عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4260 - 2013 / 10 / 30 - 20:35
المحور:
الادب والفن
فنُّ آلكتابَةُ و آلخطابَةُ – ألقسمُ ألرّابع(6)
رابعاً: مؤآخذاتُ آلمنهجُ ألغربيّ على آلشّرقيّ!
نتيجة آلأخطاء ألمنهجيّة ألتي تولّدت بسبب ألتّعامل ألخاطئ مع آلنّصوص و تفسير كتاب الله ألخاتم؛ فقد أفرزت ألنّظريات و آلمذاهب ألعديدة و آلمُختلفة ألّتي ظهرت بدءاً بآلسّلسلة ألأمويّة ألّتي أبدلتْ حُكم الأسلام إلى ملك عضوض تلتها آلمذاهب ألفلسفيّة ثمّ ألتكفيريّة و على رأسها آلوهابيّة و آلتي كانتْ لها إنعكاساتٌ و أدوارٌ خطيرةٍ على واقع ألأنسان و آلسّلام ألعالميّ إلى حدّ آلنزاع ( ألكونفلت) و آلقتل و آلتّكفير و آلذّبح و أكل لحوم آلبشر.
و هكذا إختلفت ألمقايس و آلمعايير و آلفلسفات .. و أدّى لأن يُؤآخذنا آلغرب – بل و يُواجهنا - على بعض و ربّما كلّ آلمبادئ و آلأساسات ألّتي كانتْ وليدة ذلك آلمخاض ألعسير ألنشاز و منها مسألة ألأستبداد و آلأقصاد و آلظلم و آلأرهاب حتّى آلذبح!
و لعل عبارة ألملك الفرنسيّ لويس ألرّابع عشر ألّذي حكم فرنسا لأكثر من نصف قرن (1661 -1715)؛ صارت مثالاً للاستبدادِ السياسيّ في آلغرب قابلهُ عبارة (ألحكم لله) ألذي وضعه السلطان ألعثماني عبد ألحميد على تاجه في آلشرق بجانب تراكمت عديدة إصطفّت مع مظالم قساوسة الكنسية خلال القرون الوسطى ألّتي سبّبت ألثورة ثم آلنهضة ألأوربية, بجانب إصطفاف تلك التراكمات التأريخية مع نظرية "ألدّولةُ ألأسلاميّةُ" بكون آلحاكم فيه خليفةٌ يُطبّقُ آلأسلام" هكذا و بعبارةٍ مختصرةٍ إختزلت ألدّولةَ في شخصِ ألحاكمِ أو آلخليفةِ؛ ليقفزُ في أذهان آلغربين نتيجةَ تلك آلتّراكمات؛ ألسّؤالُ ألتّالي:
ما آلفرقُ بين آلعبارتين ألغربيّة و آلأسلاميّة؟
أ ليسَ كلا آلعبارتيّن نصٌ في آلإستبداد، بل تبدو ألعبارةُ آلثانيّةُ أخطرَ من آلأولى، إذ تُؤسسُ للإستبدادِ ألمُعمّق و تُعطيه آلصبغة آلشرعيّةَ الدينيةَ بجانب آلشرعية ألوضعيّة؟
قُبيل آلدّخول في تفاصيل آلبحث, من آلضّروري بيان أنّ جميع آلمؤآخذاتُ ألغربيّة جاءتْ كردِّ فعلٍ على آلأسلام بعد دراساتِ آلمستشرقين ألمُستفيضة لتأريخنا من خلال وجهة نظر و واقع ألمذاهب ألأربعة, و بسبب فساد و دكتاتوريّة آلسّلاطين ألأمويين و آلعباسيين ثمّ آلعثمانيين و من تبعهم من آلجّماعات ألسّلفيّة ألّتي تنتمي مُعظمها لتلك آلمذاهب, فأنّ هذا آلكم ألهائل من آلأدلّة و آلوقائع كانتْ كافية لأدانتنا و بآلتّالي تَنَمّرهم – أيّ ألغربيون - علينا مُحمّلين بدورهم ألإسلام ألمحمديّ ألأصيل جهلاً أو تجاهلاً تبعاتَ أخطاءِ و مناهج تلك آلمذاهب ألمستبدة ألّتي حكمت بعد آلرّسول الخاتم(ص) بغير آلحقّ بعد ما تمذهبوا بمذاهب و فرقٍ شتّى تختلف قلباً و قالباً عن إسلام رسول الله و أهل بيتهِ ألأطهار ألمعصومين ألّذين جعلهم الله على لسان نبيه معياراً للسعادة و لدخول ألجّنة في حال حبّهم و مُوالاتهم .. و كذلك معياراً للشقاء و لدخول آلنار لِمَنْ خالفهم و نصبَ آلعداوة لهم!
و لعلّهم – أيّ ألغربيّون – جعلوا تلك آلمذاهب - كقميص عثمان – حججاً قويّة و أهدافاً مركزيّة للهجوم علينا و إتهامنا بآلدّكتاتورية و بآلتالي تمكُّنهم نقد كلّ آلأسلام و آلمسلمين و حتى نبيّ آلمسلمين علناً, لكثرة آلثغرات و آلأخطاء و آلجّرائم ألتي إرتكبتْ و بشكل منهجيّ و نظاميّ, وكانتْ بلا شك كبيرةً و عميقةً لم يتمكّن معها آلأسلاميّون من آلدّفاع عن أنفسهم أو حتّى من آلتّستر عليها رغم محاولات عديدة من قبل أركون أو العابدي أو من سبقهم للتثبت و إظهار ملامح آلحسن و آلأشراقات ألنّبوية و آلعلويّة و من كلا آلمذهبين, و في آلحقيقة تنكّر آلغربيّون – وهم أهل آلتحقيق و آلبحث ألعلميّ - أمّأ جهلاً أو تجاهلاً لعرض فكر و منهج أهل البيت(ع) الذي يُمثّلهُ (آلشّيعة) بما فعلهُ غيرهم بإسم ألأسلام, لعدم وجود ثغراتٍ أو حتّى مؤآخذات صغيرة فيه سواءاً ألجانب ألعملي و هي فترة خلافة الأمام عليّ(ع) أو النّظريّ ألمُتمثل بتراث ألأئمة الأثني عشر ألخلفاء من بعد آلرّسول(ص)(1), و آلحقّ أنهم نجحوا من خلال ذلك آلضّم ألمُتعمّد في تحجيم آلأسلام بعد ما تمكّنوا من عرض آلكثير من المؤآخذات و آلثّغرات لإعلان ألوجه ألقبيح ألعنيف ألمُتحجّر للفكر ألأسلامي كَكُل من خلال تلك آلقنوات و آلمذاهب ألآنفة ألذّكر و آلّتي غلقتْ على نفسها باب الأجتهاد ليتسنّى لهم – أيّ ألغربيّون - ألتّدخل في بلادنا بدعوة تحريرنا من آلتخلف و آلدكتاتورية, بينما آلأهداف ألمُبطنة كانت لتمزيق ما تبقى من وحدتنا لنهب خيراتنا و إذلالنا, أو بآلحقيقة لحصر آلثورة الأسلامية ألمعاصرة ألّتي غيّرت موازين ألقوى في عمليّة آلصراع بين الخير و آلشّر, هذا بعد ما تمكنت من تعبئة أؤلئك المسلمين ألمُتحجرين و حكام آلدول العربية المجريمن و آلرأي العام ضدها بدعوى إيقاف تصدير تلك الثورة!
من جانب آخر نرى أنّ ألمُستشرقين لم يتطرّقوا للحكام و آلسّلاطين ما قبل آلأسلام رغم إستبدادهم و ظغيانهم بآلحديد و آلقهر و آلحيلة و آلظلم على آلشعوب العربية و آلأمم آلأخرى, بل نراهم مجّدوا و ما زالوا يُمجّدون بحمورابي و نبوخذ نصّر أو فراعنة مصر أو ملوك فارس ألّذين جميعهم كانوا مُجرمين وطواغيت و إستبدادين و ظالمين لحقوق آلنّاس ألمستضعفين!
بل إنّ ألرئيس ألفرنسيّ "فرانسو ميتران" حين وصلت جثّة "رمسيس ألثّاني" أحد فراعنة مصر إبان فترة رئاسته قبل عشرين عاماً لباريس لإجراء بعض ألكشوفات و آلتّحقيقات عليها؛ نراهُ إستقبلها و كأنّهُ يستقبل رئيس دولة حيّ قام بزيارة رسميّة لفرنسا, حيث أُقيم آلسّلام ألجّمهوري و حضر بنفسه مع بعض آلوزراء مستقبلاً ذلك آلتابوت ألذي حمل جثّة فرعون مصر ألملعون!
هذا آلتّعامل ألمزدوج ألمُغرض مع آلشّرق عموماً و آلأسلام خصوصاً لهُ أسبابٌ و جذورٌ برزتْ على آلسّطح بشكلٍ رئيسيّ و قويّ إبان إنتصار ألثّورة الأسلامية في إيران عام 1979م, و يبدو أنّهم – أيّ ألغربيّون - كانوا على علمٍ بمصداقيّةِ و هدفيّةِ و إصالة فكر أهل آلبيت (ألعلوي) ألثّوري الأسلامي ألذي أهملوه تماماً بتعمّدٍ حتّى حملهُ آلأيرانيون من جديد بأمانةٍ و إخلاص كوعدٍ إلهي جاء في آلقرآن ألكريم(2) .. ذلك آلمنهج ألألهيّ ألقويم ألّذي أرادوا لهُ أنْ يُدفن في ثنايا آلكتب ألتُراثيّة و لا يُذكر إلّا بين جدران غرف آلدّروس ألتقليدية في آلحوزة ألعلميّة و تعمّد آلغربيون ألتّستر عليه بدورهم .. كما لم يجرأ أحدٌ من آلعلماء ألمسلمين و حتى آلمراجع ألمسلمين الشيعية – و لأسبابٍ عديدةٍ – من إظهارهِ للعلن لإحيائه في واقع آلنّاس كنظامٍ للحكم لقيادة ألعالم من جديد إلى شواطئ ألأمن و آلسّلام و آلعدالة ألمفقودة بسبب ألظالمين و آلمُستكبرين ليعود آلأسلام غريباً كما نزل غريباً فطوبى للغرباء!
بلْ كان أؤلئك "ألعلماء" و معهم آلنّاس ألبسطاء يُحاربون كلّ مُصلحٍ كان يُحاول قلب آلطاولة أمامهم, خوفاً على مصالحهم و منافعهم الشخصية و العائلية المحدودة, و لنا في تعاملهم مع آلأمام محمد باقر الصدر ألذي حاول تغيير كلّ شيئ؛ أكبر مثال على ذلك آلتخلف و الأنحراف ألمنهجيّ!
لكنّ آلغرب و بعد ما رأؤا إنتصار ألحقّ بأبهى صورةٍ كقدرٍ سماويّ لم يسبق لهُ مثيلٌ في آلتّأريخ .. أعلنوا مُعاداتهم بكل قوّة منذ آللحظة آلأولى لخط آلثورة ألأسلاميّة و بدؤا بمحاصرتها و إعلان الحرب عليها على كلّ صعيد!
لماذا كلّ هذا آلعداء ألمُبطن و ألسّافر من قبل آلغرب!؟
أ لَمْ يكن آلأسلام موجوداً في آلظاهر حتّى في عصرنا هذا و بشكل حكومات قائمة كانت تدعيّ الأسلام في باكستان و أفغانستان و السعودية و أندونيسيا و غيرها.. فلماذا هذا آلحرب آلسافر عليها؟
إنها مفارقات واضحة لكلّ ذي بصيرةٍ يريد معرفة آلحقيقة .. و لا حاجة للمزيد من آلتّوضيحات و آلبيانات!
يقول مفكّروا آلغرب؛ إن آلحكم في آلأسلام كان دائماً إستبداديّاً, سواءاً كانوا من آلعرب أو غيرهم من آلقوميّات ألّتي آمنت به, و آلأستبداد يتغذّى في وجودهم بنظرهم من آلتّصوّر ألنّاشئ من تصرّف (ألخالق) في آلكون, و لو لم يكن آلله مُتكبراً – بحسب فهمهم – و مُستبدّاً في آلخليقة, يفعل ما يشاء في أيّ زمانٍ و مكانٍ - على ما إستقرّتْ عليه أفكار ألأغلبيّة من آلمسلمين - لما أمكن للسّلطان أو آلحاكم ألأسلاميّ أن يقول: "أنا ظلّ آلله فوق آلأرض" كما كان يعتقد آلمسيحيّون في آلقرون ألوسطى!
و لم يُظهروا آلتّحدي ألفكريّ ألمنهجيّ ألمُؤدلج للأسلام, رغم ظهوره قبل 14 قرناً إلّا بعد ما إختلقوا آلفكر ألوهابيّ بقيادة محمد بن عبد ألوهاب ألنّجدي قبل 3 قرون في آلسّاحة ألسُّنية و تأكّدهم من محدوديّة و موت ألمرجعية ألتقليديّة في آلسّاحة الشيعية بآلمقابل (4) ليتمكنوا من توجيه ضربتهم ألقاضية ضد كلّ آلأسلام جملةً و تفصيلاً, و هكذا تعاملوا .. بل تعاونوا و دعموا آلحركات الأسلاميّة ألتي تأسست خلال ألقرن ألماضي لتعبئتهم و أعدادهم لمهمات كبيرة مستقبليّة, ظهرت نتائجها على آلسّطح في أحداث "ألرّبيع ألعربيّ" مؤخراً خصوصاً في مصر و تونس و آلمغرب و آلعراق من قبلهم!
إنّها كانتْ مُحاولاتٌ منهجيّة لسحب آلبساط من تحت أرجل آلقوى الأسلاميّة ألّتي بعضها عملتْ بإخلاص لدين الله و قدّمت آلشهداء, لكن مكائد آلغرب كانت أقوى و أحكم لنشر ألشّك و آلفساد و آلأنحلال في عقيدة ألصّالحين ألمؤمنين بخط آلرسالة الأسلامية الأصيلة, بعد ما تمكّنوا بسهولة من إستمالتهم بعد لجوء أكثر قياداتهم للغرب .. ثُمّ تعبئة المذاهب و تلك آلحركات الأسلاميّة ألسّلفية قاطبةً بإتّجاه تحقيق مصالحهم و مشاريعهم في عقر دارنا عبر تعاونهم و فسادهم ألمالي و آلأداري في لضرب و تخريب بلادنا الأسلامية لتكون خاضعة و ضعيفة من آلأساس للغرب بقيادة ألمنظمة الأقتصاديّة العالميّة.
إن آلحالة ألعامّة للمسلمين – ألحركات و آلكيانات تسير بهذا آلأتجاه أليوم - بعد ما إستطاعوا قتل ألعلماء آلصّالحين ألمخلصين في آلأمة و تفريق شملها و وحدتها, و إستمالوا آلأسلاميّن من خلال تمهيد ألطريق أمامهم للحصول على آلمال و آلمواقع و آلحكم في بعض ألدّول ألعربيّة و آلأسلاميّة, و يختلف بعضهم على ذلك لكنهم آلأقليّة!
نحنُ لا ننكر حقيقة ألأستبداد في أوساط ألمراكز و آلمرجعيّات ألمُختلفة, و آلّتي تُريد هي لا كما يُريد آلأسلام ألواقعيّ(4), فآلأستبداد داء آلجّمهور داخلاً و خارجاً, يظنّ أنّهُ باقٍ ما بقي آلأسلام, فكيف آلأنفلات من هذه آلعقدة القاتلة؟
ألمسألة خطيرةٌ و آلسّائل يلحّ, فلا بُدّ آلأجابة من صميم ألموضوع, و لا يكتمل آلجواب إلّا بضرورة رفض ألتّقليد ألأعمى(5) و كشف آلستار و آلخبث ألكامن وراء كلمة (ألأعلم) ألتي يختبئ ورائها ألقاعدون ألطفيليون من "المراجع" و يتبجّح بها آلمقلّدون ألسّطحيون و هكذا آلأمّة آلتي غفت مع جهلها في سبات عميق, بسبب تلك آلمنهجيّة ألمُتحجّرة ألّتي تَمَتْرَسَتْ خلف كلمة (آلأعلميّة ألمجهولة) كطوقٍ حديديّ منعت ألتقدم و آلعزة و تحقيق آلخلافة الألهية في آلأرض, و لم يتمسك بها سوى ألمقلدين ألسّطحيين لظواهر آلأحكام ألأسلاميّة و آلشّكليات ألتي لم تُغيير بواطننا آلقلبية و لم تدخل آلساحات الحقيقية لتعالج محننا و كما أراده لنا الأمام الثاني عشر(ع) كحوادث واقعة لا تقليديّة متكررة!
نعتقد مبدئيّاً بأنّ حلّ هذهِ ألأزمة مرهونٌ بوجوبِ ألأجتهاد ألمنفتح ألمُتكامل لتفعيل آلحوادث ألواقعة (ألسّياسيّة, ألأقتصادية, ألتكنولوجية, ألأدارية, ألتربوية, ألعسكرية, ألأعلامية, ألأجتماعيّة وغيرها) بدل آلمرجعية آلمنغلقة ألمحدودة, هذا من خلال آلـتأويل ألموضوعيّ للقرآن ألكريم, فكلّ ذلك أصولٌ فيها أخذٌ و ردٌّ و ساحات لم يتمّ دخولها منذ زمن طويل, و نحن نسعى عن طريق ألمعرفة و رسم المنهج المطلوب لخوض غمار آلعلوم و آلتكنولوجيا لنزع آلشرعيّة عن واقع آلأستبداد ألذي أنكشف بعض خيوطه للمُقلّدين إلى آلآن .. و لا يتحقق المطلوب إلا بعد كسر ألجمود و آلتحجّر .. خصوصاً الفكريّ و بآلتالي ألتّمهيد لدحض آلشّبهة ألغربيّة هذه!
و مسألة ألحريّة آلأنسانيّة هي آلأخرى تططف كرهينة بجانب الأستبداد, و كذا آلعدالة من منظور الأنسان, فآلغرب يقول؛
إنّ ما يُركّز إستبداد ألحُكام هو درجة خضوع ألمحكومين و تشبّعهم بفكرة ألقدر و آلقسمة و آلمكتوب(6), لقد تحوّل آلأمر إلى بديهيّة في آلأوساط ألأسلاميّة ألتقليديّة, و كذلك خطأ فهم مبدأ ألتّوكل ألغائم و تهرّبهم من المسؤولية و يأسهم من آلقُدرة على تغيير ما هم فيه على أرض آلواقع من ذلّ و شقاء, فآلأسلام لم يأتي بذلك, فآلأشاعرة وقعوا في خطأ فاضحٍ عندما قالوا بآلجبر و تبرّؤا من آلأسم, و هذا بذاتهِ هدمٌ للشّرعيّة و ربّما كان آلسّبب ألأساسيّ ألذي دعا آلأشاعرة إلى إتّخاذ ألموقف ألوسط بين آلقدريّة و آلجبريّة؛ هو تفسيرهم ألخاطئ لبعض آلآيات القرآنيّة, و بآلمقابل جاء ألأختيار, و هي غير مقبولة أيضاً, كتطرف مقابل التفريط الأول, فآلأمر ألصحيح هو : أمرٌ بين آلأمرين في مدرسة أهل البيت(ع) التي حوربت من قبل جميع الأفراطيين و آلمفرطين.
إن سلب الأرادة ألأنسانية و إرجاء كل شيئ إلى آلله تعالى يعني هدم فكرة ألعلم و آلكدح و آلسّعي نحو آلبناء آلحضاريّ و آلتّقدم ألعلميّ ألّذي يهدف إلى كشف نواميس ألطبيعة, إذا كان آلمرء يعتقد أنّ كلّ حادثٍ يُمكن أن ينتهي في أيّة لحظة أو ينقص بعكسه؛ فلماذا يتعبُ نفسهُ و يُلاحظ ألحوادث ما دام أمرها بيد غيرنا لنستنبط منها قوانين إطراديّة و خارقة للعادة مثل أبطال (الف ليلة و ليلة) ألذين يجوبون آلأقطار في رمشة عين؟
يُمسون فقراءَ و يصبحون أغنياءَ أو آلعكس؛ إذا كان كل شيئ متوقعاً في اية لحظة؛ فلا شيئ مضمون و أبدي, و لا بدّ من آلأتكال ألتام على ألغيب و إرجاء كافة آلأمور لله ليتحقق كامل الأيمان!
إنّ هذه آلمؤآخذة تُبطل بحقّ ألعزائم و تُسفّه آيات ألقرآن و حقيقة ألفكر الأسلاميّ و مبدء آلجّنة و آلنّار و آلثواب و آلعقاب, و آلمسلمون عليهم درأ و تجاوز هذه ألمحنة, و هي تهمة لا يُمكنني نفيهُ, بل أوافق آلخصم عليه لأنّ آلتوكل هي فلسفة الحياة عند عامة المسلمين, و إن آلخوارق كأحداثٍ عاديّة؛ هدمٌ لفكرة ألعلم ألحديث(7).
و قد يأتي هذا آلأشكال متناغماً مع أصول ألدّين ألمسيحيّ ألذي ودّعهُ آلغرب إلى حيث لا رجعة منذ أحداث القرون الوسطى و ما رافقتها من تطورات إلى يومنا لتتحدّد وجودها ببقعة جغرافية في آلفاتيكان مساحتها لا تتجاوز 40 كم2, فإنطلقوا في أحكامهم على الأسلام متأثرين بذلك الواقع و مستغلين آراء المعتزلة و الأشاعرة لتدعيم موقفهم.
لم يبق أمامنا بعد هذا سوى رفض ألحلّ ألتّقليدي ألعرفيّ للمرجعيّات ألدّينيّة ألتي أماتت بنهجها حركة ألأمة و قَوّتْ بآلمقابل شوكة آلحاكمين ألظالمين, و كذلك مُخالفة ألمتكلمين ألأستسلاميّ و رفض ألتّوكل ألسّلبيّ و إنتظار آلخوارق لتحريرهم من آلبؤس و آلشّقاء و آلتّبعيّة, فآليوم و هذا آلوضع لا يُمكننا ردّ ألأشكاليّات بآلكلام ألمُجرّد أو آلعنف ألأعمى أو آلخُطب ألتقليديّة ألباليّة, علينا آلعمل على تسفيه منهج آلغرب, و من آلخطأ معارضتهُ في آلظاهر و إحقاق أقواله في آلواقع!
ليكن همّنا أنّ يُكذّب ألمستقبل حكم آلغرب, و ها هي الأشارات تلوح بنهجهم من خلال أخطاء كبيرة و عظيمة أحاطت بهم على آلصّعيد ألأجتماعيّ و آلأقتصاديّ و آلسّياسيّ و آلعسكريّ!
كما أنّ حاضر ألمُسلمين عبر آلدّولة ألأسلاميّة ألمُعاصرة يشهد لصحّة إشكاليّات آلغرب على آلشّرق بل و هزيمتهُ مؤخّراً حين وقفتْ و لأوّل مرّة تطلب من دولة ألأسلام ألصُّلح و آلسّلام حينما عبّر أوباما عن ذلك بعد إتصاله بآلسّيد روحاني رئيس آلجّمهوريّة ألأسلاميّة قُبيل مغادرته واشنطن بعد إنتهاء إجتماع الأمم المتحدة في بداية شهر أكتبر الماضي.
علينا إبراز ألهويّة الأسلاميّة ألحقيقيّة من خلال تأويل و تفعيل مبادئ ألقرآن ألكريم و إنسانيّة الأسلام و آلتقارب و آلألفة و آلتعارف و طلب ألعلم كفريضةٍ على كلّ مسلمٍ و مسلمةٍ, و كما أمرنا الله تعالى بذلك: [يا أيّها آلنّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكُم عند الله أتقاكم إنّ الله عليٌم خبيرٌ](8), و هذا دليلٌ على عالميّة ألنّظرة ألأسلاميّة و إنسانيّة ألأسلام و رفض ألدّكتاتورية و ألعنف و آلحروب و آلقتل ألذي دأب عليه ألغير و جعله في مقدمّة ألحلول لتسلطه و إستكباره على الناس, إن هذه ألمنهجية ألمجنونة و التي تعكس نوايا النزعة ألشّريرة لدى آلحاكمين أليوم و آلنّهج ألظالم للمرجعيات ألدينية المتخلفة لتمييع الناس لمصالحها الضيقة؛ قد أذلّتْ و ألمّت بكلّ ألبشرية رغم تطوّر ألزّمن و آلتكنولوجيا و آلتي كان يُفترض معها أن تكون حافزاً للسّلام و آلأمن و آلسّعادة, بدل آلشقاء و آلحروب و آلظلم و آلأستغلال, و هنا يُحتّمُ علينا آلمنطق ألشّرعي و آلأنسانيّ أنْ نبحث عن جذور ألمشكلة لوضع ألحلّ ألمناسب لها, و آلجذور تبدأ بآلتّفسير ألموضوعي للقرآن ألكريم عبر محور ألتوحيد و مناهج تأوليهُ, بجانب ألتّقيّد و آلتّعرف على ألمواصفات الحقيقيّة للمرجعيّة ألدينيّة ألتي يجب تقليدها وكما بيّن ملامحها آلأمام آلفيلسوف الصدر و طبقها الأمام الخميني(قدس) لإتّخاذها قيادةً في عملية ألبناء و آلسّعي لبناء مجتمعٍ أنسانيّ سعيدٍ خالٍ من آلظلم و آلأنانيّة و آلأستعباد للبشر و آلأحزاب و آلمنظمات و على رأسها ألمنظمة ألأقتصاديّة ألعالميّة.
و لا حول ولا قوّة إلّا بآلله ألعليّ آلعظيم.
عزيز الخزرجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بإستثناء ألبيان ألوحيد ألذي أصدره آلسّيد كوفي عنان ألرئيس ألأسبق للأمم ألمتحدة بشأن عدالة حكومة ألأمام عليّ (ع) عام 2002م, حيث دعا جميع حكومات ألعالم إلى آلتمسك بذلك النهج كأفضل حكومة عادلة في آلتأريخ!
(2) جاء مدح آلله تعالى و وعده في قرآنه ألمجيد لأهل فارس بكونهم هُم مَنْ سيحملون آلأسلام للعالم من جديد – نزل آلأسلام غريباً و سيعود غريباً فطوبى للغرباء - هذا من خلال عدّة آيات و عشرات ألأحاديث ألمُعتبرة, و أبرزها؛ آيتين عظيمتين عن مصادر إخواننا السُّنة و هما (صحيح ألبُخاري) و تفسير (إبن كثير) و غيرهما من كتب ألصّحاح- في معرض بيان تفسير آخر آية من سورة محمّد و ثالث آية من سورة ألجّمعة!
حيث أشار آلرّسول(ص) إلى قوم سلمان ألفارسيّ من خلال بيان و توضيح معنى و تفسير ألآيتين للصّحابة ألكرام ألّذين سألوه عن آلقوم ألذي سيأتي من بعدهم و يحملون رسالة الأسلام للعالم مُجدّداً من بعدهم للعالم .. فآلآية ألأولى جاءت في سورة ألجمعة رقم 3 حيث تقول: [ ... و آخرين منهم لما يلحقوا بهم و هو آلعزيز آلحكيم], و حين سأل الصحابة الرسول(ص) عن آلقوم الذين سيأتون من بعدهم و يحملون الأسلام من جديد و ينشرونه, لم يُجبهم إلّا بعد ما كرّر آلصحابة السؤآل ثلاثاً .. حيث قال(ص) : و هو يربتُ – أيّ يضرب بعناية - على كتف سلمان الفارسي؛ قومٌ من هذا .. و في رواية أخرى نقلها البخاري أيضاً و إبن كثير و غيرهم من مفسريّ ألسُّنة .. قال(ص): [رجلٌ من هذا و لو كان آلعلم في آلثريا لناله رجالٌ من هذا] .. في إشارة آلعلماء الأيرانيين و سعيهم لأمتلاك العلوم المختلفة بما فيها الذرية , و كذلك إشارة إلى ألأمام ألخميني (قدس) ألذي فجّر آلثورة ألأسلامية عام 1979م وشكّل أوّل دولة إسلاميّة عصريّة تُضاهي بعظمتها جميع دول العالم على كل صعيد.
في رواية أخرى : أورد آلبخاري في صحيحهُ في سورة ألجُّمعة – باب قوله: [و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم و هو آلعزيز آلحكيم]62 ألجمعة: 3.
4897 حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله- قال: حدّثني سليمان بن بلال بن ثور عن أبي الغيث- عن أبي هريرة(رض) قال:
كنّا جلوساً عند آلنّبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة ألجمعة؛ (و آخرين منهم لما يلحقوا بهم )ألجمعة:3- قال: قلتُ : من هم يا رسول الله؟
فلم يُراجعهُ- حتّى سأل ثلاثاً و كأنّ أمراً عظيماً قد حدث و فينا سلمان ألفارسي- وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثمّ قال: [لو كان آلأيمان عند آلثُريّا لنالهُ رجالٌ .. أو رجلٌ من هؤلاء] (ألحديث 4897) – طرفه في 4898.
4898 – حدّثنا عبد الله بن عبد ألوهّاب- حدّثنا عبد ألعزيز- أخبرني ثور عن أبي آلغيث- عن أبي هريرة- عن آلنبي صلى الله عليه و سلم: [ لَنالَهُ رجالٌ من هؤلاء].
أمّا آلآية ألثانيّة فقد وردتْ في آخر سورة محمّد (ص) بقوله: ( و إنْ تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) محمد/38. هذا أيضاً على لسان أحد مشايخكم ألكرام ألمنصفين عبر آلرابط أدناه:
را http://www.shabir.tv/archives/11386/comment-page-1#comment-71990بط
ألمصدر؛ صحيح ألبخاري- ألمُسمّى ألجّامع ألمُسند ألصّحيح ألمختصّ من أمور رسول الله صلى الله عليه و سلم و سنّته و أيّامه.
تأليف: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن برد ربه ألبخاري- ألجزء ألثالث؛ الأحاديث؛ 3949 – 5639.
مكتبة الوحدة ألعربيّة- ألدّار ألبيضاء – ألمغرب- ألطبعة ألأولى 1421هـ - 2000م-
هاتف: 305999 – 307659.
(3) راجع مذكرات "المسس بل" ألجاسوس البريطاني في العراق, كانت على شكل وثائق لا تزال موجودة في المكتبة البريطانية الملكية بلندن.
(4) كان لي صديق مبلغ, في أحد المراكز الأسلامية, و حين جاء مبلغ آخر لنفس ذلك المركز .. شعر بأنهُ ينافسه على مركزه فتمرّض و كاد يدخل المستشفى بسبب ظهور آلمبلغ الجديد, و لم يشفى من حالته إلا بعد سفر المبلغ من ذلك البلد, لكنه بقي يعاني من الكآبة بسبب تلك الواقعة, و هذا حال حتى المرجعيات الدينية حين ينافسهم أحد على المنصب لكونهم لم يدركوا حقيقة الأسلام و الرسالة الألهية للناس.
(5) للمزيد, راجع: مستقبلنا بين الدين و آلديمقراطية.
(6) نظرية نظرية ألمعتزلة و ألأشاعرة في آلجبر و التفويض في مؤلفنا: (أسفارٌ في أسرار ألوجود).
(7) لكي لا تختلط ألأمور على آلقارئ العزيز, نقول: بأنّ حقيقة آلأرادة في الوجود يتحكم بها ثلاث مصادر هي: الله تعالى ثم الشيطان ثم الأنسان نفسه ألمخير بين آلخير المتمثل بآلله و بين الشر المتمثل بآلشيطان, و ترتبط تلك الارادات الثلاث ببعضها, فلو إتحد الأنسان في حركته مع الله بتطبيق أحكامه كان التوفيق و الفلاح نصيبه, و لو إرتبطت إرادته بآلشيطان فإن خاسرٌ لا محال, و لو بقي بين هذا و ذاك فحاله متذبذب يوماً مع الحق و يوماً مع الباطل, هذا بإختصار بيان فلسفة آلجبر و التفويض
(8) ألحجرات / 13.
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟