السبت 09 نوفمبر 2002 05:30
تقول واشنطن انها تريد الديموقراطية وحقوق الانسان للعراق. تقول انها ستجعل منه نموذجاً لهما في المنطقة.
الكلام, في أغلب الظن, دعاية حرب. مع هذا: يُستحسن ابقاء الاحتمال بنسبة 10 في المئة مفتوحاً بأن يكون الكلام جدياً.
بمعزل عن كل شيء, كيف تردّ المنطقة على هذه الدعوة؟
نأخذ عيّنتين من عاصمتين:
> في بيروت, يتم ابطال نيابة غبريال المرّ بعد اقفال محطة أم.تي.في.
> في طهران, يصدر حكم بالإعدام على الكاتب الإصلاحي هاشم آغاجري. نعم حكم بالإعدام على كاتب!
الرد الطهرني أشرس بالتأكيد من الرد البيروتي (الدمشقي). مع هذا: القاسم المشترك ان العاصمتين ترسمان الحدود الحمر الفاصلة بين المسموح والممنوع. وفي المناخ نفسه تشيع التعابير اللاسامية في عواصم أخرى, على شكل برنامج تلفزيوني (القاهرة) أو على شكل كتب (دمشق). لماذا؟ لأن العواصم تتعرض لـ(الهجمة) الأميركية - الاسرائيلية.
وقد يقول قائل ان اجمالي السياسة الأميركية - الاسرائيلية يشجّع على التطرف. وهذا صحيح. وهو قد يزداد صحة مع انتخابات منتصف الولاية في أميركا, وهي تفويض جديد للرئيس جورج بوش ونهجه. وهو أيضاً قد يزداد صحة إذا تماسك اليمين الاسرائيلي في حكومة جديدة خاصة به, لا سيما إذا لم ينجح الفلسطينيون في الاستفادة من انهيار الائتلاف, ومن مخاطبة الرأي العام الاسرائيلي انطلاقاً من حزب العمل. وانطلاقاً, بالطبع, من وقف العمليات الانتحارية بكل أشكالها.
لكن الصحيح أيضاً ان الرد البيروتي والرد الطهراني وسائر الردود لا تفعل غير تزييت الآلة العسكرية الأميركية. والآلة العسكرية الاسرائيلية كذلك. لا تفعل غير تعزيز (الهجمة).
فأنظمة ومجتمعات (تردّ) على هذا النحو إنما ترد على ذاتها. والحال انها تمارس عملية انتحارية يقتصر ضحاياها على تلك الذات. وعلى أحسن ما في تلك الذات. إلا أن ردودنا تملك في قاعها لحظة أخرى: لحظة وثنية. فنحن نقاتل (الغرب) من خلال مقاتلة ما يبدو لنا انه الغرب عندنا. ما يبدو لنا عصرياً. ما يبدو لنا ديموقراطياً. ما يبدو لنا مؤسسياً وحديثاً.
وعن نهج كهذا يترتب اضعاف مزدوج: من جهة مادي يطاول القوى الحية فينا, ومن جهة أخرى معنوي يطاول الصورة والنموذج مما يُراد تحسينه في... المؤتمرات والكتابات!
فهذه الرقعة السوداء تبدو وكأنها محكوم عليها أن لا تنتج إلا السواد. فإذا جعلته على شيء من الرماديّة, صوتت لإسلاميين معتدلين, على ما رأينا في تركيا.
وحين يغدو الأمر على هذا النحو, يصير المخلّص مطلوباً, أكان مخلّصاً حقيقياً أم زائفاً, جاء أم ظلّ في الغيبة وظللنا في الغيبوبة.
الحياة اللندنية