|
المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب(2-2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 11:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن العناصرَ المادية التاريخية والعناصر المثالية تتداخل في عرض إسحاق الشيخ يعقوب في كتابه (هكذا تكلمت المعتزلة عقلاً)، وإذا كانت العناصرُ المادية التاريخية تومض عبر سرود سريعة متداخلة عابرة للزمان والمكان، فهي إذ تكشف تنويرية أبي العلاء المعري نجدها تتداخل مع صوفية الحلاج والسهروردي وعقلانية طه حسين وحسين مروة وغيرهم، ولكن الرؤية المادية غالباً ما تزيح تلك الرؤية المثالية معيدة العرض لنقطته الحاسمة. رؤيتان مادية ومثالية كيف تتجسدان؟ (إن إدراك الخالق.. إدراك جوهره.. إلا أن جوهره ليس كمثله جوهر، إنه متسام سامق الجوهر والمظهر، إنه نور الجوهر ونور المظهر جلت عظمته في مظهره وجوهره(فهو الظاهر والباطن وهو على كل شيء عليم).. وهو غير قابل لا للمنال ولا لإدراك..)، ص55. هذا ما يقوله المثاليون الأقرب للمثالية الذاتية حيث تكثر إستشهادات الكاتب بالصوفيين ويفردُ لبعض أقطابهم فقرات خاصة، فيما المثالية الموضوعية كما تتجسد لدى أرسطو فإنها تُؤخذ كإستشهادٍ واحد. إن الأقرب للعقل المادي التاريخي هو أن صورَ الألوهية المتعددة هي نتاجُ أديان وتيارات، وهي معبرةٌ عن رؤاها لطبيعة السلطة السياسية وكيف يتجلى الحكام، وهي تقوم بإدخال طموحاتها للسلطة عبر إنشائها لصورِ الإله ودمجها برؤاها الفكرية السياسية. ففيما كانت صورُ الإلهِ في الزمن الديني المبكر تتسم بالاتساع وإعطاء الحرية للمؤمنين وغير المؤمنين فإنها في مرحلة أخرى تشكل نظاماً قوياً ينخرطُ فيه الناس جميعاً تابعين مع مقاربتهم للحكم وشعبيته. فيما بعد حين ينفصل الحكمُ عن الناس وتقوم القوى الارستقراطية بالعزلةِ والبذخ ويتجه الحكم للانهيار التدريجي وتعجز الفئاتُ الوسطى الصغيرة بتمردها في أشكال فكرية مثل القدرية والاعتزال في طوره الأول أو بدخولها الانتهازي في أشكال الحكم، عن إنتاجِ الأدوات الفكرية ذات الاهتمام بالعقل النقدي فتظهر الأشكال اللاعقلانية كالصوفية، تصيرُ صورةُ الإله المنفصل عن البشر مرفوضةً وتحلُّ صورُ الإلهِ في هؤلاء الصوفيين الذين تمتلئ ذواتهم بعظمة وجودية سياسية متوارية. هذه المقاربة للمثالية عند المؤلف تأتي من خلال قراءة عناصر التمرد فيها، وعندما تغدو نقداً للانفصال بين المطلق والنسبي، بين الإله والإنسان، بين السلطة والناس، ولهذا فإن المؤلف يحسمُ صراعَ التاريخ بين المثالية والمادية قائلاً: (العقول تنمو وتزدهر بالعلوم والمعارف تتوالد عقولاً في إثراء العقول الأخرى.. وتتنابت في سرمدية الحياة أيضاً.. وايضاً.. عقول تنير وتستنير من العقول: نورٌ على نور، سلاماً هي حتى مطلع الحرية.. وتُنقي الأديان من رواسب الميثولوجيا في التاريخ!!) ص173. وهذه الرواسب ليست ذاتية محضة فهي جزءٌ من البنية الاجتماعية في أثناء تحولاتها من الإقطاع إلى الحداثة، ومن دون التقنيات والحِرف والمعامل وثقافة التجريب والتنوير لا تحدث تحولات عميقة انعطافية في البنية الاجتماعية، ومن هنا فلماذا بقي مستوى المعتزلة المتذبذبين بين العقل واللاعقل، بين المادية والمثالية، بين القوى الشعبية والسلطات مستمراً حتى يومنا هذا كما يقول المؤلف؟ (وأحسب أن لفكر المعتزلة دبيباً يأخذ ترسله في العقل العربي التنويري حتى يومنا هذا من واقع البنية القاعدية التي أخذت بها المعتزلة في رفض بنيوية النقل وتكريس بنيوية العقل تأويلاً لجميع نصوص الحياة المادية والمعنوية)، ص 79. إنه ليس ثمة تناقضاً مطلقاً بين العقل والنقل في الثقافة الدينية التقليدية سوى لدى المعتزلة أو لدى خصومهم، فسلطةُ الحاكم المهيمن الكلي موجودة لدى الطرفين، ويؤمن المعتزلةُ بالعديد من العناصر المحافظة في هذه السلطة، ويطلبون الشورى وإحكام العقل في العديد من التصورات المطلقة في مسائل الحكم عبر الرجوع إلى بعض سمات الخلافة الراشدة، لكن ليس لديهم تصورات عميقة عن طبيعة الصراعات الاجتماعية وقيام تحالف بين العامة والتجار لاستعادة تلك الخلافة أو تطويرها بمضمون جديد ديمقراطي علماني يفصلُ الفهمَ الديني المحافظ عن الحكم ويحرر جذور الإسلام من الاستغلال السياسي الاجتماعي. ولهذا فقد انساقوا مع بعض الخلفاء كالمأمون والمعتصم ولم يحتفظوا باستقلاليتهم ونقدهم للواقع، ولهذا فقد تدهورت أدواتهم التحليلية ولم تتعمق ولم تنتشر، أي لم تحصل على مواقع بين الجمهور، والفكرة تتحول لقوة مادية حين تصير شعبية، وتتهاوى بخلاف ذلك. (إن دبيب الفكر المعتزلي يأخذ طريقه حتى يومنا هذا في الثقافة والنقد والإبداع لدى المثقفين والمفكرين العرب)، ص79. إن بُنية العصر العباسي المتضادة أو أجزاء منها لا تزال سارية كذلك، خاصة في البلدان والمناطق الأقرب للبداوة والمدنية الصغيرة وتوجد أيضاً كعناصر فردية لدى مثقفين في بلدان عدة، ولكن هذه العناصر لم تعد بقادرة على التحليل المركب للعصر وجذوره الماضوية، فقد تجاوزتها أدواتٌ جديدة، حسب قراءة المؤلف نفسه: (إن الحقبة التاريخية المعاصرة التي نعيش دهشة نذر تحديات أحداثها.. تشدنا إلى تكريس العقل على النقل وإخضاع اللاهوت بكامل خصائصه الميتافيزيقية إلى الإنسانية الناسوتية التقدمية!!). هكذا يتكلم إسحاق الشيخ يعقوب متجاوزاً المعتزلة أنفسهم منتمياً لحداثة العصر ووهجه.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب (1-2)
-
في التطورِ العربي العام
-
ضد الانحدار المشترك
-
في جدلِ المعارضة
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (2)
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (1-2)
-
نقابيةٌ مستقبليةٌ
-
تراكمُ الإرثِ النضالي
-
الشباب والماضي
-
السيرُ للوراء
-
حين تتسعُ الرؤيةُ تتطورُ العبارةُ
-
علاقاتُ الوعيين القومي والديني
-
القوميون في الخليج (2)
-
الحركةُ القوميةُ في الخليج (1)
-
الإيديولوجيا والواقع في الخليج
-
العداءُ للرأسماليةِ في الخليج
-
اليسارُ في الخليج (2)
-
اليسارُ في الخليج (1)
-
أشكالُ الوعي التي تتردى
-
تطورٌ واقعي حذر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|