عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 02:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وجود وغيب
لكل شيء من المخلوقات فيه وجود غيبي وحضوري لنا كأشياء وإن كان حضوريا بعلم الله ومشهودا له بالمطلق كما في قول الله تعالى {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}طه110,فما بين اليد مشهود وما خلف لا يعلمه إلا الله{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}الحج70,ولذلك كان الله عليما فوق كل ذي يعلم ومحيط بكل الأشياء وهو الذي وصف نفسه بالحق عالم الغيب أي يعلم به كما هو عالم الشهادة {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3.
وكل لا شيء له عالمين غيبي وشهودي ليس بالقياس لنا ولكنه غيبي بالمطلق لنا وشهودي لله تعالى الذي له ملكوت كل شيء وهو يعلم ونحن لا نعلم {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59,هذا العلم المطلق بما أرمز النص له بالمفاتيح يعني أن الغيب ليس متاحا للاطلاع لأي مخلوق لأنه في خزائن مقفلة مفاتيحها عند الله وهو الذي يطلع منها ما يشاء من خلقة بموجب ما له من سلطانية مطلقة على ملكوته.
وليس له في خلقه غيب مغيب عنه ولكن لنا كمخلوقات أشهاد يقيني به كمفهوم وكحقيقة وإن كنا لا نعلمه بالتفصيل أو نطلع عليه, ولكن شهادتنا عليه شهادة بنيت على خبر مخبر صادق لا شك في صدقه هذه الشهادة في جزؤها عالم حضوري في اللا شيئية بما ننسبه لنا كمخلوقات{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران179.
عالم الغيب وعالم الشهادة ليس ما ينصف العالم بموجبه أي العالم الوجودي, فهناك عالم وجودي شهودي وعالم وجودي غيبي, ولكن هناك عالم الشيء وعالم اللا شيء ولكل منهما صفتان غيب وشهود أولم تقرأ قول الله تعالى{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ{20}وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{21} الذاريات , فالسؤال الاستنكاري هنا جاء على سبيل التنبيه عما في مقدمته, ويراد به أبصروا أيها الخلق في الآيات التي خلقها الله في أنفسكم كما تبصرون لآيات الله في الأرض.
ويستفاد منها أن في خلق النفس مما لا يبصره الإنسان ولا ينظره كقول الله تعالى{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }الغاشية17, وقول الله تعالى{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60.
فالشيئية من كل ما تقدم تعني الوجود الموصوف بحدوده الخمسة التفرد والتميز والاستقلالية والمعلومية والتحديد ,ليكون ذو شخصية مستقلة عن باقي الموجودات وكثيرا ما فرق القرآن الكريم بين الشيئية والوجود ولم يسم الثانية أبدا ولكن أشار إلى العالم الوجودي كله بالشيئية باعتبار أن الشيئية هي التي تعطي للخلق صفات الوجود بالمعنى المفهوم لنا وتزيد فيه أن تفرد الخلائق كشيئيات بخصائصها لكي لا يكون الجمع عبثيا واعتباطيا كما نفعل نحن عندما نشير للخلق بالموجود الحضوري ألشهودي وبعضنا ينكر جزء من عالم الوجود وإن كان غيبي ولكنه موجود وبالرغم من أن العالمين من شيئية واحدة تولدت من لا شيئية عندنا ولكنها شيئية عند الله تعالى .
كل ما أشير للموجود منطق واحد يشير إلى المعنى الحقيقي له ولكن بمفهوم ليس مطابق تماما لما أعتاد الناس أن يصفوا به عالم الشيء من أنه الكيان المادي المحسوس أو الملموس الذي له ماهية متصلة به تتحرك من خلال ما يعرف بالحركة الجوهرية((أن المقصود بالوجود نفس الحقيقة العينية الخارجية، التي تترتب عليها الآثار ويحكي عنها مفهوم الوجود ،حكاية كل مفهوم عن مصداقه، وهذا هو المراد بالوجود في قولنا أصالة الوجود)),وقد تفرعت وتناقضت الأقوال فيه, ولكن قول الله تعالى وهو الفصل كما نرى من النصوص يشير إلى حالية أخرى ,فلنقرأ النصوص:.
-;- {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64.
-;- {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82.
-;- {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ }يوسف65.
-;- {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } الكهف49.
الوجود هنا حال حسي أو إدراكي مرتبط بحضور تام لما يجدونه دون أن يكون هناك تأويل للمعنى وصرفه إلى نوعين من الوجوديات غيبي أو حضوري بل هو حضوري مطلقا وملموس وحقيقي, هو والماهية الخاصة به يتطابقان ولا حركة جوهرية فيه بل هو مفهوم مبني على وحدة الموجود ذاتا وموضوعا.
الوجود كحقيقة لابد من تجريد وسائل التعرف عليه من مقدماته المسبقة التي تصوغ فهم قاصر عن أن يبلغ جوهرها وأن نعتمد على عنصر مجمع معرفي قادر على الإحاطة بالمفهوم دون أن يشارك المفهوم بذاتيته وإلا كنا كمن يفسر الشيء بأنه شيء, علينا أن نقبل اليوم ما سبق للحكمة القديمة أن أكدته من أن كل جسم هو كون مصغَّر وهو وجود حقيقي وإن كان خاص وجزئي له ارتباط بوجود أخر موازي مماثل أو متعال سابق وهو اللا شيء، وأن الجسم أسير المكان والزمان لا لعلة غيبية ولكن لكونه مادة.
المادة بأي صورة مكونة وبغض النظر عن جوهرها الحضوري إذا اقترنت بزمن وتحددت بمكان كان ذلك كافيا لأن تنعت بالوجود وإن لم تقترن بما يستكشفها عقلا أو وحيا أو علم, فهي صارت وجود بالقوة بالمعنى الذي حددناه سابقا.
هذا الفهم حقيقة هو فهم افتراضي ولكي يكون حقيقي لابد له من توفر علية وسبب فليس الوجود مجرد أفتراض ليكون موجود وهو المهم في بحثنا المتعلق بوجودية الوجود لا بالوجود بذاته, فلكي يأخذ مصداق كينوني لابد من توفر العلية وبدونها يكون الوجود عبثيا لا قيمة له.
وأن يكون بسبب باعث ليكون محكوما بالقوة, فمعنى الوجود بقيمته الغائية وبسببيته المحدثة تشكل صورة الوجود ومعناه(الشيء) دون الخوض في ماهيته أو التطرق إلى جوهره وعرضه ولكن بكينونيته التي تعلنه موجودا على الحقيقة.
يمكن بناء مفهوم الوجود الموجود ولا نتكلم طبعا في (الوجود المطلق الوجوبي) لأننا ليس في صدد فهمه الآن, فيكون من خلال الموجود النظري بالشكل التالي:.
(شروط أوليه + قوانين)(حال اللا شيء) يساوي حالة نهائية, (مادة, زمن, مكان)+قوانين العلة والترتيب(حالة الشيء)= الوجود الموجود.
أسباب يساوي ظاهرة, العقل, العلم, الوحي يساوي ظاهرة الوجود وهو العرض.
فالمعادلة الأولى تتعلق بالجوهر, والثانية تتعلق بالعرض, وبكليهما يكون للوجود معنى(وهو الشيئية) وليس معنى الوجود, الوجود عند صدر الدين الشيرازي مثلا ما هو إلا جوهر وعرض أي ماهية كاملة محدودة ومحددة, أما معنى الجوهر، فيعرفه على أنه((الموجود لا في موضوع))على العكس من العرض المعرف على أنه((الموجود في موضوع)) ,وتوضيح معنى العرض أولاً ضروري لفهم معنى الجوهر تبعاً .إذن فالعرض((ماهية مستقلة بحسب نفسها، ومفهومها، لا مستقلة بحسب وجودها، إذ هو بحاجة في وجوده إلى الوجود في غيره)),ومثال ذلك اللون الذي يمتلك معنى مستقل بذاته عقلاً، إلا أنه في الخارج لا ينفك عن الحلول في جسم ما, أما الجوهر فهو الماهية المستقلة مفهوماً ووجوداً, وفي مثالنا السابق يكون الجوهر هو الجسم, والجسم ذو معنى مستقل ولا يحتاج في وجوده إلى الحلول في غيره إذ هو مستقل بذاته، والعرض والجوهر عنوانان عامان أحد مصادقيهما اللون والجسم تبعاً، ولهما مصاديق أخرى كثيرة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟