|
ألام السيد المسيح في الجزائر
بن غربي ميلود
الحوار المتمدن-العدد: 4249 - 2013 / 10 / 18 - 05:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس دفاعا عن التبشير،ولكن كان بإمكان السلطة الجزائرية أن تبت موضوع إنتماء القديس أوغسطين إلى الجزائر وليس تونس ، وذلك من خلال ديباجة صورته على العملة الجزائرية كما فعلت السلطة التونسية مع بن خلدون .إلا أن البنك المركزي الجزائري ظل السلطة الجزائرية على الأرض إختار صورا أخرى للتدليل على الوجه السياسي للجزائر و المتمثل في الحيوانات كالجِمال والماعز ولعله سيظل على اصراره في وضع رسومات لحيونات اخرى كالعقارب والخنازيرربما ، فيما قد يصكه من أوراق وقطع نقدية بعدما قام بسحب الأ وراق الصادرة قبل رحيل الرئيس هواري بومدين و هذا شيء طبعي فعلى قدر أهل السياسة في الجزائر يأتي شكل الوجه السياسي للعملة الجزائرية أما وجهها الإقتصادي والمتمثل في معدل صرفها فهو لم يتحرك قيد أنملة و المقارنة دائما مع الدينار التونسي.إن المغزى من هذه المقدمة هو التوقف عند الحمالات الشرسة المناهضة للمبشرين والتحامل عليهم .وإثبات أن الديانة المسيحية كان لها موضع قدم في هذا البلد وأن الشعب الأمازيغي تبناها وحتى وإن أنكر المغرضون والمناوؤن الذين كتبوا التاريخ وفقا لهواهم فمثلا هم يزعمون أن الملكة النوميدية الكاهنة دمرت مدنها في حربها الضروس ضد القادمين إليها برسالة الهداية المحمدية من الجزيرة العربية ،وعلى العموم فإن نيرون نفسه لم يسلم كذلك من تجني بعض المؤرخين ،فهو متهم بحرق روما!
وعلى هذا الأساس لا يمكن الإحتجاج بعدم تجذر العقيدة النصرانية وربطها دائما بالحقب الإستعمارية للبزنطيين والفرنسيين ،وهو ما يعمد إليه البعض بواسطة ترسيخ تلك الصورة السوداء القاتمة حولها ،وإن كان هذا الإحتجاج يكاد لا ينفك عن سياقه العلمي والأكاديمي أو حتى فيما يعرف بالصراع بين الحضارات والثقافات ،فإن لجوء نواب من أصحاب الشطحات الفكرية الغريبة في البرلمان الجزائري إلى إصدار قانون يجرم التبشير بالدين المسيحي أو أي دين آخر غير الديانة الإسلامية منذ عامين بتاريخ 22/03/2006هو الذي أثار التحفظ والإستياء ليس لعدم صحة الإحتجاج فحسب بل لعدم شرعية ذلك القانون بالأصل .وتعارضه مع مبادئ الشرعية الدولية والإعلان العالمي لحقوق - وهو ماسنثبته بعد تناول وجهة نظر الشريعة الغراء .قياسا على حادثة الإفك كما وردت في سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية ،وهو ليس قياسا فاسدا من دون شك - كما يعتبر ذاك القانون بحق إلى جانب كل هذا إخلالا بمبدأ دولة المؤسسات وقيم الجمهورية ومهد في ذات السياق الطريق لتعديل الدستور ورئاسة مدى الحياة كما رأينا بأم أعيننا حينما نست أحزاب المعارضة وظيفتها . لقد كفل الإسلام للإنسان حرية المعتقد والفكر وإبداء الرأي وهو ما أكده الصحابة رضوان الله عليهم بالقول والعمل معا مدام أن هذا الدين لم ينشر بحد السيف فحسب كما يرون .والنبي الأمين نفسه لم يمنع الأخرين من نشر أفكارهم أوإبداء أرائهم .بل قارع الحجة بالحجة، ليس مع الأحبار والحاخامات فحسب ،بل حتى مع المنافقين الذين كانوا يبثون سمومهم ،ففي حادثة الإفك على سبيل المثال وهي أهم حادثة حدثت للرسول (ص) نغصت عليه حياته الزوجية ،لم يأمر بقتل أوإبعاد عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين من المدينة .
هذه الحادثة التي حملت المنافقين على أن يقولوا في عائشة ما قالوا ،وليس في هذه الحادثة ما يدعوا إلى الريبة خصوصا بالنسبة إلى زوجة نبي يحترمه أتباعه كل الإحترام ويقدسونه كل التقديس ويطيعونه طاعة المستميت بين يديه المتفاني في حبه ورضاه .رجل من أصحاب رسول الله يؤمن به هاجر معه قد رأى زوجة نبيه وحدها في الصحراء متخلفة عن الجيش ،فأخذها وأركبها على بعيره وقاد بها البعير حتى ألحقها بالجيش .أليس هذا مما يحمد عليه صفوان بن المعطل ،فإن كان في هذا ما يدعوا إلى اتهامه بها ،فقد وقع مثل ذلك لأم سلمة مع عثمان بن طلحة ولم يتهمها أحد بسوء، مع أن عثمان بن طلحة كان مشركا وأم سلمة كانت مؤمنة ،وعثمان بقي مع أم سلمة وحدهما في الصحراء أياما وليالي ،وصفوان لم يبق مع عائشة إلا ضحوة من نهار .وقد تكلم بالإفك من لم يكن من المنافقين أيضا كحسان بن ثابت .
نظم حسان بن ثابت شعرا عرض فيه بصفوان بن المعطل ،ولما بلغ ذلك صفوان قال :ماأراه إلا عناني أي بالجلابيب (الغرياء)فخرج مصلتا السيف وكان شاب جسورا قوي البنية وجاء إلى حسان وهو في نادي قومه الخزرج فضربه فتلقى حسان الضربة بيده ما أحدث له إعاقة دائمة وشللا جراء تبجحه.و لما ذكر ذلك للنبي محمد (ص) تجلت حكمته وعدالته فدعا حسان وصفوان فقال بن المعطل :يا رسول الله ،أذاني وهجاني فإحتملني الغضب فضربته ،فقال رسول الله لحسان :أحسن يا حسان أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام ،ثم قال : أحسن يا حسان في الذي قد أصابك ،فقال هي لك يا رسول الله ،فأعطاه عوضا منها بير حاء ،وهي قصر بني جديلة اليوم بالمدينة وأهداه سيرين أخت ماريا القبطية فولدت له عبد الرحمان بن حسان .وفي أخر أيام حياة السيدة عائشة أم المؤمنين إعتذر لها حسان بعدما كان قد جرح مشاعرها و أراد النيل من سمعتها.
بالعودة إلى ما أردنا أن نثبته بشأن عدم شرعية قانون تجريم التبشير المشابه بحذافيره وجوره لقانون منع الرموز الدينية في المدارس الفرنسية ولعل القانون الجزائري أضرب منه لأن القانون الجزائري لا يعامل كل الأديان على قدم وساق كما يفعل القانون الفرنسي حيث نبذ هذا الأخير كل طقوس التصوف وأشكال الرهبنة . فالمعروف في هذا الإطار أن القانون الدولي يسموا على القوانين الداخلية للدول ومن ثمة يكون من الواجب على المشرع أن يأخذ في الإعتبار عدم سن أي قانون يتعارض مع القانون الذي يعلوه ،وهذا ما لم يلتزمه البرلمان الجزائري حينما جرم التبشير فيكون عليه وجوبا في هذه الحالة الإقرار بتحمل المسؤولية الدولية أمام المجتمع الدولي . ومادام الدافع لإستصدار ذلك القانون هو حماية الوحدة الوطنية في الجزائر من تعدد أساليب المبشرين في نشر المسيحية، من عروض مالية، ومنح دراسية أو ضعف فكري، وهو ما يؤسس لتشكيل أقلية مسيحية بالجزائر كما جاء في صحيفة الخبر في مقال بعنوان ((مدرسة "كلمة الحياة" بإسبانيا تعمل على إنشاء أقلية في الجزائر)) في تاريخ 26/11/ 2008فإن على السلطة الجزائرية أن تحسن المستوى الإقتصادي للجزائريين وتُحلل العدالة وتحترم الديمقراطية ومبدأ التداول على السلطة. وأما إذا كان الوازع لإستصدار ذلك القانون هو الخوف على الدين الإسلامي الحنيف فلما يترك البرلمان باب الدعوة لتعاليم الإسلام مفتوحا على مصراعيه لكل من أراد غير عابئ لظاهرة الخزعبلات والوصايا ونشرها والتي تلقى الرواج والترحيب لدى أوساط المواطنين ،و التي لا تخلو من الدروشة والظلامية ونشر الفزع والترويع وكأنها من المقاصد الكبرى للرسالة المحمدية.وكأن هذا الشعب في حاجة إلى مزيد من الترغيب والترهيب وضروب أخرى من التبشير والتنبؤ الجديد!
فإن كانت غاية البرلمان صيانة الدين وحفظ الشريعة كما يزعم فإن محاربة التدجيل والخرافة والأولياء أولى من ملاحقة أصحاب الأرد ية السوداء والبرتقالية من السيد المسيح إلى الدلاي لما ،هذه الملاحقة التي تتنافى حتى مع ما تدعو إليه العقيدة التي كان يفترض أن يسير على صرا طها القويم رجال الدولة الجزائرية ما داموا غيورين عليها ومقتنعين بها إلى هذا الحد، وهم الذين أساؤوا إلى العلمانية الحقة وشوهوها كما أساؤوإلى الدستور حينما عدلوه من دون وجه حق ؟! ثم باتوا يدلون بتصريحات لايفرقون فيها بين الشعر وايات القران الكريم؟
استاذ العلوم السياسية جامعة زيان عاشور بن غربي ميلود
#بن_غربي_ميلود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألام السيد المسيح في الجزائر
المزيد.....
-
قاليباف: من واجب الدول الاسلامية التصدي لجرائم الاحتلال بمزي
...
-
قاليباف: وحدة البلدان الاسلامية لها تأثير كبير في اقرار الام
...
-
البوسعيدي: لو اتحدت الدول العربية والاسلامية يمكنها مواجهة ا
...
-
اعتقال ابن الشيخ القرضاوي في لبنان ومطالبات بعدم ترحيله إلى
...
-
الرئيس الايراني يهنئ قادة العالم بذكرى ميلاد السيد المسيح وح
...
-
رئيس مجلس الشورى الاسلامي يستقبل وزير خارجية عمان
-
رغد صدام حسين تنشر مقتطفات من مذكرات والدها بعد صدور قرار إع
...
-
مجلس الشورى القطري يدين جرائم الاحتلال في غزة واقتحام المسجد
...
-
جنود الاحتلال يعتدون بالضرب على مدير المسجد الابراهيمي في ال
...
-
أشهر وزير يهودي للمخابرات بجنوب أفريقيا: إسرائيل تحاول جر إي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|