أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - كان لنابوت كرم















المزيد.....

كان لنابوت كرم


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 303 - 2002 / 11 / 10 - 04:05
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

26.10.02

 

معظم الاسرائيليين.. لو كانوا هناك يوم السبت الماضي مع الغروب، لَمَا كانوا سيصدقون ما تراه أعينهم.    

في مركز حوَّارة، وهي قرية صغيرة جنوبي نابلس، وقف 63 اسرائيليا، نساء ورجالا، شبانا ومسنين، وبينهم العشرات من ابناء القرية. تحادث اليهود والعرب معا، وشربوا العصير الذي قدمه المضيفون لهم، وتبادلوا العناوين وارقام الهاتف. ألصق اطفال القرية لاصقات جلبها الضيوف معهم، وكانت عليها اعلام اسرائيل وفلسطين. ولم يحمل اي احد سلاحا هناك.

بدوا جميعا سعداء. وبحق: لقد انهوا معا للتوِّ يوم عمل مضنيا في قطف الزيتون. لقد كانوا معا تحت الاشجار. وكانوا معا ايضا عندما اطلق المستوطنون النار.

كل هذا يحدث عميقا عميقا في الارض الفلسطينية، بعد مرور عامين على المواجهة العنيفة. عيد الصداقة الاسرائيلية – الفلسطينية في قلب الاحداث الدموية. تجربة انسانية. عمل سياسي. موقف رمزي.

شجرة الزيتون هي رمز للبلاد، منذ ايام التوراة. اعتمد الفلاحون عليها في معيشتهم على مدى الاجيال – الكنعانيون، بنو اسرائيل، العرب. على طول السنة يعتني المزارع بحقله، ويحرص على الاشجار، ويعزل الارض. في اسابيع قطف الزيتون القليلة تنشغل العائلة كلها بالامر – الرجال والنساء، الكهول والشبان. يجب قطف الثمار في موعدها، وجلبها الى المعصرة، واستخلاص الزيت الغالي منها – زيت الزيتون. انها ايام عيد. 

          عائلة كاملة تستطيع ان تعيش الآن من عشر شجرات زيتون. من دون هذه الاشجار لا وجود لهذه العائلة. وكلما اشتد الاحتلال قساوة، مانعا الحركة ولاغيا اسباب المعيشة، ازداد التعلق باشجار الزيتون اكثر.

لذلك فان اعمال المستوطنين قذرة جدا، لانهم يحاولون منع قطف الزيتون وسرقة الغلة او حرق الحقول. انهم يذكرون بأفظع أعمال السوء على الاطلاق، المذكورة في التوراة: قصة كرم نابوت التوراتية.

  " كان لنابوت اليزرعيلي كرم في يزرعيل بجانب قصر اخآب ملك السامرة. فكلَّم اخآب نابوت قائلا اعطني كرمك فيكون لي بستان بَقُول لانه قريب بجانب بيتي فأعطيك كرما أحسن منه او اذا حسن في عينيك اعطيتك ثمنه فضة. فقال نابوت لاخآب: حاشا لي من قبل الرب ان اعطيك ميراث آبائي". والبقية معروفة: لقد حاكت ايزابل زوجة اخآب قصة كاذبة، وحكم على نابوت بالاعدام، وحظي اخآب بالكرم. في النهاية لحست الكلاب دماء اخآب وايزابل.

     ولكن، مقارنة بالمستوطنين ايزابل الشريرة كانت صدِّيقة عظيمة. لان المستوطنين يستولون على كروم الزيتون التابعة للقرى من دون عرض بديل او نقود حتى. انهم يطلقون النار بكل بساطة. لقد قتل فتى عربي على ايديهم خلال قطف الزيتون، وتم تهريب مئات آخرين.

     لكل قرية فلسطينية تقريبا كروم، محاطة بمستوطنات او بـ"بؤر استيطانية"، وقد سيطر عليها المستوطنون. وعندما يقترب اصحابها منها لحراثتها او لقطف ثمارها، يطلق المستوطنون باتجاههم النار "بالتنسيق مع الجيش الاسرائيلي". والحجة بسيطة: عندما يقطف القرويون الزيتون على مقربة من المستوطنين، فانهم يستطيعون رؤية ما يجري فيها وبالتالي تشكيل الخطر عليها.

     يوجد هنا طبعا تشويه وحشي للحقائق: يقيمون مستوطنة في قلب مجتمع فلسطيني مزدحم بالسكان، ويمنعونهم من حرث اراضيهم، لانها قريبة من المستوطنات.

لم يكتفِ المستوطنون في بعض الحالات باطلاق النار، انما اجتاحوا الحقول فعلا، وطردوا قاطفي الزيتون وسرقوا الزيتون الذي قطفوه. انبياء اسرائيل كانوا يتقلبون في قبورهم. سرقة في وضح النهار. والجيش يقف صامتا.

     ان تصرف المستوطنين اسوأ من اعمال اخآب وايزابل، وهدفهم واضح: انهم يريدون قلب حياة القرويين الى جهنم، لكي يفروا هاربين. وهذا ما يدعى "ترحيل عن رضا"، وبكلمات بعيدة عن التأتأة: تطهير عرقي.

بالنسبة للاسرائيليين المتصفين بالاستقامة، فان النتيجة بسيطة جدا: انهم يتجندون لمساعدة ابناء القرى في قطف الزيتون، قبل ان يصيب الثمار العطب وهي على الاشجار وقبل ان يتساقط. انهم يخلقون "جدارا بشريا" امام المستوطنين. لقد تجند مئات من الاسرائيليين لهذه المهمة في الاسابيع الاخيرة.

تجمع يوم السبت الاخير 260 اسرائيليا، لبوا دعوة منظمات السلام المختلفة (من بينها كتلة السلام" – غوش شلوم، ائتلاف النساء، تعايش، وفد من "سلام الان"، وما شابه). لقد توزعوا على القرى المعرضة لأكبر خطر.    

لقد شاء القدر ان اكون من ضمن المجموعة التي وصلت الى قرية حوارة الواقعة في الوادي بين جبلين عاليين. الكروم منتشرة على المنحدرات الصخرية للجبال الكثيرة الصخور والشجيرات الشائكة. كانت هناك حاجة الى جهد كبير من أجل الوصول إليها، وفي بعض الأحيان كان أحدنا ينزلق، يقع ويُخدش.

حول عشرات من الاشجار توزعت مجموعات من قاطفي الزيتون الفلسطينيين والإسرائيليين وكانوا يقطفون الزيتون. أصحاب الشجر انتهزوا حضور الإسرائيليين وقطفوا الزيتون بسرعة. على النقيض من المتبع، ضربوا أغصان الأشجار بالعصي، كي يسقطوا حبوب الزيتون على القطع البلاستيكية الخضراء التي تم فرشها تحت الأشجار. انه مضر للشجرة، لكن داهمنا الوقت.

لقد عمل الجميع بسرعة، ممسكين الأغصان المليئة بالثمار، مالئين الدلاء والأكياس أو جامعين الثمار عن الأرض. خسارة على كل حبة زيتون. تسلق الرياضيون إلى أعلى الأغصان وملأوا عليها القبعات والأكياس.

إن المجموعات التي وصلت إلى رأس الجبل وجدت أمامها مستوطني يتسهار بملابس السبت؛ بنطلونات سوداء وقمصان بيضاء، وأسلحتهم بأيديهم. لقد هددوا قاطفي الزيتون ببنادقهم، أطلقوا النار في الهواء وفي الأرض (لقد اصيب أحد قاطفي الزيتون في بطنه من شظية). لقد جلجلت الطلقات بين الجبال. بعد مرور 40 دقيقة وصل الجنود، وبعد أن التقوا وتبادلوا التحيات من المستوطنين طالبوا القاطفين بمغادرة الكرم والابتعاد عنه. لقد شرح الجنود قائلين بأن المستوطنين كانوا على حق حين اطلقوا النار، لأن القاطفين عرضوا البلدة للخطر. ولكن هؤلاء القاطفين أصروا على العمل بسرعة أكبر وواصلوه بحماية الإسرائيليين؛ الجدار البشري. ولكنهم دفعوا إلى الأسفل تدريجيا يعقبهم المستوطنون.

في سائر القطع تواصل قطف الزيتون دون توقف. خلال العمل دُخنت السجائر، جرى تبادل الاحاديث، في البداية بتردد ما، ثم بصورة يقظة، على الرغم من صعوبات اللغة. بعض ابناء القرية اتقنوا العبرية وحكوا عن اماكن العمل التي عملوا فيها في تل ابيب.

قبل حلول الظلام جمعت ولفَّت قطع القماش، وحمل الاشخاص الاكياس على اكتافهم وعلى حميرهم، وشرعوا بالنزول على المنحدرات الصخرية ومن جب الى جب. تنقل الفتيان المحليون بخفة، والمسنون والضيوف بحذر شديد، ممسكين الواحد بالاخر حينا وبالشجيرات حينا اخر.   

     كان هناك العديد من الاشخاص السعداء. ومن يواجه الوحوش يشعر بالفرح لانه لم يفر من امامهم. وفرح عمال القطيف الاسرائيليون لانه دمجوا ما بين المظاهرة السياسية وبين العمل المجدي. واما الفلسطينيون فقد فرحوا لانهم انقذوا بعضا من غلتهم على الاقل. لقد حملوا الاكياس الثقيلة على ظهورهم. في حضيض الجبل حمَّلوا الاكياس على الحمير والسيارات القديمة، التي يوحي منظرها بانها على وشك التفكك في كل لحظة.

في النهاية جاء وقت الافتراق المثير للمشاعر: مئات الفلسطينيين، من الرجال والنساء والاطفال، رفعوا ايديهم يودعون الاسرائيليين المغادرين بحماس، في الساحة والازقة وعبر الشبابيك – قرية كاملة. اجر يوم عمل لا شبيه به.

    



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا انهارت حكومة شارون- فؤاد- بيرس؟ بسبب حبة زيتون صغيرة
- الحرب الان


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - كان لنابوت كرم