أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة















المزيد.....

العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1044 - 2004 / 12 / 11 - 05:46
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ثمة ارتياب شائع في ان للعراق القدرة على ان يحافظ على لقاء الأمة والدولة, هاتين اللحمتين في المعمار الحديث.
وتنبع الريبة من منابع شتى. فالعراق كيانات اثنية متفرقة, او جماعات دينية وثقافية محتربة, او هو دولة بلا أمة, او ان الدولة الحديثة في هذه الرقعة اصطناع خارجي.
سمعت هذه الأحكام عشرات المرات على مدى العامين المنصرمين لحظة أصبح العراق مركز السياسة العالمية في معظم المنتديات والورش الفكرية التي عقدتها أمهات الجامعات ومراكز البحوث.
اما ان العراق يضم اثنيات عدة فلا مراء في ذلك. واما انه ينطوي على جماعات دينية ومذهبية شتى فلا جديد في ذلك, واما انه دولة مصطنعة فأمر يتفق في فحواه المستشرقون والعروبيون سواء بسواء: الاولون ينكرون على الشرق اي جوهر عقلاني ونظام للاجتماع حديث, والآخرون يرون في الدولة الوطنية دولة قومية اي شظية من معمار عربي اكبر هو وحده الحق. فالقول بان الدولة مصطنعة خرافة فارغة. ذلك ان كل الدول مصطنعة فما من دولة حديثة ام تقليدية تنمو في حقول الطبيعة, وما الدولة القومية بعامة سوى تنظيم اجتماعي سياسي متغير. وهي في كل الاحوال اصطناع بشري من ألفه الى يائه. والدولة القومية الحديثة, مدار النقد والشكوى, هي ثمرة العصر الصناعي الذي ابتدع نظم اتصال مادي وثقافي اكثر ديمومة واشد كثافة, وعوامل لحم مركّبة.
ينسب منظّرو المذاهب القومية الى الأمة وجوداً فوق التاريخ بل قبله وبعده, لكأنها روح هائمة منذ الازل تبحث عن لحظة حلولها في جسد الدولة. وتجد الأمة تعريفاً عند المنظرين بعامة هو انها جماعة ذات ثقافة متجانسة موحدة. اما الثقافة (بالمعنى السياسي ـ السوسيولوجي طبعاً) فتتحدد إما باللغة او الدين او العرق, حسب المِعلم الفارق الذي يجعل الأمة امة حقاً: ألغوي هو او ديني او عرقي. والدول القومية في العالم اليوم تربأ بهذا التعريف ايضاً. خذ اليابان مثالاً: انها تنطوي على وحدة اللسان والدين (الشينتو) والعرق وبالتالي تجمع كل العناصر المؤلفة للأمة. وهناك في المقابل دول قومية لا تتوافر على اي من هذه العناصر, فلا وحدة لغوية او دينية او عرقية لديها, كحال الهند: عشرات اللغات والاديان والاعراق, ومع ذلك لا تقل النزعة القومية الهندية جبروتاً عن القومية اليابانية.
ان حضور اللغة الواحدة او التاريخ المشترك لا يكفي بحد ذاته لتنظيم دولة قومية أيا كان شكلها. وكثرة الحديث عن اللغة والتاريخ (ما أثر تاريخ من دون تدوين, اي لغة متطورة) توحي كأن الامم وجدت منذ بدء الخليقة وان الدولة القومية معيارها منذ الازل.
حقاً ان للغة تاريخها الموغل في القدم وهي تفترض وجود تنظيم اجتماعي ما يكفل الاتفاق على رموز كالاتصال الصوتي (الكلام) وعلامات التدوين (الابجدية), لكنها لا تشترط الا يكون هذا التنظيم قبيلة أو دولة ـ مدينة او امبراطورية مترامية. وهذا الافتراق بين اللغة وشكل التنظيم السياسي الاجتماعي حقيقة تاريخية.
وعلى اهمية اللغة في الكيانات الجديدة المسماة دولة قومية, تبدو اللغة كائناً ضعيفاً. فمثلاً هناك ثمانية آلاف جماعة لغوية في العالم محشورة في مئتي دولة لا غير. وهذا الزحام من الجماعات الاثنية ـ اللغوية او الأمم اللسانية, ينقض فكرة الدولة القومية النقية, اذا كان المقصود تجانس اللغة والاثنيات. والواقع ان القاعدة هي تعدد القوميات في الدولة, لا نقاؤها.
ويفيدنا مؤرخو القوميات ودارسوها (مثل اريك هوبزباوم, وسميث, وغيلنر وغيرهم) ان عدد ا لدول الأحادية القومية واللغة في عالم اليوم لا يزيد على عدد الاصابع. والكثرة من الدول القومية لم تكن لحظة نشوئها نقية بأي حال. فمثلاً, ان 40 في المئة من الطليان فقط كان يلهجون بالايطالية, واقل من ذلك بالالمانية والفرنسية في ايطاليا والمانيا القرن التاسع عشر وفرنسا القرن الثامن عشر. وكانت كلمة "أمة" غائبة عن المعاجم في القرن الثامن عشر, بل ما كان معناها سوى: اغراب او جاليات. ولا نجد العراق في ضوء ذلك استثناء فاتكاً بقاعدة راسخة, في تعدده اللغوي والديني, المذهبي او الثقافي. ولا نجد في توتر العلائق بين مكوّناته خرقاً لمألوف الاجتماع والسياسة في عالم اليوم, أو ان يكون خرقاً لقواعد العلائق السليمة بين الامة والدولة.
لقد نشأت الدولة القومية في العراق على غرار العشرات غيرها في عملية انفصال واتصال: الانفصال هو الانسلاخ عن الامبراطورية العثمانية المقدسة, والاتصال هو دمج مكونات معزولة, وموحّدة, في نظام جديد مركزي.
ورغم ان كثرة من المفكرين العروبيين في عالمنا العربي يزدرون بالدولة القومية باعتبارهاة قطرية ونتاج تجزئة, ازدراءهم بلطف الحركات القومية الوليدة الناهضة للاستقلال باعتبارها مجرد حركات استقلالية, فإن نشدان الاستقلال هو اول مِعلم على نشوء النزعة القومية. والنزعة القومية سواء كانت حركة اجتماعية ام فلسفة سيادة ام مجرد مشاعر عامة, تعمد اول ما تعمد الى تحديد معنى الأمة, وهو حصر للجماعة في حقل مشترك واقصاء كل الجماعات الاخرى عنه. وهذا الحصر مزدوج فهو اندماج واقصاء في آن. وقد فعل العراق ما فعلته الدول الامم الاخرى, في عصر الصناعة: انشاء نظم اتصال ثقافي حديثة (الجرائد, التعليم, الادب) ونسج هذا المجال الثقافي بشبكة اتصال مادي (طرق, سكك حديد, تبادل سلعي) وربط هذين المستويين بالادارة المركزية بما يضفي على الترابط ديمومة واستمراراً.
وبعض الدول بدأ حركة بناء الأمة من أسفل في المجال الثقافي والمادي, والعراق ليس منها, وهناك دول اخرى بدأت حركة بناء الأمة من علٍ, من الجهاز الاداري السياسي والعراق ينتمي الى هذه الفئة. ومشكلتنا هي ان بناء الامة عملية مختلفة عن بناء الدولة. فهذه الاخيرة تقتضي, مثلاً, اجهزة عنف مشروع (جيش وشرطة) ونظام قضاء واجهزة ادارية مركزية, ورقعة جغرافية محدودة (ذات اعتراف دولي), في حين ان بناء الامة يقتضي ارساء آليات مشاركة متوازنة: المشاركة الجمعية في الادارة السياسية للدولة, والمشاركة الاقتصادية (في الخيرات المادية والموارد) والمشاركة الثقافية (الاعتراف باللغات المحكية والمدوّنة واحترامها, واحترام حرية المعتقد وحمايتها) والمشاركة الادارية (في جهاز بيروقراطي كما في مؤسـسات العنف الشرعي). وبناء المشاركة المتوازنة هو الباب الموصل الى لقاء الامة والدولة, واختلال المشاركة يفتح الباب على مصراعيه للافتراق.
ان الفصام العراقي ليس قدراً مطبقاً, بل ثمرة سياسات مركزية احتكارية. ففي العهد الملكي اعتمدت الدولة طبقة ملاك الأراضي قاعدة اجتماعية وسنداً في مجتمع زراعي قبلي. وكانت هذه الطبقة كردية ـ عربية ـ آشورية تركمانية, وكانت شيعية ـ سنية, ومسلمة ـ مسيحية, توحدها مصلحة اقتصادية ـ سياسية متينة. ورغم ان هذه الطبقة باتت آفلة, فان تركيبتها الجامعة سمحت بارساء فكرة العراقية, اي الانتماء لكيان عراقي. فيما المعارك الاجتماعية ـ السياسية ضدها كانت ايضاً ذات طابع عراقي, فما كان الفلاح المعدم, الكردي او العربي, ليقارع الا على قاعدة اقتصادية. والعهد الملكي هذا أبدى كل الازدراء الممكن للطبقات الحديثة (الطبقة الوسطى وسواها) وعمل على اقصائها سياسياً. ومن هنا كان صعود العمل السياسي الايديولوجي في خمسينات وستينات القرن المنصرم.
وفي العهد الجمهوري فُتح الباب, حسب حنا بطاطو, لتحسين تمثيل الطبقات الوسطى الحديثة (على يد العسكر), غير ان الاضطراب اصاب آليات المشاركة الاثنية ـ الدينية. وفي عهد البعث اتى الاحتكار المطبق على الاثنين, فلا تمثيل للطبقات الحديثة ولا اندماج لمكونات الأمة.
وأمام العراق فرصة تصحيح هذا الخطأ المزدوج. ثمة خاسرون في هذا التعديل وثمة رابحون, والأجدى ان تكون عملية التعديل ذات رحابة انسانية, لئلا توغل في الندوب. ولعل العملية الدستورية المنتظرة, بعد الانتخابات, يمكن ان تفتح باب التصحيح, والويل لنا إن ضاعت هذه الفرصة.

2004/11/7



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
- مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما ...
- سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا ...
- مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك ...
- خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض ...
- -إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا ...
- بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ ...
- وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
- إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة