|
الهجرة غير الشرعية . .الأحلام تتحوّل إلى كوابيس
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 17:14
المحور:
حقوق الانسان
ألقت حادثة “عبّارة الموت” في البحر الإندونيسي، بظلالها السوداء على المزاج اللبناني القلق والمضطرب أصلاً لما يجري في سوريا، وإذا باللبنانيين يفجعون بعد فواجعهم الكثيرة بثلاثين من أبنائهم من عكار وطرابلس، الذين قادتهم أحلامهم إلى هجرة غير شرعية عبر المحيطات، وبدلاً من أن يصلوا إلى الجنة أو النعيم والرخاء، وإذا بهم يلقون حتفهم غرقاً في بحر “سيانجور” بين إندونيسيا وجزيرة كريسماس الأسترالية، وهم ضحية سماسرة البشر وتجار الموت، الذين كانوا وراء الكابوس الذي هزّ اللبنانيين من الأعماق .
أثارت حادثة “عبّارة الموت” مسألة الهجرة غير الجماعية وأسبابها ودوافعها على المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظّمها وتنظّم أوضاع المهاجرين وأنواعهم، وفي الوقت نفسه طرحت موضوع دور شبكات التهريب عبر الحدود التي تنتشر في العديد من البلدان، وهي تستغل حاجة الناس والشباب بشكل خاص إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عبر دفعهم وتشجيعهم على الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر، والتي يضطر فيها المهاجر أن يدفع مبالغ كبيرة مقابل تأمين عبوره إلى البلد الذي يريد الوصول إليه . وحصل الأمر نفسه مع عشرات المهاجرين السوريين والفلسطينيين على السواحل الليبية، حيث تعرضوا لإطلاق نار وغرق مركبهم ونجا بعضهم ونقلوا إلى جزيرة لامبيدوزا أيضاً .
قبل حادثة “العبّارة” تم انتشال نحو 130 جثة لمهاجرين غير شرعيين قبالة ساحل لامبيدوزا الإيطالية القريبة من صقلية وهم من الأفارقة وتعدّ حادثة لامبيدوزا واحدة من المآسي التي شهدتها الإنسانية خلال العام 2013 .
وقد تدفّق نحو 300 مهاجر إفريقي غير شرعي على سبته ومليلة المغربيتين اللتين تقعان تحت السيادة الإسبانية حالياً، حين اقتحموا الحدود ولم تفلح جهود عناصر الشرطة الحدودية في منعهم . وفي الوقت نفسه حملت الأخبار عن مطاردة الشرطة اليونانية لمهاجرين غير شرعيين فرّوا من مركز “اميغواليز”، لا سيّما بعد أحداث شغب حصلت في شمال العاصمة اليونانية أثينا، وقبل ذلك غرق قارب قرب شواطئ صقليا أدى إلى وفاة 6 مهاجرين سوريين ومصريين، وكان قد نزل إلى الشواطئ الإيطالية 102 من المهاجرين غير الشرعيين بعد أن رفضتهم السلطات المالطية .
وكان 24 مهاجراً سرياً قد غرق قرب السواحل التركية، وفي مقدونيا اعتقلت السلطات، عصابة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الغربية، وقد اختبأ جزائري في محرك باخرة من أجل الوصول إلى إسبانيا، وكان صاحب مزرعة في اليونان قد أطلق النار على 30 عاملاً أجنبياً طالبوا برواتبهم . كما تم بناء أسلاك شائكة بين تركيا واليونان، وعقدت اتفاقية لتقاسم إيواء اللاجئين غير الشرعيين بين مدريد والرباط، وهبّ خفر سواحل كرواتيا لنجدة مهاجرين غير شرعيين وأنقذ 65 منهم في المياه الدولية، وغرق 197 شخصاً في مياه السودان من المهاجرين الأفارقة، واتّهمت صحيفة “الغارديان” الحلف الأطلسي بترك مهاجرين يقضون في البحر المتوسط، وأوقفت فرنسا العمل مؤقتاً باتفاقية تشينغن لمنع دخول مهاجرين تونسيين من إيطاليا .
وكانت السلطات الأمريكية قد رفعت الصفة غير الشرعية عن مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين حيث يعيش فيها نحو 80 .11 مليون مهاجر غير شرعي . ولعلّ تلك الرزمة من الأخبار المأساوية هي حصيلة لأسابيع قليلة من الرصد، فما بالك لو تضمنت عقداً من السنوات .
في تقرير صدر عن الأمم المتحدة تناول فيه أسباب الهجرة الجماعية غير المنظمة أفاد فيه بازدياد أعداد الشباب في بلدان “العالم الثالث” وتضاؤل وتدهور فرص العمل وأوضاعه، لا سيّما بانتشار البطالة واستشراء الفقر، ناهيكم عن اتساع الهوّة بين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير، يضاف إلى ذلك ازدياد وتعمق الوعي بحدّة الفوارق، الأمر الذي يجعل “الهجرة” أحد الخيارات “الاضطرارية” للخلاص من الوضع غير الإنساني الذي تعيشه فئات واسعة من السكان، محرومة في الغالب من فرص العيش الكريم، وبموارد لا تزيد على دولارين في اليوم أو أقل من ذلك، يضاف إلى ذلك: شحّ فرص التعليم وانتشار الأمية والجهل وتدنّي الخدمات الصحية وتفشي الأمراض وغير ذلك، وبفعل العولمة والتقدم الحاصل في مجال الاتصالات والمواصلات الدولية، فقد أصبح السفر متاحاً على الرغم من تقلص منافذ الهجرة، الأمر الذي يجعل من الهجرة غير الشرعية إحدى الظواهر الخطرة التي يعاني منها المجتمع الدولي .
تعني الهجرة في علم الاجتماع تبدّل الحالة الاجتماعية، سواء بتبدّل الموطن أو الوضع الاجتماعي أو المهنة أو غير ذلك، أما حسب علم السكان “الديموغرافيا” فالهجرة تعني الانتقال من موقع إلى آخر بحثاً عن وضع أفضل اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو دينياً أو غير ذلك، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، ومن الناحية القانونية فالهجرة السرّية أو غير الشرعية أو غير القانونية التي هي ظاهرة عالمية، تعني الانتقال من بلد إلى آخر، وذلك عبر وسائل غير نظامية أو غير قانونية أو غير شرعية، للوصول إلى المكان الذي يريد المهاجرون غير الشرعيين أن يصلوا إليه وتحت ضغط أوضاع قاسية .
وإذا كانت الهجرات سابقاً قد قضت على حضارات قديمة، فإنها سعت للسيطرة على سكّان البلاد الأصليين، كما حصل للهنود الحمر حين تم جلب الأفارقة عبر وسائل مختلفة، بما فيها القوة والعنف والإكراه، إضافة إلى المهاجرين الأوروبيين الذين وصلوا إلى أمريكا الشمالية، فإن الهجرات الحالية تتّسم بدوافع متنوّعة وأسباب مختلفة للانتقال إلى البلدان المتقدمة أو الغنية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو دول الخليج وبعض دول المشرق العربي وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية مثل الأرجنتين وفنزويلا والمكسيك، فإنها تمثل بلداناً جاذبة للهجرة من دول مجاورة فقيرة .
هناك أنواع عدّة من المهاجرين غير الشرعيين، فمنهم من اجتاز الحدود ودخل البلاد التي قصدها بطريقة غير قانونية دون إعلان عن وجوده وتحديد وضعه القانوني . أما النوع الثاني فإنه قد يكون دخل البلاد المستقبِلة بطريقة شرعية، لكنه تجاوز مدّة إقامته ومكث فيها خارج الأنظمة المعمول بها والنافذة، وبالتالي أصبح غير قانوني أو غير شرعي، أما الفريق الثالث فهم من يعمل بصورة غير قانونية خلال مدّة إقامته المسموح بها، وهناك مجموعة رابعة، وهي التي تعمل في أعمال غير المنصوص عليها في عقود العمل المبرمة معها، فمثلاً إن المهاجر جاء للتعاقد على القيام بأعمال الخدمة المنزلية أو للدراسة، ثم تحوّل إلى العمل سائقاً أو في أعمال الفندقة أو في المطاعم أو في أحد المكاتب أو غير ذلك .
وحسب منظمة العمل الدولية، فإن الهجرة السرّية تمثل نحو 10-15% من الهجرة العالمية . وتقدّر الأمم المتحدة أعداد اللاجئين غير الشرعيين بنحو 155 مليون شخص، وهي في تزايد، كما ترتفع أعداد العمال المهاجرين وتتردى أوضاعهم سوءاً، بفعل ظروفهم غير القانونية وإمكانية استغلالهم بسبب ذلك . وقد وضعت العديد من الاتفاقيات الدولية من جملة أهدافها حماية العمال المهاجرين، مثلما هي الاتفاقية الدولية لعام 1949 (الداخلة حيّز التنفيذ عام 1952) التي عالجت موضوع الهجرة، والاتفاقية الدولية بشأن العمال المهاجرين لعام 1975 (الداخلة حيّز التنفيذ عام 1978) التي تناولت موضوع الهجرة غير المشروعة، والاتفاقية الدولية عام 1958 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة (الداخلة حيّز التنفيذ في عام 1960) وقد ركّزت على المساواة وتكافؤ الفرص ومنع التمييز في المعاملة، سواء في الاستخدام أو المهنة، وللأسف فإن الغالبية الساحقة من الدول العربية لم توقّع على هذه الاتفاقيات الدولية أو لم تصدّق عليها في حالة التوقيع، باستثناء اتفاقية عام 1958 التي صدقت عليها دول مجلس التعاون الخليجي عدا سلطنة عُمان .
يضاف إلى هذه الاتفاقيات الدولية، اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وكذلك الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم مثلما هي اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1990 (التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 2003)، ولعل أهمية هذه الاتفاقية تأتي من كونها استندت إلى مرجعية دولية خاصة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان .
إن الهجرة غير الشرعية بغض النظر عن أسبابها ودوافعها المختلفة، تعكس عدم المساواة واختلال العدالة في النظام الدولي وتركيباته، وذلك بسبب تفاوت مستوى الحياة بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير، والمسؤولية تقع بدرجة أساسية على الدول المتقدمة، التي تمنع الهجرة الشرعية وتفرض قيوداً وقوانين صارمة تحت زعم حماية مصالحها واقتصادها وأمنها، كما تتحمل الدولة الطاردة مسؤولية كبرى بسبب أنظمتها السياسية والاجتماعية وانعدام تكافؤ الفرص وعدم توفير العمل والحد الأدنى من الحياة الحرّة الكريمة، الأمر الذي تضطر معه فئات من السكان، ولا سيّما من الشباب، المُعدم بما فيهم خريجو الجامعات غير الحاصلين على العمل إلى الهجرة وركوب الخطر، والتجاوز على القوانين لتحقيق الحلم الموعود حتى وإن تغمّس بكابوس .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وبعض تجارب الحقيقة والمصالحة
-
الحقوقي والسياسي وما بينهما
-
اليوم العالمي للاعنف . . يوم ميلاد غاندي
-
تونس ما بعد النهضة
-
من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !
-
التفكير السياسي لسسيولوجيا المعرفة الإسلامية!
-
حيرة المثقف!
-
ما بعد الكيمياوي!
-
في الحاجة إلى التسامح: منظور إليها عراقياً!
-
اللاجئون السوريون والضربة العسكرية: متى تنتهي المأساة؟
-
ساعة الصفر السورية في واشنطن!
-
هل المسيحيون أقلية مضطهدة؟
-
أوراق خيرية المنصور وشجرة يوسف شاهين
-
الرسالة الأمريكية لسورية!
-
خريطة التغيير العربية: إضاءات في أطروحات مغايرة!
-
تكلفة العدالة الانتقالية !!
-
عنصرا اليقظة: الحرّية والقانون
-
المبدع في حضوره وغيابه
-
وجها الإرهاب: القاعدة ونظام المحاصصة!
-
الجامعة وهجرة العقول!
المزيد.....
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
-
مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. فما هي الخطوات المقبلة؟
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|