أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - خصائص العقل المصنوع















المزيد.....

خصائص العقل المصنوع


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 20:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


خصائص العقل المصنوع
ليس العقل المصنوع هو جوهر وجودي شيئي منفصل عن العقل الفطري بل هو الوجه الثاني لحقيقة العقل الإنساني,أنه المكتسب بالعلم والتجربة والنقل, العقل الذي يتحاور مع الوجود الكوني دون أن يستسلم له من أول وهلة,أنه الوجود العقلي الإنساني الذي يستظهر إنسانيته وأحقيته في تطويع المسخرات والموجودات الشيئية من خلال نظامه العملي القائم على الفحص والتقرير,عنده المعرفة وصول خارجي يعَمِلَ العقل على تأصيلها في البنية المعرفية الأساسية لتعبر عن خصوصية الذات المعرفية للإنسانية الفرد.
وبسبب هذه الأهمية القائمة للمسؤولية عند العقل ووفقا للنظام القيمي الشمولي يمكنه التواصل معهما حتى يربط وعينا بالعقل الكوني الكلي, وأهمية ارتباطه هذا بالوجود الكوني والوجود الشيئي من حولنا بما فيه القوانين الطبيعية واستحقاقاتها من حولنا وعبر ما نسميه الفيض العقلي الذي ينفي الحتمية الآلية الميكانيكية لظهورها العشوائي غير المرتبط بنظام الوجود.
إن العقل المصنوع عقل إيجابي بمعنى قدرته على صنع نفسه وتجديد فاعليته من خلال التوافق بين الفحص والتقرير لكل الماحوليات ويستجلبها عبر الفيض الذي هو والإيجابية سمتان من سمات وخصائصه المميزة,عند هذا العقل الوعي يمكن أن يكون متقدما عن إدراكه ومتقدما حتى على وجوده لأنه الفيض هنا يلعب دور المتنبئ به والذي يجر المدركات والمحسوسات نحوه بالشكل القادر على بلورة الوعي وإيجاد القواعد الأسية له.
هنا الفيض العقلي يعني ببساطة وجود وقائع في طريق الحدوث،مما يؤكد بان هناك مرشد لهذه الوقائع وهي مصممة قبل حدوثها،و يعني كذلك عبور الرؤيا نحو التتابع في مجرى الحوادث القادمة.الديالكتيك المنطقي للعقل يربط الأحداث بقوانينها الموضوعية ليؤكد وجودها وقابلية قيامها في المستقبل وهنا تظهر إيجابية العقل المصنوع بصورة جلية،غير أن هذه القوانين لا تنطبق أليا على المستوى الشخصي والمعرفة ضمن نظام العقل وحده. بل ترتبط بنظام الفاعلية الوجودية للفرد ضمن وجود شيئي شمولي ووفق منحى لصيرورة فاعلة تعمل وفق متطلبات النشاط البشري.
الإيجابية التي نتحدث عنها هنا ليست بمعنى أن الميكانيكية الذاتية هي التي تتحكم بعمل العقل وتنشيط قوانينه العملية بل تعني أن كل ما ينتجه العقل المصنوع في هذه الحيثية لا ينفصل عن قيمة العقل الذاتية من قبول الفحص والتقرير لقبول التجربة وبدون هذه الإيجابية لا تبقي أي قيمة للتجربة والحس في صنع المعرفة وكشف الوعي بها وبه,أو كما قال الإمام علي عليه السلام(اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَة لاَ عَقْلَ رِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ) .
الإشارة إلى الرعاية تعني العمل الإيجابي التعقلي بينما الرواية تمثل الجانب السلبي من العملية التعقلية,هنا الواجب الإستفادة التامة من هذه الإيجابية لإدراك وفهم النقل والتجربة الحسية ليكون بمقدور العقل ومن خلال الفحص والتقرير أن يصنع معرفة بالتجربة ويكون بذلك قد أضاف قيمة بإتجاه الفهم الأفضل للواقع الحولي الطبيعي.
الفيض العقلي وجود حقيقي في مكونات وأسس العمل في العقل المصنوع ولا يمكن أن ينفصل عنه وبالمقدار الذي يفيض به العقل على القوى الحسية تأتي التجربة متناسبة معه باضطراد,وهنا تكمن قدرة العقل على الخلق الإيحائي والتصور المسبق الذي يضع الإفتراضات ويبرهن على صحتها بجدية مستمدا هذا الفيض من قواعد أسية منها ما هو فطري ذاتي في العقل المطبوع من خلال خاصية الصراع والتمرد ومن أساسيات الفعل الإيجابي الذي يسعى للكمال أو للفهم الكامل للحولية وهو نزوع عقلي أصلي في العقل المصنوع.
ومن الخصائص الفريدة للعقل المصنوع هو وقوعه في العبودية التي أحاط نفسه تحت أسوارها,ووقع رازحا تحت مدار تلك العبودية ليكون أسيرا للإحكام التي يؤمن بها أو يصنعها أو يشارك في صنعها فلا هو قادر على الخروج مما أمن به وتيقن منه ولا هو قادر أيضا أن يتجاوز هذه العبودية عكس العقل المطبوع الذي هو حر منذ الكينونة.
إن إيمان العقل المصنوع بما تعقله وتيقن به يجعل منه عاجزا أن يخرج عن هذه الموضوعية ولا يمكن إغفال أو تجاهل ما ألزم نفسه به وهنا يقع عبدا بمعنى أنه غير حر في توليد المعرفة وصنعها خارج إطارية المعرفة المتيقنة,فلا يسعه أن ينفلت إلى فضاءات أكثر تحررا إلا فيما يتصل بما أسميناه الفيض,وحتى في هذا الجانب فهو محكوم بالسلفية العقلية التي من سنخ ما أمن به.وهذه الإشكالية وإن كانت تضبط حركة العقل بضابط حسن إلا أنه معرقله من جهة أخرى لحركته نحو الإبداع المستحدث.
هذا هو الطريقُ طريق عبودية العقل المصنوع الذي نَخْلقُ به ونعيد خلق أنفسنا باستمرار,فنحن اليوم نتيجةَ تَفْكيرنا العقلي الماضيِ، ونحن سَنَكُونُ ما نحن نفكر به اليوم ونؤمن به عقلا،قانون العبودية يَجْلبُ إلينا لَيسَ فقط الأشياءَ التي يَجِبُ أَنْ نَحْبَّها،أَو الأشياء التي نَتمنّاها،أَو الأشياء الخاصة بشخص آخر،لَكنَّه يَجْلبُ لنا الأشياء التي خَلقنَاها بعملياتِ فكرِنا،سواء بوعينا أَو بشكل غير واعي.ولسوء الحظ،فإن العديد مِنّا يَخْلقونَ هذه الأشياءِ بشكل غير واعي نتيجة تلك العبودية ونتيجة التسليم بما تفرضه علينا يَقينيتنا بها.
صحيح أن العقل المصنوع عقل تجاوزي لما في العقل المطبوع ولكن الذي ليس صحيحا أن تجاوزيته هذه محكومة من جانب أخر بما يتوافق عليه الوجهان من مسلمات التي يعتبرها ثوابت ولا يمكن على أن يبرهن ضدها أو يبتكر البديل الحقيقي ما لم يدخل في تجربة أخرى تكشف عن جديد معرفي,قد يطيح بأسس الإيمان اليقيني وهذا الحال يستوجب على العقل المصنوع أن يكون تشكيكي في كل الخزين العقلي الثابت منه والمتحول.
ولكي يكون العقل تشكيكي لا بد أن يكون كل شيء فيه نسبي ومرحلي بمعنى أن قابل لأن ينقض في مرحلة ما أو في تجربة قادمة وهو ما نؤشره على أنه حقيقي عند أصحاب العقول الرافضة للتسليم بما هو واقع على أنه حقيقي دائما,وأن كل المسلمات ما هي إلا مقدمات لا تزال تقبل البرهان على إثباتها أو نفيها دوما.
هذه الثنائية بين العبودية العقلية والتشكيك بما هو واقع يدخل العقل المصنوع في صراع أخر غير الصراع الأول الذي يدور في عالم العقل المطبوع,أنه صراع من نوع أخر,صراع التجريد العقلي مع أسس العقل ونظامه العملي صراع يقود للإنفجار الذي يولد الهزة التي تقتلع العقل من واقعه الساكن إلى واقع ثوري لا يقبل إلا ما ينتج عنه من إكتشاف متطور وغير تقليدي للمعرفة مبني على أن لا حدود حقيقية للوجود لا حدود حقيقية للحقيقة,وأن كل شي في العقل ممكن أن يكون إلا ما هو عليه من واقع.
لقد تحرر العقل من إيجابيته ومن عبوديته بالثورة على تلك القيود وليس على الواقع أنها انتفاضة العقل ليسترد الإعتبار الواقعي له, فتجري الأمور وكأن معجزات تحصل بقيام الوعي الإنساني الطبيعي بتغيير قيم هذه الثوابت،فتحصل التغييرات في القواعد والمعطيات وبالتالي في وجودية العقل ذاته,فيضحى عقل أخر عقل قريب من العقل الكوني بمفهومه الروحي وليس بمفهومه المادي الذي يرتكز على كينونته الأولى المنبسطة على الأتساع والتطور بما يكسبه أو يضاف له وكما قال الإمام علي عليه السلام(كُلُّ وِعَاء يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءَ الْعِلْمِ،فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ),نعم أنه يتسع دوما وينفتح على أفاق جديدة تبدو معها المسلمات والبديهيات واليقينيات السالفة جزء من التراث جزء من مرحلة سابقة يجب أن يتجاوزها العقل نحو الأفق الجديد.
هذا يعني أن العقل المصنوع لو تجاوز عبوديته وأنخرط في صراعه معها سيصبح عقلا حداثيا عمليا قادرا على أن يقود حركة الوجود الشيئي نحو النظام القيمي الشمولي الحقيقي الذي تبتنى قواعده على تلك الكينونة الأولى الحقيقية لا تلك الكينونة التي يصنعها الواقع بما هو واقع,والتي صنعها وعينا العاجز أن يدرك مدى أبعد من ما أستحصل عليه من معارف محدودة هي في نفسها قابلة لأن تنقض في كل مرة.
هذه الحداثة العقلية هي التي نؤمن بها ليست لأنها مدرك عقلي فقط ولكنها عملية تجديد حقيقي لا ترفض الواقع لأنه نتاج الماضي فحسب ولأن فيه ما لا يمكن أن يقبل به الماديون من معرفة تتعلق بما هو خارج نطاقية القبول المبدئي للمقدمات بل لأن العقل أساس لا يمكنه أن يقبل بما هو خارج نتائج الصراع بين العبودية وتوقه للانقلاب على ما في الواقع من كيان معرفي لا يلبي القواعد التي تتسع مع التجربة العلمية المتطورة والمتجددة.
الحداثة العقلية نتاج الصراع هي أمتياز حقيقي وواقعي للعقل المتدبر العقل الذي يتوسع مع كل جديد على أساس توافق النتائج مع النظام القيمي الشمولي بما فيه ركني الغيب والإشهاد في عالم الحضور الوجودي الشيئي وما لم يثبت أنه غير حقيقي من عالم الغيب طالما أنه أي العقل المصنوع لم يدركه ولا يمكن أن يدركه إلا من خلال منطقية أن في وجودنا جانب خفي,جانب يمثل الجزء الغائب من الحقيقة,ليس بمعنى العدم ولكن بمعنى عدم المعرفة به,وهنا عدم المعرفة لا تنفي الوجود الشيئي أو اللا شيئي لذلك العالم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحلام دراسة في سيكولوجيا العقل
- مفهوم التصور والتخيل دراسة في المصطلح
- الاحلام دراسة في سيكولوجيا العقل ج1
- الاحلام دراسة في سيكولوجيا العقل ج2
- الوجود والغيب
- بين الساتر والمدفع
- الوردي والتنظير الأجتماعي
- لماذا ندعوا لدولة مدنية؟.
- دور الهوية المجتمعية
- الوردي وأشكالية الفهم الديني
- أوربا وصراع الأمم _ أهمية الصراع في تحريك القوة في المجتمع
- الوردي ونظرية المعرفة
- تناقض الشخصية العراقية أسباب وظواهر. ج1
- تناقض الشخصية العراقية أسباب وظواهر. ج2
- لماذا نكره النساء
- الإنسان الكوني وأشكالية الهوية
- مفهوم الجنون في علم السلوك
- أين نزرع الأشجار _قصة قصيرة
- الشعور والشعورية
- الذاكرة الشرقية والتجربة الغربية


المزيد.....




- برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع ...
- إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه ...
- ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
- مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
- العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال ...
- اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
- هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال ...
- ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
- مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد ...
- موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - خصائص العقل المصنوع