|
حكم القانون في السياسة التعليمية بالمغرب
الحسين غروي
الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 22:13
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
من المفاهيم الدخيلة حديثا على مجال التربية والتكوين بالمغرب، والمستقاة من مجال تداولي خاص بالمقاولة، مفهوم الحكامة باعتباره أسلوبا جديدا في التدبير، وأداة لضبط وتوجيه وتسيير التوجهات الاستراتيجية الكبرى للمؤسسات، عبر آليات تتسم بالمرونة والحوار وتحديد المسؤوليات، وباعتباره كذلك، نهجا حديثا في إدارة المهام وتوزيع الأدوار داخل مؤسسات وهيئات التربية والتكوين، من خلال استراتيجية تدبيرية واضحة المعالم، تتأسس على تشجيع التشارك بين كافة المتدخلين في القطاع التعليمي، وحسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات، وتشجيع المبادرات، ودعم التواصل داخليا وخارجيا، وتأهيل المؤسسات للوصول إلى مستوى التنافسية الوطنية والدولية والاستجابة لمطالب الفئات المستفيدة من خدمة التربية والتكوين. ورغم ما لمصطلح الحكامة من هامش كبير في الخطابات العمومية، خلال العقدين الأخيرين، فقد بقي مفهومه ذو حمولة عامة، وفي مجال التربية والتعليم على الخصوص صعب الإدراك، باعتبار جدته على هذا المجال وتمحوره حول عناصر ومفاهيم فرعية مقتبسة من عوالم التدبير والتسيير المقاولاتي كالشفافية والمسؤولية والمشاركة والاشراك والمحاسبة وحكم القانون، في محاولة لتوضيح وتبسيط حمولة المفهوم، إلا أن كثرتها وغموضها الجزئي ولد على المستوى الكلي، تعقيدات لا يمكن اغفالها. من خلال هذه المقالة نحاول مناقشة مدى حضور مبدأ حكم القانون؛ كأحد تلك المفاهيم الفرعية؛ في سلوك الادارة التعليمية بالمغرب، وسننطلق من المراسلة رقم 490-3 (1) كنموذج لتوضيح الأمر. وقصدنا بحكم القانون عموما، هو الالتزام باحترام أحكام القانون، وإجبار المؤسسات العمومية [ومنها مؤسسات التربية والتكوين] بالالتزام بسمو القانون. فكل سلطة في الدولة عليها واجب العمل بالقانون ووفقاً له وهو ما من شأنه تقديم ضمانات ضد أنواع التعسف الرسمي، وعليها احترام القواعد والنظم والإجراءات الأساسية لحماية الفرد في مواجهة السلطة تمكينا له من التمتع بكرامته الإنسانية، بما يسمح للجميع بتدبير شؤونهم بقدر معقول من الثقة والكفيلة بمعرفة العواقب القانونية لأعمالهم المختلفة مسبقا. سنحاول في نقطة أولى الوقوف على مضمون المذكرة الوزارية المشار إليها، قبل التطرق لمدى احترام المراسلة لمقتضيات للمرجعيات القانونية التي تأسس لمهنة التربية والتعليم. أولا: مضمون المراسلة الخاصة بالزيارات الصفية 490-3 جاءت المراسلة رقم 490-3 الصادرة بتاريخ 17 يوليوز 2013 بشأن زيارات المؤسسات التعليمية من طرف هيآت التفتيش، "في اطار الأجرأة العملية لتوجهات وزارة التربية الوطنية بشأن تفعيل مهام وأدوار هيأة التفتيش، التي عرضت ونوقشت خلال اللقاءات التواصلية مع أعضاء الهيأة، وفي اطار سعي الوزارة الى رصد الواقع التربوي بالمؤسسات التعليمية، وتتبع العملية التربوية وتأطيرها داخل الفصول الدراسية (2)". وفي الجانب المتعلق بالزيارات الصفية، بما في ذلك تقرير التفتيش، حددت المذكرة، خمسة مجالات أساسية، لكل واحد مؤشرات تقيس مستوى تحققه أو احترامه من طرف الأستاذ، ومن خلال حصيلة معدلات المجالات الخمسة، يتم تقدير علامة التقرير. وجذير بالذكر أن الشبكة المقترح اعتمادها لتقييم الاداء داخل الفصول الدراسية، تميز بين: 1. الجوانب المرتبطة بمحيط التعلم: بما في ذلك ملاءمة فضاء التعلم، وتوفر التجهيزات الأساسية، واحترام الوقت المحدد لانطلاق الحصة التعليمية، وأخيرا توفر الوثائق المؤطرة لتدريس المادة : ( التوجيهات التربوية والمذكرات والأطر المرجعية... ) 2. الكفايات الشخصية للأستاذ 3. الكفايات المهنية للأستاذ 4. الجوانب المرتبطة بالمحتوى التعليمي 5. الجوانب المرتبطة بالمتعلم وبالتفاعلات الصفية يمكن القول أن المذكرة من خلال المجالات المذكورة تسعى تحقيق مبدأين أساسين؛ بحيث يرتبط أولهما بمبدأ الشمولية عن طريق تغطية كل الجوانب والشروط المتدخلة في الفعل التربوي داخل الفصل، والكفيلة بتحقيق جودة التعلمات، ابتداء من مراقبة المثلث التعليمي [المؤهلات الشخصية والمهنية للأستاذ ومستوى المتعلم ثم جودة المحتوى التعليمي] والفضاء الذي يمارس فيه فعل التعلم، دون اغفال طبيعة التفاعلات داخل الفصل وهو جانب ذو مكانة متميزة باعتباره المجال حيث تتجسد القيم الاجتماعية الايجابية التي ترسخت في سلوك المتعلم، وخلاله تبرز الصورة الحقيقية المعبرة عن مستويات التحصيل الدراسي لدى جماعة القسم. أما الثاني فيتعلق بمبدأ الموضوعية، والهدف صبغ تقرير التفتيش بقدر كبير من الموضوعية اللازمة، وجعل نشاط هيئة التفتيش مقيدا أو لنقل يتخذ مسافة مقبولة وغير ذاتية تجاه هيئة التدريس. من حيث المنطلق والغايات، يمكن اعتبار المراسلة ذات أسس وتوجهات معقولة لأنها تحاول ضبط العملية التعليمية التعلمية في جميع أبعادها بشكل يسمح بتطويق كل المتغيرات المتحكمة في المردود التعليمي والوقوف على الجوانب التي تحول دون ذلك بكل موضوعية وحيادية، إلا أنه، ومن حيث المنهجية المتبعة لتحقيق غاياتها، فقد يطرح حولها سؤال الشرعية القانونية، فنتساءل: هل المجالات المراد تتبعها ومراقبتها وفق منطوق المراسلة، تدخل في نطاق الاختصاصات القانونية الموكولة لهيئة التفتيش أو لنقل، هل مسموح لهيئة التفتيش التربوي قانونا بمراقبة المجالات الواردة في المراسلة؟ وهل تدخل في اطار المهام التربوية لهيئة التدريس؟ بحثا عن جواب لهذا السؤال والمتعلق أصلا بمسألة اختصاص الهيئتين، نحيل القارئ للمرجعيات القانونية المنظمة لعملهما، ونخص بالذكر النظام الأساسي لرجال التعليم والمذكرة رقم 114 بشأن تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، ولدواع منهجية نكتفي بالبحث عن الرجعيات الخاصة بمستوى التعليم الابتدائي. ثانيا: هيئة التفتيش التربوي(3) والمراسلة الوزارية تتأسس مهام هيئة التفتيش التربوي على مرجعيات متعددة، أهمها النظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية والمذكرة الوزارية رقم 114، ويمكن من خلال المرجعيتين، الوقوف على مدى تطابق مضمون المراسلة الوزارية 490-3 والاختصاصات القانونية للهيئة. 1. مهام هيئة التفتيش التربوي في النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية (4) فيما يخص مهام هيئة التفتيش والمراقبة، نص النظام الأساسي، "على قيام المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي بالتأطير والإشراف والمراقبة التربوية لأساتذة التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم العمومي وللمكلفين بمهام التدريس والإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية. والمساهمة في البحث التربوي مع الهيئات المختصة وفي إعداد البرامج والمناهج (5) ". كما يعمل المفتشون التربويون للتعليم الابتدائي من الدرجة الممتازة، بالإضافة إلى المهام المنصوص عليها أعلاه، على مراقبة وتنسيق أعمال أطر التأطير والمراقبة التربوية بالتعليم الابتدائي على صعيد مؤسسات التعليم ومراكز التكوين. لا يهمنا بهذا الخصوص تلك المهمات الاضافية الموكولة للمندرجين في الدرجة الممتازة، بل سنكتفي بالمهمات المرتبطة بشكل وثيق بمضمون المراسلة موضوع المقال، ويتعلق الامر بمهمات : التأطير والاشراف والمراقبة التربوية وهي بذلك تشكل أساسا لاختصاصات هيئة التفتيش والمراقبة التربوية، ثلاث مهمات واضحة التحديد، لكنها عامة وتحتاج لمزيد من التفصيل، تفصيل يسمح بتدقيق ما المقصود بالتأطير والاشراف والمراقبة التربوية وأشكال تمظهراتها على المستوى العملي، وبمعرفة -بالضبط- ما المطلوب من الهيئة والحدود المرسومة لعملها. وتجاوز هذا التعميم لن يكون إلا من خلال نصوص قانونية بمرتبة أدنى من النظام الاساسي، والمشكلة أساسا من القرارات والمذكرات الوزارية، ذات المضمون التوضيحي لمقتضيات النظام الاساسي المذكور، وهي الكفيلة بتفادي اللبس والتعميم، وبضبط هامش التأويل وتوجيهه نحو قصد ومراد المشرع الاصلي. 2. مهام هيئة التفتيش التربوي من خلال المذكرة 114 في رحلة البحث عن قرارات أو مذكرات وزارية في هذا المجال، أي تدقيق اختصاصات هيئة التفتيش الواردة في النظام الاساسي، نتوقف عند المذكرة الوزارية رقم 114(6) ، من خلالها حاولت الوزارة تطوير وتفصيل المهمات الثلاث الواردة في النظام الاساسي. وقد ورد بالمذكرة، أن هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، تقوم بمهام التأطير والمراقبة والتتبع والتقويم والتنشيط التربوي وتنسيق الوحدات الدراسية، باعتبار هذه المهام من أدوات استكشاف واقع الصيرورة التعليمية، ومن وسائل توفير شروط تحسين الجودة بمؤسسات التعليم الابتدائي. وتحدد هذه المهام على النحو التالي: 1- التأطيـر التربـوي: بحيث تقوم هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي وفق مقتضيات المذكرة، بتأطير الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي، والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي؛ وكذا منشطات ومنشطي التربية غير النظامية ومحو الأمية؛ ثم المساهمة في تأطير المكلفين بمهام الإدارة التربوية والإشراف على بحوث الجدد منهم؛ والطلبة الأساتذة بمراكز التكوين والطلبة المفتشين المتدربين ميدانيا؛ وأطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية؛ 2- التنشيـط التربوي: بهذا الخصوص، تقوم هيئة التفتيش بالتعليم الابتدائي بتنشيط الدروس التطبيقية والندوات التربوية الهادفة إلى الرفع من أداء الأساتذة وتحسين مردوديتهم؛ وكذا البحوث الميدانية والأنشطة التربوية والاجتماعية والفنية الهادفة إلى ربط التعليم والتربية ببيئة التلميذات والتلاميذ (7) وحفزهـم على الانخراط في الحياة المدرسية؛ إضافة للبرامج المحلية الموجهة في إطار الدعم الدراسي والتربوي إلى تلميذات وتلاميذ المدرسة؛ 3- المراقبـة والتتبـع والتقويـم: لمهمة المراقبـة والتتبـع والتقويـم مكانة خاصة في هذا المقال لما لها من علاقة وثيقة بالمذكرة الوزارية موضوع المقال، فالزيارات الصفية التي تحاول المذكرة تنظيمها وضبطها تندرج في اطار هذه المهمة، ولأجل ذلك سنوليها مجالا متميزا مقارنة بالمهمتين الاخريين. فحسب المذكرة 114 فإن هيئة التفتيش للتعليم الابتدائي تقوم بتتبع ومراقبة وتقويم عمل الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي؛ وأطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية؛ ومنشطات ومنشطي التربية غير النظامية؛ والسهر على تنفيذ البرامج والمناهج الدراسية واستعمال الكتب المدرسية؛ والمشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية الابتدائية؛ ومتابعة عمليات الدخول المدرسي ومراقبة جداول الحصص الخاصة بالأساتذة وفق التوجيهات الرسمية في الموضوع؛ والسهر على سير إيقاعات التعلم. لن نهتم بمدى احترام المذكرة لمقتضيات النظام الاساسي لموظفي التعليم، حينما تتحدث عن التأطير والمراقبة والتنشيط، في الوقت الذي تحدث فيه النظام الاساسي عن التأطير والاشراف والمراقبة، لكننا بالمقابل سنركز على مدى جدية المذكرة في الاجابة عن تساؤلنا المطروح حول عمومية مصطلحات التأطير والاشراف والمراقبة، وإلى أي حد نجحت في توضيحها وتدقيقها بشكل يجعلنا نحسم للوهلة الأولى في وجود توافق أو تعارض بين اختصاصات هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي والمجالات التي تطالها الزيارات الصفية الواردة في المراسلة رقم 490-3 محور المقالة، فنتبين؛ صراحة أو ضمنيا؛ أن تقويم الجوانب المرتبطة بمحيط التعلم والكفايات الشخصية والمهنية للأستاذ وكذا الجوانب المرتبطة بالمحتوى التعليمي والجوانب المرتبطة بالمتعلم وبالتفاعلات الصفية، تبعا للمذكرة 114، يدخل ضمن اختصاصات هيئة التفتيش. قد نجد اجابة ضمنية؛ ولو أنها قد تكون متعسفة؛ في المهمات الخاصة بتقويم الكفايات الشخصية والمهنية للأستاذ أو تقويم ما يرتبط بالمحتوى التعليمي، لكنه سيكون من الصعب ايجاد مبرر للمجال الخاص بتقويم محيط التعلم، فالاختصاصات المخولة للهيئة في مجال المراقبة التربوية كما حددتها المذكرة تتجلى في مراقبة عمل الاساتذة، وجداول حصصهم، ومتابعة الدخول المدرسي والسهر على تنفيذ البرامج والمناهج، ففي أي العمليات الاربع، يمكن ادراج الجانب المتعلق بمحيط التعلم خصوصا ما يتعلق بالتجهيزات المؤثثة لفضاء التعلم؟ اشكالية ثانية تواجه مبدأ حكم القانون في النصف الثاني من المراسلة، والمتعلقة ببطاقة الزيارات الخاصة بالمؤسسات التعليمية. فالمذكرة 114 لا تعطي الاختصاص لهيئة التفتيش والمراقبة التربوية بمراقبة عمل مديري المؤسسات التعليمية، وإذا قيل أن المدير يحتفظ بإطاره الاصلي كأستاذ، ويخضع تبعا لذلك، للمراقبة نفسها التي يخضع لها بقية الأساتذة، عاد بنا الحديث الى مهمتي التربية والتعليم المنصوص عليهما في النظام الاساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، في حين أن المذكرة 490-3 لا تتحدث عن مراقبة المدير بصفته أستاذا بل كمدير للمؤسسة التعليمية، وفق المجالات المراد تتبعها. فنصل وفق هذا التصور للنتيجة التالية : المراسلة 490-3 تعطي الحق لهيئة التفتيش بمراقبة مجالات لا تدخل في نطاق الاختصاصات الواردة سواء في النظام الأساسي لرجال التعليم أو المذكرة 114. ويبقى الان البحث عن إجابة ثانية تتعلق بعلاقة المراسلة بالواجبات التي يفرضها القانون على هيئة التدريس. ثالثا: مهام هيئة التدريس والمراسلة الوزارية 490-3 في النظام الاساسي السالف الذكر (8)، نجد أن هيئة التدريس؛ المكونة من أساتذة التعليم الابتدائي بمختلف الدرجات، تقوم بمهمة التربية والتدريس في مؤسسات التعليم الابتدائي، ويمكن تكليفهم بمهام الإدارة التربوية بهذه المؤسسات وبالتدريس بأقسام التعليم الأولي، كما يقومون بتصحيح الامتحانات التعليمية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية (9). وتحدد مدة التدريس الأسبوعية لأساتذة التعليم الابتدائي بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية. الملاحظ من خلال النص أن هيئة التدريس تقوم بمهمتين أساسيتين، هما التربية والتدريس، وسنحتاج حتما لمعرفة ما المقصود بالتربية؟ وما المقصود بالتدريس؟ ولا نقصد من خلال التساؤلين البحث عن مفهوم التربية كما بلورته نظريات التعلم، أو مفهوم التدريس كما اشتغلت عليه مدارس علوم التدريس، لكننا نقصد بالضبط، البحث عن تحديد دقيق لطبيعة العمل التي تدخل في نطاق الاختصاصات المخولة لهيئة التدريس، وما العمليات والاجراءات المطالب تنفيذها والتي من خلالها ستتم المحاسبة، فلا يستقيم تقييم اداء هيئة مهنية ما بناء على واجبات لا تدخل في نطاق اختصاصها. وكما فعلنا مع اختصاصات هيئة التفتيش بحثا عن تدقيق لمهماتها الثلاثة، نفعل الشيء ذاته مع هيئة التدريس. ففي القرارات أو المذكرات أو المقررات الوزارية، لا نجد توضيحا بهذا الخصوص، لتحتفظ مهمتي التربية والتدريس بطابعها العام والغامض. إذ لا ندري كيف يمكن تقويم جهد الاستاذ (ة) والقول أنه(ا) فعلا قام(ت) بفعلي التربية والتدريس؟ فالتربية والتدريس موضوعان اشكاليان في أصلهما ومن المستحيل ايجاد أجوبة موضوعية بهذا الشأن، على أساسها يمكن تقويم عمل الهيئة. عندما نسقط تلك العمومية على المراسلة موضوع المقال، يمكن ابداء ملاحظتين أساسيتين؛ الأولى ترتبط بمحيط التعلم الوارد في المجال الأول، فنقول: هل يمكن ادراجه ضمن واجبات هيئة التدريس او بتعبير النظام الأساسي في اطار مهام التربية والتدريس؟ قد تكون الإجابة بالنفي، لأن توفير و تهييء فضاء التعلم وتجهيزه وتزيينه هو من اختصاص الادارة، ولو كان الامر عكس ذلك، لكنا قد وجد في نظام التعويضات الخاصة بهيئة التدريس مخصصات لهذه الغاية، وفي الزمن المدرسي حيزا إضافيا مخصصا لهذا الشأن، فالغلاف الزمني المفروض على هيئة التدريس واضح وموجه للتعلمات المحددة بكل دقة. وأما الملاحظة الثانية فترتبط بالمؤشرات المقترحة في مجال تقويم الكفايات المهنية للأستاذ(ة)، حيث نجد المؤشر المشار إليه أولا: تخطيط التعلمات والتوفر على الوثائق التربوية: الجذاذة، دفتر النصوص... فنتساءل عن موقع الوثيقتين في مهمتي التربية والتدريس، فمن حيث المبدأ، قد تتم هاتان المهمتان دون الحاجة للوثيقتين، وتوفرهما ليس دليلا على القيام بالمهمتين، ومن حيث مرجعياتها القانونية، فإننا لا نجد لهما أصلا تعاقديا يؤدي عدم تواجدهما إلى تقصير أو عدم القيام بالواجبات المترتبة عن مهام التربية والدريس. لنصل للنتيجة الثانية، فنقول أن وزارة التربية الوطنية من خلال المراسلة 490-3 تضع على عاتق هيئة التدريس مهاما غير واردة؛ أو على الأقل غير واضحة؛ في العلاقة التعاقدية بينهما. وهو ما يعني أن كل تقرير تفتيش يتضمن مؤشرات من هذا القبيل قد يشوبه عيب من عيوب بطلان القرارات الادارية، لأنه سيستند في تقييمه على مجالات خارج اختصاص هيئتي التفتيش والتدريس. خلاصة: لا نقصد من خلال هذا البحث، تقديم انتقادات مجانية لوزارة التربية الوطنية، ولكننا نحاول، بكل تواضع، المساهمة في بناء مؤسسات عمومية تستند على مرجعيات قانونية صلبة، توضح لكل عنصر مسؤولياته ومجالات وحدود تدخلاته. فالمراسلة موضوع المقال، حتما ستثير نقاشات بل نزاعات بين الهيئتين، وتقارير التفتيش ستواجه بطعون أمام المحاكم المختصة باعتبارها قرارات ادارية تأثر في المركز القانوني للمتضررين، ومصالحهم المادية(10) ، وهو ما يستوجب خلوها من كل العيوب القمينة ببطلانها وفسادها، من خلال احترام الاركان والشروط الأساسية لصحة القرار الاداري، التي لا يجوز للإدارة مخالفتها وإلا عدت قراراتها مشوبة بعيوب قابلة للإبطال أو البطلان، خاصة وأن إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيآتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام، ملزمة بتعليل قراراتها الإدارية (11). وليس مبتغانا من هذه المقالة؛ اضافة الى رصد مبدأ حكم القانون في السياسة التعليمية بالمغرب؛ سوى الدفع باتجاه بلورة نصوص قانونية في شكل قرارات أو مذكرات أو حتى مراسلات وزارية تحدد من خلالها وبشكل دقيق مهام كل هيئة من الهيئات المنتمية للإدارة التعليمية، على غرار المراسلتين رقم 4664-3 ورقم 4665-3 الصادرتين بتاريخ 9 يوليوز 2013، الاولى بشأن تحديد مهام أستاذات وأساتذة مادة الإعلاميات العاملين بالأقسام التحضيرية للمدارس العليا، والثانية بشأن تحديد مهام أستاذات وأساتذة مادة اللغة الإنجليزية العاملين بنفس الأقسام.
(1) وزارة التربية الوطنية، المراسلة رقم 490-3 الصادرة بتاريخ 17 يوليوز 2013 بشأن زيارات المؤسسات التعليمية (2) السياق نفسه المشار إليه في المراسلة الوزارية 490-3 (3) رغم تحفظنا على هذ التسمية وتفضيل تسمية هيئة التأطير والمراقبة التربوية، فسيتم الاحتفاظ بها على طول المقالة باعتبارها التسمية الواردة في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطني، المادة 3. (4) مرسوم رقم 2.02.854 صادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003)، بشأن النظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. [أنظر وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الكتابة العامة، مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، 2007] (5) النظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، المادة 4 (6) وزارة التربية الوطنية، المذكرة الوزارية رقم 114 الصادرة بتاريخ21 شتنبر 2004 بشأن تنظيم عمل هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي (7) مصطلح التلميذ مرتبط بمنظور المقاربات التعليمية التقليدية، التي ترى فيه ذلك المتلقي السلبي والكائن غير المساهم في بناء تعلماته، في مقابل النظرة الحديثة التي تفضل تسمية: المتعلمات والمتعلمين باعتبارهم فاعلين وأرباب التحصيل داخل القسم. (8) النظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، مرجع سابق، المادة 15 (9) نفسه، المادة 15 (10) اعطاء نقطة تقل عن 5، مثلا يؤدي بشكل آلي إلى عرض الاستاذ على أنظار المجلس التأديبي، وخلاله يمكن اتخاذ اجراءات تأديبية تأثر في المركز القانوني للمستهدف أو المساس بمصالحه المادية.، ومن ثمة يمكن اعتبار تقرير التفتيش بمثابة قرار اداري. (11) ظهير شريف رقم 1.02.202 صادر في 12 من جمادى الأولى [ 1423يونيو2002] بتنفيذ القانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، المادة 1، جريدة رسمية عدد 5029 (12 غشت 2002) .
#الحسين_غروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكم القانون في السياسة التعليمية بالمغرب
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|