نجم الدليمي
الحوار المتمدن-العدد: 1215 - 2005 / 6 / 1 - 07:09
المحور:
ملف - الماركسية وافق البديل الاشتراكي
(بمناسبة مرور 135 عاما على ميلاد لينين)
بقلم د. نجم الدليمي
خطة البحث
أولا- مآثر لينين
ثانيا- لا اشتراكية بدون ديمقراطية
ثالثا- لا حزب ثوري بدون وحدة فكرية ثورية
رابعا- وصايا لينين
خامسا- وحدة الحزب ضرورة ملحة
لينين والحزب
"في السياسة لا يوجد فرق بين الخيانة بسبب الغباء أو الخيانة بشكل متعمد ومحسوب".
لينين
أولا, مآثر لينين
ولد فلاديمير أيليتش لينين في 22 نيسان في مدينة أوليانوفسك حاليا من عائلة مثقفة. وكان والده مدرسا لمادة الرياضيات والفيزياء, أما والدته فكانت معلمة. وكان لينين يجيد اللغتين الفرنسية والألمانية, وتعلم اللغات الإنكليزية والإيطالية والبولونية بدون معلم.
لقد أنجبت روسيا في 22/4/1870 لينين, المفكر والقائد الثوري للبروليتاريا العالمية, ولم يظهر, بعد وفاة ماركس وأنجلز, قائدا ومنظـرا للبروليتاريا العالمية مثل لينين الذي امتلك إرادة وعزيمة لا تقهر. وهو قائد تاريخي وصانع أعظم ثورة في تاريخ المجتمع البشري, ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمـى التي فتحت الطريق أمام المجتمع نحو الحرية والتقدم والاشتراكية.
جسد لينين في شخصيته الفذة أبرز سمات الثوري البروليتاري التي تمثلت في عقله الجبار والإرادة القوية التي تقهر كل شيء والحقد المقدس على العبودية والاضطهاد والاستغلال والحماسة الثورية الأصيلة والأممية الصادقة والإيمان غير المحدود بالجماهير.
أكد لينين أنه "يحق لنا أن نكون فخورين وسعداء لأننا أول من أطاح في نقطة من الكرة الأرضية هذا الوحش المفترس, الرأسمالية التي أغرقت الأرض في بحر من الدماء وقذفت بالإنسانية إلى أحضان المجاعة والهمجية". ومن مآثر لينين أنه قام بتحديد شروط نجاح الثورة الاشتراكية وبناء المجتمع الاشتراكي التي تمثلت في بناء حزب من طراز جديد, حزب ضم تحالف العمال والفلاحين, وتعزيز دوره الثوري في قيادة الطبقة العاملة ,وإقامة سلطة دكتاتورية البروليتاريا. كما قام لينين بدور المبدع والمطور, إذ حول النظرية الثورية إلى واقع ملموس, وتم تطبيقها على واقع وظروف روسيا, كما حدد سمات الوضع الثوري وسلح الطبقة العاملة والفلاحين ببرنامج ثوري ملموس, برنامج الانتقال من مرحلة البرجوازية- الديمقراطية إلى الثورة الاشتراكية بهدف بناء نظام اجتماعي- اقتصادي جديد لم يسبق أن تم بناؤه قبل حزب لينين العظيم. وهذا المجتمع الجديد, كما أشار لينين, يقوم على استيعاب كل "ما هو قيم في تطور الفكر والثقافة البشرية طوال أكثر من ألفي سنة".
لقد ناضل لينين, وبلا هوادة, ضد كل الاتجاهات التحريفية والانتهازية التي أرادت أن تحول حزب الطبقة العاملة إلى ناد للثرثرة السياسية. وأشار لينين إلى مسألة في غاية الأهمية, وهي أن التخلي عن الصراع الثوري يعني في الجوهر التخلي عن الماركسية.
ومن مآثر لينين العظمى أنه وضع ثلاث مهمات أمام الحزب البلشفي. المهمة الأولى هي السلام للشعوب, والمهمة الثانية هي المعامل والمصانع للعمال, والمهمة الثالثة هي الأرض للفلاحين والخبز للجياع. كما أكد طبقية المجتمع. ويعني ذلك وجود أيديولوجيتين, أيديولوجية البرجوازية وأيديولوجية الاشتراكية. ولا توجد أية أيديولوجية خارج الطبقات أو فوق الطبقات. ولذلك فإن أي انتقاص من الأيديولوجية الاشتراكية والابتعاد عنها أمر يعني بحد ذاته بمثابة تمكين للأيديولوجية البرجوازية وتوطيد لها. وأكد في الوقت نفسه أنه "يجب على حزب العمال ألا يكون زعيما في النضال التحرري فحسب, بل حزبا طبقيا". وأشار لينين أيضا إلى أن "المراوغة واللامبدئية في المسائل النظرية في المرحلة الثورية على وجه التحديد تعنيان الإفلاس الفكري التام".
ثانيا, لا اشتراكية بدون ديمقراطية
لا يمكن الفصل بين الاشتراكية والديمقراطية, فالاشتراكية هي التعبير الحي عن الديمقراطية الشعبية, إذ لا يمكن بناء المجتمع الاشتراكي بدون ديمقراطية حقيقية. وفي هذا الصدد أشار لينين إلى أن "الاشتراكية مستحيلة بدون الديمقراطية بمعنيين,وهما: أولا, لا يمكن للبروليتاريا أن تقوم بالثورة الاشتراكية إذا لم تستعد لها بالنضال في سبيل الديمقراطية, ثانيا, لا يمكن للاشتراكية المنتصرة أن تحتفظ بنصرها وتقود البشرية… بدون تحقيق الديمقراطية كاملة". وحذر لينين في الوقت نفسه من أنه "من الخطأ الفادح التفكير في أن النضال في سبيل الديمقراطية يمكن أن يلهي البروليتاريا عن الثورة الاشتراكية أو يحجبها ويضعها في الظل". وأكد أيضا أنه "ينبغي إجادة الجمع بين النضال في سبيل الديمقراطية والنضال في سبيل الثورة الاشتراكية مع إخضاع الأول للثاني,وفي هذا تكمن الصعوبة كلها".
لا يضع الشيوعيون الثورة والإصلاح على طرفي نقيض بالرغم من أن الثورة والإصلاح متعارضان, ولكن هذا التعارض ليس مطلقا. ولا يمكن للحد الفاصل بينهما أن يكون جامدا, بل هو حي ومتحرك ويتطلب تحديده في كل مرحلة , وفي كل حالة ملموسة.
حذر لينين من خطر البيروقراطية واعتبرها أحد أهم الخصوم والأعداء الشرسين للاشتراكية, فقد قال أن "البيروقراطية سمة برجوازية تماما سواء من حيث مصدرها المعاصر,أو من حيث غايتها". كما أن كارل ماركس أشار إلى خطر البيروقراطية حينما قال إنه "لا يمكن القضاء على البيروقراطية إلا إذا أصبحت المصلحة العامة مصلحة خاصة في الواقع" و"إذا أصبحت المصلحة الخاصة مصلحة عامة في الواقع".
الهدف الرئيسي للثورة الاشتراكية هو بناء مجتمع جديد خال من
الاستغلال والاضطهاد والعبودية, وخال من التناقضات التناحرية العدائية في المجتمع. ومن أولى مهمات المجتمع الاشتراكي أن يضمن للمواطنين الأمن والسلام والرخاء والحرية والعدالة, وأن يضمن أيضا للمواطنين كل حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والروحية.
وعملية بناء المجتمع الجديد عملية معقدة ومتناقضة وتستغرق مرحلة تاريخية طويلة. وقد أشار لينين في هذا الصدد إلى أنه "لا يجوز تصور الثورة الاشتراكية بشكل معركة واحدة على جبهة واحدة: الإمبريالية ضد الاشتراكية. هذه الثورة ستكون بمثابة عصر كامل من الصراع الطبقي المشتد", كما يمكن لهذه الثورة أن تواجه "مختلف الهزات الاجتماعية وطائفة كاملة من المعارك على مختلف الجبهات من مختلف أنواع التحولات الاقتصادية والسياسية المختمرة التي تتطلب تحطيما جذريا للعلاقات القديمة".
وأشار لينين إلى أن "بناء الاشتراكية يتطلب الاستخدام الكامل للعلم والتقنية… وسوف نلقى صعابا لا محالة, ففي كل مكان يوجد مخربون ومرتدون وأشرار, وإن الأغنياء والنصابين وجهان لعملة واحدة… إنهم الأعداء الرئيسيون للاشتراكية , ويجب فرض رقابة خاصة من جانب السكان جميعهم على هؤلاء الأعداء", لأن "الاشتراكية تطالب بأشد أنواع الرقابة صرامة من جانب المجتمع ومن جانب الدولة".
وكما أشير في المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي إلى أنه "… كما أن الديمقراطية الحقّة غير ممكنة بدون الاشتراكية, كذلك فإن الاشتراكية غير ممكنة بدون تطوير مستمر للديمقراطية". وما حدث في الاتحاد السوفييتي- روسيا, وخاصة منذ عام 1985 ولغاية اليوم, لا يمكن أن يدل على فشل النظرية الماركسية- اللينينية, ولا على الاشتراكية والثورة الاشتراكية. لم تمن الثورة الاشتراكية ومنجزاتها الكبرى بهزيمة مؤقتة عندما تمسكت بمبادئ الفكر الماركسي- اللينيني, بل عندما انحرفت عن هذا الفكر العلمي النير لهذا السبب أو ذاك. وقد نشأت البدايات الأولى لهذا الخطر الهدام منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي. وفي هذا الصدد أشار الرفيق أوليغ شينين رئيس مجلس اتحاد الأحزاب الشيوعية- الحزب الشيوعي السوفييتي في دورة المجلس المنعقدة بتاريخ 25/1/2003 إلى أن "الصهيونية كانت منذ البداية عدو الثورة, وعدو الشعب الخفي السري الذي لا يظهر نفسه علنا إلا في حالات نادرة جدا- سواء حينذاك أو الآن- ولهذا فهي خطرة جدا", وكذلك "لا يجوز أن نغفل تلك الأساليب التي اتبعتها ولا تزال تتبعها لتحقيق التوسع واكتساب المزيد من الرسوخ والمتانة والتي تتمثل في التغلغل خفية في جميع بنى المجتمع والدولة وزرع العملاء المباشرين ومن يسمون "عملاء النفوذ", و"تتمثل تلك الأساليب أيضا في إنشاء "طابور خامس"… من أجل إخضاع الشعب أيديولوجيا واقتصاديا…وهكذا, فإن الصهيونية هي أيديولوجيا البرجوازية اليهودية الكبرى وممارستها الفعلية. وأغلب الظن أن مراكز إدارتها هي ناديا "بيلديربيرغ" و"روما" وملتقى "دافوس" (وهي محافل ماسونية عالمية…), أما ممثلوها المحليون فيجري تجنيدهم عن طريق شراء الضمائر والإغراء بوظائف مريحة".
نعتقد أن العدو الرئيسي للثورة الاشتراكية يكمن في قوى الثالوث العالمي المتمثل في الماسونية والصهيونية والإمبريالية وحلفائها. وتستخدم الماسونية والصهيونية العالمية الإمبريالية الأميركية وحلفاءها كأدوات لتنفيذ مشروعهما العالمي الذي يهدف إلى تقويض الاشتراكية كنظام اقتصادي- اجتماعي وسياسي, وبالتالي بسط نفوذهما على العالم وقيادته ونهب ثرواته. ,كما نعتقد أنه لا بد من الإقرار بالمبادئ والأحكام الرئيسية للنظرية الماركسية- اللينينية المتمثلة في الآتي: لا اشتراكية علمية بدون ملكية اجتماعية لوسائل الإنتاج, ولا اشتراكية علمية بدون قيادة وسلطة الطبقة العاملة, ولا اشتراكية علمية بدون ديمقراطية شعبية.
ثالثا, لا حزب ثوريا بدون وحدة فكرية ثورية
يعتمد نجاح الحزب الماركسي- اللينيني في أداء رسالته التاريخية على وحدته الفكرية والتنظيمية, لأن الوحدة الفكرية لا تكفي وحدها لأداء الرسالة التاريخية للحزب الذي يسترشد بالنظرية الماركسية- اللينينية, إلا إذا كانت هذه الوحدة الفكرية قائمة ومعتمدة على وحدة تنظيمية سليمة وصحيحة.
وهدف الوحدة الفكرية هو ربط ومزج ومناقشة جميع الآراء التي تطرح داخل الحزب بشكل واع وديمقراطي وهادف, ولهذا علاقة مباشرة بجميع الأهداف, وخاصة الهدف الرئيسي, أي بناء المجتمع الاشتراكي. وكما يلاحظ أيضا, فإن الهدف الرئيسي الآخر للوحدة الفكرية للحزب هو جعل الحزب يضم الرفاق بشكل واع وطوعي في الفكر والتفكير.وإذا انعدمت الوحدة الفكرية لأعضاء الحزب, يصبح الحزب أشبه بحشد جماهيري يرغب في العمل والتحرك والنشاط, ولكنه لا يعرف إلى أين يسير, ولماذا. وقد أشار لينين في هذا الخصوص إلى أن التنظيم الثوري بلا فكر ثوري مجرد هراء يحول الطبقة العاملة إلى تابع وذيل تعيس لسلطة البرجوازية الحاكمة.
والانضباط في الحزب الماركسي- اللينيني يجب أن يقوم على الانضباط الواعي والهادف, وعلى وحدة العقيدة والهدف, وألا يقوم على أساس الإكراه أو المصلحة الخاصة. ويجب أن يكون الحزب مسؤولا عن كل عضو فيه, وأن يكون كل عضو في الحزب مسؤولا بدوره أمام الحزب. وإن وحدة الأعمال وحرية المناقشة وتوجيه النقد البناء والموضوعي والهادف وتعزيز الديمقراطية الحزبية الداخلية وتطوير مبدأ النقد والنقد الذاتي والمركزية الديمقراطية هي حقوق ومبادئ سليمة يجب أن يمارسها جميع أعضاء الحزب بغض النظر عن المركز الذي يشغله هذا الرفيق أو ذاك. وبهذا, إلى جانب أمور أخرى, يتم تدعيم وتعزيز الانضباط الحزبي وتعزيز وحدة الحزب فكريا وتنظيميا, ويتم تجنب ظاهرة الانقسام والانشطار في الحزب.
أكد لينين أهمية الصراع الفكري داخل الحزب واعتبره ظاهرة سليمة وصحية وصحيحة, لأن "الصراع بين التباينات الزهيدة في الحزب حتمي وضروري, طالما أن الصراع لا يؤدي إلى الفوضى وإلى الانشقاق, وطالما أن الصراع يجري في الأطر التي أقرها كل الرفاق وأعضاء الحزب معا". وفي الوقت نفسه طالب لينين بتوفير الظروف التي تصون وحدة الحزب من طغيان الحلقية والآراء والاستنتاجات المتسرعة الباطلة والدفاع العنيد عنها مما يؤدي إلى التشتت الفكري الكامل في الحلقات عن طريق "العملية الحرة للصراع الفكري". كما وقف لينين بحزم ومبدئية عالية ضد الذين يدعون إلى التشتت والفوضى تحت راية حرية المناقشة,وقد قال إن "كل امرئ حر بأن يكتب ويقول كل ما يطيب له دون أقل قيد وتحديد, ولكن كل اتحاد حر (بما في ذلك الحزب) هو حر كذلك بأن يطرد الأعضاء الذين يستغلون اسم الحزب لأجل ترويج آراء معادية للحزب… الحزب اتحاد طوعي يتفسخ حتما فكريا أول الأمر, ثم ماديا إذا لم يطهر صفوفه من الأعضاء الذين يروجون آراء معادية للحزب. ولتعيين الحدود بين الآراء الحزبية والآراء المعادية للحزب,يوجد برنامج الحزب, وتوجد قرارات الحزب ونظامه الداخلي".
تقوم الوحدة الفكرية والتنظيمية للحزب الماركسي- اللينيني على أساس الاسترشاد بالنظرية الماركسية- اللينينية, وكذلك على أساس برنامجه ونظامه الداخلي اللذين يعكسان الانحياز والانضباط والخط الطبقي الواضح والهادف والواعي. أكد لينين قائلا: "نحن نسير جماعة متراصة في طريق وعر وصعب متكاتفين بقوة يطوقنا الأعداء من كل الجهات, وينبغي لنا أن نسير على الدوام تقريبا ونحن عرضة لنيرانهم. لقد اتحدنا بملء إرادتنا, اتحدنا بغية مقارعة الأعداء بالذات, لا للوقوع في المستنقع المجاور الذي لامنا سكانه منذ البدء لأننا اتحدنا في جماعة على حدة وفضلنا طريق النضال على طريق المهادنة".
رابعا, وصايا لينين
ألقى ستالين خطابا في المؤتمر الثاني للسوفييتات بتاريخ 26/1/1924 بمناسبة وفاة لينين, وعدّد لأعضاء المؤتمر وصايا لينين المهمة عن الحزب, وهي:
1-غادرنا الرفيق لينين وأوصى بأن نحافظ ونتمسك بشكل كبير وعال بلقب عضو الحزب.
2-غادرنا الرفيق لينين وأوصى بأن نحافظ على الحزب كما نحافظ على قرة العين.
3-غادرنا الرفيق لينين وأوصى بأن نصون ونرسخ دكتاتورية البروليتاريا.
4-غادرنا الرفيق لينين وأوصى بأن نوطد ونعزز بكل قوانا وحدة العمال والفلاحين.
5-غادرنا لينين وأوصى بأن نوطد ونوسع الاتحاد بين الجمهوريات السوفييتية.
نعتقد أن هذه الوصايا المهمة تشكل اليوم نواة لبرنامج لينيني, ولكن لا يمكن تنفيذ هذه الوصايا وتحويلها إلى واقع ملموس إلا من خلال وجود حزب ماركسي- لينيني مسترشد بالنظرية العلمية وبدكتاتورية البروليتاريا وبالأممية البروليتارية. وفي هذا الصدد أشارت جريدة "البرافدا" بتاريخ 22/4/1995 إلى أنه "إذا كانت القوى اليسارية, والشيوعيون خاصة, يريدون الوصول إلى السلطة مرة أخرى, فعليهم بالضرورة التعلم من مدرسة لينين جيدا".
خامسا, وحدة الحزب ضرورة ملحة
واجهت الحركة الشيوعية العالمية ولا تزال تواجه عدوا شرسا متمثلا في قوى الثالوث العالمي وحلفائها, وهذه القوى تهيمن اليوم على حركة رأس المال العالمي, وعلى الشركات المتعددة الجنسيات, كما تهيمن على غالبية وسائل الإعلام العالمية وبكل أشكالها, وخاصة التلفزيون والفضائيات العالمية… كما تملك هذه القوى بشكل مباشر أو غير مباشر السلطة في غالبية الدول.
لقد أدركت قوى الثالوث العالمي أن خصمها الأيديولوجي رقم 1 هو الحركة الشيوعية العالمية, وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوفييتي الذي قاد دولة من أكبر دول العالم. وكانت الحركة الشيوعية العالمية تشكل عاملا معرقلا لتنفيذ المخطط الماسوني- الصهيوني العالمي. ولتنفيذ هذا المخطط الهدام, أدركت هذه القوى ضرورة استخدام مختلف الأساليب القذرة بهدف إضعاف وتخريب وتفتيت الحركة الشيوعية العالمية, ومنها زرع "الخلافات" الأيدلوجية بشكل مفتعل مما أدى إلى ظهور ما يسمى "الشيوعية الأوربية". كما افتعل الصراع بين الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين حول مشكلة الحدود إلى درجة وصلت معها إلى إعلان الحرب بين البلدين الاشتراكيين"؟!" وتدبير الانقلابات الفاشية في كثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بهدف توجيه ضربة كبرى للأحزاب الشيوعية التي كانت على أبواب استلام السلطة في بلدانها, وغير ذلك من الأساليب القذرة.تبين لقوى الثالوث العالمي أن هذه الأساليب وغيرها لم تكن فاعلة وجدية لتحقيق مشروعها الهدام , فبدون اختراق الحزب الشيوعي السوفييتي , وخاصة في قيادته وكوادره الرئيسيين لم يكن من الممكن تقويض عدوهم الأول, ألا وهو الحزب الشيوعي السوفييتي باعتباره حزبا يقود المجتمع والسلطة. وكان القضاء عليه يعني تحقيق الخطوة الأولى في تنفيذ هذا المشروع التخريبي. ومما يؤسف له أنها "نجحت" في ذلك عبر مشروع "البيريسترويكا" السيئ الصيت. ووجدت ضالتها لتنفيذ مشروعها الهدام في خونة الشعب والفكر من أمثال غورباتشوف وياكوفليف وشيفاردنادزه ويلتسين وبريماكوف وفولسكي وأرباتوف وميدفيدوف وكرافجوك وتشيرنوميردين ومن على شاكلتهم. وقد خلق غياب الاتحاد السوفييتي, هذا الزلزال الكبير, إرباكا فكريا وفوضى سياسية لدى غالبية الأحزاب الشيوعية, وخاصة في قياداتها وكوادرها, فقد واجهت معظم الأحزاب الشيوعية غير الحاكمة ظاهرة الانقسامات السياسية والفكرية والتنظيمية. وعلى سبيل المثال, يوجد في الاتحاد السوفييتي اليوم ما بين 35 و40 حزبا شيوعيا واشتراكيا؟! والأمر نفسه ينطبق على بلدان أوربا الشرقية والبلدان الأوربية, وخاصة إيطاليا وفرنسا. ولم تنج من هذا الزلزال الكبير الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية, حيث يوجد في غالبية هذه البلدان أكثر من حزب وفصيل شيوعي؟! ومن غير المعقول أن تكون هذه الأحزاب والفصائل جميعها أحزاب شيوعية حقا, وإلا فلماذا لم تتوحد في حزب شيوعي واحد؟ هذا في حين نرى اليوم ظاهرة الانشطار والتفتت جارية على قدم وساق, كما يقال. وكل ذلك يشكل ظاهرة خطرة جدا على مستقبل الحركة الشيوعية العالمية.
تبرز هذه الأسئلة المشروعة: ما هي القوى التي تقف وراء كل ذلك؟ ولمصلحة من؟ وما هي أسباب الانقسامات؟ وهل لا توجد اليوم حقا ظروف وضرورات للتوحيد؟!
نعتقد أن وحدة الأحزاب والفصائل الشيوعية في حزب واحد موحد في كل بلد أصبحت اليوم تشكل ضرورة ملحة وغير قابلة للتأجيل. وهنا لا بد من الرجوع إلى لينين في هذا الصدد. أكد قائلا: "يجب علينا, قبل أن نتحد, ولكي نتحد, أن نضع الحدود الفاصلة بصورة حازمة وقاطعة". كما حذر لينين من اللعب بكلمة "الوحدة", فقال إن "الوحدة عمل عظيم وشعار عظيم, ولكن القضية العمالية بحاجة إلى وحدة ماركسيين, لا إلى وحدة ماركسيين مع أعداء الماركسية ومشوهيها… لأن أساس الوحدة يكمن في الانضباط الطبقي, في الاعتراف بإرادة الأغلبية, في العمل الموحد داخل صفوف هذه الأغلبية المتفق مع مسيرها. وإلى هذه الوحدة, إلى هذا الانضباط, إلى هذا العمل الموحد سنظل ندعو جميع العمال بلا تعب ولا كلل".
نعتقد أنه لا بد لتوحيد الأحزاب أو الفصائل الشيوعية الحقيقية على صعيد كل بلد من اعتماد معايير مبدئية وحيدة المدلول وغير قابلة للتأويل, أهمها:
1-أن يسترشد الحزب الشيوعي الموحد في عمله ونشاطه بالنظرية الماركسية- اللينينية. فالماركسية خارج اللينينية لا تتجاوب ومصالح الشغيلة, وما فصل اللينينية عن الماركسية إلا نهج تحريفي وانتهازي مدان ألحق ويلحق الضرر الكبير بمصالح الطبقة العاملة وحلفائها.
2-الالتزام المبدئي بالهدف النهائي, إلا وهو بناء المجتمع الاشتراكي والشيوعي من خلال تثبيت ذلك في وثيقتيه الرئيسيتين: البرنامج والنظام الداخلي.
3-أن يؤمن بقيام سلطة دكتاتورية البروليتاريا(سلطة الطبقة العاملة) ويناضل من أجلها, وأن يلتزم بمبدأ الأممية البروليتارية.
4-أن يلتزم ويتمسك بالوحدة الفكرية والتنظيمية على أساس الفكر الماركسي- اللينيني.
5-أن يحافظ على هويته واستقلاليته الطبقية والأيدلوجية, وأن يكون حقا قائدا سياسيا للطبقة العاملة وطليعتها.
6-الالتزام المبدئي في محاربة التيارات الانتهازية والتحريفية داخل الحزب. وكما أكد لينين في هذا الخصوص, يجب أن يكون "كل نضال حزبنا موجها ضد الانتهازية, وهي ليست تيارا, وليست اتجاها, إنها, (أي الانتهازية) قد أصبحت الآن أداة منظمة للبرجوازية داخل الحركة العمالية".
7-الالتزام بالنضال الثابت والمبدئي ضد النظام الإمبريالي العالمي بقيادة الإمبريالية الأميركية الذي يهدف إلى إضعاف وتفتيت وتخريب الحركة الشيوعية العالمية وتقويض حركة التحرر الوطني للبلدان النامية.
8-الالتزام المبدئي والثابت بالدفاع عن الوطن وصيانة استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية.
9-الالتزام المبدئي بالتحالفات السياسية مع القوى السياسية الوطنية التي ترفض وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين, والنضال سوية من أجل إقامة نظام اجتماعي- اقتصادي عادل يضمن حق العمل والتعليم والعلاج والسكن المجاني… وضمان الديمقراطية في المجتمع.
10-العمل لاحترام العادات والتقاليد والشعور الوطني والقومي والديني مما يساعد على تعزيز دور ومكانة الحزب وسط المجتمع. وهذا الالتزام لا يتعارض مع مبادئ الحزب وقيمه الوطنية والأممية.
يمكن لهذه الثوابت المبدئية والوطنية أن تكون القاعدة المشتركة التي يمكن الاتفاق عليها بين الأحزاب أو الفصائل الشيوعية في كل بلد. وأي حزب أو فصيل شيوعي يرفض توحيد الحركة الشيوعية في بلاده في حزب شيوعي واحد موحد على أساس هذه الثوابت المبدئية والوطنية ويعمل لافتعال مبررات غير مبدئية ويفضل مصالحه وامتيازاته المادية الشخصية والحفاظ على مواقعه في السلطة مغلبا حساسيته المفرطة التي تحمل في الغالب طابعا شخصيا، غير مبدئي ويسعى باستمرار إلى "خصخصة" الحزب وتحويله إلى شبه ملكية خاصة, أي "ملكية طابو", فإنه بهذه المبررات غير المبدئية وهذا السلوك غير العقلاني سيكون عمله منصبا في خدمة أعداء الحزب والفكر الاشتراكي العلمي.
لا يمكن للحزب الشيوعي أن يكون حزبا لفرد أو عائلة أو مجموعة من "القياديين", بل هو حزب للطبقة العاملة والفلاحين يدافع عن مصالحهم. إنه حزب يدافع عن السيادة الوطنية واستقلال البلاد. والقيادة أو القيادات الشيوعية التي ترفض أو تتنكر لوحدة الحزب ضمن تلك الثوابت التي لا يمكن التخلي أو الابتعاد عنها تضع نفسها طوعا خارج الحزب وخارج صفوف الطبقة العاملة. وسوف يخدم موقف هذه القيادات وسلوكها المتعنت الخصم الأيديولوجي لحزب الطبقة العاملة وحلفائها. وهذه القيادات سوف تتحول من حيث الجوهر إلى قيادات لأحزاب اشتراكية ديمقراطية. وإلا كيف يفسر, على سبيل المثال, وجود ما يقارب 40 حزبا شيوعيا في الاتحاد السوفييتي اليوم. لقد فقد الشيوعيون السوفييت- الروس في عام 1991 دولتهم العظمى, الاتحاد السوفييتي. ويبدو أن الشيوعيين السوفييت- الروس لم يقوموا إلى اليوم ما حدث لهم من كارثة عظمى, ولم يدركوا حجم المخاطر والخسارة الكبرى لهذا الزلزال الرهيب؟!
نعتقد أن روسيا تواجه اليوم الزلزال الكبير نفسه الذي هز الاتحاد السوفييتي في الفترة من عام 1985 إلى عام 1991. وتتحمل قيادة الحزب الشيوعي الروسي المسؤولية الأولى عن انعدام وعرقلة وحدة الحركة الشيوعية في روسيا, وفي الاتحاد السوفيتي عموما.
ثمة احتمالان يواجهان, كما نعتقد, الحزب الشيوعي الروسي في حالة استمراره على النهج الحالي نفسه. الاحتمال الأول هو الانصهار في النظام الأوليغاركي الروسي الحاكم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. في هذه الحالة, يستخدم النظام البرجوازي الروسي الحزب الشيوعي الروسي "ديكور" و"شكل" لوجود "معارضة سياسية" لا تشكل أي خطر حقيقي على النظام الحاكم في موسكو. والاحتمال الثاني أن يبقى الحزب الشيوعي الروسي حزبا سياسيا غير فاعل في الساحة السياسية يعمل النظام الأوليغاركي الروسي على تفتيته من خلال الانقسامات المستمرة داخل الحزب. وقد أصبحت وحدة الحركة الشيوعية في روسيا اليوم ضرورة ملحة وغير قابلة للتأجيل, وهذه الوحدة تعني الحفاظ على وحدة روسيا سياسيا واقتصاديا وجغرافيا وعسكريا.
ليس وضع الحركة الشيوعية في البلدان العربية بأفضل من وضع الحركة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي. وعلى قادة وكوادر الأحزاب والفصائل الشيوعية أن يفكروا ولو مرة واحدة في الأسئلة المبدئية الآتية: لماذا هذه الانقسامات وهذه الشرذمة؟ ومن المسؤول عنها؟ وما هي القوى الخفية التي تقف باستمرار وراء تعميق و"تطوير" هذا الاتجاه الخطر؟ وما هي الأسباب الحقيقية لذلك؟ وهل استحالت معالجة هذه الأسباب؟ وهل القيادة والكوادر المتقدمة في هذه الأحزاب لا تدرك هذا الخطر الذي يهدد بزوال هذه الأحزاب من الساحة السياسية أو بشللها أصلا؟ وهل جرى كل هذا ويجري بفعل المصادفة؟ هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على قادة وكوادر الأحزاب الشيوعية المخلصة للتفكير والتذكير بها والعمل الجاد من اجل إيجاد الحلول المبدئية والجذرية لوحدة الحزب, وإلا…؟!
السياسة علم وفن ولا مجال ومكان للدراويش في الأحزاب الشيوعية , وخاصة في قياداتها. وفي هذا الصدد يجب علينا أن نتذكر وصية لينين العظيم بأن "الأحزاب الثورية التي فنيت حتى الآن, فنيت لأنها أصيبت بالغرور ولم تستطع أن ترى أين تكمن ق ووتها, وخافت من التحدث عن نقاط ضعفها. أما نحن فلن نفنى, لأننا لا نخاف التحدث عن نقاط ضعفنا وسنتعلم التغلب على نقاط الضعف". وأكد لينين أيضا أن "الإخلاص والنزاهة في السياسة ما هما إلا نتيجة للقوة, أما الرياء فهو نتيجة للضعف".
يجب على القادة المخلصين في الشيوعية العالمية ن يدركوا, وهم في بداية القرن الحادي والعشرين, حجم المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتقهم تجاه الطلقة العاملة وحلفائها, وتجاه مصير الشعوب, لأن الخصم الإيديولوجي المتمثل في النظام الإمبريالي العالمي المتوحش بقيادة الإمبريالية الأميركية المفرطة في وحشيتها لن يرحم أحدا, وسيعمل باستمرار لسحق وافتراس الشعوب وتقويض الأنظمة الوطنية والتقدمية تحت مبررات ما يسمى بمكافحة الإرهاب الدولي وتصفية أسلحة الدمار الشامل و"غياب الديمقراطية". ولا يستثني هذا النظام المتوحش حتى "حلفاءه" و"أصدقاءه", كما أن النظام الإمبريالي العالمي المفرط في "ديمقراطيته" يهدف إلى إضعاف وتخريب وتفتيت خصمه الأيديولوجي رقم 1, ألا وهو الحركة الشيوعية العالمية. من هنا ينبع الخطر على الأحزاب الشيوعية في العالم, ومن هنا ينبع الخطر الجدي على الشعوب الفقيرة في العالم.
المهمة الملحة والرئيسية اليوم أمام غالبية الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم هي العمل من أجل أن تتوحد الأحزاب الشيوعية في كل بلد في حزب شيوعي واحد وتعزز وحدتها ولحمتها الفكرية على الصعيدين الإقليمي والدولي, وأن تناضل في سبيل قيام جبهة شعبية وديمقراطية عريضة عالمية من أجل كبح وإفشال المخطط الوحشي للحكومة العالمية, وهذا يعني إفشال مخطط أدواتها المالية والاقتصادية والتجارية والعسكرية العالمية.
تعتبر وحدة الحركة الشيوعية في روسيا اليوم الضمانة الوحيدة لوحدة روسيا وإبعاد شبح تفككها وزوالها كما حدث للاتحاد السوفييتي عام 1991.وإن إبعاد شبح الحرب الشاملة وإعادة التوازن والاستقرار على الصعيد الدولي يعتمدان اليوم بالدرجة الأولى على عودة روسيا إلى طريقها الاشتراكي , ففي ظل الاشتراكية وحدها يمكن لروسيا أن تصبح دولة عظمى وتؤدي دورها الإنساني السلمي لصالح البشرية جمعاء. وإنجاز هذه المهمة الأيديولوجية والإنسانية يعتمد بالدرجة الأولى على وجود حزب شيوعي ثوري قولا وفعلا. وعلينا أن نتذكر قول لينين الذي أكد أنه "لا يوجد في السياسة فرق بين الخيانة بسبب الغباء والخيانة بشكل متعمد ومحسوب".
#نجم_الدليمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟