وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 13:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( الاصلاح الديني المنشود يبدا من اعادة العقل الفلسفي والعلمي ليحل محل العقل اللاهوتي الذي سيطر منذ القرن الثاني عشر الميلادي واوصل بلدان العالم الاسلامي الى مستويات متدنية من التخلف والفقر والتعصب والنزاع والحروب الداخلية . واما عودة العقل الفلسفي والعلمي فتقوم فقط على اساس تغليب لغة الحوار الحر الديمقراطي لدراسة وتحليل التراث والواقع واستخلاص الجيد الصالح منه )(فلك الدين كاكيي ).
(1) :
عندما تعد الماركسية الدين بانه ايديولوجيا , فان ذلك يعني ان الانسان هو الذي يصنع الدين . ومن هنا ربط الفلاسفة بين الدين والاخلاق من خلال اسئلتهم الاساسية حول الموضوع :
هل الله يحمل اوصافا وفضائل اخلاقية ؟ ام انه يتجاوز في صفاته تلك الفضائل ؟
وهل ارادته تتبع القيم والفضائل الاخلاقية ؟ ام ان القيم والفضائل الاخلاقية هي التي تتبع ارادة الباري ؟
وهل ان مخرجات تنفيذ احكام الشريعة يجب ان تكون اخلاقية ؟
اذا كان الجواب بالايجاب , فهل الشريعة هي التي تتبع الاخلاق ام انها تؤسس للاخلاق ؟
ثمة رايان لدى فقهاء المسلمين , الراي الاول يرى ان تنفيذ احكام الشريعة لابد ان يسير بموازاة تقيد المؤمنين بالفضائل الاخلاقية المسيطرة على واقع الحياة .بمعنى ان اخلاق المجتمع مرتبطة بالواقع المتغير لا العكس .اما الراي الثاني فيرى ان تنفيذ احكام الشريعة غير مرتبط باخلاق المجتمع وظروفه , بل لابد من تنفيذها تحت اي شرط , وانها ( اي الاحكام ) لاتخضع لامر الواقع وشروطه .
ان انصار الراي الاول يعتقدون ان الدفاع عن حقوق الانسان يؤدي بالضرورة الى رضا الباري ( الله ) . ان احترام القيم الانسانية هو مقدمة ضرورية للايمان بالله .
ان الايمان الذي يتشكل في ظل الحداثة , لابد ان تكون له اهداف متعددة , من ضمنها تحقيق الفضائل الاخلاقية الراقية , ومنها احترام حقوق الانسان في مفهومها الحديث المعاصر . في حين ان التدين الذي لاتكون محصلته تحقيق تلك الفضائل , لن تكون مخرجاته الا سلوكا تاريخيا لايخدم ظروف الحياة , وفي اغلب الاحيان قد يشكل تهديدا للامن الاجتماعي .
يتسائل الشاعر ادونيس , ماذا يقدم الدين للانسان اذا لم يقدم له اولا الحرية ؟, فيجيب قائلا : ( لانستطيع كما يقول فرويد ان نقتل فكرة الله . لكن يمكن ان نغير مفهومه وطرق النظر اليه . وهذا مافعله متصوفة الاسلام وكثير من الشعراء والمفكرين الفلاسفة في المجتمعات الاسلامية .
( 2 ) : فهم جديد للباري ( الله ) في التصوف الاسلامي :
هل كان هذا التغيير داخل الاسلام عودة الى الالهة القديمة كما كان يعلم يونغ ؟. يجيب المسلمون التقليديون : نعم , فالتصوف بالنسبة اليهم نوع من العودة الى الوثنية . اما المتصوفة فيقولون : لا , وفي طليعتهم جلال الدين الرومي والحلاج وابن عربي وكثير غيرهم من المتصوفة . فهم ينطلقون في تفكيرهم من الوحي الاسلامي , لكن بفهم اخر جديد حداثوي وفق قيم عصرهم , مما يؤدي الى تكوين نظرة يبدو فيها الاسلام مختلفا عنه في النظرة السلفية – الاصولية .
هكذا بدءا من المتصوفة والشعراء والفلاسفة , اصبح من الممكن القول ان الاسلام ليس واحدا الا بالاسم , فتحت هذا الاسم انواع متعددة من الاسلام :الاسلام في صيغته السنية , وفي صيغته الشيعية , وفي صيغته الصوفية .
يمثل جلال الدين الرومي صورة صوفية هي بين الصور الاكثر علوا على صعيدي الرؤية والتجربة .لقد كشف جلال الدين الرومي عن مسالتين في غاية الاهمية في الاسلام :
اولا : هي الكشف عن هذه التعددية .
ثانيا : النظر الى الدين , لابوصفه مؤسسة , بل بوصفه تجربة فردية خاصة وحرة .
( 3 ) : مفهوم الباري ( الله ) عند جلال الدين الرومي :
مامفهوم الله في الاسلام الكلاسيكي الارثوذكسي , او السلفي الاصولي ؟
انه يقوم على مقولات التوحيد واللاشبه . الله ليس جسما ولا شخصا ولا جوهرا ولا عرضا , لايجري عليه زمان , ولا يجوز فيه الحلول , لايوصف بشيء من صفات الخلق , ليس كمثله شيء . ليس محدودا , لاتدركه الابصار والحواس , لاقديم غيره .
هكذا يبدو ان مفهوم الله في الاسلام الارثوذكسي , تجريدي خالص, اي نوع من النفي يجعل الله خارج العالم ومفارق للبشر . وهو بهذا المعنى مسالة نظرية في الايمان بوحدانية الله وتعاليه , وفي البرهنة على ذلك بالادلة النقلية والعقلية والمنطقية .
مامفهوم الله عند جلال الدين الرومي ؟
انه مفهوم لايستند الى التجريد النظري , بل الى التجربة الانسانية الحية , لا الى العقل والنقل , بل الى القلب والوجدان والضمير وصولا الى الذوق والكشف . فالوحدانية الالهية ليست شيئا خارج العالم او المادة وانما هي في العالم سارية في كل شيء , الوجود كله , طبيعته وما وراءها واحد , وهو اذا وحدة الوجود . الواحد هو نفسه الله ( الباري ) . والعالم بموجوداته الكثيرة تجليات للباري .
ان الحقيقة الوجودية واحدة , جوهرا وذاتا , ولئن كانت كثيرة بصفاتها واسمائها . اذا نظر اليها الانسان من حيث ذاتها فهي الحق ( الله ) . واذا نظر اليها من حيث صفاتها فهي الخلق ( العالم ) . فوجود الموجودات هو نفسه وجود الواحدالاحد . ومعنى ذلك انها ليست زائدة عليه وانما هي فيه . فالوجود هو كذلك واحد هو نفسه وجود الله .
هكذا يكون الله العقل المحرك المبدع , ويكون الحق والحقيقة ( تعرفون الحق والحق يحرركم – الانجيل الشريف ) , ويكون ازليا ابديا , باطن الكون وظاهره , البعيد القريب , الصامت الناطق , الاول والاخير .
ان الله في الاسلام الارثوذكسي متعال ومنفصل عن العالم , وعند جلال الدين الرومي متصل . وهو في الاول مجرد وخارج الكون , وهو عند جلال الدين الرومي حاضر في الكون . الله في الاسلام الكلاسيكي لايتجلى في الاشياء ,وهو عند المتصوفة يتجلى في كل شيء , ولا نهاية لهذا التجلي .
لذا اتفق اقطاب التصوف ومنهم الشيخ ابن عربي وجلال الدين الرومي بالايمان بكل الديانات و الوثنية والتوحيدية , السماوية وغير السماوية , لانها تشير ببساطة الى تجليات الباري ( الله ) ووجوده في مخلوقاته .
انها ثورة في النظر الى الوجود داخل الاسلام . وهي في الوقت عينه ثورة معرفية لامكان لهما في الارثوذكسية الاسلامية . وهي ترفضهما رفضا قاطعا . وقد صاغ هذا الرفض ابن تيمية قائلا مامعناه : ان القول بان عين وجود الحق هو عين وجود الخلق يعني ان (وجود ذات الله خالق السماوات والارض , هو نفس وجود المخلوقات ) .
( 4 ) : فكرة التجلي بدلا من فكرة الخلق
نظريا تحل فكرة التجلي عند جلال الدين الرومي والصوفية بعامة محل فكرة الخلق عند الاسلام الارثوذكسي الكلاسيكي التقليدي . غير ان التجلي ليس وجوديا فقط , وانما هو معرفي كذلك . المعرفة تجل وليست نقلا . والتجليات مبدا المعارف سواء كانت حسية او روحية . انها صور حقائق تشع انوارها او تنعكس في مراة القلب والحس على مراة الفكر , فتولد فيهما المعرفة الذوقية التي وحدها هي المعرفة اليقينية بوصفها مباشرة وبلا وساطة .اي ان المعرفة عند جلال الدين الرومي هي انكشاف لحقيقة الشيء تتم برفع الحجاب عن القلب والحس والعقل . حيث تفيض عليها انوار الغيب . والمعرفة اليقينية لاتجيء اذا من النظر العقلي المجرد , او من النقل التراكمي التقليدي او من الشرع , وانما تجيء من التجليات عبر الكشف والذوق . انها بحسب الصيغة الصوفية ( علم الذوق ) وهي معرفة لاتخطيء . ذلك ان الخطا وليد الحكم , اي وليد العقل النظري المجرد .
الاسلام السلفي – الاصولي – الارثوذكسي يفهم الالوهة بالعقل والنقل والبراهين والادلة بوصف الالوهة مشكلة دينية اجتماعية , اما اقطاب التصوف ومنهم جلال الدين الرومي يفهمون الالوهة بوصفها مشكلة روحية بالذوق ,داخليا في اعماق الذات وخارجيا في كل مايحيط بالا نسان . وفي هذا يضع جلال الدين الرومي والمتصوفة اساسا للتمييز بين الالهي والديني والمقدس وهو الاساس الجدير بان يحدث في الاسلام ثورة نظرية كبرى تقتضيها على نحو خاص , هذه المرحلة المضطربة الصعبة في التاريخ الاسلامي سياسيا وثقافيا وروحيا .
يقول جلال الدين الرومي في ديوان شعره باللغة الفارسية في وصفه لوحدة الوجود :
تعال
تعال لتكون معنا ,
من تكن ,
كافرا وثنيا او مجوسيا
تعال , وان تكن تبت مئة مرة . يكفي ان تكون معنا .
لان هذا المحفل لايؤمن بالياس والقنوط .
( 5 ) : الذوق نوع من الحيرة , والحيرة اساس البحث عن اليقين :
ان الذوق في مستوياته العليا , هو نوع من الحيرة , ذلك لانه لايفسر , ولعل خير مايفصح عن هذه الحيرة رواية لابن عربي عن زليخا امراة فرعون في علاقتها مع يوسف .
تقول الر واية ان زليخا جرحت مرة فسال دمها على الارض . وسرعان ماتحول هذا الدم الى كتابة , ولم تكن هذه الكتابة الا تكرارا لاسم يوسف وللحروف التي يتكون منها . والسر في ذلك , كما يقول ابن عربي هو ان زليخا كانت تحب يوسف الى درجة ان اسمه كان يجري في عروقها مجرى الدم .
اننا لايمكننا ان نفسر ذلك عقليا , بل بالذوق , مما سيؤدي بنا الى نوع من الحيرة , هي( حيرة اليقين ).
هكذا حين يقول الاصولي – السلفي : ( رب, زدني تيقنا ), يقول جلال الدين الرومي : ( رب زدني فيك تحيرا ) . اشارة الى حديث ينسب الى النبي محمد (يادليل الحائرين , زدني فيك تحيرا ).
( 6 ) الخاتمة :
في عالم عربي – اسلامي تهيمن عليه نزعات الطغيان سياسيا , ونزعات التاويلات الدينية – الايديولوجية الضيقة التي تجعل من الاسلام مجرد مجموعة من المؤسسات و محولة اياه الى شعار جهادي وواجهة سياسية اجتماعية . تبدو اهمية التجربة الصوفية ممثلة هنا في جلال الدين الرومي . انها تطرح مسالة الحرية , ومسالة العلاقة بين الذات والاخر , وبين الانسان والله . وهي تتيح كذلك للمسلمين جميعا ان يطرحوا اليوم هذا السؤال على انفسهم وعلى الاخرين :
ماذا يقدم الدين للانسان , اذا لم يقدم له اولا الحرية ؟.
المصدر :
كتاب ( العلويون اصحاب دين جديد , ام طريقة تصوف او مذهب سياسي لعصر العولمة ؟ )تاليف الباحث ابراهيم الداقوقي – تقديم فلك الدين كاكه يي – ط2 – 2010 – مطبعة اراس – اربيل – اقليم كردستان العراق –العراق .
مقالات ذات صلة :
1 –( لاالوهة بدون الانسان ) , وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=328351
2- (الحلاج شهيدا على درب المسيح ) , وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=300871
3 – ( فوائد تصوف الحداثة في الاسلام ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=274856
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟