أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - المُشترك الأعظم – الإنسانية














المزيد.....

المُشترك الأعظم – الإنسانية


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 18:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




رأيته في الصباح يلتف بكلتا يديه حول رقبة أخيه الذي يحمله و برجليه الصغيرتين حول الخصر، بدا لي مشهدا ً مُغرقا ً في البساطة و التعقيد في ذات الوقت. انتابني شعور ٌ غامر بالشفقة عليه من عجزه الطفولي و اضطراره للاعتماد على أخيه في هذا الصباح الباكر. لم أعلم ما الذي أخرجه فقد كنت ُ في المنطقة الصناعية أقف بسيارتي أمام محل الميكانيكي بانتظار أن يفتح، و توجهت ُ أثناء الانتظار لكافيتيريا قريبة لأنني لم أستطع الصبر عن القهوة. قبلها كانت ست فتيات تتجهن للمدرسة في زيهن الأخضر، واحدة فقط منهن بدون حجاب، لكن الابتسامة كانت على الوجوه الستة. في نفس الشارع تلميذان يحملان حقائبهما المدرسية، و في الطريق سيارات برجال و نساء، كل ٌّ إلى وجهته.

لا أخطئ إن قلت أننا جميعا ً نشترك في نفس الحاجات: الحرية، الأمان، الصحة، العمل، المأكل و المشرب. كلنا لنا معتقدات نطلق عليها أسماء مختلفة: هذا ملحد، هذا لا ديني، هذا ربوبي، هذا مسيحي، هذا مسلم، هذا يهودي، هذا بوذي، هذا هندوسي، لكنها كلها في النهاية تصوراتنا عن الحقيقة.

كلنا ننحدر من أصول لها تاريخ و لها حضارة و لها مساهمة فعالة في المسار الإنساني إيجابا ً و سلبا ً، لا أحد منا ملاك و لا أحد منا شيطان، لنا و علينا. كلنا لدينا فكرة عن أنفسنا ليست هي الحقيقة لأنها تختلف عن شيئين، فهي تختلف عن رؤية الآخر لنا و تختلف عن الحقيقة الموضوعية الحيادية، و هذه ثلاث أشياء مختلفة: 1. رؤيتنا لأنفسنا. 2.رؤية الآخرين لنا. 3. الحقيقة المحايدة.

لماذا إذن فشلنا أن نعترف بانتماءنا إلى الجامع الأوحد و الأعظم الذي هو الإنسانية؟

الجواب على هذا السؤال يكمن في كلمة واحدة: الأدلجة. يعني أننا نتعرض في سنوات حياتنا الأولى لبرمجة عقائدية أو أيدولوجية تشكل المنهج الذي ننظر إلى الحياة بواسطته و ترسم شكل هذه الحياة و الطريقة التي سنسلك بواسطتها في الحياة و الكيفية التي سنتفاعل فيها مع الناس و المجتمع و العالم و الوجود الذي هو أصلا ً أصبح له معنى معين نفهمه نحن على أنه "الحقيقة" و هو طبعا ً مجرد رؤيتنا نحن و اعتقادنا و ليس أكثر.

لا نستطيع أن نتخلص من الأدلجة بالكلية، لأن عقل الطفل من خلال قانون الانتخاب الطبيعي قد أصبح مبرمجا ً ليقبل الإرشاد الوالدي فقد طبعت ملاين من سني التطور لديه خاصية قبول الإرشاد من خلال التجربة التي علمته (هنا أقصد الإنسان المشاهد و المجرب معا ً) أن عصيان الوالدين تقود للموت افتراسا ً أو سقوطا ً أو بأي شكل آخر من أشكال الخطر الموجودة في البيئة.

المشكلة الحقيقة أصبحت أن الأدلجة قد خرجت عن هدفها الأصلي الذي يُقصد منه حماية الفرد إلى قصد آخر و هو إظهار تفوق الفرد على حساب الفرد الآخر أو المجموعة الأخرى أو الشعب الآخر أو الدين الآخر. تم هذا مع ظهور المدن الكبرى، فتعقيدات المؤسسة الدينية و المؤسسة الحاكمة كان لا بد من أن تتخذ الأدلجة منهجا ً لاستعمار العقل البشري بإخضاع الفرد للمؤسستين ضمانا ً لبقائهما من جهة و حفظا ً لكيان الدولة من جهة أخرى.

أما بظهور الرأسماليات الحديثة فقد أصبح من الضروري ضمان استمرارية الإنتاج الصناعي مجتمعيا ً و تثبيت الأسس التي تقوم عليها الثروة الفردية من خلال تثبيت مفاهيم العمل و الكد و الكفاح و الإنتاج و الإستهلاك الفردي كنوع من المكافأة على العمل مع ضمان بقاء العيون و القلوب متعلقة بدار أخرى يتم فيها تعويض هذا الكد و الكفاح (عند المتدينين) أو مستوى رفاهية مرغوب مصحوبا ً بنزعات عقلية فلسفية (عند الملحدين) أو كليهما معا ً بدرجات متفاوتة، كأساليب استدامة.

لكن استدامة المصادر الاستهلاكية للقطعان البشرية الهائلة يتطلب بالضرورة من الدول الكبرى خوض نزاعات يجب أن تظل أسبابها الحقيقة الاقتصادية خفية ً، فيتم و بكل خبث توظيف الإيدولوجية الدينية و إذكاء صراعات مذهبية و عرقية عند الشعوب التي تملك هذه المصادر و ذلك بغرض إشغالها عن حقيقة خطف هذه الدول الكبرى لمواردها، هذا من جهة، و من جهة أخرى تسهيل عملية الخطف، و من جهة ثالثة إعطاءها إحساسا ً زائفا ً بالانخراط في القضايا التي تصبح مصيرية لديها على الرغم من عدم منطقيتها و نتائجها الكارثية: "الصراع السوري" مثلا ً، العراق مثلا ً آخر، آفغانستان و نفط بحر قزيون مثلا ً ثالثا ً.

تسهم المؤسسة الدينية في هذا الصراع بدور ٍ كبير يطرح عليها علامات استفهام كبيرة، فكيف يمكن مثلا ً أن نفهم دعوات الجهاد في سوريا و استنفار الناس ضد بعضهم كسنة و شيعة و علوين و مسيحين؟ و كيف نستطيع أن نفهم توجه التيار السلفي من كل البلدان للجهاد في سوريا دون رقابة و بحرية وصول غريبة جدا ً؟ و كيف نفهم توفر الأسلحة و ديمومة الذخيرة و الصرف اليومي على المجاهدين؟

إن الأدلجة الدينية و تسلطها على الفكر و العقل لا يقابلها سلطة ذات فعالية قانونية مماثلة أو مقاربة فهي ما زالت ترسم دستورا ً موازيا ً للدستور الوطني و تجتذب ولاء ً أكبر من ولاء الوطن، و لا يسمح بانتقادها أو تصحيحها و تتسم بهالة من القدسية لا يمكن الاقتراب منها دون مساءلة أو ضرر، لكنها تخدم في النهاية مصالح اقتصادية و مذاهب سياسية و ينتج عنها تغير في الجغرافية و التوزيع الإثني و أشكال الاقتصاد، في مشهد غريب جدا ً لكنه حقيقي و خبيث.

ما زال البشر لا يحسون بقوة المشترك الإنساني الطبيعي الذي هو قبل الأدلجة و أقوى منها، لكن تفعيله في حد ذاته يتطلب أدلجة ً من نوع خاص تقوم عليها مؤسسات تؤمن بهذا المذهب الإنساني و تملك أن تؤثر على الشعوب و تتفاعل معها على المستوى الشخصي و الاجتماعي و الأهم الاقتصادي لأنه المفتاح.

لا أملك حلا ً لكني أعرض وجهة نظر أشترك فيها مع كثيرين، و يختلف معي فيها لا بد كثيرون.

لكن أليست هذه الطبيعة البشرية القائمة على الاختلاف؟

هذا الاختلاف الذي لا ينفي المشترك الإنساني و لا يفسده لكن يكمله و يرتقي به.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
- ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
- الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
- قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
- رسالة إلى السيكلوب
- من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
- السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
- قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكش ...
- السينما بين السبكي و الأخوين واتشسكي – طرفا البعد الإنساني
- -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد ...
- الشرق العربي حين ينبش ليقتلع الأساس - هجرة المسيحين العرب
- الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
- نجيب محفوظ – ما بين الفينامولوجيا و الأنثروبولوجيا الدينية و ...
- حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً
- -أعطني لأشرب- – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - المُشترك الأعظم – الإنسانية