أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أسعد - أطلال من ضيعة ضايعة تطرق على باب الحارة (1)















المزيد.....

أطلال من ضيعة ضايعة تطرق على باب الحارة (1)


عادل أسعد

الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 12:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بتنا نخشى تحرك عقارب الزمن و مرور الأيام على سوريا ، فمع مرور كل نهار و مع ذهاب نوره تأتينا أسماء جديدة لأحبة و لأخوة في الوطن ذهبوا مع نهارهم و أودعوا تركتهم أمانة في أعناقنا . فمنهم من كان قائد ميداني هرم و لكنه كان بالرغم من كبر سنه صلباً و صامداً في ساح الوغى ، و منهم من كان مقاتل شاب عنيد أبقى سلاحه شاهراً على خط التماس و قد رحل لأنه أبى أن ينكسه ، و منهم من كان طفلاً سورياً يسير ممسكاً بيد أمه هانئاً واثقاً بأن هدية السماء له ستكون مطراً و ليس قذائف . جميع هؤلاء و من ذهبوا قبلهم و من هم باقون و مستعدون لمواجهة قدر وطنهم باصرار يحملون رسالة عاطفية واحدة و هي أن عقارب زمن الوطن ستبقى تدور لأن لأبنائه عواطف تجاهه هي أقوى من بلادة العقول الصدأة و من برودة الأنفس المتكلسة و من ... عنف العواطف المشوهة .
منذ أيام مضت رحل عنا فنان كبير كانت لقدراته الفنية دوراً كبيراً في رسم العالم الجمالي لجزء كبير من شعوب شرق المتوسط . و قد رحل الفنان وديع الصافي في لحظة كان فيها صامداً في جبهة الحياة عنيداً يقاوم شاهراً عوده و هو قد تجاوز عتبة التسعين من العمر . رحل و أخذ معه ما أخذ من بقايا ذكريات و من عنواين لزمن كان فينا و كنا منه و لكننا بعد مصاب وطننا لم نعد نعرف ان كانت حقاً لعقارب ذاك الزمن بقايا روح تتحرك بها أم أن الصدأ قد تمكن منها فأوقفها عند حقبة كانت و بقيت ثم مضت على غفلة من مستمعي وديع و زملائه . لطالما ارتبط العالم الرحباني الذي ينتمي إليه وديع الصافي بجغرافية محددة لم يكلوا الرحابنة من إعادة رسمها و نحت تفاصيلها في أعمالهم التي جسدتها فيروز مع الثناني نصري شمس الدين و وديع الصافي ، و لهذا نرى ان ما لدى وديع و زمنه عند أبناء هذه الجغرافية ( الجبال الساحلية في سوريا و لبنان ) ما هو أعمق من ذكرى خفيفة و أمضى من خاطرة تقليدية ، فهي أخاديد قد حُفرت في الوجدان وصولاً إلى لبه الطري فسطرت حكايات على جذوع السنديان العجوز و رسمت أحلام على أغصان الزيتون الأخضر و بنت صور عذبة فوق الألم الكامن و ... الخشية الحاضرة .
قد شكل الفنان وديع الصافي نموذج عن نوع قوي من الارتباطات العاطفية التي تربط ما بين لبنان و سوريا ، فالفنان الراحل كان يمضى الكثير من أوقات صلاته في سوريا يتضرع إلى الخالق في أديرتها و يرتل موسيقاه في كنائسها ليعود إلى لبنان فيجلس مع أبناءه و يمسك عوده ليخرج منه ألحان جديدة . و عندما اشتد عليه المرض منذ عدة سنوات مضت لدرجة عجز فيها عن سداد نفقات العلاج سدد له الرئيس بشار الأسد نفقات علاجه كخطوة ليست بجديدة على النظام السوري بل تتوافق مع خطوات مماثلة قام بها الأسد الأب من قبل لمساعدة فنانين سوريين و لبنانيين على العلاج مما ولد لديهم احساس بالامتنان و شكل عندهم انطباعات حميدة تجاه النظام السوري لدرجة صرح فيها الفنان وديع صافي بأنه مستعد لأعطاء بصره للرئيس بشار الأسد فيما لو طلب منه هذا الأخير ذلك . و قد يرد البعض على هذا القول باستخفاف مفترضين بأنه مجاملة لرئيس لم يتصرف حسب عاطفته بل هو يشتري أصوات الفنانين بمساعدات يحقق بها ضربات اعلامية تزيد من رصيده السياسي . واقعياً قد يكون هناك بعض الحقيقة في هذا التبرير و لكنها حقيقة ناقصة فتحقيق ضربة اعلامية كهذه تعتبر بحد ذاتها حركة تقليدية و مشروعة في عالم السياسة ولا تحمل أي خطيئة أو تتحمل خطأ ، و لكن في حالة استثنائنا لتأثير العاطفة الذاتية على تصرفات النظام السوري هل يستطيع أحد من هؤلاء أن يعطيني تفسير منطقي واحد فقط لماذا جعل النظام من أغنية لبنانية رحبانية لفيروز (خطة قدمكن) عنواناً للجيش السوري و أغنيته الصباحية المفضلة و موسيقاه الحماسية أثناء التدريبات !!؟؟
أكاد أجزم بأن الرئيس الأسد الأب قد فاق كل السياسيين في العالم بكمية المقالات التي كتبت عن تحليل شخصيته و عن استقراء دوافعه و ردود أفعاله . و قد بدأت هذه المقالات بالظهور في نهاية السبعينات بعدما تبلورت الامكانيات السياسية المميزة التي كانت للرئيس السوري و بعد مضي سنوات على حرب تشرين ضد اسرائيل بعدما ضعفت قوة التأثير العاطفي الوطني التي لتلك الحرب على الجمهور السوري و بعدما تشكلت و تسلحت أول معارضة في سوريا من بعد استلام حزب البعث للسلطة فيها ، و تناولت معظم تلك المقالات بالتحليل تكتيكات الرئيس السياسية من بعض المسائل الاقليمية العالقة و مواقفه القاسية و المرنة ضد معارضيه في الداخل و أعدائه في الخارج . أما في عهد الرئيس الأسد الأبن فقد ازدادت بشكل دراماتيكي خلال الأزمة الأخيرة وتيرة المقالات التحليلية التي تدور في مجملها حول شخصية الرئيس بشار كتكتيك مدروس يهدف إلى كسر الاطار المنزه الذي أحاط بصورة الرئيس السوري و رسم صورة مغايرة له في المقابل تكون مهزوزة و ضعيفة مما يولد انطباع عند حملة السلاح من المعارضين بأنهم يقاتلون ضد قوة مبنية على خدعة و ان النظام ضعيف و ترأسه شخصية مهزوزة و قلقة . و الغريب في كل هذه المقالات التحليلية التي ركزت على النكش في المواقف السياسية إلى حد وصل في حالات كثيرة إلى التأليف المبتذل لرسم صوراً سلبية قدر الامكان عن النظام أن و لا واحدة منها قد تطرقت و لو هامشياً إلى الجوانب العاطفية التي للنظام السوري أو إلى تطبيقاتها و انعكاساتها على الأرض ، و لربما كان الغباء هو السبب في هذا التقصير ؟؟ أو قد يكون هو الغرور كون المغرور هو انسان ضيق الأفق يهتم بنقد سلوك الأخرين و لكنه لا يهتم إلا بعواطفه هو . مهما كان السبب فقد شكل هذا التقصير خطأ جسيماً لدى المعارضة التي عانت و مازالت بسبب رؤيتها الخاطئة لنقاط ضعف النظام و لمكامن قوته ، كما و امتلكت تقدير خاطئ عن مدى شراسة مقاتليه في ساحات القتال و في مواجهتهم لعنف عدوهم . فمهما تحدثنا عن تأثير التحالفات الاقليمية و عن توازنات القوى الدولية على الأزمة السورية إلا أن الكلمة الفصل تبقى لنتيجة القتال على الأرض ، و في الحالة السورية نرى بأن طرفي القتال يتقاربون في امتلاكهم لعناصر القوة في الميدان ، فالتفوق في السلاح عند الجيش السوري يقابله تفوق في العدد عند مقاتلي المعارضة و تفوق في وضعها الميداني الذي يسمح لها بشن حرب عصابات على كل أهداف الدولة بينما تبقى هي غير واضحة و محددة كهدف للجيش السوري . و يكاد أن يكون القتال في سوريا محصوراً في الأبنية و في الأزقة مما يعني أن المواجهات تتم بين الطرفين من مسافات متقاربة حيث يضعف الدور الفعال الذي للأسلحة الثقيلة على سير المعركة و يصبح للعواطف القتالية التي يتمتع بها المقاتل و التي تُترجم في الميدان كبأس و صلابة في مواجهة العدو و استخفاف بالخطر الدور الأكبر في تحديد ألوان الخريطة على الأرض .
ان المجتمعات الشرقية هي عاطفية في المجمل و ذلك على عكس المجتمعات الغربية التي تتميز ببرودة تحدد سياساتها ببراغماتية صارمة و ترسم قراراتها المدروسة سلفاً بالأرقام . و في المجتمعات الشرقية نفسها نرى تنوعات في طبيعة العاطفة الفردية يمليها الموروث الثقافي الجمعي و تلعب الطبيعة الجغرافية دوراً هاماً فيها . ففي المنطقة الساحلية في سوريا نرى اجتماع لطبيعتين جغرافيتين و هما الجبل و البحر لذلك نرى أن لأبناء هذه المنطقة طبيعة حارة خاصة بهم ، فهم يتميزون بالانفعالية الشديدة و بالتطرف في تقلباتهم العاطفية ، فتراهم يبدون لطافة تصل إلى حد الوداعة مع من يرونهم مسالمين تجاههم و يصبحون في المقابل شديدي الهيجان و يصلون إلى حد البطش عندما يستشعرون أي احساس بالخطر أو بالمعاكسة . و أعتقد أن هذه الصفات هي أصل الجملة الشائعة في سوريا ( أنا مع الآدمي مافي مني و مع العاطل بصير أرذل منه). فهم يجمعون في دواخلهم أمواج بحرهم المتلاطمة و صلابة جبلهم و اصراره ، و يوفقون ما بين هذه الصفات المتباعدة بربطها مع بعضها البعص بملاط متين من تاريخ مشترك كان مؤلماً لهم و من حنين مشترك إلى عشق مجهول لهم و لكنه قريب منهم بنفس الوقت . إنه عشق كان قد غنى له وديع في حب ليلى و حب الوطن ...هم مرتبطون بزمن لا يستطيعون تحديده بدقة ، بل لا يعرفون حقيقة ان كان قد وجد أم لا لكنهم يعيشونه و يربطونه برباط وجودي بجبالهم الخضراء و بطبيعتهم الخلابة التي رسمتها فيروز و من ثم وقفت عند أطلال جمالها متألمة عندما صدحت بعنفوان عن طاحونة جدها التي كانت على نبع المي و تحسرت على أيام حنا السكران في عشقه العذري لبنت الجيران . انهم مقاتلون في خدمة حنينهم و زمنهم ، شوقهم و ألمهم ، انهم أبناء لضيعة ضايعة يطرقون بمعاولهم القديمة و بأياديهم المتشققة على... باب الشرق .



#عادل_أسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية..خوف ينتج خوف
- أبو عنتر السوري يتجنب الضوء (2-2)
- أبو عنتر السوري يتجنب الضوء (1-2)
- نهر قويق لم يستر عورتهم هذه المرة
- رقصة غجرية في سيرك النذالة
- هل هي اسرائيل الثانية ...لا انهم المريدون
- حدوتة كوسوفو تروى في سوريا
- إذا سادت الأمنيات في السياسة..سالت الدماء
- حرب الهيدرا في سوريا
- تأملات في دقيقتين و ثانية سورية
- الملائكة تفتي في سوريا
- الرئيس السوري يخاطب الحاوي
- لا تستخفوا بالنظام السوري
- بل أهل الشام من أدرى بشعابها 2-2
- بل أهل الشام من أدرى بشعابها (1)
- و لا عزاء للمتسائلين
- تلفن جوبيه...هيدا جوبيه هيدا
- حتى أنت يا ميسي
- سوريا الوسيلة .. سوريا الغاية
- سوريا الصامتة بين الشبيحة و الموتورجية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أسعد - أطلال من ضيعة ضايعة تطرق على باب الحارة (1)