أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هويدا، أخلفتُ وعدي معك!














المزيد.....

هويدا، أخلفتُ وعدي معك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 07:23
المحور: حقوق الانسان
    


عند الفجر، أمسكتْ "هويدا" يدي، بكلتا يديها، وهي راقدة على السرير الأبيض، مدثّرةً في الضمادات، بينما خيط نحيل من الدم الجاف يلوّن الملاءة البيضاء تحت ساقها، لتُشهدَ التاريخَ على لحظة تعسة تعيشها مصرُ.
كانت تهتف: "أنا أنزف، أخرجوني من هنا!" ركضتُ نحو الطبيب في غرفته، والغضب يسبقُني. فالتقاني بابتسامة هادئة ونهض يصحبني إلى سرير هويدا. رفع الغطاء فوجدتُ كلَّ شيء على ما يرام. انحنيتُ أسألها: "لماذا تودين الخروج قبل شفائك؟" قالت: "لابد أن أذهب إلى معهد ناصر، الآن، فورا." سألتُها: "لماذا؟" فضغطت بيديها فوق كفي الذي ضمّته بقوة إلى صدرها وهي تهمس: "أستاذة فاطمة، ابنتي مريم هناك، أود أن أراها، هاموت من الخوف عليها، بس أشوفها." كانت قد تجاوزت الرابعة فجرًا، بعد ساعات من مذبحة كنيسة "العذراء" بالورّاق، 20 أكتوبر الأحد الماضي. عاهدتُ السيدة هويدا بأن أذهب إلى مريم في في الصباح، وأكلمها من هناك لتسمعَ صوتَها، فيطمئنُ قلبُها الواهنُ، وينام. قالت لي: "بل الآن، وحياة ولادك دلوقت." أخبرتُها أن مريم نائمةٌ الآن، بعد عملية جراحية دقيقة. ولا يصحُّ أن نزعجها. فلم تترك يدي إلا بعدما استوثقت أنني لا أخلفُ الوعد، وسوف آتيها بصوت طفلتها عند الصباح.
لكنني لم أفِ بوعدي. لم أذهب إلى "مريم" في معهد ناصر، ولا عدتُ لأمها "هويدا" في مستشفى "الساحل"، بتميمة الحياة. لأن الصغيرة الجميلة ماتت مع خيوط الصباح الأولى. الطفلة ذات الاثني عشر عامًا، تلقّى جسدُها النحيلُ ثلاثَ عشرة رصاصةً آثمة. رصاصةٌ لكل عام من عمرها. ونظلُّ مَدينين لـ"مريم" برصاصة زائدة، لم تعش عامًا مقابلها!
الطفلة البريئة مريم نبيل، سافرت إلى السماء مبكرًا عما ينبغي لمثلها أن يحيا، لأن معتوهًا يُصرُّ أن يعودَ معتوهٌ خائنٌ للحُكم بعدما لفظَه شعبٌ بأسره!
بماذا سأردُّ على السيدة هويدا حين أذهب للعزاء؟ كيف سأواجهها بعدما أخلفتُ وعدي معها؟ وكيف سأبرر لها ما حدث؟ وبمَ سأجيبها حينما تسألُني بآية من كتابي: مريم طفلتي، "بأي ذنبٍ قُتِلت؟"
راضي، الذي اخترقت رصاصةٌ كُليته، التقيتُه بعد خروجه من غرفة العمليات وآثارُ البنج تخاتل عينيه نصف المغمضتين. بادرتُه: "حمدا لله على سلامتك يا شقيقي، سامحْنا على ما فعل السفهاءُ منّا". فابتسم بوهن وقال: "لا تعتذري، أنتِ ملاك". وخزةٌ جديدة أنالُها من أولئك المُسالمين وخزتْ قلبي بالخجل مما نفعله بهم دون سبب. همستُ مُطرقةً: "بل أنتم الملائكةُ، فسامحونا، ويومًا ما سيختفي كل هذا، وتنالون حقوقَكم كاملة، حين تحظى مصرُ بحكومةٍ وحاكمٍ يليقان بها."
كان حفلَ زفافٍ. تمنّى فيه شابٌّ وفتاةٌ أن يبدآ حياةً جديدة، في بيتٍ صغير، يُعْوزه الثراءُ، لكن يَعمُره الحبُّ ويغمرُه الفرح. لكن أم العريس تلقّى قلبُها رصاصةً في عُرس ابنها، بدلَ أن تتلقى كلماتِ المباركة والفرح! أتساءَلُ: "كيف لهذين العروسين أن يُكملا حياتَهما بسلام؟ بأيّ مشاعرَ سينظران إلى صورة زفافهما المُعلّقة على حائط الصالون؛ وكلما شاهداها، لمحا خيطًا قاسيًا من الدم، يسيل فوق فستان العروس الأبيض فيلوّثه، ليذكّرهما أبد الدهر بأن الأمَّ دفعت عمرها ثمنًا لهذه الصورة؟ بماذا سيجيبان طفلهما القادمَ حين يسألهما: "تيتا راحت عند ربنا في السماء ازاي؟"
لماذا يقتلُ إنسانٌ إنساناً؟ بل كيف؟ بل بأي حقٍّ؟ هل هو الله؟ اللهُ وحدَه واهبُ الحياة، وهو وحدَه نازعُها؟
قال قائلٌ: "الدولة المصرية دائمًا ما تشكر الأقباط على ضبط النَّفس. فمتى يأتي اليوم الذي يشكرُ فيه الأقباطُ الدولةَ المصريةَ على ‘ضبط الجُناة’"؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلكونة مصرية، وإبهامٌ مفقود!
- -متكسروش بخاطر مصر-
- بلبل لبنان الذي طار
- مراسلات أدباء مجانين
- لماذا نحب؟ وكيف نكره؟
- الست مبسوطة، أغنى امرأة في مصر
- سيدني، وتعويذة الفراعنة
- العذراءُ في بيتي!
- النورُ في نهاية النفق
- وثالثهما الشيطان
- ازدراء الأديان فى شريعة الإخوان
- نجاح جمعة الحسم
- القبض على -الصوابع- وحذاء المرشد
- انتي مش أمّ الشهيد، انتي أرض
- حين أغدو إلهةً
- أنا صهيبة... أنا خفيت
- كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟
- خواطرُ على هامش الدماء
- مسلمو أمريكا وأقباط مصر
- الأطفال والصوفة والأقباط، كروت الإخوان


المزيد.....




- الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
- الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف ...
- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هويدا، أخلفتُ وعدي معك!