بأمر الواقع، السيسي رئيساً.

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 20:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ثمة جدل متواتر الآن في كل مكان من مصر حول من يكون الرئيس القادم. هل يكون وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح السيسي منفذ التدخل، أو، كما يسميه الإخوان، الانقلاب، العسكري الحاسم المحاط بتأييد شعبي كاسح، والذي أدى إلى عزل الرئيس الإخواني القادم ديمقراطياً من الصندوق د . محمد مرسي وإعادة بدء العملية السياسية كلها من الصفر تقريبا؟ هل يكون مرشح الرئاسة السابق صاحب الموقع الثاني، الهارب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، الفريق طيار ورئيس وزراء مصر السابق، د. أحمد شفيق ؟ هل يكون صاحب الترتيب الثالث، زعيم التيار الشعبي ذو الميول الناصرية، حمدين صباحي؛ أو الرابع، الإخواني المنشق، عبد المنعم أبو الفتوح؛ أو الخامس، وزير الخارجية وأمين الجامعة العربية السابق ورئيس لجنة الخمسين الحالي عمرو موسى ؟ أو يكون شخصية بكر تماماً من غير هؤلاء ولم تظهر بعد، كما فاجأ الإخوان الجميع بمرشحهم الاحتياطي في آخر لحظة بعد أن كان نكرة وقصير القامة السياسية وسط نخبة نافذة ومخضرمة، وبقي هكذا حتى بعد فوزه بالكرسي الرئاسي؟!

من جهة أخرى، هذا الجدل المتزايد سخونة وتوتراً بمرور الأيام والاقتراب أكثر من فتح باب الترشيحات يتجاهل حقيقة واضحة كالشمس في وسط السماء: أن السيسي منذ إلقاء البيان الشهير بتعيين رئيس مؤقت وطرح خارطة مستقبل في 3 يوليو الماضي، قد أصبح بحكم الواقع هو الرئيس الفعلي لمصر. منذ ذلك الوقت، السيسي هو الرجل الأقوى سياسياً على الإطلاق في مصر كلها، الذي استطاع أن يطلق رصاصة الرحمة في رأس تجربة فاشلة ويهب الحياة لأخرى جديدة مؤمل لها النجاح. في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن لفظة ’الرئيس‘، بالمدلول اللغوي على الأقل، مشتقة من الكلمة "الرأس"، الذي هو العضو البيولوجي الأعلى والمتحكم ببقية أعضاء الجسم كله دون استثناء. في مسايرة لهذا التشبيه البيولوجي، حتى لو لم يكن السيسي هو "الرئيس" الرسمي حالياً، لا يزال لا يقبل التشكيك أن هو منذ لحظة إلقاء البيان، وحتى من قبلها، قد أصبح "الرأس" المخطط والقائد الأبرز والأقوى على الإطلاق وسط جميع الأعضاء الآخرين في الجسد السياسي المصري الثائر آنذاك ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن السيسي يبقى حتى الآن هو "الرأس" الضامن للعملية السياسية الجارية حالياً، بحيث إذا ما أطيح به لسبب أو لآخر قد تنهار الخارطة من أساسها أو ربما قد تتعثر إلى حد الشلل. على سبيل المثال، رغم قامته وقيمته الدولية المشهودة، عندما اختار د. محمد البرادعي أن ينسحب في لحظة حساسة وحاسمة جداً من عمر العملية الجديدة، اهتزت السفينة فعلاً، لكنها في النهاية لم تغرق ولم تتوقف عن السير وسط الأمواج والأنواء القاسية. في المقابل، وبالنظر إلى مكانة المؤسسة العسكرية من ورائه، الوضع مختلف تماماً مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي. في الحقيقة، ربما السيسي قد اختار من نفسه أن يخوض المغامرة ويخاطر بحياته شخصياً، سواء لخدمة مصالح الوطن حقاً أو لمصالح شخصية أو مؤسسية أضيق. وهذه، مهما كانت الأسباب، شجاعة تحسب له. في الوقت نفسه السيسي، خاصة بعد ما وقع من عنف وسفك دماء ومواجهات واعتقالات حتى الآن، ربما لم يعد يملك بعد رفاهية أن يختار الخروج سالماً، آمناً في هدوء، أو محصناً من الملاحقة القضائية كما يريد أن يضحك عليه، أو يلعب به، الإخوان. بعد أن تورط بنفسه في التخطيط لعملية العزل وقيادتها، ثم الوقوف بكل قواته من وراء العملية الجديدة الجارية حالياً وخوض حرب معلنة ضد الإرهاب، السيسي لم يعد يملك أن يغادر الحلبة- إلا قاتلاً أو مقتولاً.

في الواقع، السيسي هو الآن "الرأس" المسيطر الأبرز على الساحة السياسية. وطبقا لأبجديات العمل السياسي ولعبة توازن القوى، وكما حدث بالفعل قبل نحو عامين فقط مع سلفه المشير محمد حسين طنطاوي، أياً من كان سيأتي رئيساً لمصر بينما يستمر وجود السيسي في المشهد تحت أي مسمى سوف يضطر حتماً إلى التخلص من هذه الرأس، ولو بالبتر، ببساطة لأن الجسد السياسي السليم، أو أي جسد في العموم، لا يمكن أبداً أن يعيش أو يؤدي وظائفه الحيوية بفاعلية وهو برأسين تصدر منهما أوامر وإشارات متضاربة ومتناقضة أحياناً للأعضاء السفلية ذاتها. هكذا، عند لحظة ما سوف يجد السيسي نفسه حتماً واقع في مأزق حقيقي: لكي يحمي نفسه، لابد أن يستمر كما هو "رأس" الجسد السياسي المصري الجديد المتشكل حالياً، أو حتماً قد يفقد رأسه شخصياً- السياسي على الأقل إذا لم يكن السياسي والبدني معاً.

#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات