|
في الطريق الى واشنطن
تيسير خالد
الحوار المتمدن-العدد: 1213 - 2005 / 5 / 30 - 14:08
المحور:
القضية الفلسطينية
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الرئيس محمود عباس، أبو مازن، في طريقه هذه الأيام إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جورج بوش الابن وكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية. هذه ليست الزيارة الأولى للرئيس أبو مازن إلى واشنطن، فقد سبق أن زارها والتقى الرئيس بوش في ولايته الأولى في صيف عام 2003، عندما كان رئيساً للوزارء. يزور الرئيس أبو مازن واشنطن بعد جولة حملته إلى البرازيل واليابان والصين والهند وباكستان وجمورية مصر العربية، وهي جولة هامة بكل تأكيد أنجزت عدداً من المكاسب السياسية والدبلوماسية عبرت عن نفسها بدايةً في قمة جمعت بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية في البرازيل. القرارات التي صدرت عن قمة برازيليا شكلت اختراقاً سياسياً ودبلوماسياً هاماً في منطقة كانت الإدارة الأميركية ولا زالت تعتبرها منطقة نفوذ ومجالاً حيوياً للولايات المتحدة الأميركية. كانت الإدارة الأميركية ترغب في حضور تلك القمة، ولم يمكنها الرئيس البرازيلي من ذلك، حتى بصفة مراقب، وقراراتها بشأن القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وضعت في الظل قرارات القمم العربية الأخيرة. الزيارات الرسمية التي تلت قمة برازيليا كانت هي الأخرى على درجة عالية من الأهمية، فقد شملت عدداً من الدول لا يستهان بوزنها الدولي وعلاقاتها الدولية. إذن الرئيس محمود عباس في الطريق إلى واشنطن يحمل معه دعماً سياسياً ودبلوماسياً واسعاً. ومع ذلك فالطريق إلى واشنطن لا يبدو معبداً أو سهلاً. فقد سبقه إلى هناك أريئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل في نيسان الماضي في زيارة هي العاشرة للرئيس الأميركي جورج بوش. الطريق غير معبد فعلاً بعد أن زرعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بالألغام في نيسان 2004 في جولة مباحثاته آنذاك مع الرئيس الأميركي، وبألغام أخرى زرعها شارون في قمة شرم الشيخ في شباط الماضي. في نيسان 2004 حمل جورج بوش وأريئيل شارون كل منهما الآخر في اللقاء الذي جرى بينهما في واشنطن. فالرئيس الأميركي على أبواب انتخابات رئاسية وانتخابات نصفية للكونجرس، وكان بحاجة فعلية لدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية ليضمن الفوز بولاية رئاسية جديدة. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فقد كان يخوض معركةً صعبةً داخل حزب الليكود وداخل الحكومة ومع اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، وكان هو الآخر بحاجة فعلية إلى دعم الرئيس جورج بوش والإدارة الأميركية. وأنتجت الحاجة إلى دعم متبادل بين الزعيمين الأميركي والإسرائيلي رسالة ضمانات أميركية هي الأسوأ في مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة من القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ما الذي قالته رسالة الضمانات الأميركية التي حملها أريئيل شارون في طريق عودته من واشنطن إلى إسرائيل في نيسان من العام الماضي. لقد قالت الكثير الخطير. فقد حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي معه تعهداً أميركياً بعدم طرح أو تأييد أية مبادرات سياسية من شأنها أن تشوش على خطة شارون للانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين، وتجديداً لالتزام الولايات المتحدة بأمن دولة إسرائيل والحفاظ على تفوقها على جميع الدول العربية ودول الإقليم، وحصر عودة اللاجئين الفلسطينيين بالدولة الفلسطينية فقط في إطار التسليم بوجهة نظر إسرائيلية معروفة حول الأمن والديمغرافيا الفلسطينية، وتأييداً للموقف الإسرائيلي الذي يرفض من حيث المبدأ العودة إلى حدود العام 1967 في أية تسوية دائمة وتسليماً بأن تأخذ مفاوضات الوضع الدائم، هذا إن هي بدأت، في الاعتبار أن ضم التجمعات السكانية الإسرائيلية (ليس الكتل الاستيطانية بل التجمعات السكانية) في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل. ورغم فوزه الساحق بولاية ثانية في انتخابات الرئاسة الأميركية، التي جرت نهاية العام الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، فقد حمل الرئيس جورج بوش مرةً أخرى رئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته الأخيرة لواشنطن في نيسان الماضي. فقد جدد دعمه لخطة الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد، وطالب القيادة الفلسطينية التعاون مع شارون ودعم تنفيذ خطته، وجدد التأكيد الأميركي على رسالة الضمانات السابقة وقدم وعوداً بمنح ومساعدات اقتصادية لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد تنفيذ خطة الانفصال، ومنح مساعدات أخرى لإسرائيل من أجل تطوير النقب والجليل ومساعدات إضافية لتغطية تكاليف نقل وبناء القواعد العسكرية الإسرائيلية من قطاع غزة إلى جنوب إسرائيل، هذا فضلاً عن دعم مشاريع إنشاء مناطق صناعية بين إسرائيل وكل من مصر والأردن تستوعب العمالة الفلسطينية، وفتح الأسواق الأميركية أمام منتجاتها (وعود بتدويل حل مشكلة البطالة الفلسطينية). هذا كله تم الاتفاق عليه من جديد بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون. مسألتان تداولت وسائل الإعلام الخلاف بشأنهما بين الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل في زيارة شارون الأخيرة إلى واشنطن. الأولى تتصل بالنشاطات الاستيطانية التي تواصلها حكومة إسرائيل في الضفة الغربية على نحو غير مسبوق وخاصةً في منطقة القدس وقرارها ببناء نحو 3500 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "معاليه أدوميم" بهدف ربطها بمستوطنة التلة الفرنسية في القدس فضلاً عن البؤر الاستيطانية التي تعهد شارون بإزالتها وشجع بناء المزيد منها من الباطن. الخلاف ظهر إلى العلن في المؤتمر الصحفي في ختام الزيارة، وجرى حله على طريقة شارون، أولاً بتجميد هذا الخلاف حتى لا يؤثر على خطة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين، وثانياً بتذكير الرئيس الأميركي بأن إسرائيل دولة ديمقراطية ودولة قانون وأنها تحتكم في التعامل مع البؤر الاستيطانية التي وعدت بتفكيكها إلى المجتمع وحكم القانون. المسألة الثانية التي تداولت وسائل الإعلام خلافاً بشأنها تتصل بالموقف من "الإرهاب". فقد حمل شارون معه إلى واشنطن تفاهمات شرم الشيخ في شباط الماضي، ولكن بلغة إسرائيلية ومفهوم إسرائيلي. فإلى شرم الشيخ لم يحمل شارون خطة سياسية ولم يقترح أي خطوات سياسية، ورفض بقوة مشاركة وزيرة الخارجية الأميركية فيها خشية أن يقود أي تدخل أميركي إلى دخول اللجنة الرباعية على الخط واحتمال مطالبتها بربط خطة الانفصال من جانب واحد بخطة خارطة الطريق. لقد أغلق شارون القمة على دائرة أمنية وحصر جدول أعمالها بالملف الأمني، ونجح في ذلك وخرج من القمة بمكاسب سياسية. لم يصحب شارون معه إلى تلك القمة أي مستوى سياسي في حكومته، وكان الأمن العام الإسرائيلي – الشاباك (المخابرات) هو الحاضر الكبير، فالشاباك هو الذي يقود العملية في إسرائيل في كل ما يتصل بالعلاقة مع الفلسطينيين والجانب الفلسطيني. قضايا كثيرة تم الاتفاق عليها في شرم الشيخ ولم تلتزم إسرائيل بتنفيذ أي منها عدا ما جرى في أريحا وطولكرم، ورهنت كل شيء بمطلب تعجيزي تدرك سلفاً أن الرئيس محمود عباس أو غيره من القيادات الفلسطينية غير جاهز لتحمل تبعاته وحمل مسؤولياته؛ مكافحة ما تسميه إسرائيل "بالإرهاب" وتفكيك ما تسميه "بالبنى العسكرية للمنظمات الإرهابية". شارون يريد من الجانب الفلسطيني أن يلتقط الكستناء من النار ويقدمها لحكومته، وهذا ما شكل نقطة خلاف تكتيكية مع الجانب الأميركي. عاد شارون يضغط من جديد على نغمة الشريك الفلسطيني ولم يتجاوب الرئيس جورج بوش معه ولم يعزف على نفس النغمة في لقائهما الأخير، حتى لا يجد نفسه وقد فقد مصداقيته أمام الدول العربية وأمام اللجنة الرباعية. غياب الشريك جمعت بين الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات ولم تجمعها في الموقف من الرئيس الجديد محمود عباس. ومع ذلك لم تبد الإدارة الأميركية حزماً واضحاً على هذا الصعيد وفضلت تسجيل الخلاف أمام وسائل الإعلام على المواجهة في اللقاءات المباشرة. في ظل هذه الأجواء يتوجه أبو مازن إلى واشنطن، فما الذي يستطيع أن يفعله؟ لا شك أن المهمة صعبة، وطريقها معبد بالألغام، التي زرعها رئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته إلى واشنطن وخاصةً في نيسان من العام الماضي ونيسان من هذا العام. نجاح زيارة الرئيس أبو مازن أو فشلها يتوقف على إدراكه لعناصر القوة بين يديه، ما يتصل منها بالوضع الداخلي الفلسطيني وما يتصل منها بوضع الإدارة الأميركية ومأزق سياستها في المنطقة وبوضع حكومة إسرائيل ومأزق سياستها في التعامل مع القضية الفلسطينية والملف الفلسطيني، والذي هو في المقام الأول والأخير ملف احتلال يتواصل منذ العام 1967 وملف استيطان لا يبقي للوضع الدائم ما يمكن التفاوض عليه سوى "دولة" بحدود مؤقتة ومفاوضات أبدية. الرأي العام موجود وفاعل ليس فقط عند الإسرائيليين بل وكذلك عند الفلسطينيين، والمعارضة موجودة وفاعلة ليس فقط عند الإسرائيليين بل وكذلك عند الفلسطينيين. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون يضغط في كل زيارة يقوم بها إلى واشنطن من أجل العودة إلى الرأي العام الإسرائيلي بمكاسب سياسية أو دعم اقتصادي، فمن واجب الإدارة الأميركية أن تدرك في علاقتها مع الجانب الفلسطيني ولقائها بالرئيس محمود عباس أنها أمام محطة الفرصة التاريخية بكل ما يتطلبه ذلك من مواقف صريحة والتزامات جادة ومسؤولة. فخطة شارون للانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين واستمرار بناء جدار الضم والتوسع، وفي ظل النشاطات الاستيطانية هدفها بات واضحاً وهو فرض ما يسمى بدولة بحدود مؤقتة، تكون بديلاً لرؤية الرئيس جورج بوش، التي تحدثت عن دولة فلسطينية مستقلة، متصلة، قابلة للحياة، وبديلاً عن خارطة الطريق، التي تحدثت عن انهاء الاحتلال من الأراضي الفلسطينية الذي بدأ عام 1967. رفض الدولة بحدود مؤقتة هو نقطة الانطلاق، وفي سياقها يأتي بكل تأكيد رسالة ضمانات أميركية إلى الجانب الفلسطيني تراجع فيها الإدارة الأميركية ما تعهدت به لحكومة شارون في رسالة الضمانات، التي استبقت نتائج مفاوضات الوضع الدائم سواء بالنسبة للحدود وهي حدود العام 1967، أو التجمعات السكانية الإسرائيلية (الكتل الاستيطانية) أو قضية اللاجئين الفلسطينيين وضرورة حلها على قاعدة قرارات الشرعية الدولية. ليست إسرائيل هي التي بحاجة رسالة ضمانات تنصب فيها الإدارة الأميركية نفسها مفاوضاً بديلاً عن الجانب الفلسطيني، فالذي بحاجة إلى رسالة ضمانات هو الجانب الفلسطيني، رسالة ضمانات تنزع الألغام، التي يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية ومن خلال الإدارة الأميركية زرعها في طريق تسوية للصراع تقوم على قاعدة القانون الدولي والشرعية الدولية والأرض مقابل السلام وتوفر الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة وفي مقدمتها دولة فلسطين وعاصمتها القدس. هذا يفتح الطريق أمام تسوية متوازنة وغير ذلك يفتح الطريق أمام تجدد انتفاضة تؤكد جميع المؤشرات أنها الخيار الحتمي للشعب الفلسطيني من أجل التحرر من الاحتلال. وبانتظار عودته من واشنطن نتمنى على الرئيس محمود عباس وضوحاً في الموقف كما نتمنى له النجاح.
نابلس 21/5/2005
#تيسير_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الدفاع عن الطبقة العاملة والصناعة الوطنية
-
-قوس قزح- بألوان إسرائيلية في رفح
-
تحية الصمود إلى عمالنا البواسل في عيد العمال العالمي
-
حكومة يمينية متطرفة بدون غطاء داخلي أو خارجي
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|