عامر الدلوي
الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 26 - 11:29
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
في سبتمبر من العام 2009 وجهت إذاعة ( دويتشه فيلله ) الألمانية مشكورة دعوة لـ ( 15 ) إعلاميا ً عراقيا ً لزيارة ألمانيا وقد شاء الحظ السعيد أن أكون أنا واحدا ً منهم , وكانت مدة الزيارة ( 15 ) يوماً أيضا ً بضمنها أيام السفر قضينا 10 منها في برلين والخمسة الباقية في بون .
لم يخطر ببالنا يومذاك السبب الرئيسي من وراء الزيارة إلا عند وصولنا هناك , حيث إفهمنا إن السبب هو مشاهدة و متابعة على الأرض لكيفية تعامل وسائل الإعلام مع الأنتخابات و حملاتها , نظمت لنا دورة صباحية في مقر الإذاعة في برلين حاضر فيها أساتذة أكفاء من أكاديمية ( دويتشه فيلله ) ومن جامعات ألمانية مختلفة , وبعد الخامسة مساء جولات حرة إلا برلين والتي شهدت زيارات متعدةة في الصباح والمساء لمواقع الحملات الإنتخابية والتي كانت أشهرها و أقواها تقريبا الإحتفالية الكبرى التي أقامها الحزب الأشتراكي الديمقراطي الألماني في بوابة براندنبرغ , والتي شهدت حضورا ً جماهيريا ً كثيفا ً صحبه الأستقبال الحافل لزعيم الحزب و كادر حملته الأنتخابية من رفاق حزبه و الفعاليات التي أختتمت بكلمته التي شرح فيها برنامج حزبه الأنتخابي والتي قوطعت عدة مرات بالتصفيق الحاد من قبل الحضور في دلالة على رضاهم عن البرنامج و ما كان يتحدث به , هذا كله كان قبل يوم الصمت الإعلامي , وبعد يومين شهدنا أروع الممارسات الأنتخابية في أحد مراكز التصويت , الذي أخذنا منه مباشرة بعد إغلاق الصناديق إلى مركز إعلان النتائج الذي شهد بدوره حضورا ً مكثفا ً لكل محطات التلفزة المحلية والعالمية التي مثلها مدرائها اللذين حظينا بشرف لقائهم في اليوم التالي بعد أن خصصوا لنا نصف ساعة من وقتهم لإزدحام جدول أعمالهم .. ولكن اللقاء أمتد ليصل قرابة الساعة و نصف وبطلب منهم شخصيا ً , لم تستغرق عملية إعلان النتائج أكثر من ساعتين , حيث كان الأمر قد قضي عند الثامنة والنصف .
أظهرت النتائج خسارة الحزب الإشتراكي الديمقراطي لما تقريبه 10,2 من مجموع أصواته الأنتخابية ( رغم ما شهدناه في تلك الإحتفالية عند بوابة براندنبرغ ) و التي ذهبت لصالح حزبي الخضر و دي لينكه ( اليسار الجديد ) في أقسى عقوبة يوجهها الناخبين لحزب نتيجة لتحالفه مع حزب المستشارة ميركل في الدورة السابقة التي لم يتحقق فيها أي شيء من الوعود التي قدمها الحزب في حملته الإنتخابية .
ما يهمني في كل هذا ... إنه في اليوم التالي للإنتخابات ظهرت الصحف الألمانية الرئيسة و هي تحمل صور السكرتير و القيادة الجديدة للحزب الإشتراكي الديمقراطي الأمر الذي شكل لي مفاجأة أستدعت البحث و التقصي من أصدقاء عراقيين مقيمين في المانيا , و من مرافقة ألمانية شابة تجيد التحدث بالأنكليزية والعربية , و التي أفهمتني بوضوح إن ثمة إتفاقات مسبقة بين قيادة كل حزب أثناء تبنيها لمشروعها الإنتخابي مع معارضيه تقضي بأنه في حالة النجاح فإن المعارضين سيعملون بكل جد على تنفيذ فقرات البرنامج يدا ً بيد مع القيادة , و في حالة الفشل على القيادة أن تترك مراكزها القيادية للمعارضين اللذين كانوا قد وزعوا الأدوار في المراكز القيادية مسبقا ً أيضا .
أتضح الأمر أمام ناظري و كأنه أروع تجسيد للديمقراطية التي تحكم الحياة الحزبية في بلد أوربي متقدم علينا في التجربة البرلمانية باشواط عديدة , وكذلك في تبادل أدوار المناصب الوزارية بين ممثلي الأحزاب في اليومين التاليين للإنتخابات حيث تشكلت الحكومة الجديدة من تحالف حزب ميركل مع الليبرالين الجدد .
لكن ما جعل الدنيا تظلم أمام ناظري , أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي و أنا المنسلخ حديثا ً عن العمل التنظيمي في حزب شيوعي أكاد أعتبره من أعرق الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي , لما يحمله من تاريخ وسفر نضالي قاد فيه نضالات شعبنا في أربيعينات القرن الماضي و مطلع الخمسينات ليسقط أسوأ معاهدة تبعية سياسية – إقتصادية لبريطانيا و أعني بذلك معاهدة بورتسموث من خلال وثبة الشعب الكبرى في كانون 1948 , ثمانية عشر عاما ً من النضال الدامي و المستمر أثمرت عن سقوط تلك المعاهدة و خروج الحزب الشيوعي العراقي أصلب عودا ً بعد إلقاء القبض على قياداته وكان ثمن هذا الإسقاط الإطاحة برؤوس القادة الأماجد فهد و صارم و حازم .
منذ المؤتمر الخامس والحزب يرفع شعار " الديمقراطية والتجديد " و منذ ذلك التاريخ و مسيرته من خيبة إلى أخرى مضافة لخيبة قيادته التاريخية ( عزيز محمد ) في التحالف مع حزب البعث في جبهة كارتونية , جنى ثمارها اللعين صدام , عندما ضحك على تلك القيادة بإدعائه التوجه نحو الماركسية وجعلها تحلم بالسعي سوية مع حزب البعث لا لإنجاز متطلبات الثورة الوطنية الديمقراطية فقط لا بل الهرولة نحو بناء الأشتراكية سوية .
ومنذ ذلك التاريخ والقيادة واللجنة المركزية لم تتزحزح من على كرسيها ضاربة أسوء الأمثلة على النهج الدكتاتوري في قيادة الحزب من مطب إلى آخر و من تعثر إلى أسوء منه , حتى بعد سقوط النظام الصدامي المجرم وعودة القيادة إلى بغداد تعاملت و بروح من التعالي والإستئثار الشديد بالسلطة مع جماهير الحزب التي تقاطرت على مقراته المفتوحة في بغداد , ليستمر هذا التعامل حتى إنعقاد المؤتمر الثامن الذي رسخت فيه سلطتها من خلال إقصاء كافة ممثلي منظمات الداخل من الترشيح لعضوية اللجنة المركزية عبر أساليب ملتوية تمرست على التعامل بها منذ 1985 .
ولعل أشهر هذه الأساليب هو ما سبق و أن أوضحته هنا في مقال سابق حول العلاقة بين حشع وحشك والتي ينظمها النظام الداخلي للحزب وفق مواده 14 و 17 والتي تنص في إحدى فقراتها على أن يكون ربع مندوبي المؤتمر من حشك والذين كانوا في المؤتمر الثامن 55 مندوبا لم يعط أحد منهم صوته لأي مرشح من مرشحي الداخل مضاف ً إليهم 21 عضو لجنة مركزية والضيوف الذين صوت المؤتمر على أعتبارهم مندوبين يحق لهم التصويت لتصبح هذه الكتلة التي بلغ قوامها 90 مندوب تقريبا ًعقبة كأداء أمام من تورط في ترشيح نفسه من منظمات الداخل للحصول على 106 صوت المطلوبة للفوز بعضوية اللجنة .
هذا الأمر الذي دفع بالبعض منهم للإنشقاق عن الحزب و إعلان أنفسهم ( كتلة تصحيح المسار ) التي قادها إلى الفشل أحد الرفاق الذي كان من خيرة المدافعين عن سياسة القيادة الفاشلة قبل إنشقاقه و كان يعمل بمستوى قيادة لجنة بغداد .
ما يثير الألم من خلال مقارنة مشاهداتنا في ألمانيا , و خلال الواقع الذي يعيشه الحزب الشيوعي العراقي في ظل هذه القيادة , إن حزبا ً إشتراكيا ً ديمقراطيا ً ينتمي إلى أممية الخيانة للمبادئ ( الأممية الثانية ) كما يصفها الغلاة من أدعياء الشيوعية , تسود حياته الداخلية أجواء الديمقراطية الحقة و الحية , بينما حزبا ً شيوعيا ً كتب مؤسسه كراسا ً كاملا ً ردا ً على رسالة أحد رفاق القاعدة الحزبية و عنونه ( حزب شيوعي لا أشتراكية ديمقراطية ) بإعتبارها صفة عار على الأحزاب اليسارية آنذاك , يعطي أسوء الأمثلة للديمقراطية في الحياة الداخلية منذ إعدام قيادته الفذة ( فهد وصارم و حازم ) عبر تمسك قيادته بمواقعها متذرعة بأن عمل الحزب كان سريا ً في معظم أوقاته الأمر الذي لا يتيح حرية عقد المؤتمرات بإنتظام الأمر الذي قد يساعد على تغيير المواقع القيادية في الحزب .
و ما يشق على النفس إن هذه القيادة الفاشلة بإمتياز لم تتخذ أي إجراء ضد رئيس و أعضاء لجنة الأنتخابات المركزية المشكلة من قبلها بعد الفشل الذريع الذي مني به الحزب في إنتخابات 2005 و2009 ولم تنتقد نفسها على هذا الفشل بقدر ما إنها ألقت باللوم كله على المنظمات كما يتضح ذلك من الرسالة الداخلية الموجهة لمنظمات الحزب و المتضمنة آنذاك 14 سؤالا كان على المنظمات أن تجيب عنها للوصول إلى معرفة أسباب الفشل , و كأن الفشل لم يكن مقترنا بنهجها التحالفي مع أياد علاوي , وعملها بعد نهاية الإنتخابات وبدء الدورة البرلمانية على الدفاع عن إتجاهات الحكومة و الوقوف في صفها بينما تبنت قائمة علاو ي في حينه مواقف متشددة ضد سياسة الحكومية , الأمر الذي قاد بعد ذلك إلى صدور بيان من قائمة علاوي وبشكل مهين ينص على عدم بقاء الحزب الشيوعي العراقي ضمن القائمة , و في 2009 ورغم معرفة هذه القيادة بالظرف الموضوعي المحيط بعملية الأنتخابات و المتمثل بسيطرة حزب الدعوة على المفوضية اللامستقلة للإنتخابات إلا أنها قررت أن تركب رأسها وتدخل هذه الإنتخابات على أساس القائمة المستقلة و خرجت منها بخفي حنين .
و مرة أخرى لم نلاحظ أي تغير في القيادة ولا محاسبة من أودا بالحزب إلى هذه النتيجة المريعة , بل مازال حميد مجيد في كل لقاءاته يخرج علينا بنظرية المد الشيوعي 1959 والمد الأسلامي 2003 كتبرير للفشل رغم علمه بأنه يشارك في عملية سياسية معدة مسبقا ً لفوز الجهات التي وقعت بالعشرة على بيع العراق , و يعمل في ( ديمقراطية ) لايوجد فيها قانون أحزاب ولا قانون إنتخابات حقيقي ولا مفوضية مستقلة حقيقية للإنتخابات , و ما زلنا بعد المؤتمر التاسع للحزب نرى نفس الوجوه المعتقة سواء في اللجنة المركزية أو في مكتبها السياسي , ولكن مع إضافة وجوه شابة للمركزية لا تهش و لا تنش ولا يسمع لها صوتا ً في ظل الخرس المطبق للحرس القديم نفسه .
للحديث صلة .............. .
#عامر_الدلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟