لاحظ – أيضا – أنّ بعض الحيوانات كانت تأكل – بشكل طبيعى وتلقائى – من بعض الأعشاب ، وأنّ تلك الحيوانات كان عليها أعراض مرض ما ، فإذا بها تتعافى بعد أكلها من الأعشاب التى كانت تندفع نحوها بشكل غريزى . وقد ارتبط علم اختراع الدواء بالتقدم فى اختراع الدهانات والزيوت العطرية ، التى نالت شهرة واسعة فى البلاد المجاورة لمصر. وتلك الدهانات والزيوت العطرية كانت تـُستخدم بعد الاستحمام ، وكان بعضها للجسد وبعضها للشعر، خاصة شعر النساء . وكانت النساء قد اعتادت على أنْ يزلنَ الشعر غير المرغوب فيه ( سواء فى الوجه أو الذراعيْن والساقيْن إلخ ) فكنّ يستخدمنَ مزيلات للشعر على هيئة (معجون) يستخدم على الجلد . وقد ورد ذكر إحدى هذه الوصفات المزيلة للشعر فى (بردية هيرست – الوصفة رقم 155) التى احتوتْ على مزيج من لبن شجرة الجميز الصمغى ومعه صمغ آخر. كما ورد ذكر الوصفات الأخرى لإزالة الشعر فى بردية (إيبرس الطبية. الوصفات أرقام 474، 475، 476) بخصوص حالات سقوط الشعر، عن طريق دهان الجلد بمزيج من محروق أصداف السلحفاة. ولتقوية الشعراستخدموا دهانات من دهن الأسد وفرس النهر والتمساح والقط والثعبان والغزال ممزوجين ببعضهم البعض ويدهن به على الرأس. ولتقوية الشعر أيضًا استخدموا زيت الخروع وزيت الزيتون وزيت الحناء وزيت اللبان وزيت اللوتس (البشنين) ولعلاج قشر الشعر استخدموا مسحوق الشعير والخلة وذلك بدهانه مع التدليك المستمر على فروة الشعر(بردية إيبرس الطبية- الوصفة رقم 712) كما استخدمتْ النساء فى صبغ شعورهنّ باللون الأحمر أو البنى عجينة الحناء. كما شغفتْ النساء المصريات بتلوين الشفايف والخدود باللون الأحمر، وظهر ذلك واضحًا على جدران المعابد ، وفى ذلك تأكيد على استعمالهنّ لمساحيق التجميل. وكذلك استخدمنَ مسحوقــًا نباتيًا لتخطيط الحواجب باللون الأسود. وعالجوا مرض الثعلبة (سقوط الشعر فى أجزاء مختلفة من فروة الرأس) باستخدام دهان مأخوذ من محروق أشواك القنفد أو مخلوط بزيت التربنتين. ومن الأشياء المذهلة والملفتة للنظر أنّ جدودنا عالجوا بعض الجروح والتقيحات باستخدام (فطر) معين ينمو فى الماء الساكن يوضع على المكان المصاب ويربط لبضعة أيام . وهذا الفطر يفرز المادة التى عُرفتْ فى العصر الحديث باسم (البنسلين) أو المضاد الحيوى . وأحيانــًا كانوا يضعون قطعة من الخبز المتعفن فوق التقيحات فيتم شفاؤها لنفس السبب . أما كلمة الصيدلية فى اللغة العربية فهى مشتقة من كلمة (صندل) وهو خشب نباتى عطرى كان يُستخدم عند العرب قبل الإسلام . وقد ارتبط التقدم فى استخدام الألوان بما نراه فى الرسومات على جدران المعابد من ألوان زاهية كأنها مرسومة فى وقتنا الحالى رغم مرور آلاف السنين ، وهو الأمر الذى عبّر عنه الشاعر أحمد شوقى إذْ كتب فى قصيدة (معبد فيله- أنس الوجود) (( أيها المنتحى ب (أسوان) دارًا / كالثريا تريد أنْ تنقضا / اخلع النعل واخفض الطرف واخشع / لا تحاول من آية الدهر غضا / شاب من حولها الزمان وشابتْ / وشباب الفنون مازال غضا / ربّ (نقش) كأنما نفض الصانع / منه اليديْن بالأمس نفضا)) ومن الأمور ذات الدلالة أنّ (كل) أطباء العالم يبدأون كتابة (روشتة) العلاج بحرف R وهو رمز لعين (حورس) ونظرًا لتقدم علم الصيدلة فى مصر القديمة كتب د. سمير الجمّال عن جدودنا المصريين القدماء ((لهؤلاء جميعًا تدين الصيدلة الحديثة لهم ولأعمالهم الريادية والتى يعترف بها العالم اليوم وبأنهم كانوا سادتها)) (مصدر سابق - 91) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعليم فى مصر القديمة
-
صراع الحب والكراهية حول معشوقة الأحرار: المعرفة
-
حُمّى السيادة على العالم
-
الدولة State والدسلتير
-
اليهود البشر واليهود النصوصيين
-
تركيا من أتاتورك وإسماعيل أدهم إلى أردوغان
-
سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)
-
موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة
-
التوراة بين التاريخ والعلم والأساطير
-
النقد العلمى لأسطورة هيكل
-
مدينة أون والادعاء العبرى
-
اسم مصر
-
قاسم أمين : أحد رموز التنوير
-
شهر مصرى صُغنتوت من خمسة أيام
-
فرح أنطون ومحمد عبده
-
أحمد لطفى السيد
-
قناة الجزيرة والوعى المتأخر
-
متى تتحقق الحرية والعدالة ؟
-
هل تلتقى المذهبية مع التحضر ؟
-
العلاقة بين الخرافة والأسطورة والدين
المزيد.....
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|