|
حوادث الفتنة الطائفية - مصر كنموذج
رامي رفعت
الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 12:00
المحور:
المجتمع المدني
ما بين الحين والآخر تظهر في وسائل الاعلام مصطلحات ( الفتنة الطائفية – اضطهاد الاقباط ) عقب اي حادث يحمل احتمالية تسميته بالحادث الطائفي ، وما بين التهويل والتهوين والاستغلال السياسي لتلك الاحداث التي نادرا ما يتم التعامل معها بالعقل والمنطق تتوه الحقيقة ويتم استغلالها في بعض الاحيان وطمسها في احيان أخرى حسب المزاج العام للسلطة والذراعان الاساسيان لها وهما الداخلية والاعلام . لذا دعونا نحاول اولا توضيح بعض النقاط التي غالبا ما تكون مرتبطة بتحليل تلك الاحداث قبل محاولة تقسيمها . اولاً : هناك اعتقاد سائد بين كافة الاقباط وبعض المسلمين بان الاقباط مضطهدون ولا يأخذون حقوقهم كاملة يقابله اعتقاد لدى بعض المسلمين بأنه لا يوجد اضطهاد للأقباط بل هو اضطهاد تمارسه الدولة على جميع مواطنيها وليس للأقباط معاملة خاصة واعتقاد آخر لدى قسم آخر من المسلمين يتكون غالبيته من اصحاب فكر الاسلام السياسي من سلفيين واخوان وغيرهم بأن المسلمين هم المضطهدين وان الاقباط يحصلون على مزايا لا يحلم بها المسلم . وبغض النظر عن مدى صحة هذه الاعتقادات والتي سأحاول الكتابة عنها في مقال منفصل الا انها محرك اساسي لمحاولة تفسير اي حادثة وذلك على النحو الآتي : القسم الاول المؤمن بالاضطهاد يؤمن غالبيته بان أي حادث بين مسلمين ومسيحيين هو حادث طائفي ولا يوجد اي تفسير آخر له بينما يتعامل الاقلية منه بعقلانية وتحاول عدم استباق الاحداث قبل وصف الحادث بالطائفي الا اذا كان حادث لا يحتمل تفسير آخر مثل الاعتداء على كنيسة . القسم الثاني غالبا ما يعتبر اي حادث سببه فساد الدولة واستمرار لفشلها المستمر وانه وان كان الاقباط هم الضحايا فهذا لا يعني ان المسلمين سيكونون هم الضحايا المرة القادمة لان سبب الحادث ليس طائفي انما سياسي بحت . القسم الثالث لا يعترف باي حادث على انه فتنة طائفية بل لا يستنكر هذه الاحداث – كأفراد وليس كمؤسسات - الا اذا وجهت له يد الاتهام و ثارت حوله الشكوك ، وغالبا ما ينتظر ظهور اي مبرر لهذه الاحداث وحتى وان كان غير منطقي ليكون سببا كافيا لنفي صفة الطائفية عن الحادث . ثانياً : موقف الحكومة الرسمي يكون في اغلب الاوقات خاضع لرؤية من بالسلطة ، فاذا ارادت السلطة اقناع الرأي العام بأن الحادث المقصود به الفتنة تجد الداخلية تنشط في القبض على خلايا وهمية وقيام بعض الجهات الوهمية باعلان مسئوليتها عن الحادث . ويكون المبرر وقتها اما لفت الانظار عن احداث أخرى يراد تمريرها او عدم لفت الانظار اليها فيتم التركيز على موضوع الفتنة . أو تبني اي سبب غير منطقي بالمرة والبعد المقصود عن التفكير في وصف الحادث بالطائفي وغالبا يكون ذلك كنوع من تأديب الاقباط نتيجة موقف معارض قاموا به أو تذكيرهم بأنهم يستطيعوا وقت ما شاؤا رفع ايديهم عنهم ومواجهة ما لا قبل لهم مواجهته من عنف لا يشعروا به لوجود الداخلية . واحد الامثلة الشهيرة حادثة نجع حمادي حيث ارادت الحكومة وقتها تصوير الحادث على انه ثأر مستخفة بذلك بعقول المتابعين بوجه عام واهل الصعيد بوجه خاص لان الثأر له طرقه وأصوله للأخذ به ولا يعتبر قتل أي مسيحي اخذا بالثأر من شخص مسيحي بعينه . ثالثاً : هناك شبه خوف من الاعتراف بأن هناك مشكلة حقيقية بين المسلمين والاقباط لظن البعض ان هذا اقرار بوجود مشكلة يتغنوا بعدم وجودها لأغراض سياسية او دينية وسيضعف موقفهم كثيرا الاعتراف بها ، لذا يلاحظ تجنب دخول تلك الحوادث في مسارها الطبيعي في التحريات والمحاكمات ومحاولة وأد الحقيقة بالجلسات العرفية التي تضع الجاني مع الضحية على طاولة واحدة والاتفاق على عدم تقديم احد للمحاكمة مع وعد بعدم تكرار مثل هذا الحادث وعدم محاولة تجريم اي جاني او معاقبته ولو على النطاق القبلي او العرفي . هذه النقاط السابقة تكون لها اليد العليا في توصيف اي حادث بغض النظر عن اسبابه الفعلية وهي كما نلاحظ اغلبها بعيدة عن المنطق وخاضعة لانتماء الشخص الى جانب الجاني او الضحية ، اما الاحداث التي دائما ما يثار حولها تلك التسميات ايضا يمكن تقسيمها الى عدة انواع : النوع الاول : وهو الخاص بالارهاب أو الجريمة المنظمة مثل تفجير الكنائس بطرق احترافية ابعد ما تكون عن الطرق البدائية او المنزلية ، تلك الحوادث هي احادث طائفية لكونها تستهدف طائفة بعينها داخل مكان عبادتهم وتهدف ايضا الى اشعال الفتنة بمحاولة تصوير ان ما حدث من تفجير هو تطبيق للدين الاسلامي . هذه الاحداث نادرا ما تحقق غرضها لاسباب عديدة اولها قيام المؤسسات الدينية مسلمة كانت او مسيحية بالتأكيد على ان ما حدث لا يمت للاسلام بصلة ولن ينجح بافساد العلاقة أو للدقة لن يكون هو السبب في حالة فسادها . ثانيها ان تلك المنظمات الارهابية لا تستهدف المسيحيين فحسب بل تستهدف ايضا السياحة واماكن تجمع الناس البسيطة البعيدة عن السياسة وبغض النظر هل سيكون الضحايا مسيحيين او مسلمين . تلك الاسباب تكون سبب لوجود رفض شعبي لتلك المنظمات الارهابية – باستثناء المنتمين لفكر تلك المنظمات بالطبع مثل السلفية الجهادية – واعتبارها دخيل وعدو مشترك يجب الاتحاد امامه . النوع الثاني : هي الاحداث التي تعتمد على مبدأ العقاب الجماعي وهي حوادث طائفية لانها استهدفت طائفة معينة وسببها ايضا الفتنة والاحتقان الموجود بين المسلمين والمسيحيين بهذا المكان كون الجناة والضحايا يكونوا هم اهل هذا المكان وليس جهات خارجية كما كان الحال في النوع الاول . تلك الحوادث ترى ان افضل حل لمعاقبة شاب مسيحي على علاقة غير مشروعة مع شابة مسلمة او تطاول شاب مسيحي على اخر مسلم هو معاقبة جميع المسيحيين بهذه المنطقة بدءا بحرق كنائسهم ومحلاتهم ومنازلهم ثم قتل البعض وهم غالبا اطراف المشكلة وطرد الباقي من بلدتهم . كما نرى ان سبب هذه الحوادث لا يمت للفتنة الطائفية بصلة لكن كون احد الاطراف قبطي يصاحبه شعور عام بالبغض والكراهية – متبادل احياناً – من اهالي القرية لتلك الاسر المسيحية فيجدوا في مثل هذه الحوادث ضالتهم المنشودة لتطهير البلدة من كفر ورجاسات هؤلاء . بالطبع لا يكون الكره عام في البلدة كلها فنجد ان العقلاء واصحاب الدين السمح من المسلمين هم من يقومون بالذود عن جيرانهم المسيحيين واخفائهم في منازلهم . النوع الثالث : هي احداث لاعلاقة لها بالطائفية لكنها حوادث عادية واسبابها ايضا عادية لكن كون احد الاطراف مسيحي يجعل بعض المزايدين والمستفيدين يصفها بالطائفي ، وفي بعض الاحيان يكون الاهالي على وعي كافي بما يحاك لهم وتجد المسيحيين منهم قبل المسلمين يقرون ان هذا الحادث سببه خلاف تجاري او احد اطرافه من البلطجية والخارجين عن القانون . النوع الرابع : وهو الناتج عن تغيير احد المسلمين دينه الى المسيحية او احد المسيحيين الى الاسلام ، وهي الحوادث التي يتم التعامل معها بحساسية مفرطة وعدم وضوح من جميع الاطراف نظراً لان فكرة تغيير الدين في مجتمعنا لا زالت بعيدة كل البعد عن العقلانية والمنطق . ويلاحظ ان اغلب الاشخاص التي تكون محور تلك الاحداث فتيات ، فنجد ان هناك حالات تحول لرجال تتم في هدوء بل يتحولوا الى نجوم في الاعلام سواء المسموع او المقروء دون ان تنشأ بسببهم حوادث طائفية . النوع الخامس : وهو الخاص بهدم مبنى او منزل قد تحول الى كنيسة او انتشرت اشاعة بنفس المعنى ، هذه النوعية من الاحداث ايضا من النوع الثاني طائفية وبسبب الفتنة الموجودة . فلا نجد تلك الحمية ولا التشجيع من قبل غير العقلاء من المسلمين في هدم هذا المنزل او ذاك كما نجده في هدم بيت دعارة او وكر للمخدرات مثلاً ، ولا نجد سرعة لتنفيذ هذا الهدم من قبل الدولة التي قد تكون هي الطرف القائم على الهدم مثل سرعتها في ازالة اي مبنى اخر مخالف او اي تعدي على املاك الدولة . وهذا ناتج عن شعور ان الكنيسة اشد خطراً من بيوت الداعرة واوكار المخدرات وهو شعور كفيل بزرع الفتن المستمرة ، فاذا كانت تلك هي نظرة فئة من الافراد لاماكن عبادة المسيحيين فكيف ستكون نظرتهم للمسيحيين انفسهم . ثم نأتي بعد ذلك للحلول التي اراها قد تكون مؤثرة في حل تلك الحوادث المتكررة : تفعيل القانون وعدم الموافقة بأي حال من الاحوال على جلسات الصلح بل تقديم الجناة للمحاكمة لتكون رادعاً وعبرة لمن يفكر في القيام بهذا حيث ان الافلات من العقوبة يكون عاملا اساسيا على تشجيع البعض في المشاركة في هذه الحوادث . الاهتمام بالقضاء على الجهل بالآخر حيث ان من اهم اسباب تلك الحوادث افتراض ان الآخر وحش كاسر لا يرحم ، فنادرا ما نجد حادثة فتنة طائفية في الاحياء ذات المستوى الثقافي الجيد او الاحياء العريقة التي تشتهر بان افرادها مسيحيين واقباط نسيج واحد كشبرا على سبيل المثال . التأكيد على ان الاعتراف بالمشكلة هو اول طريق لحلها والتدريب على التعامل معها بعيدا عن المبالاغات ، فليس الاعتراف بوجود فتنة طائفية بين مسلمين ومسيحيين تعني انها مشكلة يعاني منها كل المصريين وليس معناه وضع دين في موضع الاتهام والدين الآخر في موضع الضحية . لابد ان يتزامن مع المطالبة بقانون عادل لبناء الكنائس عدم محاولة بناء كنائس بدون تراخيص لان مخالفة القانون جريمة حتى لو كان القانون نفسه ظالماً ، مع محاولة تفسير التناقض الصارخ في عقل المسلم الذي يرفض الاقتناع بان هناك مشكلة في بناء الكنائس حين يرى الاديرة تحتل مساحات شاسعة سواء في الاراضي الزراعية او الصحراوية مع التأكيد على ان تلك الاديرة مواقفها القانونية سليمة ومحاولة توفيق اوضاع غير القانوني منها ان وجد . لابد ان يكون موضوع تغيير الديانة خاص بالحرية الشخصية للشخص ايا كان مركزه الاجتماعي او الديني والتأكيد ان الاختيار هو نتيجة قناعة شخصية لا علاقة لها بانتصار دين على آخر ، مع محاولة توضيح الشك الذي يعتري ذهن المسيحي بأن الدولة تسمح فقط للمسحيين بدخول الاسلام اما من ينوي العكس فينتظره حكما بالقتل تطبيقا لحد الردة على ان يشمل ذلك شرحا لطبيعة الحد ومتى يتم تطبيقه ومن المسئول عن ذلك لأن التعامل مع الحقائق افضل بكثير من التعامل مع الشكوك . حاولت وانا اكتب تلك المقالة والتي كانت مادتها في ذهني منذ فترة ان تكون شاملة وموضوعية قدر الامكان وليست عبارة عن شحنة مشاعر سلبية او رد متشنج على حادث بعينه ، متمنيا ان نبدأ بالفعل في مواجهة تلك المشكلة لأنه لن يوجد غيرنا من سيدفع ثمنها .
#رامي_رفعت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|