أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - على أرض السويد .. تعبتُ من المقارنات















المزيد.....


على أرض السويد .. تعبتُ من المقارنات


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 18:21
المحور: المجتمع المدني
    


تتجاوز مساحة السويد مساحة العراق بقليل، ويقل تعداد سكانها عن تعداد الفلسطينيين بمليون إنسان. لكن البلدان العربية كلها تحتاج إلى تخطي الكثير من المؤشرات والأرقام حتى تصل للمستوى الذي وصلته السويد منذ عشرات السنين. يتركز سكانها في الوسط والجنوب على مساحة لا تتعدى ال 10% من مجمل مساحة البلاد، والباقي عبارة عن غابات معزولة وجبال من الثلج يلفها الصمت الثقيل. في الصيف تغيب الشمس بعد منتصف الليل، ثم تعود لتطلع بعد سويعات قليلة، وفي الشتاء تشرق قبيل الظهيرة وتغرب قبل العصر، أما في شمال البلاد فيمتد النهار في الأصياف أياماً متواصلة، وإذا هبط الليل في الشتاءات الباردة؛ فإنه ينسى نفسه ويمتد لأسابيع طويلة .. لكن ليالي الشتاء الصافية والنقيّة تمنحك رؤية أكثر المناظر الطبيعيّة إثارة على الإطلاق؛ إنه الشفق القطبي الشمالي، حيث تتراقص ستائر ضوئيّة خضراء وحمراء وأرجوانيّة وتتداخل على خلفية سوداء ينيرها ضوء الشفق الذي يغطي أرجاء السماء، في مشهد لا يُنسـى.

ولطالما تخيلنا السويد ضمن صورة نمطية جرى اختصارها بالشقراوات وسيارات "الفولفو"، وجائزة نوبل؛ إلا أن زيارة هذا البلد الساحر تكشف عما هو أكثر من ذلك بكثير؛ فالسويد التي تُعد صناعاتها الأجود والأغلى ثمنا لم تبرع فقط في صناعة الصُّلب ومحركات "الساب" والإلكترونيات؛ بل وتفوقت في مجالات أخرى مهمة، فهي المصدر الأول للحديد والأخشاب والورق في أوروبا، بيوتها الجاهزة والمتنقلة هي الأجمل، وقواربها البحرية هي الأعلى سعرا، وهي في مقدمة الدول المصدرة للحليب ومشتقاته، والأكثر تنوعا، حيث تعتبر منتجات شركة "آرلا" الأوسع انتشارا في العالم، وفروع "الأي كِيا" تجدها في كافة القارات، ثروتها الحرجية تعادل ثروات العرب مجتمعة، مع ذلك فهي لم تهمل الزراعة ولا السياحة، وأيضاً، تُعَد أكثر البلدان صديقةً للبيئة، وقد نالت ستوكهولم جائزة أفضل عاصمة أوروبيّة تحترم البيئة للعام 2010. هذه المدينة الخلابة التي تتوزع بالتساوي بيت ثلثٍ للماء، وثلثٍ تكسوه حُلَّة خضراء، وثلث تتربع فوقه بنايات تاريخية زاهية الألوان، تفصلها عن بعضها شوارع واسعة وأرصفة أنيقة.

لكن سماتها الأهم لا تقتصر على هذه الجوانب وحسب؛ فبفضل جودة الحياة فيها، وصلابة البنى التحتيّة وتوفّر الرعاية الصحيّة والتعليم الأساسي والعالي لكافة المواطنين بالمجان، فإن الشعوب الأوروبية ذاتها تحسدها على المعايير العالية التي وضعتها لنفسها لضمان رفاهية مواطنيها وأمنهم، لذلك ليس مستغربا أن تكون أكثر دول العالم جذبا للمهاجرين، وهي تضم حاليا مهاجرين (حصلوا على الجنسية السويدية) أتوا من 200 دولة مختلفة، هؤلاء يشكّلون 14% من عدد السكان الإجمالي، والحكومة لا توفر لهم كافة حقوق المواطنة دون تمييز وحسب؛ بل وتحثهم على التكلم بلغاتهم الأم في بيوتهم، لكي يظل المواطن السويدي ثريا بلغاته ومعارفه. وربما هذا ما ميَّز المجتمع السويدي وجعله الأكثر تنوعا وغِنى، وقدرة على هضم الثقافات الأجنبية الوافدة إليه من مختلف أصقاع الدنيا في الفن والموسيقى والطعام والأزياء وتفاصيل الحياة اليومية، والأكثر قبولا للوافدين من شتى الأصول والألوان والأديان، دون أي إحساس بالعنصرية أو شعور بالفوقية. ذلك بالرغم من ممارسات بعض المهاجرين المشينة والمستهجنة.

فبعض المهاجرين جلبوا معهم بالإضافة لمشاكلهم الاجتماعية، عُقدهم وأمراضهم النفسية، وكبتهم المدفون بين ثنايا رغباتهم الحبيسة، ومفاهيمهم المتخلفة، فظهرتْ منهم سلوكيات مخجلة، فضلا عن بعض الجرائم الفظيعة. والبعض الآخر تفنن بالتذاكي على الدولة، واستغلالها بالكذب والتزوير والالتفاف على القانون، ثم صبّ اللعنات عليها واتهامها بالكفر والفسوق!! ورغم كل هذا ما زال المجتمع السويدي مرحّبا ومنفتحا، يلاقي زواره بابتسامة صادقة.

في السويد أمنٌ لا يتحقق مثيله إلا في أماكن قليلة من العالم؛ فمثلا تستطيع أي فتاة أن تمارس رياضة المشي في أي مكان، وفي أي وقت من اليوم، دون أن تخشى من التحرش أو الاعتداء، وتستطيع أي أسرة أن تقيم على أطراف غابة معزولة وتضمن أن يصلها البريد دون تأخير، وهذا ينطبق أيضا على الأيائل في أقاصي البلاد؛ حيث يصلها قوتها بالهيلوكبتر عندما يزحف الجليد على العشب وتنخفض الحرارة إلى حدٍ تعزُّ عنده أسباب الحياة.

ولا يقتصر الأمر عند الأمن الشخصي؛ فالمريض لا يخشى الإقامة في المستشفى، والأب لا يعدم صحته لتدريس أبناءه، ولا يقلق أي شخص من بلوغ أرذل العمر، لأن الدولة تتكفل بحياة المواطن وكرامته حتى مماته، ولا تسمح له بالنـزول إلى خط الفقر. فالسويد واحدة من أكثر الدول من حيث المساواة في توزيع الدخل، ولديها أدنى مستويات الفقر في العالم.

لكن رغم كل هذا الأمان - وربما بسببه - قُتل في العام 1986 رئيس الوزراء "أولف بالمه" وهم يهم بالخروج من باب السينما بصحبة زوجته، كما قُتلت في العام 2003 وزيرة الخارجية "آنّا ليند" وهي تتسوق وحيدة دون أي حراسة شخصية. وعندما قررت الشرطة السويدية التركيز أكثر على حماية الشخصيات العامة، رفعت عدد الحراس لكافة الشخصيات العامة في عموم البلاد إلى 130 جندي فقط.

ومع الأمن تأتي الأمانة؛ فرؤية غابة من الدراجات الهوائية، على سبيل المثال، مصطفة في الساحات العامة وأغلبها غير مقيد، دون أن يخشى أصحابها من سرقتها، تدل على مستوى أمانة الناس هناك، حتى أن المولات الضخمة تضع نظام محاسبة ذاتي للزبائن، بحيث يفرغ الزبون حمولة سلته أمام جهاز ليزر، ثم يخرج بطاقته المصرفية ويدفع حسابه كاملا. ولا أحسب أن بلادنا ستشهد مثل هذه الحالات في يوم من الأيام.

في البلدان العربية العتيدة إذا خذلتك سيارتك أمام القصر الجمهوري فقد ينتهي بك المطاف أمام لجنة تحقيق ستتهمك بالتآمر على أمن الدولة ومستقبلها. أما الساكنين في "القصر" فهم فوق العباد والقانون والدستور. في السويد القصر الملكي الفاخر الذي يعود لثلاثمائة سنة خلت، يستطيع أي مواطن أو سائح أن يدخله ويتجول في أروقته، باستثناء شقة صغيرة داخل القصر تعود للملك وعائلته، يستخدمها عندما يزوره الملوك والرؤساء والحائزين على جائزة نوبل. وليس هذا وحسب؛ فالملك يقتصر دوره عند البروتوكولات الدبلوماسية، وهو خاضع للقانون كأي مواطن. وعندما تجاوز السرعة المقررة على طريق خارجي التقطته أجهزة الرادار وأقلام الصحافة بالتقريع واللوم.

في المجتمع السويدي يستطيع أي شخص أن يمارس تفاصيل حياته كما يشاء بحرية تامة، معيار "العيب" الوحيد لديهم هم مخالفة القانون. حرية التعبير لا حدود لها، باستثناء التحريض على العنصرية أو العنف. العلاقات الاجتماعية تقوم على أساس الاهتمامات المشتركة بين الأفراد دون التقيد بمعايير القرابة واللون والجوار. (9.5) مليون سويدي لديهم (32) مليون عضوية تطوعية في منظمات غير ربحية مختلفة. للمرأة مكانة مميزة لم تنلها في أي مجتمع آخر، مساواة كاملة وحقيقية، في البيت والبرلمان والحكومة والمجالس المحلية .. وقد لعبت السينما السويدية دورا مهما في هذا الشأن، فخلال الستينات والسبعينات قدمت مجموعة من الأفلام الطليعية المثيرة للجدل، أفضت إلى ما يشار إليه الآن باسم "الثورة الجنسية".

المسيحية دخلت متأخرة جدا للسويد، والمجتمع السويدي رغم أنه محسوب على الكنيسة اللوثرية، إلا أنه بطبيعته غير متدين، حيث تشير الإحصاءات أن أقل من 2% من السويديين يرتادون الكنيسة، وربما يعود هذا لمؤسس السويد وموحدها الملك "غوستاف فازا" الذي بنى قصره على تلة فوق الكنيسة الأهم في السويد في "أوبسالا"، ونصب مدافعه باتجاه الكنيسة، في إشارة لخضوعها تحت سلطته السياسية، خلافا لمكانتها الكبيرة في الحياة السياسية في أوروبا في ذلك الوقت. وبعد غوستاف قدمت السويد للمجتمع الإنساني شخصيات كبيرة كان لها بصمة في التاريخ: مؤسس علم تصنيف النبات "لينيوس"، وصاحب أهم جائزة عالمية "ألفرد نوبل"، وسكرتير الأمم المتحدة "دوغ همرشولد"، و"الكونت برنادوت" ابن أخ الملك الذي قتلته العصابات الصهيونية، وصديق القضية الفلسطينية "أولف بالمه".

الطبيعة هناك ساحرة، والمناظر خلابة، الأنهار والبحيرات لكثرتها فإن الناس لا تحفظ أسماءها .. النظام والترتيب والنظافة في كل شيء .. بعض المدن تحتاج أن يتضاعف عدد سكانها عدة مرات قبل أن تشهد أول ازدحام مروري. باختصار لا شيء في هذا البلد الرائع يدعوك للتوتر أو العصبية، باستثناء الهدوء المبالغ فيه أحيانا والبرد القارص .. مع ذلك علينا أن لا ننسى أن السويد بلد صناعي، وبالتالي لا بد أن ينشأ على هامشه يمين متطرف يقتات على أخطاء وممارسات شاذة لبعض المهاجرين، ومن المتوقع أن تكون هناك فئات ضعيفة، وعالم سفلي، وجريمة، ومخدرات .. لكنها تبق محصورة، وفي الحد الأدنى الذي لا يمكّنها أن تطغى على المشهد العام.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى العشرين لاتفاق أوسلو .. ما له وما عليه
- تمرد على الظلم في غزة .. وجهة نظر
- سورية .. نذر الحرب والدمار الشامل
- جوهر الصراع الدائر في مصر
- ونجهل فوق جهل الجاهلينا
- لماذا قامت الثورة المصرية ؟؟
- ملاحظات على هامش الثورة المصرية
- الجيش المصري، والموقف الأمريكي
- في مصر .. ثورة أم إنقلاب ؟!
- النجاح والفشل .. فلسطينيان
- الكُره الجماعي المقدس
- المنطقة على حافة الجنون - حرب طائفية على الأبواب
- نيلسون مانديلا .. نشيد الحرية
- محمد عساف .. لا بد أن في الأمر سراً ما !!
- الأردن أولاً
- الإسلام السياسي في فلسطين - النشأة، المسارات، المستقبل - درا ...
- أبو علي شاهين .. فارس ترجل
- الحيوان والإنسان .. أيهما أنبل وأذكى
- الإسلام السياسي في فلسطين - النشأة، المسارات، المستقبل - درا ...
- القضية الفلسطينية - نصف قرن من التحولات


المزيد.....




- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...
- مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - على أرض السويد .. تعبتُ من المقارنات