|
حكام السعودية والقضية الفلسطينية
نعيم الأشهب
الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 16:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تثار اليوم ضجة مفتعلة حول إعلان السعودية الامتناع عن إشغال دورها ، كعضو مؤقت في مجلس الأمن الدولي . وفي محاولته لتفسير ذلك ، زعم وزير الخارجية السعودي ، سعود الفيصل ، أن ذلك عائد لعجز مجلس الأمن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية السورية . لكن من الواضح أن هذا "الحرد" هو عبارة عن رسالة موجهة الى واشنطن تحديدا ؛ وهذا يتضح بجلاء مما أبلغه ، بعدئذ ، رئيس المخابرات السعودية ، الأمير بندر بن سلطان ، لمبعوثين أوروبيين - كما نقلت وسائل الإعلام - من أن المملكة ستجري تغييرا كبيرا في علاقتها مع الولايات المتحدة ، احتجاجا على عدم تحركها بشكل فعال فيما يخص الحرب في سورية ، ومبادراتها للتقارب مع ايران . وثم أضاف : أن واشنطن لم تتحرك بفعالية في الأزمة السورية وفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ، وتتقارب مع إيران . إن محاولة سعود الفيصل وبندر بن سلطان ربط أسباب الإنفعال و" الحرد" السعودي على واشنطن ، بالقضية الفلسطينية ، ولو بأوهى الخيوط ، هو رياء مبتذل الى أبعد الحدود . فإذا تغاضى المرء عن تذكير الأميرين اللذين يمسكان ، اليوم ، بمفاصل السلطة في السعودية،بالوثيقة المشينة ، بخط يد جدهما مؤسس النظام السعودي - عبد العزيز آل سعود - التي يؤيد ويبارك فيها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .. فالمرء يتساءل: أين كان حكام السعودية ، الذين يقحمون ، اليوم ، ذكرالقضية الفلسطينية رياءا .. حين استعملت الولايات المتحدة الفيتو أكثر من أربعين مرة ، في الدفاع عن جرائم اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني التي لم تنقطع يوما ، من قتل وتدمير واجتياح وتطويق وتجويع ومصادرة للأرض وبناء للمستوطنات واعتداء على المقدسات .. لماذا لم تثر " الغضبة المضرية" السعودية ولو مرة واحدة ، للاحتجاج على التغطية الأميركية لهذه الجرائم ، التي هي بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب المواثيق الدولية ، علما بأن الأمر لا يتوقف عند هذه التغطية ، بل يتجاوزها الى تزويد إسرائيل بأدوات الجريمة؟! لقد سئل سعود الفيصل نفسه ، ذات مرة ، لماذا لا تستعمل السعودية سلاح النفط الفعال ، للتأثير على الموقف الأميركي المتحدي والمتحيز بالكامل للعدوان والإحتلال الإسرائيلي ، فكان جوابه : " النفط للتنمية وليس للعقوبات "! عدا ذلك ، فهل لزيارة الامير بندر ، على رأس وفد من مسؤولي الأمن في البحرين ودولة الإمارات لإسرائيل - كما كشفت وسائل الإعلام - علاقة مهما كانت واهية وثانوية بالقضية الفلسطينية ، أم أنها جاءت في إطار التنسيق مع نتنياهو ، الذي كادت أشداقه تتمزق من مواصلة الصراخ لضرب إيران عسكريا؟! . أما عناوين هذا التنسيق فقد عبّر عنها الأمير تركي الفيصل ، في كلمته أمام المؤتمر الثاني والعشرين لمنظمة " مجلس العلاقات الأميركية - العربية"، إذ قال : إن " قضية المملكة العربية السعودية الأولى ، هي ضمان عدم امتلاك إيران للقنبلة النووية". لكن امتلاك إسرائيل الفعلي منذ عشرات السنين للسلاح النووي لم يقلق حكام السعودية ، بينما يفقدون الصواب اليوم لمجرد تخصيب إيران لليورانيوم للأغراض السلمية ؛ ويضيف تركي في الشأن الإيراني بأن العقوبات وحدها "لن تردع القيادة الإيرانية عن محاولة امتلاك أسلحة نووية " ؛ نفس العبارة التي دأب على ترديدها نتنياهو. أما حول سورية فيقول تركي : إن الرئيس أوباما تصرف حيال سورية بطريقة "تبعث على الأسى" ، وأضاف :أنه " لا بد من انتزاع السلطة من يد نظام الأسد وآلته القمعية". لكن من المفارقة في هذا الشأن أن تصادف مع هذه التصريحات صدور تقرير مستفيض لمنظمة العفو الدولية يسرد شيئا من السجل الوحشي للنظام السعودي الذي ما زال يقطع الرؤوس وأعضاء الجسد في الساحات العامة ، ناهيك عن عشرات ألوف المعتقلين بدون محاكمات أيا كانت ؛ وبينما يبذر هذا النظام عشرات المليارات على التآمر والفساد ، فإن قرابة نصف المجتمع السعودي يعيش تحت خط الفقر. وعلى كل حال ، فهذه الزيارة لإسرائيل ليست الإتصال الأول بين حكام الخليج ، وعلى رأسهم السعوديون ، وبين حكام إسرائيل الصهاينة ؛ بل كان هؤلاء عونا فعليا للصهاينة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى ، ولعل آخر الفصول في هذا التاريخ المشين كانت الضغوط التي مارسوها على القيادة الفلسطينية لإستئناف المفاوضات مع حكومة نتنياهو وفق شروط الأخير ، وإدخالهم في صلب " المبادرة العربية " الموافقة على إجراء تعديلات على الحدود حتى قبل بدء المفاوضات . لقد أثبت كل تاريخ القضية الفلسطينية أن حكام السعودية لم يكونوا يوما لا أشقاء ولا حتى حلفاء حقيقيين للشعب الفلسطيني ، ولا - بالمقابل - أعداء حقيقيين للصهونية ومشاريعها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني . بل كانوا أوفياء في سلوكهم هذا للقرابة الطبقية مع الصهيونية باعتبار هذه القرابة أقوى بما لا يقاس من القرابة القومية . وحين تعرضت حركة التحرر القومي العربية بزعامة عبد الناصر الى نكسة خطيرة في حزيران 1967، كان هذا عيدا حقيقيا لهم. إن موجة الجنون التي أصابت حكام السعودية وأفقدتهم الصواب مردها الإنعطافة ، التي بدت ملامحها، في تطور الأحداث في المنطقة ، في ضوء الفشل القاطع لإخضاع سورية ، رغم جميع الجهود التي بذلها تحالف القوى الإمبريالية والصهيونية والنظام العربي ، وبخاصة حكام السعودية وقطر. فصد المؤامرة العاتية لاغتيال سوريا ، وما يفتحه ذلك من آفاق التغيير والإصلاح الحقيقي فيها ، إستجابة لطموحات شعبها الأصيل ، تدق ناقوس الفناء والنهاية لأنظمة القرون الوسطى ، وهو ما يدركونه جيدا، وسبب فقدانهم لإعصابهم. اما واشنطن من جانبها، فإنها لم ولن تتردد ، في سبيل مصالحها، في التخلي عن أي نظام فقد القدرة على خدمة هذه المصالح . تخلّوا بالأمس عن حسني مبارك ، الذي لم يخرج عن إرادتهم طيلة ثلاثين عاما ، ثم نفضوا أيديهم من حركة الإخوان المسلمين خلال عام واحد ، حين ثبت عجزها عن السيطرة على الشارع المصري الثائر؛ كما لم يترددوا في تغيير القيادة القطرية ، بالأمس، التي فشلت في الملف السوري ، رغم أنها أنفقت من خزينتها أكثر من ملياري دولار في التآمر وتجنيد المرتزقة . وتتردد ، مؤخرا، الشائعات عن نيّة واشنطن تغيير القيادات في كل من السعودية ذاتها والبحرين . حينها ، لن يجد هؤلاء ملجأ للإفلات من هكذا مصير، كما رأيناه في حالات من سبقوهم الى هذه النهاية من الحكام الذين تساقطوا ، في الآونة الأخيرة ، في المنطقة .فهذا مصير محتوم لمن يرتهن نفسه لدى الأجنبي . أما القضية الفلسطينية ، فإنها ستكون من أوائل الرابحين من الإنعطف الجديد لتطور الأحداث في المنطقة ، بما في ذلك احتمالات التغيير في السعودية والخليج ، ولا سيما إذا عرفت القيادة الفلسطينية كيف تستفيد من التطور الإيجابي للأحداث في المنطقة والعالم .
#نعيم_الأشهب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بدأ الانعطاف التاريخي؟
-
الاسلام السياسي إلى أين؟
-
ماركس والتجربة السوفييتية (3-3)
-
اصرار على الركض وراء السراب
-
ماركس والتجربة السوفييتية (1)
-
ماركس التجربة السوفياتية ؟
-
لماذا تبديل الخيل الآن
-
محنة بعض المثقفين
-
تخبُّط المتآمرين المأزومين
-
رئاسة -النص كم- في مصر
-
مقدمة كراس بإسم - الحزب السياسي-
-
ملاحظات على الوضع السوري
-
ظاهرة ديون الدول المتقدمة
-
ثورة التغيير العربية والقضية الفلسطينية
-
ثورة التغيير التاريخية - واقع .. وتوقّعات -
-
طلائع فجر التغيير التاريخي في العالم العربي
-
-تمرد الطبقة الوسطى--تقييم ونقد
-
أحد مدلولات الهجوم على قافلة الحرية
-
كان الشيوعيون الأكثر التصاقا بالواقع
-
اشتداد المزاحمة والصراع بين القوى الاقليمية في المنطقة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|