|
!! صدام.. ثروة قومية لا يستهان بها
فاتن نور
الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:14
المحور:
حقوق الانسان
(قد يحقق الأنسان بخياله العدالة التي نفتقر اليها على ارض الواقع.. فمثلا طريقة التعامل مع الحالة الصدامية على ارض الواقع قد لا تشبع حجم المفردة (العدل)..دعونا نرى كيف شطح خيال مواطنة عراقية ذاقت الأمرين من صدام ونظام حكمه كغيرها فخرجت بما تراه شافيا لغليل الغالبية العراقية وملبيا للعدالة الحقة من وجهة نظرها ،علما ان خيالها لا ينفصم عن حقائق انسانية دامغة نعيش في برقعها المزدوج... هذا لو تبصرتم)....
صدام.. هذا الرجل الغني عن التعريف بتاريخه الأسود وقاموسه الأعرج وناموسه المظلم..والذي تنطبق عليه جميع المفردات اللغوية والتواصيف التي ممكن ان نستخلصها من اللغة وبآفاقها النابية والمشينة والتي يستحقها بجدارة لما يتمتع به هذا الرجل من تفكك اخلاقي وهوس عقلي وضمور وجداني وسلوك اجرامي ..هذا الرجل قد استطاع ان يؤسس لنفسه قاعدتين عريضتين متنافرتين وأبان فترة ظلمه المريرة.. القاعدة الأولى قاعدة الكره والغضب والاشمئزاز، والمبررة بحمامات الدم المسفوك وعلى امتداد فترة تربعه على العرش،ومتوّجة بالحروب الدامية والمنتصرة دائما وعلى الطريقة الصدامية والتي قاموسها النصر المعصور بمعاصر الهزيمة والمُرتشف بكؤوس الخزي المطلية بالحناء القرمزي.. تلك القاعدة عراقية بحته وصادحة بآلامها وبؤسها وعاكسة لأنجازات صدام الأجرامية وعلى امتداد ارض الوطن.. اما القاعدة الثانية فهي قاعدة الحب والشغف والتفاخر، والمبررة بمليارات الدولارات المتطايرة خارج الحدود العراقية لترطيب الأفئدة والضمائر والأستحواذ على الأبواق الأعلامية، وبأطنان النفط الأسود المُرحّلة لغسل العقول والحناجر.. وبالهذيان المبرمج الرنان الذي كان يطلقه فخامته واتباعه في المحافل السياسية والذي استحوذ به على لباب الكثير ممن تنطلي عليهم لعبة الكلمة المُغلفة بالدولار او ممن يستهوي التعامل مع الدولار لتسويق الكلمة..تلك القاعدة عربية،وفاضحة لمدى العجز الذي اصاب امتنا فجعلها تتمسك بطاغية متحذلق متشدق وهادر لثروات شعبه لشراء الولاءات والذمم والصيت المزيف.. ومن يطبل للدكتاتور غير دكتاتور مثله؟..اما تطبيل الشعوب التي تعاني من الدكتاتورية لدكتاتور فهي قضية ترتدي الف ثوب وثوب واهم اثوابها واكثرهم زهوا الثوب المعرفي الضيق وعلى آخر تقليعة.. والثوب الأعلامي العربي الخادع للبصيرة هذا إن كانت هناك بصيرة اساسا.. وطبعا لا ننسى الثوب ذو الأكمام السيكولوجية المطرزة بألف عقدة!
القاعدتان متنافرتان وهما في غاية الأهمية لا سيما وان المؤسس لهما ما زال حيا يرزق، ولابد من توظيفه بمشروع استثماري يدر علينا بعائدات مالية ، وحسب اعتقادي ستكون عائدات خرافية وبمبالغ مهوولة.. المشروع قد يتنافى مع الكثير من القوانين واللوائح الوضعية التي اوجدها الأنسان من بين الكثير مما أوجد لتنظيم الحياة الأنسانية وبجميع ابعادها.. وقد يأتي على رأسها كل ما له صلة بحقوق الأنسان والأتفاقات الدولية بشأن الأسرى والمساجين..وللأسف فأن الكثير من اللوائح والمنظمات والهيئات والمعاهدات التي اوجدها الأنسان لتنظيم الحياة قد انفلقت بشكل أو بآخر لتساهم في الفوضى العالمية وحماية البعض على حساب البعض الآخر...
وعلى سبيل المثال فأن منظمة حقوق الأنسان بكل تفرعاتها وثقلها قد فشلت في حماية حق الشعوب في ان تعيش بكرامة وحرية داخل اوطانها ..ولربما مفردة (الشعب ) لم تصنف بعد على انها مجموعة من البشر تتعايش فوق رقعة جغرافية ذات معالم وحدود اسمها (الوطن) وينطبق على كل فرد من تلك المجموعة مفردة اسميناها (انسان) .. فهم خارج حقل الأنسانية لربما!!..لذا نرى باب القمع والأستعباد والذل والهوان والقتل والحرمان مفتوح على مصراعيه امام من يحكم تلك المجاميع البشرية والمسماة بالشعوب.. وتقع كل الأنتهاكات غير الأنسانية بحقهم ضمن حرمة وحصانة الشأن الداخلي وخصوصيته! وها نحن نرى كم من الشعوب مسلوبة الأرادة ومنتهكة الكرامة ومحرومة من التمتع بثرواتها الوطنية..ناهيك عن الجزر اليومي والزج بالسجون بلا مسوغات شرعية.. بينما نرى تسليط الضوء وبمحور حقوق الأنسان وانعكاساته الأعلامية على حالات انفرادية وأقليات مبعثرة هنا وهناك.. وتترك الشعوب بشرائحها العريضة لمجابهة مصائرها امام حكامها او مستعمريها..
مع ذلك تبقى منظمات حقوق الأنسان صادحة وصارخة ولا ادري تصرخ لمن، ومن هو الأنسان المقصود حمايته وضمان حقوقه إن لم يكن الأنسان المضطهد والمسلوب الحقوق على ارضه والذي يسمى بالتراكم العددي شعبا..
وها نحن قد رأينا كيف تحركت الضمائر وانفتحت مجلدات العدالة الأنسانية وقيمها لمجرد نشر صور لصدام كانت وفي زمنه تقحم على ابصار المشاهدين ومن على شاشات تلفازاتهم،والفرق الوحيد بين العرضين هو جودة الملابس الداخلية ونفوذ من يرتديها، حيث ان لباس سباحة فخم وقائد سفاح فذ بصدر عار طافح بالأنفة والكبرياء لا عيب فيه ولا خجل، ولا يتنافى مع المواثيق الدولية اما ان نرى قائدا مخلوعا هزيلا وبملابس داخلية ممكن ان يرتديها اي مواطن عادي فهي طامة كبرى!.. نعم هنا يكمن الفرق وهنا نتذكر شيئا اسمه حقوق انسان!! ومن هنا تنطلق الأفواه بعقولها القضائية لتعلن للعالم بأن ما تم عرضه يتنافى مع كذا وكذا..ويهتز الضمير العربي غضبا لرجل افسد كل ما يستطيع افساده ولم يهتز لملايين بشرية ذاقت ما ذاقته على يديه الكريمتين والمبسطوتين دوما خارج الحدود..هذة هي الحقيقة العالمية، فقد امسى التمثيل( بكل ما تحتويه الكلمة من الوان بشعة) بجماعات بشرية وقتلهم على يد طاغية مستبد،امسى عملية احصائية وترتيبا داخليا ، اما تصوير الطاغية عار الصدر فهي مسألة تراجيدية وتستحق وقفة مطولة مع حقوق الأنسان ولوائح تلك الحقوق!..وطبعا اسرى الشعوب من الأبرياء ليسوا كاسرى الحكام الطغاة ولا يمكن ان نقارن بينهم او نهتز لصالحم.. وعجبي من امة تهتز في الوقت المناسب دائما وابدا!!! وعجبي من عالم يتذكر حقوق الأنسان حينما يهوى وكيفما شاء!!
لنعود الى مشروع الأستثمار وهو يتلخص بالتالي...
- بغض النظر عن اي حكم سيصدر بحق صدام فأنه يتوجب الأحتفاظ به حيا يرزق لأنه مؤسس القاعدتين العريضتين ولا بد من الأستثمار لهما وله!
- انشاء واحياء مركز حافل بصالات العرض وشاشات البلازما وبأحدث التقنيات.. مع صالات للبوسترات والجداريات ونماذج مجسمة ومصغرة للمدن المنتهكة والمقابر الجماعية..
- يقوم المركز بعرض كل انجازات صدام وطيلة فترة استبداده.. مثل الحروب التي خاضها بعنجهيته مع شروحات موثقة بالأرقام والأحصائيات للضحايا والمعاقين وكافة الأضرار الأجتماعية والبيئية التي خلفتها تلك الحروب.. كما تعرض بوسترات وجدرايات من شأنها توثيق الغطرسة المستفحلة التي كان يتمع بها هو وعشيرته واعوانه والأزياء التي كان يتمشخر بها ابتداءا من التوكسيدو وقبعة رعاة البقر وبالسيكار الهافاني ونزولا الى الدشداشة الخليجية والعقال ومرورا بالبكيني على ضفاف دجلة وبين مياهها..كما تعرض مجمسات للمدن التي انتهكها وواقع حالها بعد الأنتهاك حيث الأهالي مبعثرة بأجسادها المشوهه وجلودها المنصهرة والملتصقة هنا وهناك بين الشوارع والأزقة.. ومجسمات موزعة جغرافيا للمقابر الجماعية واعدادها وآليات تنفيذها.. مع ركن متخصص لعرض كل الآليات والتقنيات التي كان يستخدمها في التعذيب والتطبير والترويع والثرم..بينما تصدح حناجر الوصوليين والمرتزقة في المركز بكل الأغاني التمجيدية والتعظيمية التي كانت تنطلق للأشادة بهزائمة المتكررة ورعونته الطنانة..وأغاني الألفة والمحبة والمودة والتي كانت تصدح في اعياد ميلاده من قبل مَن دُهنت حناجرهم بالمرهم الصدامي .. مع ركن للكاريكتير يجسد الفساد الذي دخل كل ركن من اركان الدولة والأخلاقيات المزرية التي تفشت بين العامة بسبب الفقر والعازة والكبت والخيبة..
-اما الركن الأكثر اهمية فهو ركن صدام بدمه ولحمه حيا يرزق في صالة زجاجية (حاشى لله ليس قفصا).. مؤثثة بشكل معقول وتحتوي على كل ما يحتاجة كائن حي...
تصوروا الكم الهائل من البشر الذي سيستقطبه ذلك المركز يوميا (ومن جميع انحاء العالم) والذي سيفتح للعامة بتسعيرة دخول ممكن ان تكون بقيمة رمزية إلا انها ستدر من الدخل ما يكفي لتعويض كل ضحية وتأهيل كل معوق وبناء كل ما دمر.. فمَن يقع ضمن قاعدة صدام الأولى من البشر سيذهب حتما للتشفي والأنتعاش بما آل اليه وضع ذلك المتجبر.. اما مَن يقع ضمن قاعدته الثانية فسيذهب حتما لتلبية فروض الطاعة والولاء وتقديم القرابين لجلالته مشفوعة بالمواساة والتصبر..
علما ان العائدات لا تحتسب بقيمتها المادية فقط، حيث ان تواجد مثل هذا المركز الفريد من نوعه في العالم سيكون الكابوس اليومي لكل طاغية تلاعب بثروات بلاده وانتهك حقوق شعبه ونكل بهم.. وسيؤرق هذا المركز كل من سولت له نفسه من الحكام وممن جعلوا بلادنهم مراكزا ضخمة لعرض شعوبهم موتى احياء يلتحفون رحمة الله ويمضغون الحسرة ويتأففون بأدمان..
نعم العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم.. فمن ارتضى بمراكز الشعوب لِمَ لا يرتضى بمراكز السلاطين ..ام ان إذلال شعب كامل لا يوازي أذلال سلطان؟..وتلك ستكون العقوبة المثلى للطاغية وهي الموت البطيء بين مآثره وانجازاته المعروضة في المركز والمُكبل بها ليل نهار....
بنظري لو تمت شهادة 51% من شعب ما ضد سلطانهم وبمقاييس الأجرام ونهب الثروات وانتهاك الأعراض والقتل الجماعي وامام محكمة دولية موثوقة فأن الحكم على السلطان لابد ان يكون بأحياء مركز وعلى نفس الغرار الذي ذكرته وفي العاصمة ...
انا ارى العدالة بتلك الشاكلة فحقوق الأنسان تلخص بحقوق الشعوب أولا.. (ومن هو الأنسان إن لم يكن جزءا من شعب)... وكل التعقيدات الأخرى والتداخلات مفتعلة بوعي او بغير وعي لخدمة الطبقة القيادية العالمية(المعدودة الأنفار) والتي تُسيّر مليارات من البشر على كوكب مضطرب سأم فنونهم وجنونهم كما سأم امتثالنا وأنقيادنا..ولعله ينفلق ضجرا ذات يوم...
فاتن نور 05/28/05
#فاتن_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعث خطار قاصدنه
-
ويح اسمي والوطن......فضفضة حول تطويع الدين لخدمة الأرهاب وال
...
-
ولماذا لا اسخر؟
-
نفحة ٌ.. من أور
-
القدس.. التهويد.. ومواء القطط
-
ميزوبوتاميا..ودواليب الخزف
-
الحركة العمالية العراقية.. بين زمنين
-
عراق (الدين) والمصباح السحري
-
بين دجلة.. واسرارها
-
حُب ورسالة.. بمفردات سياسية..
-
من تداعيات فوضى المدائن
-
في العراق.. صراع حتى النخاع
-
دغدغني.. ياعراق...
-
!أما أن اذبح وزتي أو...مليون في جيبي
-
المرأة..وزوايا بلا اضلاع..
-
العرب.. وفن التناسي والنسيان
-
الصدر..مبدأ الإستحالة..وشهادة غرّاء
-
لا اسأل كل كُردي ولكني... اتسائل
-
الربيع قادم....ربما من عطر دوكان
-
هل بيننا من يلعن نعمة الحواس؟
المزيد.....
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|