أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - بيسكليت في جامعة أسيوط














المزيد.....


بيسكليت في جامعة أسيوط


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 02:38
المحور: حقوق الانسان
    


نشاهدهن في أفلامنا القديمة، الأبيض والأسود، فنضعُ بيننا وبينهن جواجزَ مكانيةً، وزمانيةً هائلة. كأنهن من مكان آخر تبعدُنا عنه جغرافياتٌ ومحيطاتٌ وجبالٌ وفراسخُ ملايين عددًا. وكأنهن من زمان آخر تفصلنا عنه تواريخُ ودهورٌ وقرون وأزمنةٌ تخفقُ الروزناماتُ في عدّها. نتأمل تلك الحسناوات في فساتينهن ذوات الخصور المضمومة النحيلة، والأكمام القصيرة، والكولات الدانتيل، والجونلات الواسعة يداعبها الهواءُ فتخاتلُ الركبتين، يسرن في شوارعَ نظيفة، لا قمامة فيها، ولا أرصفة مهشمة، ولا يضايقهن أحدٌ بالقول أو بالنظر، فنقول لأنفسنا: "حورياتٌ خرافياتٌ من كوكب آخر، لم يعرفن مصرَ، ولا عرفتهن مصرُ." ننسى أنهن مصرياتٌ جميلات يسرن في شوارعَ مصرية ويتنزهن في حدائقَ مصرية، ويجول جوارهن شبابٌ مصريون محترمون، يحافظون عليهن كأنهن شقيقاتٌ، لم تلدهن الأمهات.
هنَّ أمهاتُنا وجَدّاتُنا اللواتي عشن في مصر قبل نصف قرن، حين كان الزمانُ راقيًا، والشعبُ متحضرًا، والشوارعُ نظيفةً من القمامة التي تراها العين، والتي تسمعها الأذن. بنات مصر في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات الماضية، أيام الزمن الجميل. هنَّ رفيقات صبا فاتن حمامة، ومريم فخر الدين، وليلى طاهر، وماجدة، ونادية لطفي، وزبيدة ثروت، وسعاد حسني، وسواهن من جميلات مصر الأنيقات. ولو بحث كلٌّ منا في ألبومات العائلة القديمة، سيشاهدهن في الأم والخالة والجارة والجدة.
بوسع كلّ منا أن يسأل أمَّه أو خالته عن ذاك الأمس القريب (لأن نصف قرن على خط الزمان مثل لمحة خاطفة، لا سيما إن تعلّق الأمر ببلد عريق دَوَّن مدونتَه منذ خمسين قرنًا). سَلْ والدتك كيف كانت تسير بفستان قصير دون أن تسمع كلمة نابية، ودون أن يُنظر إليها نظرة لا تليق؟ ستخبرك بأن الناس كانوا مُتحضرين محترمين يسكنهم إيمانٌ جوهري حقيقيّ، لا مظهريّ ولا شكليّ، كما الآن.
عثرتُ على صفحة من مجلة مصرية قديمة بها صورة لثلاث فتيات من جامعة أسيوط يقفن أمام كلية الآداب، تمسك كل واحدة منهن بمقود دراجة بناتي (من دون العارضة الأمامية). تلك التي تسمح لفتاة بجونلة قصيرة بأن تقودها بحُريّة، دون الاضطرار لرفع ساقها للخلف، كما يفعل الرجل، في الصعود والنزول. مكتوب على الصورة العبارة التالية: "بنات الجامعة في أسيوط عملياتٌ أكثر من زميلاتهن في الجامعات الأخرى، تغلّبن على مشكلة المواصلات باستعمال الدراجات". انتهى التعليق المقتضب، ليفتح أمامنها محيطًا من التعليقات المتوقعة التي لا تخلو من مرارة، واندهاش.
الصورة "كانت" طبيعية وبسيطة في زمن التقاطها قبل خمسين سنة، و"غدت" شديدة الغرابة والإثارة اليوم، بعد مرور نصف قرن! قد يبدو الأمر معقولاً لو تكلمنا عن صورة "راديو خشبي ضخم" تلتفُّ حوله أسرة ستينية لتُنصتَ، في الخميس الأول من كل شهر، إلى أغنية لأم كلثوم، فنقول: "يا حرام، مكنش عندهم تليفزيون، ولا انترنت، كيف كانوا يعيشون؟!" لكن من العجيب أن نقول: "ياه، البنت كانت بتركب بيسكليت، وتلبس فستان قصير دون خوف من تحرّش أو سخرية، والنهارده لو ركبت دراجة يزفّها المارّةُ كأنما ارتكبت فاحشة؟!" هنا، مَن عساهُ يقول لمَن: "يا حــــــــراااااام!"
الصورةُ لا تحكي مشهدًا "عاديًا" اقتنصته عدسةٌ لتسجل لحظة "عادية" مرّت في حياة فتيات "عاديات"، بل تحكي ثقافة مجتمع بأسره كان متحضرًا ثم أخذ في التراجع والانحطاط حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من تدنّي خُلقي وبصريّ وسمعيّ وسلوكيّ! الصورة تحكي عشرات المشاهد التي مرّت قبل هذه اللقطة العادية وبعدها. طالبةٌ جامعية من أسرة متوسطة، ترتدي جيبتها وبلوزتها وتمشط شعرها على عجلٍ، وتختطف حقيبتها الدراسية، وتنزل لتركب دراجتها وتنطلق إلى الجامعة، تدخل المدرج، تُنصت إلى المحاضرات، ثم تعود إلى بيتها بالبيسكليت دون أن يزعجها مخلوق. أمها لم تقل لها في الصباح: "خدي بالك من التحرش"، لأنها لو قالت، سترد البنت بعجب: "يعني ايه تحرش؟!"
تخيلوا معي كم فتاةً مصرية راهنة بوسعها أن تعيش يومًا "عاديًّا" كالذي عاشته جدتها في الستينيات؟
نشرتُ الصورة على صفحتي وكتبت: "بنات أسيوط في الجامعة في الخمسينيات، ماذا ترون فيهن؟ وماذا ترون في بنات اليوم؟ انتبهوا، فأولئك هن أمهاتكم وجداتكم."
مئات التعليقات جميعُها أشاد بجمال الصورة وبراءة الفتيات وأناقتهن واحتشامهن. تمنّي شبابُ اليوم لو أنهم وُلدوا في ذاك الزمن المحترم. وتمنّت البناتُ النجاة من سخافات المترو والباص، بركوب الدراجة دون أن يُنظَر إليهن نظرةً غير لائقة، كأنهن بواغٍ أو قليلات أدب!
عن نفسي، ومنذ سنوات طوال، أقود دراجتي في المشاوير القريبة، غير عابئة بما، ومَن حولي. وبعد شهور قليلة من دهشة الجيران، امتلأ الحيُّ بالدراجات الحريمي، وانقلب مستنكرو الأمس إلى متحمسي اليوم. حلّت الصينُ مشكلة الازدحام لديها بالدراجات التي يتساوى فوقها الوزير بالغفير، والرجل بالمرأة، والعجوز بالطفل. وفي أوروبا الوادعة المنظمة، تجد عجوزًا جميلة في السبعين، فوق دراجتها. تمسك المقودَ بيدٍ، وبالأخرى تحمل مظلتَها لتحميها من الأمطار، وفي سلة الدراجة، حقيبتُها. ذاك مشهدٌ مألوف في هولندا وسائر الدول التي احترمت الإنسان، وآمنت أن المرأة إنسانٌ، قبل أن تكون امرأة.
هذا رابط الصورة لتسعدوا بها معي.
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=494099024021037&set=a.357526947678246.78522.100002628314221&type=1



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هويدا، أخلفتُ وعدي معك!
- بلكونة مصرية، وإبهامٌ مفقود!
- -متكسروش بخاطر مصر-
- بلبل لبنان الذي طار
- مراسلات أدباء مجانين
- لماذا نحب؟ وكيف نكره؟
- الست مبسوطة، أغنى امرأة في مصر
- سيدني، وتعويذة الفراعنة
- العذراءُ في بيتي!
- النورُ في نهاية النفق
- وثالثهما الشيطان
- ازدراء الأديان فى شريعة الإخوان
- نجاح جمعة الحسم
- القبض على -الصوابع- وحذاء المرشد
- انتي مش أمّ الشهيد، انتي أرض
- حين أغدو إلهةً
- أنا صهيبة... أنا خفيت
- كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟
- خواطرُ على هامش الدماء
- مسلمو أمريكا وأقباط مصر


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال ...
- مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - بيسكليت في جامعة أسيوط