|
ذكرياتي مع العيد الكبير !! (2)
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4253 - 2013 / 10 / 22 - 00:09
المحور:
المجتمع المدني
رغم أن عيد الأضحى أو "عيد النحر" أو "العيد الكبير" كما يسمونه ، ما هو إلا مجرد سنة مؤكدة ، فإن المغاربة يتعلقون به أكثر من تعلقهم ببعض الفرائض كالصلاة والزكاة والحج ، ويحرصون مع حلوله ، على ممارسة طقوس وعادات اجتماعية ، تعد عملية اقتناء الأضحية ، مهما غلا سعرها ، من أهم مظاهرها ، التي تشكل هاجسا يقض مضجع الكثير من الفقراء وضعيفي الدخل ، الذين لا تستقيم فرحتهم دون الظفر تلك الاضحية ، التي وإن كانوا مقتنعين بأنها ليست فرضا من الفرائض الخمس ، ولا تجوز إلا على من استطاع ، فإنهم لا يتنازلون عنها ، ويكلفون أنفسهم ما لا طاقة لهم به للحصول عليها ، إلى درجة أن غالبية المعوزين يلجؤون الى استدرار عطف المحسنين ، والجمعيات الخيرية عساهم يظفرون بها ، ويضطر العديد من الموظفين والحرفيين والمياومين من ذوي الدخل المحدود الى الاقتراض من المؤسسات البنكية بشروطها المجحفة ، أو بيع أثاثات منازلهم ، لتوفير ثمنها . وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهونها مع اقتناء كبش عيد الأضحى ، وما يترتب على تسديد أقساط القرض طول السنة من ضرر بوضعيتهم المالية ، وأحوالهم الاجتماعية ، فإن فرحة هذه المناسبة الدينية تنسيهم ، ولو الى حين ، ما يكابدونه من معاناة الظفر بالأضحية التي تعلقوا بسنة نحرها أكثر من تعلقهم بالفروض الواجبة ، ربما لارتباط مفهوم العيد بطقوس الفرض الخامس ( الحج) من سعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمرات ، وصعود عرفات ، ونحر للأضحية ، رمز العبادة ، والتقرب إلى الله ، والتقوى ، والصدقة ، وفعل الخير ، المرتبط بقصة خليل الله سيدنا إبراهيم عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبية لأمر الله ، فافتداه سبحانه وتعالى بخروف . لاشك أن العادات والتقاليد الاجتماعية أثرت سلبا على مثل هذه المناسبات الروحية التي كانت ركنا أساسيا في تأصيل التراحم والعلاقات الاجتماعية التي حثنا عليها ديننا الحنيف ، وأن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) قال :"ليس منا من لم يهتم بأمور المسلمين" قد تحولت من نسك ديني ومناسبة روحية ــ إلى عادة اجتماعية ومناسبة للأكل بامتياز ، تحضر فيها أشهى أنواع المأكولات ، من محمر ، ومبخر ، ومشوي ، وكباب ، وبولفاف ، ودوّارة ، والطواجن المزينة بالفواكه الجافة البرقوق أو المشمش واللوز ، والكسكس بلحم الرأس ، والكثير من المأكولات المتبلة التي لا تحظر إلا في مثل هذه المناسبة ، التي لا يُتوقف فيها عن استهلاك لحم الأضحية ، التي غالبا ما يتم تقطيعها في ثاني أو ثالث أيام العيد إلى قطع صغيرة تكون كل قطعة كافية لوجبة غذائية شهية ، تلف في أكياس بلاستيكية يتم تخزينها داخل المجمدات ، دون التفكير بالتصدق ببعض لحمها على المساكين والفقراء كما نصت السنة المحمدية على اخراج جزء هام من لحم الأضحية للمحتاجين.. وإذا ما بحثنا في سبب استهلاك معظم المغاربة لحم الاضحية بالكامل ، وعدم توزيعهم لبعض من لحوم الأضاحي على الفقراء ، نجد أن الجانب الاقتصادي من أهم العوامل الدافعة لذلك ، أو لقناعة الكثيرين منهم بأنه لا يكاد يوجد بيت مغربي دون أضحية ، وإن وجد فغالبا ما يتضامن الأصدقاء والمعارف والجيران معه لشراء كبش العيد ، إضافة إلى تفطن الغالبية إلى أن معظم الذين يأخذون صدقة لحم العيد يعيدون بيعها من جديد بأثمان زهيدة وفي ظروف وأسواق لا تراعي أدنى شروط السلامة ، سواء أثناء جمعها أو أثناء عرضها للبيع ، لذلك يحجم غالبية المغاربة عن اخراج ما يتوجب من صدقة في لحم الاضحية ويدفعونها نقدا عوض اللحم . أمام هذه السلوكيات الخاطئة ، ألا يجدر بنا الاعتراف بأن كثيراً من مشاكلنا الاقتصادية والصحية والبيئية ، مرتبطة في غالبيتها بعدم قدرتنا على تحوير هذه العادات الاجتماعية إلى سلوكيات صحيحة تلعب دوراً مهما يحد مما يمكن أن يترتب عنها من معانات ، ألا يحتم علينا هذا الوضع وغيره ، التفكير في استلهام بعض من التجارب الناجحة التي خاضتها بعض البلدان الإسلامية في هذا الشأن ، وعلى رأسها التجربة التي تبناها إخواننا المصرين ، والمتمثلة في المشروع الحضارى ذي الأبعاد الاجتماعية الهادفة ، والقائمة على فكرة التعامل مع أضاحي العيد بطريقة توكيل وإنابة الجمعيات والمؤسسات الخيرية بموجب "صك الأضحية " للقيام بعملية شراء الأضحية والذبح، وتوزيعها بذات الوسيلة أيضا نيابة عن الموكل الذي يمكنه من توكيل غيره ليشتري أو يبيع له عقارا- والذي أجازته فتاوى مفتى الجمهورية لعدم مخالفته للشريعة والفقه الإسلامي -فكذلك يمكنه من توكيل غيره ليذبح الأضحية بدله ويوزعها.
التجربة التي لو طبقت عندنا بكل أمانة ، لتمكنا بفضل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من إطعام جياعنا على مدار السنة ، أو لخففنا من غلواء حاجة فقرائنا ، على الأقل ، ولحافظنا على بيئتنا مما يصيبها من تلوت وتشويه ، جراء السلوكيات الهجينة التي يتبناها السواد الأعظم من مواطنينا ، بما يسيلونه من دماء وما يلقون به في الشوارع والأزقة من مخلفات الأضاحي خلال العيد ، والتي تنشر الأوبئة الخطيرة بين الناس ، وتكلف الدولة الكثير من الجهد والمال ، إلى جانب اتلاف ثروتنا الحيوانية الضعيفة . والذي اتمنى ان تنتبه جمعياتنا الخيرية ، وعلى رأسها جمعية محمد السادس .... إلى مفعول هذه التجربة الناجحة التي خاضتها بعض البلد الإسلامية وتتخذها نموذجا يحتذى بها ، فتتكلف بجمع الذبائح المتصدق بلحومها ، وإيصالها إلى أبعد المناطق المغربية الأكثر فقرا وعوزا ، والتي تشكل اعياد الله ، ومناسبات الفرح الدينية والاجتماعية لدى ساكنتها وأهلها البؤساء المحتاجين ، كوابيس تثير شجون ، وتبعث الأسى في نفوسهم ، وتجري الدموع انهارا على خدود اطفالهم الحفاة العراة الذين يلسعهم الفقر والجوع والحرمان ..فيكرهون قدومها (الأعياد) ويستثقلون زيارتها لهم في بيوتهم –عفوا أكواخهم وبراريكهم الصفيحية -، ويتمنون لو لم تكن ولم يكونوا ..
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكرياتي مع العيد الكبير !!
-
التعليم الأولي المغربي السقيم !!
-
-من شر البلية ما يضحك-(5)
-
العيد الكبير والمقايسة !!
-
رياض الأطفال بعد الخطاب الملكي السامي عن التعليم !!
-
هل هي مقايسة أم مسايفة ؟؟
-
تجربتي مع التعليم .
-
لا مصالحة مع من خان وطنه !!
-
عيد المعلم
-
ومن شر البلية ما أضحك .4 الجزء الرابع
-
الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !
-
ومن شر البلية ما أضحك !الجزء الثالث .
-
ومن شر البلية ما أضحك !.الجزء الثاني
-
ومن شر البلية ما أضحك !.
-
حقيقة شعار - الأصابع الاربعة- ؟؟
-
أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
-
ردا على أصوات ناشزة !
-
النصر الناتج عن العنف مكافىء للهزيمة !
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .
-
ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
المزيد.....
-
قرار الاحتلال القاضي بحظر عمل الأونروا يدخل حيز التنفيذ + في
...
-
لليوم الرابع طولكرم في مرمى النار.. تدمير واعتقالات ونزوح لل
...
-
السعودية تنفذ -القصاص- وتعلن إعدام مواطن كاشفة كيف قتل مقيما
...
-
أسماء الأسرى المقرر تحريرهم ضمن الدفعة الثالثة بصفقة طوفان ا
...
-
ترامب ينشئ مركز احتجاز للمهاجرين في غوانتانامو.. وكوبا تندد
...
-
تفاصيل عملية تبادل الأسرى الجديدة بين -حماس- وإسرائيل
-
ترامب يوجه بإرسال 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى غوانتانامو.. وكو
...
-
أمر تنفيذي لترامب لاحتجاز ما يصل لـ-30- ألف مهاجر في -غوانتا
...
-
ترامب يقرر تحويل غوانتانامو إلى مركز احتجاز لعشرات الآلاف من
...
-
الجمهوريون يحثون ترامب على معاقبة الجنائية الدولية لإصدارها
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|