|
الدنيوية بدل العلمانية..!!؟
كريم كطافة
الحوار المتمدن-العدد: 1213 - 2005 / 5 / 30 - 04:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما زال الكثيرون يعتقدون بصلاحية شكل من أشكال دولة إسلامية في هذا البلد أو ذاك، فقط لأن غالبية ذلك الشعب متدين بالإسلام. تبدو أن إشكالية التجاذب بين هؤلاء والمنكرين عليهم الادعاء، لم تزل إشكالية بعيدة عن الحل وفيها الكثير من خلط المفاهيم يتناوب عليه الطرفان؛ مثل مفهوم الدولة، الدستور، السلطات، المواطن، الحرية، الديمقراطية، الشورى، مصدر السلطات..إلخ حيث لا تعدم ديمقراطي علماني يجهد نفسه بحثاً وتنقيباً في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية وروايات، ليفحم خصمه ومن ساحته بما يدعم الديمقراطية والتعددية، وليظهر على الملأ أنه يفهم في الإسلاميات كذلك، متغافلاً عن حقيقة؛ أن ذات النصوص التي اجتزأ منها تزخر كذلك بما يناقض ما ذهب إليه وأن الدين الإسلامي كأي دين توحيدي أو غير توحيدي، لا علاقة له بالديمقراطية والتعددية التي يعنيهما. مثلما تجد الآخر الإسلامي يبحث وينقب في كلاسيكيات القرن الثامن عشر والسابع عشر من اليسار واليمين، عن نصوص وأبحاث هنا وهناك يدعم بها فكرة آهلية دينه لبناء وقيادة الدولة، متغافلاً كذلك عن حقيقة؛ أن الحضارة المعاصرة بديمقراطيتها وإنجازاتها الهائلة التي يريد التواصل معها، هي قائمة أصلاً على قوانين غير مقدسة، استنبطها الفلاسفة والمفكرون والاقتصاديون من تجارب البشر على مر السنين، وهي قوانين بجملتها قابلة للتعديل والطعن وحتى الإلغاء في حقب لاحقة. وإذا كان التاريخ القريب، أفرز لنا حضارة إنسانية صاعدة، متناسجة مع العلوم وإنجازاتها المادية، وبمنظومة أخلاقية جديدة، محورها؛ الإنسان وتحرره من كل ما يكبل انطلاقه صوب آفاق جديدة من الجمال والكمال. فأن التاريخ ذاته ببعديه القريب والبعيد لم يقدم لنا نموذجاً واحداً على دولة اعتمدت الدستور الإسلامي -إن كان هناك دستوراً إسلامياً أصلاً- وحررت الإنسان، بدءاً من دولة بني أمية ووصولاً إلى دولة طالبان. كان القرآن دستورهم جميعاً، ومع ذلك كانت دولاً استبدادية ظالمة، اضطهدت شعوبها ولم تقدم نموذجاً يمكن الاقتداء به. وإذا كانت أشكال العبودية مختلفة، فأن مضمونها واحد، هو استلاب ومصادرة الإنسان روحاً وجسداً لسيد أو والي أو سلطان أو ملك أو خليفة أو إمبراطور أو فقيه أو أي مسمى آخر. ولا يغير من أمر العبودية تلك أنها جرت تحت يافطة العبودية للله. وإذا ظهر من يقول لي: لِمَ التحامل أيها السيد الكاتب، كل الدول القديمة كانت تسير على هذا المنوال، ولم تكن الدولة الإسلامية شاذة عن عصرها. عندها سأمد يدي للمعترض واعبر له عن امتناني، لأنه على الأقل قطع نصف المسافة الفاصلة بيننا. نعم، كانت التجربة الإسلامية تجربة تاريخية لها زمانها ومكانها، ومثلما من النكتة لو ظهر أحدهم في أوروبا الآن مطالباً بنبش قبر الدولة الرومانية أو البيزنطية، كذلك من النكتة نبش قبر الدولة الإسلامية عندنا. مثلما من الجنون واللا مسؤولية المناداة ببناء دولة، اعتماداً على إحالات تأخذ بيدك إلى قصص وحواديت وأحاديث نبوية هي أقرب إلى الخيال منها للحقيقة أو اعتماد النص القرآني أساساً للتشريع، والداعي قبل غيره يعرف ما في هذا النص من مشاكل على صعيد التفسير والتأويل، الأمر الذي أوجد على مدار التاريخ عشرات بل مئات المدارس الفقهية المختلفة والمتخالفة. وهو الأدرى بأن العلاقة القائمة بين مدارس التأويل والتفسير، ليست علاقة علمية جدلية قائمة على الأخذ والعطاء والتصحيح والتدوير، بل علاقة إقصائية تكفيرية. منذ أكثر من 14 قرن والمعضلة هي هي، الجميع يتكلمون عن الإسلام الحقيقي، الذي لا تدري في أي كوكب يسكن. بينما الواقع كل يوم يفح بوجهك الحقيقة الوحيدة التي تقول، لا يوجد دين يعترف بالدين الآخر، مثلما لا توجد طائفة أو ملة في الدين الواحد لا تكفر وتقصي الطوائف والملل الأخرى. العلاقة الطبيعية السارية إلى الآن بين الأديان والملل هي الإلغاء والإقصاء الديني. ليس المهم ما الذي تقوله عن نفسك، المهم ما تفعله على الأرض. إذن، كيف سنبني دولة أساسها الفكري هو تكفير وإلغاء الآخر المختلف..!!؟ لكن من الجانب المقابل، لا يحق للعلمانيين إلغاء الإسلاميين لمجرد أنهم لا يقتنعون بما يقولونه. من حق الجميع أن يدلوا بدلوهم ويقدموا مشاريعهم، والجميع يتنافس، يتشارك، يتعاون، يتصارع، على إدارة شؤون حياتهم، ما دامت تلك الشؤون هي مشتركة. لكن، ولغرض إدارة هذا التشارك أو الصراع أو المنافسة، بأمان وصحية وعدالة، يجب أن تكون له قوانين معروفة ومتفق عليها، تحقق مصالح كل الأطراف، وتتضمن كذلك آليات تمنع أن يستحوذ أحد الأطراف على كل شيء تحت أي ذريعة كانت. على أساس هذا الاقتراح؛ أما أن يعتبر السياسي-الإسلامي دينه سياسة ويدخل بالتالي ضمن قوانين وآليات السياسة المتعارف عليها، يجري عليه ما يجري على باقي أشكال وألوان السياسة، الطعن والتغيير والتبديل والتنازل ولعبة مراكز القوى.. حيث لا شيء مقدس في السياسة. وأما أن لا يزج بدينه في أتون السياسة، وهنا سوف يخفف عنه وعن العلمانيين. لكن، مقابل هذا، على العلمانيين أن يردوا الجميل بأجمل منه؛ أن يعلنوا أنهم ليسوا علمانيين..!! طالما أن مفردة العلمانية ما زالت تثير حساسية الإسلامي..!! لا ضير، ليبحثوا لهم عن مفردة قادمة من التراث والتاريخ، ليعلنوا أنهم دنيويون وليسوا علمانيين، وأن لهم آراء وتصورات لا تقول بتدخل الخالق بشؤون تنظيم المخلوق لحياته الدنيوية، وأن كل ما قيل ويقال ما هو إلا مزاعم وتخرصات وبضاعة خطرة لرجال دين يدعون بوكالات ربانية، وللدنيويين عليها آلاف الملاحظات، التي لا تقصد الخالق (جل وعلا) بل من يدعي أنه يمثل الخالق. هم ليسوا كفرة وملحدين بالضرورة، لكنهم يريدون إدارة شؤون وشجون دنياهم بقوانين وآليات فيها مكان ودور للجميع، يجري الاتفاق عليها في خطوطها العامة جداً ولا ضير من الاختلاف على التفاصيل الفرعية لاحقاً، لأن الحياة متحركة أو هكذا يجب أن تكون. وفيصل اللعب بين الفريقين هو من سيختاره المواطن الحر لإدارة شؤون حياته. وهنا يجب تأطير مفردة (الحر) بإطار واضح للجميع، الحر لا يعني المواطن المستلب للفقيه أو المفتي أو المخوف بالعذاب و المؤمل بالجنة. عندها سيستمر الدين كبعد روحي وأخلاقي للإنسان، إنما دون وصاية. لأن الإنسان قادر مهما كان عقله قاصراً وبدون معونة أي فقيه على معرفة ما يريده الخالق منه، من غير المعقول أن يوصينا الخالق بتفجير الناس في الشوارع، أو سرقة أموالهم، أو هتك أعراضهم، أو تعذيبهم أو تدمير حياتهم ليرتاح في عليائه..!! هكذا إله مشكوك بوجوده أصلاً، والمتدين الذي يفهم الدين هكذا هو مجرم وإن صلى الليل والنهار وصام الدهر كله. من الآن سيغدو الدين كذلك شأناً للدنيويين، شأناً لعموم البشر وليس حكراً على وكلاء منتدبين لا تدري من مَنْ. طالما الخالق خلق الجميع، لا يحق لأحد الإدعاء سواء قولاً أو فعلاً أنه وكيل للخالق. ليس بالضرورة أن يكون الطريق الوحيد لتقربي إلى الله هو طريق هذا الوكيل أو ذاك.!! 28/05/2005
#كريم_كطافة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يريد اليسار..!!؟
-
في ظلال مؤتمر نصرة الشعب العراقي
-
ما زلنا نواجه ماري أنطوانيت الطيبة
-
سؤال الصورة ومحنة الشاعر عقيل علي
-
لا خاطف ولا مخطوف في واقعة الجمل الجديدة
-
عن الشرف.. وأشياءه الأخرى
-
الموت للعرب.. لماذا..!!؟
-
أليس عندكم أفعل من مشعان
-
لنعمل من أجل المصالحة الأخرى
-
الدنصرة في السياسة
-
قانون أبو شامة والدكتورة الألمانية
-
جنون البقر السلفي -البعثي
-
إلى دعاة المصالحة الوطنية..أنها تدور
-
نعم.. نحن ننتخب.. وهم ينتحرون
-
هل برنامج قائمة اتحاد الشعب برنامج شيوعي..؟
-
لو سألتموني عن سوريا.. سأدلكم على ما يفيد
-
أحذروا عودة الملثمين عبر الانتخابات
-
شيوعيون أصوليون... 2 ـ 2
-
شيوعيون أصوليون
-
العراقيون والضحك والسيارات المفخخة
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|