|
لكننا لم نعد اطفالا
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 27 - 04:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كنا صغارا و نريد أو نلح على اهالينا بطلب الخروج ليلا للتنزه او اللعب مع رفاقنا كان الأهل يلجأون الى طريقة عامة يسلكونها كي يسيطروا علينا و يجعلوننا نتمسك بالبيت او ربما نتمسك بهم و نندس( اقصد طبعا المعنى الاصلي لكلمة اندساس و ليس المصطلح السوري) في احضان امهاتنا.....هذه الحيلة هي دائما اخافتنا من الجنية التي تجلس خارج البيت و تأكل الاطفال هي جنية واحدة بمسميات مختلفة حسب المناطق و الشعوب...و هي قصة واحدة حول عمل هذه الجنية و طبيعتها و تتناسل التفاصيل عن هذه القصة الواحدة....و تتتابع الاحداث او الجرائم التي ارتكبتها هذه الجنية مع كل ليلة نطلب فيها الخروج ليلا...ليصبح لهذه الجنية تصور خاص في خيالنا عن شكلها و قصة حياتها و منشئها و حين نكبر و نصبح ناضجين نعلم ان قصص الجنية هذه مجرد اختراع امومي لجعلنا ننام باكرا.......و ان لا جنية و لا اولاد قد اكلتهم سابقا و ان كل مشاعرنا بالشفقة على هؤلاء الاولاد الذين جعلهم عنادهم و حظهم العاثر يقعون تحت انياب هذه الجنية لا وجود لهم سنوات كاملة امضيناها رعبا و شفقة و تخيلا نكتشف في لحظات البلوغ انها لم تكن لها وجود......لكنها حققت غرض امهاتنا في ابقاؤنا داخل المنزل و في احضانهم حفاظا علينا و هذا ربما ما يشفع لامهاتنا ان نغفر لهم كذبهم......فالام تريد لابنها ان ينام باكرا و يصحوا باكرا و ينمو نموا سليما وهذا بالضبط ما تقوم به حاليا الكثير من اجهزة مخابراتنا......جنية تقتل الابرياء و تقضي على الارواح.....لذلك علينا ان نتمسك بهم و ان نبقى في احضانهم و لا نخرج ابدا فالعالم دائما ليلا.....و لا نهار في شرقنا الفصامي هذا العالم دائما ليل.......و الجنية دائما تتربص بنا كي تقتلنا......اذن ابقوا في احضاننا كي تبقوا سالمين لكن الفرق بين حضن الام و حضن الدكتاتورية ان حضن الام ناعم و حنون اما حضن الدكتاتورية فمن شوك و عذاب و ان البديل عن الخروج ليلا في الطفولة كان حليب و غناء و قبل اما البديل عن خروجنا على الدكتاتورية فهو الذل و الفقر و العبودية هي نفس اللعبة...فهي غريزة واحدة و طريق واحد يسلكه الاثنان....لكن شتان بين الهدفين الدكتاتورية ليست أم و لا حتى زوجة اب....بل هي الثعلب الذي يريد أن يأكلنا.....و لا امان بالنوم في احضانها حتى لو كانت الجنية تقف خارجا وراء الباب حتى لو هجم علينا كل ضباع الارض و ثعالبها و افاعيها.....فلن تكون ابدا اقل ضررا من النوم على شوك الدكتاتورية الدكتاتور ليس الاب القائد....و الوطن في عهده لن يكون ابدا الحضن و الحنان اسألوا كم من المغتربين عن شرقنا هذا دب بهم الحنين لارضهم و ناسهم....فذاقوا الويلات منذ اللحظات الاولى لوصولهم المطار و قصة عبدالله خليفة ليست حالة نادرة في مطاراتنا السورية....لكنها الحالة الاكثر شهرة و ما يميز هذه اللعبة بالنسبة للعسكر هي سهولتها و سرعة تأثيرها و قلة تكلفتها كما كانت تماما بالنسبة لاهالينا و نحن صغار فكي تصنع الخوف لدى الشعب و تجبره على البقاء راضخا لا تحتاج أكثر من حدث صغير او حتى كبير تفتعله .....و من ثم جيش عرمرم من الاعلاميين و الكتاب الذين يضخمون هذا الحدث و يستخلصون منه النتائج التي يريدها النظام الحاكم او الذي يدفع لهم.....و من ثم اصطناع معركة وهمية مع اعداء فضفاضين تستطيع تعريفهم و تحديدهم كيفما تشاء لاحقا و هكذا تكنس كل من يقف في وجه السلطة.....و يصبح كل من ينتقد هذا التجييش عدو للامة و هذا الكلام له تطبيقات في كثير من الدول العربية فمصر لها السبق في اختراع هذا الاسلوب بدءا من جمال عبد الناصر و حتى السيسي فحادثة المنصة بالاسكندرية في خمسينات القرن العشرين لا تختلف عن تفجير كنيسة الاسكندرية في 2010 و لا تختلف عن العديد من الجرائم و بعض الاحداث التي تحصل هنا او هناك حاليا.... و عقب كل حدث يشمر جيش كامل من الاعلاميين و الكتاب عن سواعدهم ليشكلوا جوقة واحدة تردد اغنية الراعي الرسمي للحدث و هذا ما حدث ايضا في سوريا في فترات كثيرة من ظهور لجماعات ارهابية لا تخرج من وكرها الا في الاوقات العصيبة التي تصيب نظام الاسد......ليهدد بها النظام كل من يتطاول على الخروج من بيت طاعته في ليل نظام الطوارئ و لتعود هذه الجماعات الى اوكارها مرة اخرى عقب تجاوز الازمة و مراضاة القوى الدولية و ليظهر بعد عدة اشهر جميع اعضاء هذا التنظيم الذي قضى عليه النظام ببطولاته و ذكاء اجهزته......و لينتهي هذا التنظيم حتى اشعار اخر يكون عادة هي الازمة المقبلة ومن منا ينسى جند الشام و ما بثه النظام حولها اثناء الحملة الدولية ضده بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري......ثم ظهر جميع اعضاء هذا التنظيم على شاشاته عقب التفاهمات السورية الامريكية.....و اختفاء هذا التنظيم تماما بعد ذلك انها لعبة تافهة باتأكيد........و بالتأكيد ايضا لم تكن لتمر الا على الاطفال فقط.....لكننا نقبلها كما يقبلها الكثير من شعوبنا .....لان شعوبنا تفضل دوما حضن الدكتاتورية على الخروج في ليل البرد القاسي و مواجهة جنيات الديمقراطية و الحرية نحن لم نعد اطفالا......لكننا مجبرين على البقاء في عقلية الطفل كي ننجو من الضياع في غياهب السجون...او قطع التذاكر المباشرة لنا نحن خالقنا هذه هي اللعبة.....و لنكن صريحين مع انفسنا و نواجهها دون لف او دوران
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة الامام الصدر
-
الجنس في رواية ساق البامبو
-
الاسرائيليون و نحن........
-
بين معركة أحد و 25 يناير
-
المؤسسة العسكرية في سوريا؟؟؟
-
على الجسد السلام
-
حول ضعف الشخصية لدى المعارضة السورية
-
تحليل مخبري لطائفية الثورة في سوريا
-
فلسفة البوط العسكري في سوريا
-
السياسة السورية و البندول
-
يا عزيزي كلنا أقزام
-
اين الائتلاف الوطني؟؟
-
وداعا لليبرالية العربية
-
مؤيدي الاسد و الثورة في تركيا.......محاولة لمقاربة نفسية
-
من هؤلاء؟؟؟؟
-
اعلام نظام الاسد في ظل الثورة السورية
-
لا تظلموا جبهة النصرة
-
تصريحات رجل الدين الايراني مهدي طائب..........لماذا الان؟
-
الثورة السورية و الطب النفسي
-
بعض دلالات صفقة تبادل الاسرى في سوريا
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|